التاريخ الإسلامي

مختارات من كتاب “الكامل في التاريخ” لابن الأثير


مختارات من كتاب “الكامل في التاريخ” لابن الأثير

 

الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على أشرف الأنبياء والمرسلين، نبينا محمد وعلى آله وأصحابه أجمعين، أما بعد:

فللمؤرخ ابن الأثير الجزري المتوفى سنة (630هـ) رحمه الله، العديد من المؤلفات؛ منها: أسد الغابة في معرفة الصحابة، واللباب اختصار كتاب الأنساب للسمعاني، والكامل في التاريخ، وغيرها.

 

وكتابه “الكامل في التاريخ” أثنى عليه أهل العلم قديمًا وحديثًا، قال الإمام الذهبي والصفدي وابن قاضي شهبة وابن العماد رحمهم الله: التاريخ المشهور.

 

وقال ابن خَلِّكان واليافعي رحمهما الله: من خيار التواريخ.

وقال الحافظ ابن كثير رحمه الله: من أحسنها حوادث.

وقال الإمام السخاوي رحمه الله: هو كاسْمِه.

 

وقال العلامة عبدالرحمن بن ناصر السعدي رحمه الله: فن التاريخ فأحسن الموجود منها الكامل لابن الأثير….فابن الأثير مع طوله أولى من غيره من مطول ومختصر.

 

وقال طاش زاده: من أجَلِّ التواريخ وأحسنها وأنفعها.

 

وقال الأستاذ الزركلي رحمه الله: أكثر من جاء بعده من المؤرخين عيالٌ على كتابه هذا.

 

وقال الأستاذ حسين مؤنس: من عيون كتب التاريخ العالمية.

 

وقد يسَّر الله الكريم فاخترتُ من الكتاب مقتطفات، أسأل الله الكريم أن ينفع بها الجميع.

 

فائدة علم التاريخ:

التواريخ…من رزقه الله طبعًا سليمًا، وهداه صراطًا مستقيمًا، علم أن فوائدها كثيرة، ومنافعها الدنيوية والأخروية جمة غزيرة….فأما فوائدها الدنيوية فمنها: أن الإنسان لا يخفى أنه يحب البقاء، ويؤثر أن يكون في زمرة الأحياء، فيا ليت شعري! أي فرق بين ما رآه أمس أو سمعه، وبين ما قرأه في الكتب المتضمنة أخبار الماضين وحوادث المتقدمين؟! فإذا طالعها فكأنه عاصرهم، وإذا علمها فكأنه حاضرهم.

 

ومنها: أن الملوك ومن إليهم الأمر والنهي إذا وقفوا على ما فيها من سيرة أهل الجور والعدوان ورأوها مدونة في الكتب يتناقلها الناس، فيرويها خلف عن سلف، ونظرواإلى ما أعقبت من سوء الذكر، وقبيح الأحدوثة، وخراب البلاد، وهلاك العباد، وذهاب الأموال، وفساد الأحوال استقبحوها، وأعرضوا عنها واطَّرحوها، وإذا رأوا سيرة الولاة العادلين وحسنها، وما يتبعها من الذكر الجميل بعد ذهابهم، وأن بلادهم وممالكهم عمرت، وأموالهم درت، استحسنوا ذلك ورغبوا فيه، وثابروا عليه.

 

ومنها: ما يحصل للإنسان من التجارب والمعرفة بالحوادث وما تصير إليه عواقبها، فإنه لا يحدث أمر إلا وقد تقدم هو أو نظيره، فيزداد بذلك عقلًا.

 

وأما الفوائد الأخروية: فمنها أن العاقل اللبيب إذا تفكر فيها، ورأى تقلب الدنيا بأهلها…وأنها سلبت نفوسهم وذخائرهم، وأعدمت أصاغرهم وأكابرهم، فلم تُبق على جليل ولا حقير…زهد فيها وأعرض عنها، وأقبل على التزود للآخرة منها.

 

ومنها: التخلق بالصبر والتأسي، وهما من محاسن الأخلاق، فإن العاقل إذا رأى أن مصاب الدنيا لم يسلم منه نبي مكرم، ولا ملك معظم؛ بل ولا أحد من البشر، علم أنه يصيبه ما أصابهم، وينوبه ما نابهم.

 

الدنيا قصيرة مهما طالت:

لما حضرت نوحًا عليه الصلاة والسلام الوفاةُ قيل له: كيف رأيت الدنيا؟ قال: كبَيْتٍ له بابان دخلت من أحدهما وخرجت من الآخر.

 

الدعاء على الظلمة:

قيل: إن عمر بن عبدالعزيز ذُكر عنده ظلم الحجاج وغيره من ولاة الأمصار، أيام الوليد بن عبدالملك، فقال: الحجاج بالعراق، والوليد بالشام، وقُرة بمصر، وعثمان بالمدينة، وخالد بمكة، اللهم قد امتلأت الدنيا ظلمًا وجورًا فأرح الناس! فلم يمض غير قليل حتى توفي الحجاج وقرة بن شريك في شهر واحد، ثم تبعهما الوليد، وعزل عثمان وخالد، واستجاب الله لعمر.

 

تعزية بليغة:

ماتت الياقوتة بنت المهدي، وكان معجبًا بها لا يطيق الصبر عنها...فلما ماتت وجد عليها، وأمر ألَّا يُحجب عنه أحد، فدخل الناس يعزُّونه، وأجمعوا على أنهم لم يسمعوا تعزيةً أبلغ ولا أوجز من تعزية شبيب بن شيبة، فإنه قال:

يا أمير المؤمنين، ما عند الله خير لها منك، وثواب الله لك خير منها، وأنا أسأل الله ألَّا يُحزنك، وأن يُعطيك على ما رزئت أجرًا، ويعقبك صبرًا، ولا يجهد لك بلاء، ولا ينزع منك نعمة، وأحقُّ ما صُبر عليه ما لا سبيل إلى رده.

 

يوم ليس له انقضاء:

موسى بن جعفر….لما كان محبوسًا بعث إلى الرشيد برسالة: أنه لن ينقضي عني يوم من البلاء، إلا ينقضي عنك معه يوم من الرخاء، حتى ينقضيا جميعًا إلى يوم ليس له انقضاء، يخسر فيه المبطلون.

 

لنا بمَنْ قبلنا أسوة، وفينا لمن بعدنا عبرة:

ثم دخلت سنة 187هـ، وفي هذه السنة أوقع الرشيد بالبرامكة، وقتل جعفر بن يحيى،…وكان عمره سبعًا وثلاثين سنة، وكانت الوزارة إليهم سبعَ عشرةَ سنةً، ولما قتل جعفر بن يحيى قيل لأبيه: قتل الرشيد ابنك! قال: كذلك يقتل ابنه، قيل: وقد أخرب ديارك، قال: وكذلك تخرب دياره، فلما بلغ ذلك الرشيد قال: قد خفتُ أن يكون ما قاله؛ لأنه ما قال شيئًا إلا ورأيت تأويله…وقال يحيى بن خالد لما نُكب: الدنيا دول، والمال عارية، ولنا بمن قبلنا أُسوة، وفينا لمن بعدنا عبرة.

 

عند الله تجتمع الخُــــــــــــــــــصوم:

قال محمد بن منصور البغدادي: لما حبس الرشيد أبا العتاهية، جعل عليه عينًا يأتيه بما يقول، فرآه يومًا قد كتب على الحائط:

أما والله إن الظلم شؤم
وما زال المُسيء هو الظلوم
إلى الديان يوم الدين نمضى
وعند الله تجتمع الخُصوم

فأخبر بذلك الرشيد، فبكى، وأحضره، واستحله، وأعطاه ألف دينار.

 

حلم وعقل وكرم:

إسماعيل بن أحمد أمير خرسان وما وراء النهر،…كان إسماعيل عاقلًا، عادلًا، حسن السيرة في رعيته، حليمًا، حُكي عنه أنه كان لولده أحمد مؤدب يؤدبه، فمرّ به الأمير إسماعيل يومًا، والمؤدب لا يعلم به، فسمعه وهو يسبُّ ابنه، ويقول له: لا بارك الله فيك، ولا فيمن ولدك، فدخل إليه، وقال له: يا هذا، نحن لم نذنب ذنبًا لتسُبنا، فهل ترى أن تعفينا من سبِّك، وتخصَّ المذنب بشتمك وذمِّك؟ فارتاع المؤدب، فخرج إسماعيل عنه، وأمر له بصلة جزاء خوفه منه.

 

الدعاء والتضرع عند وقوع ما يُخاف منه:

ثم دخلت سنة [367هـ] وفيها ظهر بإفريقية في السماء حمرة بين المشرق والمغرب، مثل لهب النار، فخرج الناس يدعون الله تعالى.

 

ثم دخلت سنة [441] وفيها ارتفعت سحابه سوداء مظلمة ليلًا، فزادت ظلمتها على ظلمة الليل، وظهر في جوانب السماء كالنار المضطرمة، وهبت معها ريح شديدة…وشاهد الناس ما أزعجهم وخوفهم، فلزموا الدعاء، والتضرع، فانكشفت في باقي الليل.

 

ثم دخلت سنة [522هـ] وفيها هبت ريح شديدة اسودَّت لها الآفاق، وجاءت بتراب أحمر يشبه الرمل، وظهر في السماء أعمدة كأنها نار، فخاف الناس، وعدلواإلى الدعاء والاستغفار، فانكشف عنهم ما يخافونه.

 

ثم دخلت سنة [575هـ] في هذه السنة هبت ريح سوداء مظلمة بالديار الجزرية والعراق وغيرها، وعمت أكثر البلاد من الظهر إلى أن مضى من الليل ربعُه، وبقيت الدنيا مظلمة لا يُبصر الإنسان صاحبه، وكنت حينئذٍ بالموصل، فصلَّينا العصر والمغرب والعشاء على الظن والتخمين، وأقبل الناس على التضرع والتوبة والاستغفار، وظنوا أن القيامة قد قامت.

 

ثم دخلت سنة [623هـ] وفيها هبت ببغداد ريح سوداء شديدة، كثيرة الغبار والقتام، وألقت رملًا كثيرًا، فخاف الناس وتضرعوا ودامت من العشاء إلىثلث الليل.

 

ما عزَّ ذو باطل ولو طلع القمر من جبينه:

كان المنتصر عظيم الحلم، راجح العقل، غزير المعروف، راغبًا في الخير، جوادًا، كثير الإنصاف، حسن العشرة….من كلامه: والله ما عزَّ ذو باطل، ولو طلع القمر من جبينه، ولا ذلَّ ذو حق ولو أصفق العلم عليه.

 

الرفق واللين:

ركن الدولة أبو علي الحسن بن بويه…كان حليمًا كريمًا واسع الكرم، كثير البذل، حسن السياسة لرعاياه وجنده، رؤوفًا بهم، عادلًا في الحكم بينهم، وكان بعيد الهمة، عظيم الجد والسعادة، متحرجًا من الظلم، مانعًا لأصحابه منه، عفيفًا عن الدماء، يرى حقنها واجبًا إلا فيما لا بدَّ منه، وكان يُحامي عن البيوتات، وكان يُجري عليهم الأرزاق….وينتصب لرَدِّ المظالم، ويتصدَّق بالأموال الجليلة على ذوي الحاجات.

 

قال له بعض أصحابه في ذلك وذكر له شدة مرداويج على أصحابه فقال: انظر كيف اخترم، ووثب عليه أخصُّ أصحابه، وأقربهم منه لعنفه وشدته، وكيف عمّرتُ، وأحبني الناس للين جانبي. كان عمره قد زاد على سبعين سنة، وكانت إمارته أربعًا وأربعين سنة.

 

الأمانة على مال المسلمين وعدم الخيانة فيه:

نور الدين محمود بن زنكي….طبق ذكره الأرض بحسن سيرته وعدله…كان لا يأكل ولا يلبس ولا يتصرَّف في الذي يخصُّه إلا من ملكٍ كان قد اشتراه من سهمه من الغنيمة، ومن الأموال المرصدة لمصالح المسلمين، ولقد شكت إليه زوجته من الضائقة، فأعطاها ثلاث دكاكين في حمص كانت له، منها يحصل له في السنة نحو عشرين دينار، فلما استقلتها قال: ليس لي إلا هذا، وجميع ما في يدي أنا فيه خازن للمسلمين لا أخونهم فيه، ولا أخوض نار جهنم لأجلك.

 

الجزاء من جنس العمل:

من أعجب ما جرى أن إنسانًا…ضرب دارًا بقارورة نفط فأحرقها، وكانت لأيتام فأحرقت ما فيها، ثم أخذ قارورة أخرى ليضرب بها مكانًا آخر، فأتاه حجر فأصاب القارورة فكسرها فاحترق هو بها، فبقي ثلاثة أيام يُعذَّب بالحريق ثم مات.

 

تكذيب الله عز وجل للمنجمين:

كان المنجمون قديمًا وحديثًا قد حكموا أن هذه السنة[582هـ] في التاسع والعشرين من جمادى الآخرة، تجتمع الكواكب الخمسة في برج الميزان، ويحدث باقترانها رياح شديدة، وتراب يُهلِك العباد، ويُخرب البلاد، فلما دخلت هذه السنة لم يكن لذلك صحة، ولم يهب من الرياح شيء البتة…فأكذب الله أحدوثة المنجمين.

 

الله تعالى لا بدَّ أن يطلع على القاتل، طال الزمن أو قصر:

في سنة [601هـ] اجتمع ببغداد رجلان أعميان على رجل أعمى أيضًا، وقتلاه...طمعًا في أن يأخذا منه شيئًا، فلم يجدا معه ما يأخذانه، وأدركهما الصباح، فهربا من الخوف يريدان الموصل، ورؤي الرجل مقتولًا، ولم يُعلم قاتله، فاتفق أن بعض أصحاب الشحنة اجتاز من الحريم في خصومة جرت، فرأى الرجلين الضريرين، فقال لمن معه: هؤلاء الذين قتلوا الأعمى، يقوله مزحًا، فقال أحدهما: هذا والله قتله، فقال الآخر: بل أنت قتلته فأُخذاإلى صاحب الباب فأقرَّا، فقُتل أحدهما وصُلب الآخر.

 

حوادث عجيبة غريبة فيها عبرة وعظة:

ثم دخلت سنة [167هـ] وفيها أظلمت الدنيا لثلاث مضين من ذي الحجة حتى تعالى النهار.

 

ثم دخلت سنة [245هـ] وفيها…هاج البحر، وارتفع منه دخان أسود مظلم منتن، وغار منها نهر على فرسخ لا يُدرى أين ذهب؟ وسمع أهل سيس فيما قيل صحة دائمة هائلة، فمات منها خلق كثير.

 

ثم دخلت سنة [246هـ] وفيها ورد الخبر أن سكةً بناحية بلخ تُعرف بسكة الدهاقين مُطرت دمًا عبيطًا.

 

ثم دخلت سنة [280هـ] وفي شوال انكسف القمر، وأصبح أهل دَبِيل والدنيا مظلمة، فلما كان عند العصر هبَّت ريح سوداء، فدامت إلى ثلث الليل، فلما كان ثلث الليل زُلزلوا فخربت المدينة، ولم يبق من منازلهم إلا قدر مائة دار، وزلزلوا بعد ذلك خمس مرار، وكان جُملة من أخرج تحت الردم مائة ألف وخمسين ألفًا كلهم موتى.

 

ثم دخلت سنة [285هـ] وفيها كان بالبصرة ريح صفراء، ثم عادت خضراء، ثم سوداء، ثم تتابعت الأمطار بما لم يروا مثله، ثم وقع برد كبار، وزن البرد مائة وخمسون درهمًا فيما قيل.

 

ثم دخلت سنة [289هـ] وفيها صلى الناس العصر في الصيف، ثم هبَّ هواء من ناحية الشمال فبرد الوقت، واشتد البرد حتى احتاج الناس إلى النار ولبس الجباب، وجعل البرد يزداد حتى جمد الماء… وفيها هبت ريح عاصف بالبصرة، فقلعت كثيرًا من نخلها، وخسف بموضع منها هلك فيه ستة آلاف شخص.

 

ثم دخلت سنة [319هـ] وفيها هاجت بالموصل ريح شديدة فيها حمرة شديدة، ثم اسودَّت حتى لا يعرف الإنسان صاحبه، وظن الناس أن القيامة قامت، ثم جاء الله تعالى بمطر فكشف ذلك.

 

ثم دخلت سنة [334هـ] وفيها اشتد الغلاء ببغداد، حتى أكل الناس الميتة والكلاب، والسنانير،… فلحق الناس أمراض وأورام في أحشائهم، وكثر فيهم الموت، حتى عجز الناس عن دفن الموتى، فكانت الكلاب تأكل لحومهم.

 

ثم دخلت سنة [346هـ] وفيها نقص البحر ثمانين ذراعًا، فظهرت فيه جزائر وجبال لم تُعرف من قبل.

 

ثم دخلت سنة [411هـ] وفيها نشأت سحابة بإفريقية شديدة البرق والرعد، فأمطرت حجارة كثيرة ما رأى الناس أكبر منها، فهلك كل من أصابه شيء منها.

 

ثم دخلت سنة [427هـ] وفيها كانت ظلمة عظيمة اشتدت حتى إن الإنسان كان لا يبصر جليسه، وأخذ بأنفاس الخلق، فلو تأخَّر انكشافها لهلك أكثرهم.

 

ثم دخلت سنة [478] وفيها هاجت ريح عظيمة سوداء بعد العشاء، وكثر الرعد والبرق، وسقط على الأرض رمل أحمر وتراب كثير، وكانت النيران تضطرم في أطراف السماء…حتى ظن الناس أن القيامة قد قامت، ثم انجلى ذلك بعد نصف الليل.

 

ثم دخلت سنة [504] وفيها هبت بمصر ريح سوداء أظلمت بها الدنيا، وأخذت بأنفاس الناس، ولم يقدر أحد أن يفتح عينيه، ومن فتحهما لا يبصر يده، ونزل على الناس رمل، ويئس الناس من الحياة، وأيقنوا بالهلاك، ثم تجلى قليلًا، وعاد إلى الصفوة، وكان ذلك من أول وقت العصر إلى بعد المغرب.

 

ثم دخلت سنة [524هـ] وفيها ظهر ببغداد عقارب طيارة، ذوات شوكتين، فنال الناس منها خوف شديد، وأذى عظيم.

 

ثم دخلت سنة [533هـ] وفيها كان بخراسان غلاء شديد طالت مدته، وعظم أمره، حتى أكل الناس الكلاب والسنانير وغيرهما من الدواب، وتفرق أكثر أهل البلاد من الجوع.

 

ثم دخلت سنة [597هــ] وفيها انخسفت قرية من قرى بُصرى، وأثرت في الساحل الشامي أثرًا كبيرًا.

 

هبوب الرياح المهلكة:

ثم دخلت سنة [298هـ] وفيها هبت ريح شديدة صفراء بحديثة الموصل، فمات لشدة حرها جماعة كثيرة. ومن رام المزيد عن الرياح، فليُراجع حوادث سنة: 177، 241، 317، 319، 378، 397، 425، 515، 531، 533، 573، 592.

 

ظهور الأوبئة القاتلة:

ثم دخلت سنة [288هـ] وفيها وقع الوباء بأذربيجان، فمات منه خلق كثير، إلى أن فقد الناس ما يكفنون به الموتى، وكانوا يتركونهم على الطرق. ومن رام المزيد عن الأوبئة، فليُراجع حوادث سنة: 65، 79، 114، 130، 158، 167، 258، 264، 329، 343، 344، 346، 378، 401، 406، 437، 439، 440، 448، 449، 469، 493، 498، 542، 560، 574، 597، 622.

 

وجود السيول المغرقة:

ثم دخلت سنة [291هـ] وفيها جاءت أخبار أن حوى وما يليها جاءها سيل فغرق خلق كثير…وأُخرج من الغرقى ألف ومائتا نفس، ومن رام المزيد عن السيول المغرقة، فليراجع حوادث سنة: 213، 232، 319، 333، 421، 466، 489، 569.

 

انقضاض الكواكب:

ثم دخلت سنة [307هـ] وفيها انقض كوكب عظيم فاشتد ضوءه وعظم، وتفرق ثلاث فرق، وسمع عند انقضاضه مثل صوت الرعد، ولم يكن في السماء غيم. ومن رام المزيد عن انقضاض الكواكب، فليُراجع حوادث سنة: 241، 300، 310، 313، 315، 323، 361، 401، 417، 420، 425، 427، 443، 456، 457، 515، 572، 589.

 

حدوث الزلازل المدمرة:

ثم دخلت سنة [533] فيها كانت زلازل كثيرة هائلة بالشام والجزيرة، وكان أشدها بالشام، وكانت متوالية، فخرب كثير من البلاد، ولا سيما حلب، فإن أهلها لما كثرت عليهم فارقوا بيوتهم، وخرجوا إلى الصحراء، وعدُّوا ليلة واحدة جاءتهم ثمانين مرة، ولم تزل تعاهدهم من رابع صفر إلى التاسع عشر منه، وكان معها صوت وهزة شديدة.

 

ومن رام المزيد عن الزلازل، فليراجع حوادث سنة: 94، 98، 180، 213، 226، 241، 242، 245، 249، 258، 267، 268، 272، 299، 331، 345، 346، 347، 363، 368، 376، 398، 425، 434، 444، 450، 455، 458، 460، 478، 479، 484، 487، 508، 511، 524، 529، 534، 544، 550، 571، 590، 597، 600، 604، 605، 622، 623.

 

خروج التتار إلى بلاد الإسلام:

لقد بقيت عدة سنين معرضًا عن ذكر هذه الحادثة استعظامًا لها، كارهًا لذكرها، فأنا أقدِّم إليه رِجْلًا وأُؤخِّر الأخرى، فمن الذي يسهل عليه أن يكتب نعي الإسلام والمسلمين، ومن الذي يهون عليه ذكر ذلك، فيا ليت أمي لم تلدني، ويا ليتني مُت قبل حدوثها وكنتُ نسيًا منسيًّا، إلى أن حثني جماعة من الأصدقاء على تسطيرها وأنا متوقف، ثم رأيت أن ترك ذلك لا يجدي نفعًا، فنقول: هذا الفعل يتضمن ذكر الحادثة العظمى، والمصيبة الكبرى التي عقمت الأيام والليالي عن مثلها، عمَّت الخلائق وخصَّت المسلمين، فلو قال قائل: إن العالم منذ خلق الله سبحانه وتعالى آدم وإلى الآن، لم يُبتلوا بمثلها لكان صادقًا، فإن التواريخ لم تتضمن ما يقاربها ولا ما يُدانيها.

 

ولعل الخلق لا يرون مثل هذه الحادثة إلى أن ينقرض العالم وتفنى الدنيا، إلا يأجوج ومأجوج…وأمَّا الدجال فإنه يُبقي على من اتَّبعه، ويُهلك من خالفه، وهؤلاء لم يُبقوا على أحد؛ بل قتلوا النساء والرجال والأطفال، وشقُّوا بطون الحوامل وقتلوا الأجِنَّة.

 

هذه الحادثة التي استطار شرُّها وعمَّ ضررُها…إن قومًا خرجوا من أطراف الصين فقصدوا بلاد تركستان…ثم سمرقند وبخارى…ثم تعبر طائفة منهم إلى خرسان…ثم يتجاوزونها إلى حد العراق ثم يقصدون بلاد أذربيجان ويخربونها ويقتلون أكثر أهلها، ولم ينجُ إلا الشريد النادر في أقل من سنة، هذا لم يُسمع بمثله.

 

وهذا لم يطرق الأسماع مثله، فإن الإسكندر الذي اتفق المؤرخون على أنه ملك الدنيا لم يملكها في هذه السرعة، إنما ملكها في نحو عشر سنين، ولم يقتل أحدًا، إنما رضي من الناس بالطاعة، وهؤلاء قد ملكوا أكثر المعمورة من الأرض وأحسنه، وأكثره عمارة وأهلًا، وأعدل أهل الأرض أخلاقًا وسيرة، في نحو سنة، ولم يبق أحد في البلاد التي لم يطرقوها إلا هو خائف يتوقعهم، ويترقب وصولهم إليه.

وأما ديانتهم فإنهم يسجدون للشمس عند طلوعها، ولا يحرمون شيئًا، فإنهم يأكلون جميع الدواب، حتى الكلاب، والخنازير، وغيرها، ولا يعرفون نكاحًا، بل المرأة يأتيها غير واحد من الرجال، فإذا جاء الولد لا يعرف أباه.

ولقد بُلي الإسلام والمسلمون في هذه المدة بمصائب لم يُبْتَلَ بها أحد من الأمم، منها هؤلاء التتر، قبَّحَهم الله.

أسأل الله الكريم أن يرحم المؤرخ ابن الأثير الجزري، وأن يجزيه خير الجزاء على صدق وصفه لما جرى للمسلمين على أيدي هؤلاء التتار الحاقدين، كما نسأله أن يحفظ الإسلام والمسلمين من شر أعدائهم المتربصين.





المصدر

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى