التاريخ الإسلامي

الكاتب الأديب أيمن ذو الغنى في رحلته الأدبية والعلمية والعملية (PDF)



تحميل ملف الكتاب

 

الكاتب الأديب أيمن ذو الغنى

في رحلته الأدبية والعلمية والعملية

 

حاوره: شمس الدين درمش

سكرتير التحرير بمجلة الأدب الإسلامي

 

الحمد لله، والصَّلاة والسَّلام على رسولنا محمَّد وعلى آله وصحبه أجمعين.

وبعد، فيسُرُّ (مجلَّة الأدب الإسلامي) أن تلتقيَ الأديب الكاتب أيمن بن أحمد ذو الغنى في رحلته الأدبية والعلمية والعملية.

 

1- يُرجى إلقاء الضوء على النشأة الأدبية والعلمية.

أيمن ذو الغنى: نشأتُ في أسرة دمشقية مثقفة محبَّة للعلم والأدب، مشجِّعة على التحصيل والطلب. كان سيِّدي الوالدُ المربي أحمد ذو الغنى من كبار الفيزيائيين في سورية، وواضعي المناهج والمقرَّرات المدرسية، وفي الوقت نفسه كان محبًّا للغة والأدب، ثريَّ المحفوظ من عيون الشعر والمقامات والخُطَب، وكان يلقِّننا من نعومة أظفارنا من فصيح الكَلِم؛ شعرًا ونثرًا، فحفظنا الكثيرَ ممَّا كان له أثرٌ عميق في نفوسنا، حتى سَرى حبُّ العربية في وِجداننا، واستولى الأدبُ على أفئدتنا، وتجلَّى فيما بعدُ في مَلَكاتنا وأقلامنا، وهذا من توفيق الله أولًا ثم من فضل الوالد الكريم عليه رحماتُ الله.

 

وكان من نِعَم الله السابغات عليَّ أن تلقَّيتُ العربية على أيدي أساتذة كبار أفاضل في مراحل التعليم المختلفة، أخذوا بيدي إلى دروب بيانها، فازددتُّ لها حبًّا وبها كلَفًا، منهم: في المرحلة المتوسطة (مدرسة ابن الأثير) الأستاذان القديران أحمد قَبِّش، وتيسير قَلعَهْ جِي (قلعجي)، وفي المرحلة الثانوية (ثانوية سمير النحاس، وثانوية بور سعيد): الأستاذ محمد الحواصلي، والأستاذة لبابة الكِيلاني. ودرَّسني أيضًا في بيته في المرحلتين المتوسطة والثانوية جارُنا وصديقُ سيِّدي الوالد مفتشُ اللغة العربية والمشارك في تأليف مقرَّراتها الأستاذ القدير ياسر عَلايا.

 

وفي المعهد الشرعي لطلَّاب العلوم الإسلامية (المدرسة الأمينية) نَعِمتُ بالدراسة لدى أستاذين فاضلين؛ شيخنا الأديب واللغوي الخطيب هشام الحِمصي، والمعلِّم المفيد الشيخ أنس عبُّود.

 

ولعلَّ ما تقدَّم كان سببًا في توجُّهي إلى التخصُّص بالعربية، ومن جميل صُنع الله بي أن حَظِينا في قسم اللغة العربية بجامعة دمشق بأساتذة أفاضل أكفياء، محَضُونا النُّصحَ خالصًا، ولم يألُوا في تعليمنا وتوجيهنا إلى الطريق اللاحبة لتحصيل العربية وعلومها، والتضلُّع من آدابها وفنونها. وفي الصدر من هؤلاء الأساتذةُ الكرام: د. عبد الحفيظ السَّطلي، ود. محمَّد أحمد الدَّالي، ود. نبيل أبو عمشة، ود. محمَّد حسَّان الطيَّان، ود. إبراهيم عبد الله، ود. عبد الكريم حسين، ود. علي الكُردي، ود. مسعود بوبو، ود. عبد الفتاح محمد، وشيخنا د. نور الدين عتر الذي درَّسنا علوم القرآن وعلوم الحديث.

 

شكر الله لهم جميعًا كِفاءَ أياديهم البِيض علينا، وعلى أجيال من طلَّاب العربية.

 

الدكتور عبد الحفيظ السَّطلي رئيس قسم اللغة العربية بجامعة دمشق، في مكتبه، عام 1994م

وعن يساره أيمن ذو الغنى، ومحمد بونجة. وعن يمينه: يوسف أبو عسَّاف، وخليل عبد الله، وفايز الحنش، والطفل عمَّار بن محمد حسان الطيَّان

 

الدكتور إبراهيم عبد الله الأستاذ في قسم اللغة العربية بجامعة دمشق، عام 2000م

وعن يمينه: عبد الرحمن الحرش، وعن يساره أيمن ذو الغنى، ومحمد بونجة، وإبراهيم الباش

 

2- متى بدأتَ الكتابة؟ وهل كنت ترجع إلى موجِّه يقوِّم ما تكتب؟

أيمن ذو الغنى: لا تقوم الكتابةُ إلا على بنيان من القراءة ورصيد كبير من المطالعة، وقد كان هذا في وقت مبكِّر من عمري ولله الحمد؛ إذ شُغِفتُ في طفولتي بقراءة القصص ومجلَّات الأطفال، ثم في المرحلة المتوسطة بقراءة مجلَّات الرياضة والكتب الهادفة. كنت أقرأ الكتابَ أو المجلَّة من الغلاف إلى الغلاف بنهَم شديد، وكان لسيِّدتي الوالدة المربية الحافظة ناديا الداودي في هذا فضلٌ كبير، فما قصَدتها يومًا لشراء قصص أو مجلَّات مهما كان ثمنها إلا حَبَتْني وشجَّعَتني، فجزاها ربِّي وجزى والدي عنِّي وعن إخوتي خيرَ الجزاء.

 

كثرةُ القراءة أغنت معجمي وقوَّمت لساني، ولكن على حبِّي الشديد للأدب وتمكُّني من القراءة السليمة، كنت أشعر يومئذٍ في نفسي بعجز عن التعبير عن خَلَجاتها، وعن الإبانة عمَّا يدور في رأسي من أفكار ومعانٍ! ولم يكن ذاك إلا محضَ وهم، لم ألبث أن تحرَّرتُ من إساره بتشجيع من أستاذتي القديرة لبابة الكِيلاني في الصف الثالث الثانوي، حين أثنت على موضوع لي في درس الإنشاء ثناءً فكَّ عنِّي كلَّ القيود، وأطلقَ قلمي في فضاء الكتابة والتعبير دون وجَل ولا تهيُّب. وانتهى بي الأمرُ في آخر العام أن حبَّرتُ موضوعًا من مواضيع الإنشاء تحبيرًا، وتأنَّقتُ فيه ما شاء الله لي أن أتأنَّق، فلمَّا قرأته الأستاذة شكَّت في أن أكون أنا حقًّا مُنشئَه، دون استعانة بخبير! ولم يكن الموضوعُ إلا من بنات أفكاري، وتعبيرًا صادقًا عن خفق قلبي وتوهُّج مشاعري. فكتبَت لي: (موضوع ممتاز، أحسنتَ فيه وأجدتَّ إن لم تكن استعنتَ بغيرك، وفقك الله وإلى مزيد من الإبداع).

 

ثم بعد ذلك كنت أُطلِعُ بعض أساتذتي الأفاضل على بواكير كتاباتي؛ لأستضيء برؤاهم، وأنتفع بملحوظاتهم وتوجيهاتهم، وعلى رأسهم الأساتذةُ الأفاضل: محمد علي حَمْد الله، ويوسف الصيداوي، ومحمد حسان الطيان. وكما قالت العربُ قديمًا: (زاحِم بعَوْدٍ أو فدَع)، والعَودُ: الجمَلُ المُسِنُّ. وهو مَثَلٌ ضربوه للحثِّ على الاستعانة في الأمور بذوي السنِّ والتجرِبة والخبرة. وفي هذا المعنى تقول العامَّة في الشام: مَن ليس له كبير، ليس له تدبير.

 

أيمن ذو الغنى مع الأستاذ يوسف الصيداوي في اليمين، عام 2000م

ومع الأستاذ محمد علي حمد الله في اليسار، 1999م

 

3- ما أوَّلُ مقالة أو عمل إبداعي وجدَ الرِّضا لدى المتلقِّين ونشَرته؟

أيمن ذو الغنى: برزت أيامَ دراستي الجامعية ظاهرةُ الجموح في لغة الإعلانات الطُّرُقية، والجنوح عن جادَّة الصواب اللغوي، بل غلبة العامية فيها، فاستفزَّني الحالُ وكتبت مقالةً بعنوان (لغة الإعلانات) أنعى فيها على المعلنين والمسؤولين عن هذه الوسيلة الإعلامية المهمَّة الاستهانةَ بلغتنا الشريفة، وأحثُّهم على الاهتمام بسلامة اللغة وإشراقها. وعرَضتُ المقالة على أستاذنا الكبير العالم اللغوي الأديب يوسف الصيداوي، فراقَت له، وأبدى لي ملحوظاتٍ يسيرة، ولم يشأ التدخلَ في الأسلوب؛ حِفاظًا على أسلوبي فيها. وكنت أتردَّد يومئذ إلى دار الكتب الظاهرية للمطالعة، وعرفت فيها باحثًا يعمل مسؤولًا عن الصفحة الاقتصادية في صحيفة محلِّية، فأطلعته على المقالة فقدَّمها مشكورًا للنشر في الصفحة الثقافية في صحيفته؛ لتكون أوَّلَ مقالة تُنشَر لي، وقد طِرتُ يومئذ بها فرحًا.

 

4- مَن الكتَّابُ الذين جعلتَهم قدوةً من القديم والحديث؟ وما الأثرُ الذي تركوه في كتاباتك؟

أيمن ذو الغنى: أرى أنه لا ينبغي للكاتب والأديب أن يقتفيَ خُطا كاتبٍ ما، وأن يقتديَ به تقليدًا ومحاكاة، ولكن عليه أن يُطلقَ ليَراعته العِنانَ لتمضيَ على سجيَّتها؛ معبِّرةً عن رؤاه وخطَرات حسِّه، بأسلوبه هو لا بأسلوب غيره.

 

بيدَ أن من نافلة القول أن الكاتبَ هو ابن قراءاته، فإن المرء لا ينفكُّ متأثرًا بما يقرأ، مُنطبِعًا على نحوٍ ما بأساليب من يقرأ لهم، ومن هنا كان لزامًا عليه أن يتخيَّر من يتخرَّج بهم من أهل الصَّنعة؛ لأن فنَّ الكتابة صِناعةٌ من الصِّناعات، وكان من توجيه أستاذنا الناقد المصري الكبير الدكتور حسين علي محمد رحمه الله، لنا، في مُلتقى الإبداع الذي كان يقيمه مكتبُ رابطة الأدب الإسلامي في الرياض، قوله: إذا أراد المرء أن يغدوَ نجَّارًا ماهرًا فعليه التدرُّب على يد شيخ النجَّارين، وكذلك من أراد أن يكون كاتبًا حاذقًا مبدعًا فعليه أن يتدرَّب على شيوخ الكتَّاب من الأدباء الكبار المُجَلِّين.

 

بلى، قد تصطبغ كتاباتُ الأديب الناشئ في بواكيرها بصِبغة كاتبه المفضَّل، ولكن ينبغي أن يجهَدَ في التحرُّر من هذه الصِّبغة ما استطاع؛ بتوسعة آفاق القراءة لمبدعين من أطيافٍ شتَّى، تتباين أفكارُهم وأساليبهم وألوان تعابيرهم، لتكون له صِبغتُه الخاصَّة التي لا يشبه بها سواه.

 

أما أبرزُ من استأثروا بهوايَ من الكتَّاب في أوائل نشأتي، فمن أوَّلهم: الأديب عبد الرحمن رأفت الباشا في “صور من حياة الصحابة” و”صور من حياة التابعين”، وعبد الحميد جودة السحَّار في “بلال” فهذه الكتب مما قرأته في المرحلة الابتدائية. ثم نجيب الكِيلاني في رواياته، وأخصُّ منها بالذِّكر “عمالقة الشَّمال” و”ليالي تركستان” و”عذراء جاكرتا” و”الظل الأسود”، وعلي أحمد باكثير في “الثائر الأحمر” و”وا إسلاماه”، وقد قرأتها في المرحلة الثانوية.

 

وفي هذه المرحلة أيضًا عرفتُ رجلين من العلماء الدعاة الأدباء كان لهما أثرٌ لا يُجحَد في أسلوبي وقلمي؛ هما أديبُ الفقهاء الشيخ علي الطنطاوي في كتابه “تعريف عامٌّ بدين الإسلام” الذي أهداني إياه أستاذي يومئذ في الحلقة، ثم “قصص من الحياة” و”قصص من التاريخ” و”من حديث النفس” وغيرها. والشيخ د. محمد سعيد رمضان في كتابه “من الفكر والقلب” و”من روائع القرآن” و”شخصيَّات استوقفَتني” وسلسلة “أبحاث في القِمَّة” أي في قِمَّة الأهمية والأولوية في عصرنا، فضلًا عن قصَّتَيه الأدبيَّتين “مَمُو زَين قصَّة حبٍّ نبتَ في الأرض وأينعَ في السماء” و”سيامند ابن الأدغال”.

 

وفي مطلع دراستي الجامعية عرفتُ الأستاذ الكبير أبا فهر محمود محمد شاكر في كتبه “أباطيل وأسمار” و”القوس العذراء” و”المتنبِّي” بمقدِّمته البديعة “رسالة في الطريق إلى ثقافتنا”، فمضَت بي إلى أفُق آخرَ بعيد من التأمُّل والنشوة. فلمَّا لقيتُ أبا السَّامي مصطفى صادق الرافعي، واستحكمَت صُحبتي له ولكتابه الفذِّ “وحي القلم” أخذ مني لبِّي وفؤادي، وأيقنت أن الصيد كلَّ الصيد في جوف الفَرا، ومن غرفَ من البحر أعرض عن السَّواقي.

 

أيمن ذو الغنى في المرحلة الابتدائية والثانوية والجامعية

 

5- أخصُّ من السؤال السابق عَلاقتَك بأديب الإسلام المعاصر مصطفى صادق الرافعي رحمه الله، أرجو إلقاءَ الضوء على عَلاقتك به، وتأثُّرك بأسلوبه.

أيمن ذو الغنى: ما ظنُّك برجل قيل في وصف بيانه: (بيان كأنه تنزيلٌ من التنزيل أو قبَسٌ من نور الذِّكر الحكيم)؟! لقد ملك عليَّ الرافعيُّ أقطارَ نفسي بروعة بيانه، وحلَّ في محلٍّ لم يحلَّ فيه بيانٌ بسحره وجماله، وهو عندي شيخُ أدباء العربية في العصر الحديث قاطبةً، بلا منازع.

 

وقد مضَيتُ مع الرافعي في رحلة من التأمُّل والتذوُّق لأبدع كتبه وأذكَرها “وحي القلم“، فكانت رحلةً ما أمتعَها وما أحلاها! قرأتُ مقالاته جملةً جملة، وكلمةً كلمة، وحرفًا حرفًا؛ محاولًا الوقوفَ على مواطن العبقرية والإبداع فيها، أكرِّر عباراتِه مرَّات ومرَّات، وأدقِّقُ في طريقة بنائه جملَه وصوغه تراكيبَه، وأُمعن في صُوَره وابتكاراته. عشتُ مع الرافعي بحقٍّ في فضاء الرِّفعة، فارتقى بي إلى أفُقه العالي؛ لأحلِّقَ معه في سماء التفرُّد والتميُّز؛ فقد اشتمل كتابُه على ضروب العبقرية كلِّها؛ فكرةً سامية، وأسلوبًا راقيًا، وبلاغة أخَّاذة، وألفاظًا مُتخيَّرة، ونغمًا عذبًا تلَذُّ له الأذن وتَطرَب!

 

أجل والله، كنت أقفُ مبهورًا أمام كثير من عباراته وحِكَمه وتصاويره فلا أملكُ إلا أن أقول: سبحانَ من وهبَك وأعطاك! وصدقَ رسولنا صلَّى الله عليه وسلَّم القائل: (إنَّ من البيان لسِحرًا)، نعم إن هذا لبيانٌ يكاد يكون ضربًا من الإعجاز، ما قائله بشَرٌ كسائر البشَر! وما هو بوحي قلم، ولا وحي عقل، ولا وحي فؤاد، إنْ هو إلا إلهامُ ربِّ الأنام، الذي خلقَ الإنسانَ علَّمَه البيان.

 

هذا أثرُ الرافعي في وعيي ووِجداني، أما أثرُه في قلمي وبياني، فذاك متروك للقرَّاء والنقَّاد فهم أقدَرُ على الحُكم، ولا أملك أن أقطعَ فيه برأي؛ وحسبي أن أكون محبًّا صادقًا لشخصه وقلمه، ومتذوِّقًا بصيرًا لكلماته وفنِّه، وتلميذًا صغيرًا في مدرسته، وإن لم أقاربه في شموخه وعَليائه.

 

6- لأيمن ذو الغنى عنايةٌ خاصَّة بأدب التراجم.. ما الذي جعلك تتَّجه إلى هذا النوع الأدبي؟ وما مؤلفاتُكَ فيه؟

أيمن ذو الغنى: مُذ أنِستُ في نفسي القدرةَ على التعبير والإبانة عن أفكاري ومشاعري، جعلتُ من همِّي الكتابةَ في مجالين اثنين؛ الأول: سِدانة اللغة العربية الشريفة، وتقريبها إلى أبنائها والناطقين بها، وتحبيبها إليهم. والآخَر: التنويه بسِيَر ذوي الفضل من العلماء واللغويين والأدباء؛ وإبراز جهودهم وإعلان شمائلهم، ليكونوا للنشء قدوةً ومنارًا.

 

ومن نِعَم الله عليَّ وما أكثرَها، أن هيَّأ لي سبحانه في وقت مبكِّر من عمري الاتصالَ بعدد من أعلام الأمَّة وكُبَرائها، شَرُفت بصُحبتهم، واغتبَطت بالقُرب منهم، وأفدتُّ بالأخذ عنهم، وكثيرٌ منهم أنزلوني منهم متفضِّلين منزلةَ الولد، جزاهم ربي عني خيرًا. فرأيت حقًّا عليَّ واجبًا أن أكتبَ عنهم في حَيَواتهم وبعد وفاتهم؛ بِرًّا بهم ووفاءً لهم، مع مَسيس الحاجة إلى الاتصال ما بين الأجيال، وتعريف الخلَف فضائلَ السلف.

 

ولديَّ كتابٌ كبير جمعتُ فيه ما كتبتُ ونشرت من مقالات في تراجم الأعلام، أُعِدُّه الآن للنشر بعنوان “أعلام معاصرون أحياء وراحلون“. ومما نُشر لي في الموضوع من كتب مُفردة، كتابان في سيرة شيخين عالمين صالحين لزمتُهما في الرياض، ولا أنسى فضلَهما ما حييت، هما “صفَحات من سيرة العلَّامة المربي عبد الرحمن الباني”، و”العلَّامة الشيخ محمد بن لطفي الصباغ الفقيه المحدِّث والداعية المُصلِح”، وصدر لي كتابٌ في سيرة أستاذنا أديب الصَّحَفيين عبد الغني العِطري مع فهرسة كتبه في تراجم أعلام سورية بعنوان “أعلام العبقريات الشامية”.

 

وقطعت شوطًا بعيدًا في كتب أُخرى منها: “عبد القادر الأرناؤوط المحدِّث الحافظ والإمام القدوة”، و”محمد سعيد المولوي الأديب المربِّي والباحث المحقِّق”، و”ماتوا وهم أحياء! أعلام ومشاهير نُعُوا في حياتهم”، و”عائلة ذو الغـنى الدمشقيَّة تاريخ وأعلام”، وأنوي إفرادَ سيرة سيِّدي الوالد في كتاب إن شاء الله تعالى.

 

أيمن ذو الغنى مع الشيخ عبد القادر الأرناؤوط، عام 1991م في اليمين

ومع الأستاذ محمد سعيد المولوي، عام 2006م في اليسار

 

7- إذا طُلب منك ترتيبُ الأعلام الذين ترجمتَ لهم من حيثُ المكانةُ العلمية والأدبية، ومن حيثُ مكانتُهم في نفسك؟ ولماذا؟

أيمن ذو الغنى: لعلَّ هذا السؤالَ هو الأصعبُ في هذا الحوار؛ فكلُّ من عرفتُ من هؤلاء الأعلام وكتبت عنه، له فضاءُ إحسانٍ وإبداع وتميُّز، على اختلاف تخصُّصاتهم وتبايُن مَشاربهم وتفاوت ظروفهم. ولكلٍّ منهم مكانةٌ في نفسي لا يُزاحمهم فيها غيرُهم.

ولكن إن كان لا بدَّ من ذكر أسماءٍ فإنني أكتفي باثنين من أهل العلم الشرعي، واثنين من أهل العربية؛ أما العالمان فهما: شيخنا المربِّي عبد الرحمن الباني، وشيخنا المحدِّث عبد القادر الأرناؤوط، فكلٌّ منهما نسِيجُ وَحدِه؛ علمًا ونُصحًا وصدقًا وتواضعًا! وأما العالمان اللغويان فهما: أستاذنا النحوي محمد علي حمد الله، وأستاذنا المحقِّق الثَّبْت محمد أحمد الدَّالي، وقد كانا رُكنَين باذخَين آوي إليهما في كلِّ ما يَعتاصُ عليَّ أو يَشْمِسُ في قضايا العربية، رحمهم ربي جميعًا.

 

أيمن ذو الغنى مع الشيخ عبد الرحمن الباني، عام 2006م

 

8- لعلَّك تمتعنا وتفيدنا بمواقفَ مختارة لهؤلاء الأعلام حدثت معك أو حضرتها أو عرفتها.

أيمن ذو الغنى: المواقفُ كثيرة جدًّا ومن العسير الإحاطةُ بها في هذا المقام، وقد يستغرق ذِكرُ نُتَفٍ منها صفَحاتٍ وصفَحات، ولم آلُ في ذكر غير قليل منها فيما كتبتُ عنهم. فاسمح لي أن أكتفيَ بموقفٍ واحد شهدتُّه لسيِّدي الوالد، فيه دلالةٌ على خليقة أصيلة راسخة لدى ذاك الجيل من الأساتذة الكبار.

 

وإني أقول مطمئنًّا: على كثرة من عرفتُ من الكُبَراء والأعلام لم أرَ كسيِّدي الوالد مربِّي الأجيال الأستاذ الفيزيائي أحمد ذو الغنى في علوِّ الهمَّة والعطاء الدائب والعمل بالحكمة العظيمة (لا تؤجِّل عملَ اليوم إلى الغد). كان يأخذ نفسه بالشدَّة في شؤونه كلِّها، وما أظنُّه تأخَّر مرَّة على مدار السنين عن درسٍ أو اجتماع أو موعد دقيقةً واحدة!

 

وكان إذا ما استشعرَ من طالب من طلَّابه في الدروس الخصوصية قلَّةَ ذات اليد، تنازلَ عن حقِّه أيًّا كان بأريحية وطيب نفس، وقد تكرَّر هذا منه كثيرًا، وكان يقول في كل مرَّة: عسى أن يكون هذا زكاةً عن صحَّتي وعافيتي. ولا أحسَبه إلا صدَقَ اللهَ في نيَّته فصَدَقه الله في أمنيَّته، فبارك سبحانه في عمره وهمَّته وصحَّته وعافيته، حتى امتدَّ تعليمُه في الجامعات والمدارس والمعاهد أكثر من نصف قرن (من عام 1950 إلى 2002م)، وبقيت كتبُه التي ألَّفها لطلَّاب المرحلة الثانوية في الفيزياء والكيمياء في الجزائر، وهي أولُ كتب تقرَّر عليهم بالعربية بعد جلاء المحتلِّ الفرنسي، بقيت تُدرَّس هناك أكثر من ربع قرن. وقد توفي عن أكثرَ من تسعين سنة وهو عاكفٌ على كتاب جديد له يؤلِّفه في الكيمياء.

 

أمَّا الموقفُ فهو: بعد تقاعُده استمرَّ يدرِّس الطلَّاب في منزله، حتى بلغ الثمانين من عمره، وفي آخر العام الدراسي أُصيبَ بجُلطة قلبية مفاجئة نُقلَ على إثرها إلى المستشفى، وأُجريت له جِراحة ركِّبت له فيها شبكةٌ قلبية، وحين أفاقَ بعد العملية كان أولَ ما سأل عنه، هو كم بقيَ على اختبار طلَّاب الشهادة الثانوية؟! لامَه الأطبَّاء والأقرباء وقالوا له: لا تشغل نفسَك الآن بشيء سوى صحَّتك، فهي أهمُّ وأَولى!

 

وحين سُمح له بمغادرة المستشفى إلى البيت، أوصاه الأطبَّاء أن يُخلدَ إلى راحة تامَّة، وحذَّروه مغَبَّةَ مخالفة وصيَّتهم. ولكنَّه ما إن دخلَ البيت حتى سارع إلى مكتبه وأكبَّ على كتبه وأوراقه، ولم تُفلح كلُّ الجهود المبذولة في ثَنيِه وصدِّه! كان يقول: وعدتُّ طلَّابي أن أُعِدَّ لهم كُرَّاسةً لمسائلَ محلولة تُعينهم على الإجابة في الاختبار، ولا يمكنني أن أُخلفَ وعدي، فمستقبلهم أهمُّ مني ومن صحَّتي! وواصل عمله أيَّامًا ولياليَ على ما فيه من عنَتٍ وإعياء، وحين فرغَ أرسل مَن صوَّر له من الكرَّاسة نُسَخًا، ثم اتصل بطلَّابه ليحضروا ويأخذَ كلٌّ منهم نسخته، ولمَّا مضى آخرُهم، بدَت أمارتُ السَّكينة والغِبطة على مُحيَّاه، وقال: الآن إن متُّ فلا أُبالي، فقد وفَيتُ بوعدي، وأنجزت عهدي، ولم أضرَّ طلَّابي!

 

ومن الطرائف ما كنت ذكرتُه في سيرة شيخنا النابغة الفيزيائي المربِّي والفقيه الداعية والأديب الشاعر محمد سعيد الطنطاوي الشقيق الأصغر لأديب الفقهاء الشيخ علي الطنطاوي رحمهما الله، ففي عام 1946م أُنشِئت كلِّية العلوم بالجامعة السورية (جامعة دمشق اليوم) فالتحقَ بها الأستاذ سعيد الطنطاوي؛ ليكون من طلَّاب الدُّفعة الأولى فيها، مع سيِّدي الوالد أحمد ذو الغنى. وكان طلَّاب كلِّية العلوم يداومون مع طلَّاب كلِّية الآداب في بداية العام في مبنًى واحد؛ لضيق الأماكن. وحصل خلافٌ ونِفارٌ بين طلَّاب الكلِّيتين، فكتب شيخُنا سعيد الطنطاوي على سَبُّورة الفصل بخط كبير:

أنا امرؤٌ سعيدُ
لأنَّني بَعيدُ
عن مَعهدِ الآدابِ
ومَرتَعِ الذِّئابِ

 

فغضب طلَّابُ الآداب، ونهضَ واحدٌ منهم وكتب تحت بيتَي الطنطاوي:

كليَّةُ العلومِ
ومَنزِلُ الهُمومِ
في جَوِّكِ المحمُومِ
مَرتَعُ كلِّ بُومِ

 

فقام سعيد الطنطاوي من جديد وكتب:

تَفَيهَقَ شاعرُ الأدَبِ
وجادَ فجاءَ بالعَجَبِ
وقالَ بأنَّنا بُومٌ
فقُلتُ الحَسْ إذَن ذَنَبِي

 

فانقطع طالبُ الآداب عن الردِّ؛ لئلَّا تنحوَ الردود منحًى لا تُحمَد عُقباه!

 

واتفق طلَّاب كلية العلوم على عقد جلسة شهرية لتوثيق أواصر الودِّ فيما بينهم، واختاروا منزلَ زميلهم بديع السلَّاخ في حيِّ العُقَيبة مقرًّا للجلَسات، وكان منزلًا عربيًّا كبيرًا. وقد غَدا هؤلاء الطلَّابُ جميعًا فيما بعدُ أساطينَ الفيزيائيين والكيميائيين في الشام، ومنهم: أحمد ذو الغنى، ومحمد سعيد الطنطاوي، وسيف الدين بغدادي، وعدنان محاسب، وفاروق السَّلكا، وعبد الله واثق شهيد، ومحمد المصري، وبديع السلَّاخ، وأحمد رضا حتاحت، وزهير الفقير..

 

وقد جمعَ الأستاذ سعيد الطنطاوي أسماءَ زملائه جميعًا وعددهم قرابةَ عشرين، في قصيدة طريفة ذكرَ فيها كلَّ واحد منهم في بيتين أو ثلاثة أبيات، قرنَ فيها بين الجِدِّ والهزل، وبين المدح والذم، مُداعبةً وإطرافًا. وجعل مَطلَع قصيدته، ما كان كتبه في التنغيص على طلَّاب الآداب، قال:

 

وحين تخرَّجوا تحقَّقت فِراسةُ الطنطاوي في الوالد فكان الأولَ على دُفعتهم، رحمهم الله أجمعين.

 

والشيخ سعيد كان حقًّا رجلًا فذًّا في العلم والأدب وسَعة المحفوظ من بديع الشعر، مع جمال الإلقاء المُطرِب، والحزم وعلوِّ الهمَّة، وأحفظ له مواقفَ كثيرةً عجيبة طريفة! وإذا كان الطريق يدلُّ على الطريق، فإنني أختم بذكر موقفٍ له نادر.

 

في أيام دراستهم الجامعية، اتفقَ أن يجلسَ والدي خلفه في اختبار مادَّة الكيمياء، فلاحظ أن زميله سعيدًا كان يكتب في ورقة الإجابات قصائدَ شعريَّة بدل المعادلات الكيماويَّة! فغَمزَه بيده وقال له: ماذا تفعل؟! أجِب عن الأسئلة. ولكنَّه مضى فيما هو فيه حتى انتهى وقتُ الاختبار! فلمَّا خرجا من القاعة سأله والدي: لمَ فعلتَ هذا؟ فقال: لأنني لم أتمكَّن إلا من دراسة نصف الكتاب، والأسئلة كلُّها جاءت من هذا النصف. قال له: إذن لمَ لم تجب وأنت تعرف الأجوبة؟! قال: لأنني لو أجبتُ لأخذتُ علامة تامَّة، فهل من العدل أن آخذَ علامة تامَّة ولم أدرس إلا نصف الكتاب؟! فقرَّرت أن أؤجِّل تقديم المادَّة للدورة التكميلية، لأكمل دراسةَ الكتاب وأنال علامتي عن جدارة واستحقاق!

 

الأستاذ المربي أحمد ذو الغنى في درس كيمياء تطبيقي بثانوية أمية، عام 1961م

 

الأستاذ المربي أحمد ذو الغنى مع عدد من طلابه في ثانوية ابن خَلدون، عام 1982م

 

أيمن ذو الغنى مع الشيخ محمد سعيد الطنطاوي في بيته، عام 2017م

 

9- لك صلةٌ خاصَّة بأستاذك العالم الأديب الدكتور محمد حسان الطيان، فما الذي جعلك مرتبطًا به هذا الارتباطَ الحميم؟

أيمن ذو الغنى: نعم صحيح، فإن فضلَ أستاذي أبي عمَّار محمد حسان الطيان عليَّ كبيرٌ جليل، لا تعبِّر عنه الكلمات، ولا تختصره العبارات. عرفته في شَرخ فتوَّتي في آخر مرحلة دراستي الثانوية، وكان جارًا لنا في الحيِّ في الشام الجديدة (ضاحية دُمَّر)، فأسَرني بلطفه وكرمه وتواضعه وعطائه، فلزمتُه أنهل من علمه ملازمةَ العين لأختها. قرأتُ عليه في المسجد والبيت وفي الجامعة والمعهد، وكنت أتتبَّع نشاطه في كلِّ مكان يَؤمُّه؛ لم تفُتني له ندوةٌ ولا محاضرة ولا درس ولا لقاء.

 

وقد تعهَّدني بالرعاية والعناية، وفتح لي قلبَه قبل بيته؛ لم يردَّني يومًا على كثرة ما كنت أتردَّد إليه، ولم يتمَلمَل من سؤال على كثرة أسئلتي له، ولم يتضَجَّر من طول مُكثي إلى وقت متأخِّر لديه. ومنه عرفتُ مكانةَ شيخ العربية الجليل أبي فهر محمود محمد شاكر حين قرأ علينا في ليلة لا أنساها كتابه الفريد “القوس العذراء“؛ راويًا لنا قصَّتها، شارحًا لنا أبياتها، مبيِّنًا لنا جوانب النبوغ والعبقرية فيها. فأسدى إليَّ بذلك يدًا أشكرها ولا أكفُرها. ثم كان سببًا في عملي بمجمع اللغة العربية بدمشق أمينًا لقاعة المطالعة في دار الكتب الظاهرية، ثم سببًا في عملي في مكتب تحقيق التراث بمؤسسة الرسالة، ولا يزال ناصحًا ومشجِّعًا لي على الدَّوام، على تطاول السنين والأعوام.

 

وقد حاولت أن أعبِّرَ عن قليل ممَّا له في نفسي، فيما ذيَّلتُ به كتابي عن شيخنا الصباغ، وكان شرَّفني بالتقديم للكتاب، فقلت تحت عنوان (مسك الختام كلمات ثناء وإطراء): (ببالغ الشكر والوفاء أتوجَّه بجزيل الثناء والإطراء إلى كلِّ من خلَّف (بصمة) في هذا الكتاب، وأخصُّ منهم ولا بدَّ: أستاذيَ الكبير العالم اللغوي الأديب د. محمد حسان الطيان، الذي لا ينفكُّ يطوِّق عُنقي بأيادي فضله وكريم إحسانه، مُذ كنت طالبًا صغيرًا أجثو بين يدَيه في حلَقات التعلُّم إلى يومنا هذا، وكم طربتُ لكلماته التي صدَّر بها كتابي). أسأل ربي أن يبارك في عمره وهمَّته، وأن يتقبَّل منه عمله خالصًا لوجهه.

 

أيمن ذو الغنى مع أستاذه محمد حسان الطيَّان في منزله، عام 1993م

وفي كلية الآداب بجامعة دمشق، عام 1994م

 

أيمن ذو الغنى مع أستاذيه الدكتور محمد حسان الطيَّان، والدكتور يحيى مير علم، عام 2003م

 

10- هل لك كتاباتٌ في غير التراجم؟ وهل صدر شيءٌ منها في كتاب؟

أيمن ذو الغنى: كنت ألمَعتُ آنفًا أنني عُنيت بالكتابة في مَيدان اللغة وتحبيب العربية إلى النشء، ولي في هذا مقالاتٌ وبحوث بعضُها نُشِر في مجلَّات علمية محكَّمة وبعضها في مجلَّات وصُحف أدبية وثقافية، إضافة إلى مقالات شتَّى في قضايا أدبية ونقدية وتربوية، ومقالات فنية قصصية.

 

وقد أنجزتُ بفضل الله كتابًا بعنوان “نحو نهضة علمية وتعليمية، نظرية الدكتور عبد الله الدنَّان في اكتساب الفصحى” تناولتُ فيه التجرِبةَ الرائدة لأستاذنا القدير الدنَّان رحمه الله في اكتساب اللغة العربية الفصحى اكتسابًا فطريًّا، وما لها من أهمية كبيرة في بناء جيل متميِّز متفوِّق محبٍّ للكتاب ومُقبل على القراءة بوعي وفهم، وواثق من نفسه ومن قدُراته على التعلُّم والإبداع.

 

ولي سلاسلُ مقالات نُشرَت في بعض المجلَّات بعنوان (لغتنا الجميلة) في التثقيف اللغوي ولحن العامَّة والخاصَّة، و(أخطاء لغوية في ضبط ألفاظ السنَّة النبوية) وقد نظمَ الأخُ الشيخ محمد آل رِحاب المقالات الأخيرة في أرجوزة ستُطبَع إن شاء الله مع المقالات بعنوان: “أرجوزة كاشِفة الغِطاء في ذِكر ما يَخفَى من الأخطاء، نظم مقالات أخطاء لغويَّة في ضبط ألفاظ السنَّة النبوية”. وجمعت مقالات أُخرى في كتاب بعنوان “نثائر: خواطرُ أدبية ومقالاتٌ تربوية”، يسَّر الله صدورها جميعًا وكتب لها الرضا والقَبول.

 

 

11- عملتَ في مجال تحقيق التراث، ما أهميةُ هذا العمل، وما أثره فيك؟

أيمن ذو الغنى: تحقيقُ التراث عمل جليل خطير، ومن أشهر تعاريفه: إحياء ما خلَّفه الآباءُ من نصوص (مؤلَّفات) مخطوطةٍ (مكتوبة بخطِّ اليد)، وإخراجُها على النحو الذي تركه عليها أصحابُها، وإعادة نشرها في حُلَّة جديدة، بعد التحقُّق من صحَّة نسبة النصِّ إلى صاحبه، وسلامته من السقط والتصحيف والتحريف.

 

وللتحقيق جانبان مهمَّان ينبغي تحقُّقهما في المُقدِم على هذه الصنعة، هما: العلمُ بموضوع الكتاب المخطوط، والعلمُ بقواعد التحقيق. فلا ينبغي لمن لم يدرس الفقهَ مثلًا أن يحقِّق كتابًا في الفقه، أو للغريب عن علم النحو أن يحقِّق كتابًا فيه! وكذلك لا يجوز لمن لم يأخذ بحظٍّ وافر من الاطِّلاع على أصول التحقيق وضوابطه وأدواته والمناهج المتَّبعة فيه، أن يضعَ يده في هذا العمل.

 

والتحقيقُ يمنح صاحبه عقلًا ناقدًا، وبصيرة نافذة، ورَوِيَّة واتِّئادًا؛ فلا يعتمد رأيًا أو يقرُّ مسألة حتى يتحقَّق صوابَها ويراجع الأقوال فيها. ويُفسح التحقيقُ للمحقِّق الاتصالَ بالمكتبة العربية كلِّها على سَعَتها واختلاف علومها وفنونها. وليس كلُّ عالم محقِّقًا، فبعض العلماء في تخصُّصاتهم بعيدون عن فنِّ التحقيق، وكثيرًا ما أُتِيَ بعضُ العلماء البارزين والمؤلِّفين الجيِّدين من وَهْن صلتهم بفنِّ التحقيق، فتجد ضعفًا في مناقشتهم لمسألة ما، وخللًا في طريقتهم في الوصول إلى حُكم فيها! وحسنًا فعلت بعضُ الجامعات العربية ومنها جامعة دمشق، بإلزام طلَّابها في الدراسات العليا في الكلِّيات الأدبية أن يتناولوا في مرحلة الماجستير تحقيقَ مخطوط تراثي، وفي مرحلة الدكتوراه إجراء دراسة علمية في موضوع مُلِحٍّ.

 

وقد أفدتُّ كثيرًا من عملي في مجال تحقيق التراث العربي الإسلامي، وكان من تمام فضل الله عليَّ أن تخرَّجتُ بأساتذة وشيوخ كرام ينتمون إلى مدرستين أصيلتين في التحقيق؛ هما مدرسة العلَّامة الأستاذ أحمد راتب النفَّاخ، ومدرسة العلَّامة المحدِّث الشيخ شعيب الأرنؤوط، رحمهما الله تعالى. أما أبرزُ أساتذتي من مدرسة العلَّامة النفاخ التي هي امتدادٌ لمدرسة العلَّامة عبد العزيز المَيمَني الرَّاجَكُوتي والعلَّامة محمود محمد شاكر، فهم: الدكتور محمد أحمد الدالي، والدكتور عز الدين البدوي النجَّار، والدكتور يحيى مير علم، والدكتور محمد حسان الطيان، والدكتور نبيل أبو عمشة، والدكتور إبراهيم عبد الله.

 

وأما أبرزُ أساتذتي من مدرسة العلَّامة الأرنؤوط فهما: الشيخ المحدِّث محمد نعيم العِرق سُوسي، والأستاذ المؤرِّخ إبراهيم الزِّيبَق، وقد أسعدني دهري بالعمل تحت رعايتهم وتوجيههم في مكتب تحقيق التراث بمؤسسة الرسالة بدمشق مدَّة ثلاث سنين، في تحقيق مسند الإمام أحمد ابن حنبل بإشراف شيخنا شعيب الأرنؤوط، وصدر الكتابُ في خمسين مجلَّدًا مع الفهارس. وقد انتفعتُ في هذه السنوات الثلاث انتفاعًا كبيرًا؛ لصرامة المنهج المتَّبع في التحقيق، الذي وضعه الشيخ شعيب وطبَّقه تلاميذُه بأمانة، فللَّه الحمد حمدًا غيرَ ممنون.

 

ثم في الرياض أكرمني ربي بالعمل مع فضيلة شيخنا المحدِّث المحقِّق الدكتور سعد بن عبد الله آل حُميِّد، قرابة خمس عشرة سنة، فكان لي شرفُ المشاركة في تحقيق كتاب “العلل” للإمام ابن أبي حاتِم الرازي، الذي صدر في سبعة مجلَّدات كبيرة، وفي تحقيق أجزاءٍ من “معجم الطبراني الكبير” كانت مفقودة، وغيرها من الكتب.

 

وأودُّ أن أشيد بشيخيَّ الجليلين محمد نعيم العرق سوسي الدمشقي، وسعد بن عبد الله آل حُميِّد النجدي، فكلٌّ منهما من نوادر الرجال؛ علمًا وحِلمًا وعقلًا وفهمًا، وحِذقًا لصنعة التحقيق، مع خُلُق رفيع رضي، وعِفَّة في اليد واللسان، وتواضُع ولين جانب، وهضم للذَّات وكَبْح لحظوظ النفس، جزاهما ربي عني خيرَ الجزاء.

 

الباحثون في مكتب تحقيق التراث بمؤسسة الرسالة في دمشق، عام 1995م

الجلوس: الشيخ محمد نعيم عرق سوسي، وعن يمينه الأستاذ إبراهيم الزيبق، وعن يساره رضوان عرق سوسي. والوقوف: معتز كريم الدين، وأيمن ذو الغنى، وأنس بن مصطفى الخن، ومحمد بركات، وخالد العوَّاد

 

الشيخ سعد الحميِّد ومعه الإعلامي عبد العزيز القاسم وأيمن ذو الغنى، عام 2012م

 

12- عملتَ مدَّة لا بأس بها في شبكة الألوكة الإلكترونية.. كيف تقوِّم تلك المرحلة؟ وما أبرزُ المشاريع التي شاركت فيها؟

أيمن ذو الغنى: تجرِبتي في شبكة الألوكة تجرِبة جدُّ ثرية، فقد كنت بتوفيقٍ من الله سبحانه من المشاركين في تأسيس هذه الشبكة العلمية الثقافية الرصينة عام 1427هـ، بإشراف شيخنا الدكتور سعد بن عبد الله آل حُميِّد مشرفًا علميًّا، والأخ الشيخ الدكتور خالد بن عبد الرحمن الجريسي مشرفًا إداريًّا، وداعمًا من حُرِّ ماله بجود وسَخاء، جزاهما الله خيرًا.

 

وكان الهدفُ من إنشاء الألوكة مواكبة التطوُّر العصري في استعمال التِّقنيَّة الحديثة، وتوظيفها في خدمة العلم والمعرفة والثقافة والدعوة، واجتمع للألوكة فيما أحسب إخلاصُ النيَّة لدى مُنشئيها، مع صدق العزيمة وسَداد المنهج. ومن مَحاسن أقداري أنه كان لي شرفُ تولِّي إدارة تحريرها من بزوغ فجرها.

 

ومن أهمِّ الأسُس التي قامت عليها: تقديمُ ما ينفع الباحثين والمتخصِّصين وطلَّابَ العلم وعمومَ أبناء الأمَّة؛ من مقالات وبحوث ودراسات وكتب، واستشارات علمية وتربوية ونفسية، ومضى العمل فيها وِفاق سَنن المجلَّات العلمية المحكَّمة، فما كنا ننشر إلا الموادَّ الأصيلة التي لم يسبق لها النشر، وتمرُّ المادَّة المرسَلة بدورة تحريرية تامَّة؛ من مراجعة محرِّر متخصِّص في موضوعها، ثم عرضها على اللجنة الشرعية، ثم على قسم التصحيح اللغوي، ثم قسم الإخراج الفني.

 

وممَّا بوَّأها المكانةَ التي بلغتها أننا وضعنا نُصبَ أعيننا الردَّ على رسائل جميع المتواصلين، وإرواء غليلهم فيما يطلبون وعمَّا يستفسرون، بل كنَّا نقدِّم خِدْمات لبعض الباحثين من تصوير كتب أو اقتنائها وإرسالها إليهم في بلدانهم؛ إعانةً لهم على إكمال بحوثهم.

 

وأقامت شبكة الألوكة مسابقاتٍ علميةً وثقافية وأدبية بجوائزَ مالية كبيرة، تردَّد صَداها في أرجاء المعمورة، وكنت مقرِّرَ لجان التحكيم في هذه المسابقات، ومن أشهرها: مسابقة انصر نبيَّك وكن داعيًا (في البحوث، والقصة، والمقالة، ومشاركات النشء)، ومسابقة الألوكة الكبرى للإبداع الروائي، ومسابقة الألوكة الكبرى لتعزيز القِيَم والمبادئ والأخلاق، ومسابقة حياتنا توسُّط واعتدال، ومسابقة النفس المطمئنَّة (فرع البحوث العلمية، وفرع البحوث التربوية)، وغيرها كثيرٌ من المسابقات الموسمية والدائمة، مثل: كاتب الألوكة، والملخِّص الماهر، والمصمِّم الماهر، ومسابقة أبحِر في الألوكة.

 

وأتاحت لي الألوكة التواصلَ مع عدد كبير من العلماء والباحثين والكتَّاب من أقطار العالم الإسلامي المختلفة، فضلًا عن خبرة عملية جيدة في إدارة التحرير. وحين أنشأنا دار الألوكة للنشر (نشر الكتب ورقيًّا) سُمِّيتُ مديرًا تنفيذيًّا لها؛ ووضعنا خُطةً صارمة في انتقاء الكتب المنشورة، ثم في أن تخضع جميعًا للتصحيح أربع تجارِبَ طباعية على الأقل، وكنت أقرؤها كلَّها قراءةً حُرَّة أخيرة، فامتازت بجَودتها وبراءتها من الأخطاء المطبعية، مع حُسن إخراجها وبهاء تصميمها.

 

وأثمر هذا كلُّه ظفرَ الألوكة بثقة القارئ العربي، وقد بلغ عدد زوَّار الشبكة قرابة 45 مليون زائر سنويًّا، وباتت في المرتبة الخامسة عالميًّا في ترتيب المواقع العلمية والثقافية باللغة العربية، بحسَب أشهر مواقع التقويم، وفازت بالجائزة الثانية في (مسابقة التميُّز الرَّقْمي) التي تقيمُها وِزارةُ الاتصالات وتِقنيَّة المعلومات بالمملكة العربية السعودية منذ عام 1426هـ/ 2005م. وأسأل الله تعالى القَبولَ لكلِّ ما يسَّره لنا من عمل فيها.

 

أيمن ذو الغنى بين الشيخ سعد الحميِّد وخالد الجريسي، عام 2010م

 

13- لأيمن ذو الغنى عناية خاصَّة بالأسلوب التربوي بين الوالد والولد جديرٌ بالاطِّلاع عليه والاستفادة منه.. فنرجو التكرُّم بذكر ما تراه في هذا الخصوص.

أيمن ذو الغنى: تربيةُ الأبناء أمانة ومسؤولية في أعناق الآباء والأمَّهات، ينبغي أن يؤدُّوها على وجهها؛ إبراءً لذممهم عند الله تعالى، يومَ يُسأل كلُّ راعٍ عن رعيَّته. ومن المؤسف حقًّا قلَّةُ المبالاة بهذه المسؤولية الجليلة من كثير من الرُّعاة! ولأستاذنا الدكتور عبد الكريم بكَّار مقولةٌ بصيرة في هذا، يقول: (إني لأعجَبُ ممَّن يقتني جهازًا كهربائيًّا أو إلكترونيًّا فلا تطيب نفسُه باستعماله، حتى يقرأ دليلَ الاستعمال الخاصِّ به؛ حرصًا منه على سلامته والانتفاع به على النحو الأكمل، ثم لا يكلِّف نفسَه قراءةَ ولو كتيِّب في تربية الأولاد؛ ليثقِّفَ نفسَه في هذا الأمر العظيم، ويعرف الطُّرقَ المُثلى في حُسن التربية والتوجيه! فإن الاستثمار في الأولاد هو أعظمُ استثمار في الحياة).

 

وكان شيخنا العالم المربِّي عبد الرحمن الباني رحمه الله يقول: (إن الغاية من التربية هي إنشاءُ جيل صالح يكون وليًّا لله تعالى وحدَه). وهذا ما ينبغي أن يعملَ عليه ويسعى له كلُّ مربٍّ صادق ناصح.

 

والكلامُ في أمر التربية يطول، ولكنِّي أُلمع إلى أمر لا مَندوحة عنه، وهو أن على المربِّي أن يبذل غاية الوُسع في التربية والنصح، مخلصًا في ذلك لله تعالى، ولكن إن خالفت النتائجُ ما كان يؤمِّل ويرجو، فلا ينبغي أن تذهبَ نفسُه حسَرات، فحسبُه أنه لم يَنِ ولم يقصِّر، وله فيما ضربَ ربُّنا من أمثلة فيما قصَّ علينا من أحسن الحديث، عبرةٌ وأيُّ عبرة، فمِن رسُل الله وأولي العزم منهم، من كفرَ به أبوه، ومن كفر به عمُّه، ومن كفرَت به زوجُه، ومن كفرَ به ولدُه، فالهدايةُ بيد الله سبحانه؛ {إنَّكَ لا تَهدِي مَن أحبَبتَ ولكنَّ الله يَهدِي مَن يشاء}. وما من سلاح في هذا المَيدان أمضى من سلاح الدعاء، فمع الأخذ بأسباب التربية القويمة الرشيدة لا ينبغي تركُ الدعاء للأولاد، وسؤال الله صلاحَهم، والعَونَ على إصلاحهم، ثم تسليم الأمر له سبحانه. وصدقَ من قال:

إذا لم يكُن عَونٌ منَ الله للفَتى
فأوَّلُ ما يَجْني عليهِ اجتِهادُهُ

14- نجلك النجيب أحمد (حفظه الله)، كان أصغرَ عضو ينتسب إلى رابطة الأدب الإسلامي العالمية.. هل أخذ من ملَكات أبيه الأدبية، على ما قال الشاعر: (بأَبِهِ اقتَدَى عَدِيٌّ في الكَرَمْ = ومن يُشابِه أبَهُ فما ظَلَمْ).

أيمن ذو الغنى: كنت مضَيتُ مع ولدي أحمد على نهج أستاذنا الكبير عبد الله الدنَّان، رائد تعليم الفصحى بالفطرة والسَّليقة، بالتزام التواصُل الدائم معه بالعربية الشريفة، منذ ولادته. ثم أخذتُه بما أخذَني به سيِّدي الوالد رحمه الله، من حفظ بديع الشعر والخُطَب، مع سورٍ من القرآن وأحاديثَ من بيان سيِّد الفصحاء، وإمام الأنبياء، عليه أفضل الصلاة وأزكى السلام.

 

فنشأ طفلًا فصيحَ اللسان والجَنان، واثقًا من نفسه، متميِّزًا ومبدعًا في غير جانب. ومن أهمِّ ثمرات ذلك أنه غدا قارئًا نهمًا محبًّا للكتاب مقبلًا على المطالعة، مع اتساق القراءة السريعة لديه بالفهم العميق للمقروء، ممَّا لم أرَه إلا عند الأطفال الذين نُشِّئوا على اكتساب العربية الفصحى سليقةً، ومنهم أولادُ الأخوين العزيزين الصديقين الدكتور أحمد صوَّان والأستاذ مروان خالد.

 

وحين صار في الصفِّ الثاني الابتدائي اشترك في (مجلَّة باسم) للأطفال، وكان ينتظر وصولَ أعدادها كلَّ أسبوع بشوق كبير، وما إن تصل حتى يلتهمَ صفَحاتها التهامَ الجائع. وأحصيتُ له في الصفِّ الثالث الابتدائيِّ زُهاء 350 قصَّة قرأها في العام الدراسيِّ بتمامها! وفي الصفِّ الرابع الابتدائي أهدى إليه أحدُ أفاضل الناشرين من أصدقائي روايةً للكاتبة البريطانية العالمية (أغاثا كريستي) فقرأها في ليلتين وهي في زهاء 300 صفحة، وأُعجب بها أيَّما إعجاب، فأصرَّ على أن يقتنيَ جميع روايات الكاتبة، فضلًا عن سلسلة روايات (شيرلوك هولمز) العالمية للكاتب الإسكتلندي (آرثر كونان دويل)، وقد قرأها كلَّها.

 

وفي الصفِّ الخامس الابتدائي أخلا معلِّم اللغة العربية بينه وبين مكتبة المدرسة في حصص اللغة العربية؛ إذ وجد أن بقاءه في الفصل مع زملائه غيرُ مُجدٍ عليه؛ للبَون البعيد بين مستواه ومستوياتهم.

 

وفي الصفِّ الثاني الثانوي أُعجب معلِّمه في مطلع العام الدراسي بتميُّزه في اللغة العربية، فكلَّفه إلقاءَ درس على الطلَّاب، فحقَّق قَبولًا كبيرًا لدى المعلِّم والطلَّاب جميعًا، فصار هذا التكليف واجبًا دائمًا فرضَه عليه طَوالَ العام الدراسي!

 

ولم يقتصر تميُّزه على فصاحة النطق واللسان، إذ تعدَّى ذلك إلى فصاحة القلم والبَنان، فأنشأ وهو في الصفِّ الثاني الابتدائي قصَّةً قصيرة بعنوان (القطة اللطيفة)، ثم أتبعها بأُخرى بعنوان (القطة الجريحة)، وشارك في مسابقة للناشئة بمقالة عنوانها (أحبُّك يا رسول الله) فازت بالجائزة الثالثة، وهو في السابعة والنصف من عمره. وفي الصفِّ الخامس انضمَّ إلى نادي الصَّحَفيين في مجلَّة باسم؛ لتكون باكورةُ عمله الصَّحَفي حوارًا أجراه مع وكيل مدرسته نُشرَ على صفَحاتها.

 

وبعد حصوله على شهادة الدراسة الثانوية التحقَ بجامعة تركيَّة في إستانبول، درسَ فيها الإعلام سنتين، ثم أكمل دراسته في دورات خاصَّة رفيعة المستوى. ولا يزال وفيًّا للكتاب رفيقًا له لا يجد أُنسَه إلا بصُحبته. وهو اليوم كاتبٌ مسرحي ومخرج فني، وشارك في أعمال التَّلْسِين (الدبلجة) لبعض أفلام الأطفال الفصيحة، وأسأل الله أن يتولَّاه وجميع شبابنا، ويهديَ قلبَه لما فيه الخير له ولأمَّته.

 

الابن أحمد ذو الغنى معانقًا الدكتور عبد الله الدنَّان، عام 2002م

وضيف برنامج المنتصف بالقناة الثقافية السعودية، عام 2010م

الابن أحمد ذو الغنى يلقي مشاركته الأدبية في رابطة الأدب الإسلامي، عام 2006م

بحضور الناقدَين الكبيرين د. حسين علي محمد، ود. صابر عبد الدائم، وإدارة أ. شلَّال الحَناحِنة

 

الابن أحمد ذو الغنى يلقي مشاركته الأدبية في رابطة الأدب الإسلامي، عام 2011م

بحضور الناقد الكبير د. وليد القصَّاب

 

15- لو استقبلتَ من أمرك ما استدبرت.. ماذا كنتَ فعلت مما لم تفعل، والعكس؟

أيمن ذو الغنى: أُثِر عن الفاروق عمرَ رضي الله عنه قوله: (لا تأسَ على ما فات، إلا لتجتهدَ فيما هو آت). ولست نادمًا على فعلِ شيء قضاه الله، أو تركِ شيء شاءه سبحانه؛ فإن قضاءه لعبده كلَّه خير. على أني أنصح إخواني طلَّاب العلم أن يجِدُّوا في متابعة دراساتهم العليا حتى يحصُلوا على أعلى شهادة ممكنة، وألا يسوِّفوا في استكمالها مثلي بعد حصولهم على شهادة الإجازة (الليسانس)، مع ضرورة الحرص على تحصيل العلم، وجعله مقدَّمًا على تحصيل الشهادات.

 

16- كلمة أخيرة نختم بها هذا اللقاء الماتع الممتع، وجزاك الله خيرًا.

أيمن ذو الغنى: أودُّ في الختام أن أشكرَ لمجلة الأدب الإسلامي حُسنَ ظنِّها بي، وإتاحتها لي فرصةَ البوح عن بعض مَكنون نفسي، فلها جزيلُ شكري ووافر ودِّي. وأسأل الله لها دوامَ النهوض برفع راية الأدب الإسلامي عاليًا، فإنَّ الحاجة إليه اليوم أشدُّ إلحاحًا، والله سبحانه الموفِّق وعليه وحدَه التُّكلان، وآخر دعوانا أن الحمد لله ربِّ العالمين.

 

المحاوِر الأستاذ شمس الدين درمش، وعن يمينه المحاوَر الأستاذ أيمن أحمد ذو الغنى

مع أديب الأطفال الكبير عبد التوَّاب يوسف، والطفل أحمد ذو الغنى، عام 2006م

۞۞۞۞

 

نُشر الحوار في (مجلة رابطة الأدب الإسلامي العالمية) العدد 141، المجلة الإلكترونية، بتاريخ 18/10/2023م.



المصدر

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى