التاريخ الإسلامي

النظرية الجمالية في العروض عند المعري ـــ دراسة حجاجية في كتاب “الصاهل والشاحج” للناقدة نعيمة الواجيدي


كتاب: النظرية الجمالية في العروض عند المعري دراسة حجاجية في كتاب “الصاهل والشاحج” للناقدة نعيمة الواجيدي

مكتبة النقد والحجاج العربية تتعزَّز بإصدار جديد: النظرية الجمالية في العروض عند المعري – دراسة حجاجية في كتاب “الصاهل والشاحج” للناقدة نعيمة الواجيدي، متابعة نورالدين الطويليع – باحث في البلاغة وتحليل الخطاب – المغرب.

 

صدر عن شركة النشر والتوزيع المدارس بالدار البيضاء كتاب النظرية الجمالية في العروض عند المعري – دراسة حجاجية في كتاب “الصاهل والشاحج” للناقدة الدكتورة نعيمة الواجيدي، أستاذة البلاغة والحجاج بكلية الآداب والعلوم الإنسانية، جامعة شعيب الدكالي بالجديدة.

 

يقع الكتاب في 340 صفحة من الحجم الكبير، موزعة على بَابَيْنِ وسبعة فصول ومقدمة وخاتمة.

 

تكمن أهمية الكتاب في انفتاح الكاتبة على مختلف النظريات الحجاجية، قديمها وحديثها، وفي استعانتها بالإشراقات البلاغية للنقد العربي القديم والحديث، وانفتاحها على نصوصها: “نشير إلى أن تركيزنا على الحجاج، في بعض منابعه الغربية، لم يصرفنا عن الإفادة من بعض المؤلفات البلاغية القديمة، كأسرار البلاغة للجرجاني، ومن بعض جهود البلاغيين المحدثين الذين اهتموا بحقل الحجاج”[1]، وتبرز هذه الأهمية كذلك في اتخاذها المتن النصي منطلقًا للدراسة، بعيدًا عن الإسقاطات، وعن التطبيق الآلي للمفاهيم الحجاجية والبلاغية، وقد ساهم هذا الوعي النقدي للكاتبة في إضفاء الروح العلمية على الكتاب، وطبعه بطابع الجِدَّة والتميز الذي تظهر إحدى علاماته في امتلاك جرأة نقدية في إصدار الأحكام، واقتراح مفاهيم خاصة بالدراسة، وتحويل المتن النصي إلى أرخبيل نقدي، يلتقي فيه القديم والحديث، والغربي والعربي، وتحجز فيه كاتبته مكانتها المتميزة، بوصفها ناقدة منفتحة على كل الاجتهادات الحجاجية، ومحتفظة في الوقت نفسه بحضورها الشخصي، وبآرائها الخاصة وتصوراتها المبنية على الدراسة والتحليل والتفكيك، وفق رؤية شمولية، تتأسس على رحلة استكشافية، تتجاوز المتن المدروس، لتطرق باب كل النصوص المحيطة وتقتحمها، وتستنطق إنتاجات الكاتب الأخرى، وتقارنها بإنتاجات مجايليه، وبعد أن تطمئن إلى تفكيك كل العناصر وتوليها ما تستحق من دراسة، لا تتردد في توشيح المعري وسام التفرد والتميز، باعتباره نقطة مضيئة وعلامة مشعة في النقد العربي، يحظى بشرف تأسيس نظرية جمالية في العروض، تقول الكاتبة بهذا الصدد في مقدمة كتابها: “لقد أسس المعري نظرية عروضية تحقق اللذة الجمالية للمتلقي”[2]، ولم يكن هذا الحكم انطباعيًّا تأثريًّا؛ بل كان بمثابة نتيجة، خلصت إليها الكاتبة من خلال انكبابها على تحليل آراء المعري في شموليتها من خلال الإقبال على القراءة الناقدة لكل كتاباته: “حين نسند إلى المعري تأسيس نظرية جمالية في العروض، فإننا لا ننطلق من آرائه العروضية المبثوثة في كتاب الصاهل والشاحج فقط، وإنما نستحضر جميع آرائه العروضية التي عبر عنها في مؤلفاته المختلفة؛ كرسالة الغفران، والفصول والغايات، ورسائل أبي العلاء، فضلًا عن ملاحظاته العروضية المهمة التي أبداها في شرحه لديوان كل من أبي تمام، والبحتري، والمتنبي”[3]، وقد تجندت الكاتبة للدفاع عن رأيها النقدي هذا وإكسابه قوة حجاجية، تتجاوز الإخبار إلى الإقناع، وتجعل القارئ يدرك جهد المعري الذي نقل “علم العروض من سلطة النص العلمي الخاضع للقواعد الصارمة، إلى سلطة المتلقي الذي يحكم ذوقه في تقويم إيقاع الأوزان”[4]، وقد استرسلت الكاتبة في استجلاء سمات النظرية المعرية في العروض؛ لأنها مشدودة بهاجس تواصلي إقناعي، يسعى إلى توصيل الفكرة إلى الآخر وإقناعه بها بطريقة تعتمد على استحضار الجزئيات والتفاصيل، وتركز على كل ما من شأنه أن يحقق الهدف الإقناعي، بدءًا بالتفسير وانتهاء بالحجاج، معتمدة في ذلك على قراءة استنباطية، تسائل النصوص وتستنطقها، لتجعل منها شاهدًا قويًّا وحجة شاخصة، والنص الآتي يجلي هذا الهوس الحجاجي التنقيبي للكاتبة في تحصين حكمها وإكسابه قوة حجاجية، تسمو به إلى العلمية والأكاديمية: “المعري نقل علم العروض نقلة كبرى، حين أخرجه من مجال النص العلمي المحكوم بالقواعد والشواهد، إلى المجال الأرحب للتذوق الذاتي الجمالي لإيقاع الأوزان. وقد ضاعف المعري من حضور مقومات الجمال، حين صاغ آراءه الذوقية في أسلوب أدبي شائق، يجمع بين المتعة والفائدة، ويحفز المتلقي على التحليل والتأويل، من أجل بناء المعاني الكامنة فيه. فالمعري، وهو يؤسس نظريته الجمالية في العروض لا ينظر إلى الوزن نظرة علمية مجردة من الإحساس الجمالي؛ لأن جميع أحكامه تخضع لمبدأ الذاتية والغريزة والذوق، فالأوزان الشعرية تتفاوت بين الجودة والرداءة، بناء على الوقع الجمالي الذي يحدثه إيقاعها”[5].

 

ولأن العروض يرتبط بالخليل، وسعيًا من الكاتبة لرفع اللبس وتحصين موقفها من فكرة مصادرة جهده، فقد عمدت إلى توظيف حجة المقارنة بينه وبين المعري، وأثبتت بالدليل والحجة أن الخليل اعتمد نظرية علمية صارمة، تصف ظواهر العروض وصفًا صارمًا، وتضع القوانين، وتقصي الذوق، في حين يهتم المعري بالذوق، ويجعله مقياسًا في تجويد الأوزان والعلل والزحافات، أو في الحكم عليها بالرداءة؛ مما مكنه من نقل علم العروض من الصرامة العلمية إلى “الاستجابة الجمالية للمتلقي”، تقول الكاتبة بهذا الصدد:”وإجمالًا، فالمعري في كتاب الصاهل والشاحج لم يكتفِ بخلخلة نظرية الفراهيدي من الداخل، بل حكم ذوقه في شتى قضاياها، بل إنه قدم نظريته الجديدة في سياق أدبي، يحقق اللذة الجمالية للمتلقي الذي يبذل جهدًا في تجميع الآراء العروضية المبثوثة في الكتاب، وفي تصنيفها، وتحليل الصور المجازية التي وردت فيها، من أجل بناء المعاني المقصودة منها”[6].

 

وقد استدلت الكاتبة بالحجَّة السببية على سبب تميُّز المعري بهذا الصدد، وأرجعت ذلك إلى معدنه الشاعري الذي جعله خبيرًا بإيقاع الأوزان، وإلى انكبابه على دراسة الشعر العربي القديم، ومعرفته بعلم الموسيقى التي تعد من أركان الشعر الأساسية.

 

توسَّلت الكاتبة في دراستها بالنظرية الحجاجية، واعتمدت بشكل كبير على نظرية شاييم بيرلمان، مبررة ذلك بتوظيف المعري حججًا متعددة، تتنوَّع بين الحجج شبه المنطقية، وبين الأساليب اللغوية والبلاغية، ولأن الحجاج الشامل لا يفله إلا حجاج مثله، فقد تتبعت الكاتبة حجاج المعري خطوة خطوة، وخرجت من جبة بيرلمان حين اقتضى الأمر ذلك، فاستعانت بالحجاج العاطفي، وتجاوزت الحجاج العقلي البيرلماني في قراءة الصورة الاستعارية والتشبيهية التي قدم بها المعري قضايا العروض، تقول الكاتبة بهذا الصدد: “نجد أنفسنا مدعوين إلى استحضار جزئي للباتوس، ونحن نحلل الصور التي اعتمدت في جانب منها، على التأثير العاطفي في المخاطب… وسنلاحظ آنَ تحليلنا للأساليب الحجاجية التي وظَّفها المعري للدفاع عن أطروحته في العروض، أن العواطف حضرت في صوره التشبيهية والاستعارية، وأنه زاوج في ذلك بين التعبير المباشر الذي يظهر فيه المعجم العاطفي على سطح الخطاب، وبين التعبير غير المباشر الذي يؤدي مضمون الصورة فيه إلى إثارة مشاعر المخاطب”[7].

 

ولأن ذات المعري حاضرة بقوة في كتابه “الصاهل والشاحج” فقد خصصت الكاتبة فصلًا لاستجلاء عناصر الإيتوس المَعَرِّية التي مكنته من تقديم حجاج مقنع وفعَّال.

 

يغري هذا التنوع في الأساليب الحجاجية واللغة السلسلة التي صيغ بها كتاب الدكتورة نعيمة الواجيدي، والجرأة التي ميزتها في إصدار الأحكام النقدية، والاعتماد على منابع البلاغة والحجاج، قديمها وحديثها، يغري كل هذا بقراءة الكتاب، بحثًا عن لذة إمتاع لا ريب فيها، وسعيًا وراء تتبُّع بناء إقناعي فسيفسائي، يطمئن الذات الباحثة، ويبعثها على الاقتناع، لكنه لا يبرحها دون أن يثير لديها الأسئلة، ويرسم لها طريق البحث في هذا الموضوع، لتكمل المشوار، وتحمل على عاتقها مهمة الإجابة التي ستظل مفتوحة، تنتظر بدورها أسئلة جديدة وآفاقًا جوابية لا حدود لها.


[1] نعيمة الواجيدي، النظرية الجمالية في العروض عند المعري ـ دراسة حجاجية في كتاب الصاهل والشاحج، شركة النشر والتوزيع المدارس، الدار البيضاء ـ المغرب، الطبعة الأولى 2024، ص 25.

[7] نفسه، ص 20 ـ 21.





المصدر

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى