Jannah Theme License is not validated, Go to the theme options page to validate the license, You need a single license for each domain name.
التاريخ الإسلامي

(كلمة الحق) عند العلامة أحمد شاكر


“كلمة الحق” عند العلامة أحمد شاكر

 

كان للعلامة أحمد محمد شاكر رحمه الله تعالى مقالٌ في مجلة “الهدي النبوي“، التي هي الآن مجلة “التوحيد” الصادرة عن جمعية أنصار السنة المحمدية، وكان هذا المقال بعنوان “كلمة الحق” وقت كان الشيخ أحمد شاكر رحمه الله يرأس تحريرَها، ثم جُمعت تلك المقالات بالعنوان نفسه، وطبعتها مكتبة “السُّنة” بالقاهرة في مجلد.

 

وقد يظن كثير منا أن “كلمة الحقّ” أمر هيّن سهل ميسر، وأن غايتها النطق بالحقّ الذي نعتقده وندين الله به، وليست كلمة الحق على هذا الوجه فحسب، وليست كلمة الحقّ بهذا اليسر وتلك السهولة، بل كلمة الحق تعني الشجاعة مع النفس أولا، ثم مع من تحب وتوالي ثانيًا، ثم مع من خالفت ثالثًا، ومع من تعادي رابعًا وليس آخرًا!

 

وإنما يعرف قدرَ كلمة الحقّ وثقلَ أمانتها من اعتاد العيشَ عليها، ثم الجهرَ بها، من الرجال الأمناء الأقوياء، ويخيّل إليَّ أن العلامة أحمد شاكر من هؤلاء الرجال، لذا يقول في مقدمة كتابه الذي نحن بصدد مدارسة معالم موضوعه: “ما أقلّ ما قلنا (كلمة الحقّ) في مواقف الرجال، وما أكثر ما قصّرنا في ذلك، إن لم يكن خوفًا فضعفًا، ونستغفر الله، وأرى أن قد آن الأوان لنقولها ما استطعنا، كفّارة عما سلف من تقصير، وعما أسلفت من ذنوب، ليس لها إلا عفو الله ورحمته، والعمر يجري بنا سريعًا، والحياة توشك أن تبلغ منتهاها، وأرى أن قد آن الأوان لنقولها ما استطعنا، وبلادنا، بلاد الإسلام، تنحدر في مجرى السيل، إلى هوّة لا قرار لها، هوّة الإلحاد والإباحية والانحلال، فإن لم نقف منهم موقف النّذير، وإن لم نأخذ بحُجَزهم عن النّار، انحدرنا معهم، وأصابنا من عقابيل ذلك ما يصيبهم، وكان علينا من الإثم أضعاف ما حمّلوا”.

 

كان هذا العالم الجليل قاضيًا مسؤولا أمام الله تعالى، ثم أمام الخلق، مسؤولا عن كلمته وحكمه، كما أنه ابن العلامة محمد شاكر الذي كان قاضي قضاة السودان، فناسب ذلك كذلك أن يربَّى على كلمة الحقّ.. وبنفس شجاعة العلامة أحمد شاكر كانت شجاعة العلامة محمود شاكر أخيه الأديب البارع صاحب [أباطيل وأسمار] الذي والى وعادى فيه لله، حتى بدأ رسالته الممتعة [رسالة في الطريق إلى ثقافتنا] بقوله صلى الله عليه وسلم: (ألا لا يمنعنَّ رجلا هيبةُ الناس أن يقول بحق إذا علمه)، فتلك ذرية بعضها من بعض!

 

وقد ضرب العلامة أحمد شاكر أروع الأمثلة في شمولية كلمة الحقّ عند العالم الرباني، والداعية الصادق، فلم يقصر الجهر بكلمة الحق على طائفة من الطوائف دون غيرها، كحال كثير منا الآن، لا يعرف كلمة الحقّ إلا في قضية معينة لا يخرج عنها، وهذا لا شكّ من القصور، ومن التغيُّب عن الواقع المزدحم بالقضايا الكثيرة.

 

فكانت من كلماته رحمه الله التصدي لصاحب كتاب “مصر القديمة” الذي تجرّأ وكذّب ضمنًا تفاصيلَ قصة بني إسرائيل في القرآن الكريم.

 

وكان في كلمته تلك رحمه الله مبيّنًا لأصول علم التاريخ الصحيح، الذي حاد عنه كثيرٌ ممن يحسبون أنفسهم على شيء من المنهج العلمي “التغريبي” الصحيح، فربما كذّبوا بالقرآن وصحيح ما ورد عن رسول الله صلى الله عليه وسلم، كما كان من معالم تلك الكلمة التي عنون لها العلامة أحمد شاكر رحمه الله: “جرأة عجيبة على تكذيب القرآن“.. كان من معالمها الإشارة إلى الدوافع في تلك المناهج الجريئة عن نصوص الوحيينِ، وهي الروح القومية المتغلغلة في النفوس، التي تدفع الحقائق تارة وتدعيها تارات أُخر.

 

وكانت من كلماته رحمه الله التصدي للحركة النسوانية –كما يسميها الشيخ- والتي طالبت آنذاك بقبول المرأة في ولاية القضاء! وما أعقب ذلك من فتوى العلماء الرسميين في هذا، من بين مبيح في الأموال فقط وبين مانع مطلقًا أو مجيز مطلقًا.

 

لكن الشيخ -وهو بصدد قول الحقّ- بنى المسألة برمتها على أصلين؛ الأول: عدم جواز التحاكم إلى القوانين الوضعية المخالفة لشرع الله، والثاني: عدم جواز التعليم المختلط.

 

ثم رجع الشيخ بالقضية إلى شؤم دعوة تحرير المرأة في مصر وأصولها، وختم مقاله بقوله:

“سيقول عني عبيد “النسوان” الذين يحبون أن تشيع الفاحشة في الذي آمنوا: إني جامد، وإني رجعي، وما إلى ذلك من الأقاويل، ألا فليقولوا ما شاءوا، فما عبأت يومًا بما يقال عني، ولكني قلت ما يجب أن أقول”.

 

وكان من كلماته الإصلاحية رحمه الله دعوته لأصحاب المدارس الإفرنجية بترك وقت صلاة الجمعة فارغًا من الدروس ليتمكن المسلم من أداء الصلاة، ولم يمرر هذا دون الكلام عن خطر تلك المدارس التي تضيّع أوّل ما تضيع دين الأبناء.

 

وكان من كلماته رحمه الله العلمية تحقيق القول في مسألة “السمع والطاعة” فيما يربط الموظف بوظيفته في الدول المدنية التي تجمع قوانينها بين الجائز والمحرّم، وهو بحث علمي قلما يجهر به محقق.

 

كما كان من كلماته العظيمة الأثر إثر العدوان الإنجليزي على مصر: (بيان إلى الأمة المصرية خاصة، وإلى الأمم العربية والإسلامية عامة)، حمل هذا البيان أحكام القتال، ومسائل الولاء والبراء، وما تبعه من ردة المتعاون مع المحارب للمسلمين، وأنه لا عذر لأحد في مساعدتهم أو معاونتهم.

 

ولم تكن تلك أولّ مقالة يكتبها الشيخ رحمه الله في السياسة العامة لمصر، بل سبقها تحذيره من الانضمام لأي قوى في العالم، وهي بعنوان: (أيتها الأمم المستَعبَدة)، قال فيها:

“إنهما فريقان يتناحران، ليس بهما إلا الاستبداد والطغيان، وليس بهما إلا أن يستعبدكم الفريق المنتصر، لا تصدقوا أن واحدًا من هؤلاء أو هؤلاء يريد بكم الخير أو الحرية”.

 

وكان كذلك للشيخ كلمة الحقّ في مسائل اجتماعية في الحياة، فكتب مقالا بعنوان: (حقّ الخادم على سيده)، تعرض فيه لمآسي تلك الطبقة العظيمة النفع للمجتمعات، وآخر بعنوان (الذين يحبون أن تشيع الفاحشة) تكلم فيه بحقّه المعهود عن “الفن الماجن” أي فنّ العري والانحلال الأخلاقي.

 

وكان للشيخ رحمه كذلك تحقيقه العلمي في بعض المسائل التي أفردها بمقالات خاصة، ولا شك أن هذا أيضًا من كلمة الحقّ، أن يقول العالم ما يعتقده وفق أصول الترجيح الصحيحة، فله مقال بعنوان: (القول الفصل في مس المرأة، وعدم نقضه للوضوء)، ومقال بعنوان: (الإنصاف فيما جاء في البسملة من الاختلاف).. وغير ذلك من المقالات.

 

كما كان للشيخ عدة مقالات أحبّذ أن أصفها بالعتابية، عاتب فيها أخاه الشيخ حامدًا الفقي على بعض المسائل وبعض المواقف، على ما كان بينهما من الصداقة والمودة، لكنها كانت عند العلامة أحمد شاكر في النهاية: “كلمة الحقّ” التي لا يجيز كتمانها أو السكوت عنها، وإن خالفت هوى في نفسه.

 

وهكذا شملت “كلمة الحقّ” عند هذا الشيخ الجليل كلّ مجالات الكلمة، سواء العلمية، أو السياسية، أو الاجتماعية، أو الفكرية، أو الوعظية، أو غير ذلك، وهذا إنما يتحقق للعالم والداعية بجمعه بين هذه الأمور:

العلم الشرعي.

الاطلاع الثقافي أو المعرفي.

الشجاعة النفسية.

الحكمة المرعية.

الإخلاص والصدق.

 

والحمد لله ربّ العالمين، وصلّ اللهم وسلم على نبينا محمد وعلى آله وصحبه ومن تبعهم بإحسان إلى يوم الدين.





المصدر

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى