التاريخ الإسلامي

رسالة في الشاي والقهوة والدخان لعلامة الشام جمال الدين القاسمي


رسالة في الشاي والقهوة والدخان لعلامة الشام جمال الدين القاسمي

 

صدر حديثًا كتاب “رسالة في الشاي والقهوة والدخان“، لعلامة الشام “جمال الدين القاسمي” – رحمه الله – (ت 1332 هـ)، تحقيق: “محمد خير رمضان يوسف“، نشر: “دار المازري للنشر والتوزيع“.

 

 

وهي رسالة فقهية أدبية ثقافية تعد من نقل العلم، وموضوع القهوة والدخان، وقد كانا من النوازل المعاصرة التي شغلت بال العلماء بداية القرن، وانتشرت فيهما الرسائل العلمية ما بين محرم ومبيح، الأمر الذي خلّف تراثًا أدبيًا وفقهيًا يستحق الدراسة.

والقارئ يلتمسُ من كتب الشاي والقهوةِ أدبًا وتسلية، تناسبُ مجالسَ الأُنس والانبساط، ولكنَّ هذا الكتابَ ليس على تلك الصفة، فليس كلُّ ما فيه مُلَح وأشعار، بل هي لا تزيد على ثلث حجمه، فهو بحث عام فيما يخصُّ ثلاثة موضوعات: الشاي، والقهوة، والدخان، من جانب تعريفها، وتاريخها، وبيان أوصافها، وشؤونها العلمية وطبِّها، وزراعتها، وتصنيعها أو طبخها، والتجارة بها، وإمكان الاستفادة منها، وما قيل في منفعتها وضررها، وآدابها، وأحكامها الشرعية، وما قيل فيها من شعر ونثر.

وقال “القاسمي” في مقدمتها:

“أما بعد:

فهذه رسالة في الشاي والقهوة والدخان، جمعت مما قيل في شأنها ما وصلت إليه يد الإمكان، ولم يكن الباعث على جمعها الولوع بها، فإن شرب الدخان أكرهه في كل آن، والشاي والقهوة ليس لي فيهما صبوة”.

وللرسالة طبعات قديمة غير محققة: منها طبعة عام 1322 هـ – 1905م، بدون ناشر.

 

 

وقد جاءت مباحث الرسالة على النحو التالي:

خطبة الكتاب.

الباب الأول: في الشاي، وفيه عشرة فصول:

الفصل الأول: في اسمه ومادته.

الفصل الثاني: في ذكر انتشاره بين الناس ومبدئه.

الفصل الثالث: في صفته النباتية.

الفصل الرابع: في اجتناه.

الفصل الخامس: في تهيئته للاستعمال والتجارة.

الفصل السادس: في صفة الجيد منه.

الفصل السابع: في أصنافه.

الفصل الثامن: في كيفية طبخه.

الفصل التاسع: في خواصه.

الفصل العاشر: فيما نظم في مدحه.


الباب الثاني: في القهوة، وفيه ستة فصول:

تمهيد في معنى القهوة لغةً، وأبيات العملي في التحذير من دخول القهوات.

الفصل الأول: في مادتها الذي هو البن، ومنشئه.

الفصل الثاني: في صفتها النباتية.

الفصل الثالث: في صفاتها الطبيعية.

الفصل الرابع: في خواصها.

الفصل الخامس: في القطع بحل شربها.

فتوى ابن حجر والخليلي في حلها نثرًا.

فتوى النجم الغزي نظمًا.

فتوى ابن عراق نظمًا.

فتوى أبي الفتح المالكي نظمًا والرد على من يحرمها لمجرد إدارتها.

الفصل السادس: في قصائد الفضلاء ومقاطيع الأدباء في مدحها.


الباب الثالث: في الدخان، وفيه سبعة فصول:

الفصل الأول: في اسمه واشتهاره ومنشئه.

الفصل الثاني: في تاريخ ظهوره.

الفصل الثالث: في أدوات استعماله.

الفصل الرابع: في مضرات التدخين.

بيان تأثيره.

تأثيره على الجسم.

تأثيره على الفم والمعدة – تأثيره على الدم – تأثيره على الإفرازات.

تأثيره على المجموع العصبي والعضلي – نصيحة للفتيات.

نصائح الأطباء الغربيين للمدخنين.

مقالة في تأثيرات النارجيلة.

لطيفة تتضمن جوابين عن سؤالين.

فكاهة.


الفصل الخامس: في خطر تسعطه ومضغه.

الفصل السادس: في لطائف ما نظم فيه.

الفصل السابع: في حكم التدخين.

تحقيق صاحب العمدة أن الدخان نوعان – وفيه فيصل الخلاف.

قاعدة القرافي المالكي في الفرق بين المسكرات والمرقدات والمفسدات.

خاتمة بالاعتناء في جيد الهواء – وفيها فوائد مهمة.


وصاحب الرسالة هو أبو الفرج محمد جمال الدين القاسمي الكيلاني الحسني الدمشقي، وهو من أحفاد الشيخ عبد القادر الجيلاني من سلالة الحسن السبط، كان إمام الشام في عصره، نشأ مقلدًا وصوفيًا لكنه تحول لمنهج السلف، فأصبح داعيًا للعلم والاجتهاد ومحاربة الجهل والتعصب، وقف حياته على العلم والتعليم، وكان هينًا لينًا في دعوته، وبرغم ما ألحقه به أعداؤه من الجهلة والمتعصبة من أذى إلا أنه لم ينشغل بهم.

 

كان من رجالات الإصلاح في نهاية عصر الدولة العثمانية وله صلات ومراسلات بعلماء عصره المصلحين في العديد من البلدان، فقد زار لبنان ومصر وفلسطين والأردن والمدينة المنورة، ورغم قصر عمره (49 سنة) ألا أنه ألف ما يزيد عن 100 مؤلف.


ولد جمال الدين القاسمي في دمشق سنة 1282هـ / 1866م، في بيت علم وتقوى، فقد كان جده عالمًا فاضلًا، وكذلك كان أبوه، درس القاسمي بدايةً على والده الشيخ محمد سعيد القاسمي، ثم درس في مكتب بالمدرسة الظاهرية، وحضر دروس الشيخ سليم العطار والشيخ بكرى العطار شيخ الشام، والشيخ محمد الخاني الذي علمه أوراد الطريقة النقشبندية والتي تركها لاحقًا.


ولتميزه في طلب العلم وعدم اكتفائه بمكانة أبيه طلب بعض الطلبة منه أن يشرح لهم بعض مقدمات العلوم وعمره 14 سنة، فكان يدرسهم بعد المغرب قبل موعد درس أبيه.


أصبح مدرسًا في مدرسة عبد الله باشا العظيم والتي كانت إحدى حصون الدعوة إلى الإصلاح في العاصمة الأموية بحسب وصف العلامة محب الدين الخطيب إذ كان من المستفيدين منها، وكان من المدرسين فيها: العلامتان طاهر الجزائري وجمال الدين القاسمي ولكل واحد منهما غرفة يستقبل فيها تلاميذه.


وبسبب تميزه في التعليم والإصلاح تم اختياره – فيما يبدو – من قبل الوالي ضمن عدد من الفضلاء سنة 1309هـ لإلقاء دروس عامة في شهر رمضان في بعض النواحي من سوريا، فذهب إلى وادي العجم وسجل يوميات تلك الرحلة في كتاب بعنوان “بذل الهمم في موعظة أهل وادي العجم”، وفي السنة التالية اختار أن يذهب إلى قضاء النبك وألف فيها “حُسن السبك في الرحلة إلى قضاء النبك”، وطلب أيضًا في السنة التي تليها فذهب إلى بعلبك، وكرر الذهاب إليها في السنة التي تليها، ويبدو أن هذه الرحلات فتحت عيون القاسمي لأحوال البلد ومقدار الجهل والخرافة والظلم الذي يحيق بالناس.


وفي سنة 1317هـ توفي والده فحزن عليه كثيرًا، وقد قام العلامة عبدالرزاق البيطار والعلامة طاهر الجزائري بزيارة والي الشام برفقة القاسمي لتنصيبه مقام والده في إمامة وخطابة وتدريس مسجد السنانية وهو المسجد الذي كان يؤمه والده وجده من قبله، فتولى الإمامة والتدريس فيه للطلبة والعامة وألف فيه كثيرًا من كتبه وأهمها تفسيره (محاسن التأويل) بين عامي 1317-1329هـ.

 

ونجد أنه بعد تحوله للمذهب السلفي في سنة 1313 اتهم وبعض أصدقائه الذين وصفهم بالسلفيين بالاجتهاد، ولأنه كان أصغرهم سنًا فقد أوقف ليلة من دونهم، ويجب أن نلاحظ أن التهمة الأولى للقاسمي ورفاقه وعلى رأسهم الشيخ عبدالرزاق البيطار كانت هي تهمة الاجتهاد ومحاولة قراءة كتب تفسير القرآن والحديث وكتب أصول الفقه، ولم توجه لهم تهمة الوهابية إلا بعد سنوات، كما أنهم في الجلسات التي اتهموا فيها بالاجتهاد كانوا أيضًا يدرسون كتاب “كشف الغمة” للشعراني الصوفي، وهذا يؤكد تطورهم التدريجي للسلفية بترك التعصب والجمود الفقهي بدايةً.


أما ما تعرض له القاسمي ورفاقه من تنكيل من قبل الحكومة في عهد السلطان عبد الحميد وحكومة الاتحاد والترقي فقد كان شديدًا، ففي عام 1327 يتهم القاسمي والبيطار بالتحريض على تأسيس جمعية النهضة السورية المناهضة لحكم الاتحاديين والمطالبة بالاستقلال الإداري وقيام حكومة عربية، وأنهم على صلة بأمراء من نجد، فأنكر هذه التهم وبين عدم صلته بجمعية النهضة، والتي كان رئيسها محب الدين الخطيب وسكرتيرها صلاح القاسمي شقيقه الأصغر!


برغم حياة القاسمي القصيرة حيت عاش 49 سنة فقط وكانت مليئة بالحوادث والمحن، إلا أنه عُدّ علامة الشام، فقد وفقه الله عز وجل مبكرًا لطلب العلم والاطلاع الواسع ومنحه الذكاء الحاد، ويسر له معرفة منهج السلف والحق مبكرًا وهو شاب.


أما كتب القاسمي نفسه فقد زادت عن مئة كتاب، وغالبها مما يحتاجه الناس ويسد ثغرة عندهم ويقدم بديلًا عن الباطل الذي اعتادوه، ومن أمثلة ذلك:

كتاباه “منتخب التوسلات” و”الأوراد المأثورة”: فحين وجد أن الناس تتمسك بأوراد للقطب الفلاني والولي العلاني، رغب بأن يستبدل لهم ذلك بأدعية من القرآن وأدعية الفرج بعد الشدة، وسماها “منتخب التوسلات” وذلك في سنة 1315. ثم جمع أوراد الصباح والمساء وما يقال في السَّحر مما صحح وثبت، وسماها “الأوراد المأثورة” في سنة 1319، وكتب القاسمي عن ذلك: “وحبذا اليوم الذي نرى فيه لا ينتشر إلا المأثور، ولا يعتقد إلا الحق، وما ذلك على الله بعزيز”، والحمد لله اليوم غالب الفضائيات والإذاعات تنشر ما ورد في السنة الصحيحة مما تقر به عين القاسمي ولعلها تكون في ميزان حسناته إن شاء الله.

 

كتابه دلائل التوحيد: وقد كتبه سنة 1326 ردًا على مقال في صحيفة المؤيد تتضمن إنكار وجود الله وبعض الشبه عن الإسلام، وذلك حين رفض أحد كبار علماء الشام الرد بمقال على المقال الذى انتشر في آلاف النسخ من الجريدة، واكتفى بالرد عليه في درسه بالمسجد الأموي!! وهذا المنطق الأعوج لا يزال لليوم هناك من يسير عليه! أما القاسمي فقد انتصب للدفاع والرد بكتاب يطبع بالآلاف ويكون بين يدى الناس الذين يحتاجونه وهم المثقفون الذين يقرؤون الجرائد التي تنتشر فيها هذه التفاهات.


كتابه قواعد التحديث: وقد صنفه عام 1320 وراجعه مع الجزائري سنة 1324 وطبع سنة 1352، أي بعد وفاته بعشرين سنة. والكتاب يقوم على جمع كلام العلماء السابقين، وهو ما عابه محمد كرد علي على القاسمي، لكن حجة القاسمي أنه أراد أن يجابه المتعصبة الجامدين الحشويين الرافضين للبحث في الأحاديث وتمييز الصحيح من السقيم بأقوال علمائهم المتبوعين والمشهورين.


شذرة من السيرة النبوية: رسالة صغيرة ألفها وطبعها في مطبعة المنار أثناء زيارته للقاهرة سنة 1321، وكان الغرض منها أن يكون بديلًا لما يقرأ في الموالد من كتب بدعية تحتوي على الكثير من الخرافات والأكاذيب.


وهي من فصلين: إعجاز القرآن، وغرر من الوصايا النبوية، وختمها بأربع فوائد: أصل قصة المولد، التحذير من البدع في تلاوة قصة المولد، حكم القيام عند ذكر الولادة، من أحدث المولد.


إصلاح المساجد من البدع والعوائد: وذكر القاسمي أن سبب تأليف هذا الكتاب هو كثرة البدع في المساجد، مما جعل إزالتها أولوية لدى المصلحين.


موعظة المؤمنين من إحياء علوم الدين: كان القاسمي لما زار مصر سنة 1321 برفقة الشيخ عبد الرزاق البيطار التقى بالشيخ محمد عبده، وحضر بعض دروسه وزاره في بيته وأصبح بينهما صلة قوية على غرار صلة البيطار بعبده الوثيقة من قبل، ومن الأشياء التي سأل عنها القاسمي عبده: هل هناك كتاب تنصح أن ندرسه للعامة؟ فكان جواب محمد عبده: إن أحسن ما ينفع العامة كتب الغزالي بشرط تجريدها من الواهيات. ويبدو أن هذا صادف قبولًا وقناعة سابقة للقاسمي تجاه كتب الغزالي، ولذلك فبعد عودته بسنتين شرع في اختصار كتاب إحياء علوم الدين وأخرج لنا كتابه المتميز “موعظة المؤمنين”.


قاموس الصناعات الشامية: من حرص القاسمي على التأليف ونفع المسلمين ومن بره بأبيه أنه اقترح عليه تأليف كتاب في نهاية حياته حول الصناعات والحرف في الشام، فسأله أبوه كيف أفعل؟ فأجابه: تستأجر دابة وتذهب لمحل الحرفيين وتسجل أسماء الصناعات والحرف ثم تدرسها. وقد فعل والده ذلك، لكنه مات وقد وصل لحرف السين، فأتمه جمال وزوج شقيقته خليل العظم.


وقد أصبح هذا الكتاب فريدًا في بابه ولم يعرف له مثيل، وهذا يدل على سعة أفق القاسمي واهتمامه بالحياة والصناعة ونهضتها وعلم التاريخ والاجتماع، وقد قامت دراسات تحليلية كثيرة حول الكتاب عربية وغربية.


إرشاد الخلق للعمل بخبر البرق: ألفه سنة 1329 لبيان جواز الاعتماد على الوسائل الحديثة للاتصالات في نقل خبر ثبوت شهر رمضان والعيد. وهو مما يدل على معاصرته للقضايا المستجدة ومواكبته للمخترعات الحديثة، وكان طاهر الجزائري قد حثه على تأليفه.


الاستئناس لتصحيح أنكحة الناس: وذلك لبيان حقيقة الطلاق بالثلاثة وأنه لا يقع، وإلا لأصبح غالب الناس أولاد زنا، بسبب قلة دينهم.


محاسن التأويل: وهو تفسير قيم كتبه في أربع عشرة سنة، ولم يطبع إلا بعد وفاته بأكثر من أربعين سنة، وقد كانت عائلة القاسمي تعتبره كنزًا، فلما تعرض حيهم للقصف الفرنسي سنة 1925، لم يحمل أولاد القاسمي من بيتهم إلا تفسير والدهم والذي كان في 12 مجلدًا بخط القاسمي نفسه، ولم يكن له نسخة أخرى! والتزم القاسمي أن يضمن تفسيره كل ما يقع عليه من كلام شيخ الإسلام ابن تيمية وابن القيم مما يتعلق بتفسير القرآن في موضعه.


كُتب القاسمي كثيرة ولكن هذه بعضًا منها تدل على سعة أفقه ومعايشته لأحوال أمته، وحرصه على نهضتها ورفعتها من خلال التأليف كوسيلة إصلاحية، لا فائدة دنيوية من ورائها كحالنا اليوم حيث التأليف عند كثيرين وسيلة لمنصب أو ترقية أو مال، يقول القاسمي عن أحد الكتب في رسالة لمحمد نصيف: “ويعلم الحق أني لو أوتيت ما يمكنني القيام بطبعه على نفقتي لما تأخرت في طبع كل ما جمعت، ولكن يكفي (كما يقول الأستاذ طاهر الجزائري) الفقير: أن يجمع ويؤلف..”.


توفي رحمه الله تعالي في 23 جمادى الأولى 1332هـ الموافق 18/ 4/ 1914م، وكان عمره 49 عامًا، وذلك بعد مرض استمر معه عدة أشهر، ودفن في مقبرة الباب الصغير، وكانت جنازته حافلة جدًا، ونعاه أهل العلم في دمشق وبيروت ومصر والعراق.





المصدر

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى