Jannah Theme License is not validated, Go to the theme options page to validate the license, You need a single license for each domain name.
التاريخ الإسلامي

الآثار الاجتماعية للعمال


الآثار الاجتماعية للعمال

 

من المهم في ظل البحث في تأثير العمال الوافدين الثقافي والاجتماعي على مجتمعات الخليج العربية – التفريقُ الثقافي بين العمال العرب والمسلمين وبين العمال من غير المسلمين؛ “فإن هناك من ينظر من زاوية معينة، ويُغفِل غيرَها من الزوايا، والقضية برُمَّتها في زواياها الكثير من التناقض أو التعارض أو التداخل؛ فهناك مَن يركِّز على أن العمالة لها محيطها، وهي لا تنغمس كثيرًا في المجتمع الخليجي، وأنها في كثير من الأحيان تجتمع في أُطُرِها وفي جُزُرِها التي قد تكون معزولة، وهناك من يركز على أن احتكاكَ العمالة بالمواطنين أكثرُ كثيرًا من احتكاك المواطنين بعضهم ببعض، وخصوصًا في إطار العمل الخدمي المنزلي”[1].

 

مع هذا، فتأثيرُ مجتمعات الخليج العربية الثقافي والاجتماعي على العمالة الوافدة غير العربية وغير المسلمة تأثيرٌ لا يُذكر، رغم أن العَلاقة في المنظور الاجتماعي علاقةُ تأثير متبادَل[2]، ورغم قيام جهود شعبية – من خلال العمل الخيري – للتعريف بالثقافة القائمة على الإسلام التي تتبناها دول الخليج العربية، وذلك من خلال قيام مكاتب دعوة الجاليات المنتشرة في معظم دول المنطقة وإن تعددت أسماؤها، ومع ما لهذه المكاتبِ من أهمية في التعريف بثقافة البلاد، وسعيًا إلى تأقلم العامل غير المسلم مع عادات المنطقة وتقاليدها – فإن تأثيرَها يظلُّ من حيث الكَمِّ محدودًا؛ إذ إن طبيعة الوظيفة التي تقوم بها هذه المكاتب تعالج جوانبَ ثقافية فكرية، تقوم على الاقتناع.

 

بينما تأثير مجتمعات الخليج العربية وتأثُّرها الثقافي والاجتماعي على العمال الوافدين من العرب والمسلمين، مع تقليصِ فرصِ التأثير بحكم الاشتراك في الثقافة والفكر والأنماط الاجتماعية – تأثيرٌ وتأثُّرٌ واضح في السلوكيات الاجتماعية بصورة أوضح، وهو من جانب آخرَ مطروح في أنه تأثيرٌ غيرُ مرغوب فيه في دول المصدر من المجتمعات العربية والإسلامية؛ بحكم تصنيف المجتمع الخليجي على أنه مجتمع محافظ ذو خصوصية حاصرة، سعى إلى “تصدير” أُسلوبِه في المحافظة والخصوصية الحاصرة، أو ما يُوصف المجتمعُ الخليجي به بنبرة سلبية من النُّزوع إلى الرَّجعية أو السلفية أو الوهابية بمفهومها السياسي الحركي، وذلك من خلال عودة العاملين الوافدين من منطقة الخليج العربية إلى ديارهم متأثرين بهذا المفهوم في فَهم الدين والحياة[3].

 

مِن الآثار التي لا بد من التعريج عليها في هذا المقام: استخدام القوى العاملة الوافدة – من منطلق سياسي – ورقةَ مساومةٍ بين دولتي المصدر والمستقدم؛ بحيث تُستخدم عندما تكون هناك أي بوادرَ للخلاف السياسي بين الدول، الذي تعارفنا عليه أنه أقربُ الخلافات وأكثرُها حدوثًا، وأسرعها زوالًا.

 

يتمثل هذا الاستخدام المُجحِف في سحب العاملين من دولة الاستقدام في أوقاتٍ يتعذَّر استبدالُ غيرهم بهم، سواء جاء السحبُ بمبادرة من دولة المصدر، أم جاء بمبادرة من المستقدم.

 

حصل هذا الموقفُ في المملكة العربية السعودية في مطلع الثمانينيات الهجرية من القرن الرابع عشر الهجري، الستينيات الميلادية من القرن العشرين، حينما سحبت دولةُ المصدر العربية – على إثر خلاف سياسي – عمَّالَها على مختلف تخصصاتهم، مما اضطر دولةَ الاستقدام مع هذا الإجراء إلى الالتفاتِ وإلى التكثيف من الاستقدام من جنسيات عربية أخرى.

 

حصلت هذه الحالةُ بوضوح مرةً أخرى مع مطلع العقد الأول من القرن الخامس عشر الهجري (11 محرم 1411هـ)، مطلع العقد التاسع من القرن العشرين الميلادي (2 أغسطس/ آب 1990م)، عندما غزا النظام البعثي في العراق دولةَ الكويت، وأحدث شرخًا في الصَّفِّ العربي، الذي انقسم في موقفه من هذا الغزو؛ بين معارض أو مؤيد أو متوقف، من منطلق القول المأثور: (لم أردها ولم تَسُؤْنِ)، كان لهذا الغزو أثرُه على سوق العمل العربي، ليس في العراق والكويت فحسب، بل على مستوى دول المنطقة من دول المصدر ودول الاستقدام[4].

 

كما حصل مرة ثالثة في دولة قطر في نهاية العقد الأول من القرن الخامس عشر الهجري (1417هـ)، نهاية العقد العاشر من القرن العشرين (1997م)، حينما قررت دولةُ المستقدم ترحيلَ عمال البلد العربي المصدر، الذي حصلت بينه وبين دولة المستقدم خلافات سياسية[5].

 

تُستخدم القوى العاملة كذلك داخليًّا من قِبل بعضِ الأحزاب السياسية في دول المصدر على أنها ورقةُ مساوماتٍ انتخابية، وذلك عندما تظهر أصواتٌ لأحزاب المعارضة تدعو إلى إيقاف إرسال العمال خارج البلاد، أو إيقافها عن بلد مستقدم بعينه؛ بحُجَجِ تهيئةِ بيئةِ عملٍ أفضل، وما أن تزول الحملةُ الانتخابية حتى يخفتَ هذا الصوت، بل ربما أصبح طرفًا في الدعوة إلى تكثيفِ إرسال العمال إلى البلاد التي كان يدعو إلى وقف الإرسال لها أثناء الحملة!

 

تهيئةُ بيئة عمل أفضلَ مطلبٌ مُلحٌّ، وتُعالَج فنيًّا من خلال القنوات المؤثرة بين دول المصدر ودول المستقدم، بحيث تعالج بمِهنيَّة فنية؛ فلا تؤثر هذه المواقف السياسية على البعد الاجتماعي والاقتصادي لاستقدام العمال، لا سيما إذا كان العمالُ لا يتفقون أن يكونوا ورقةَ مزايدات سياسية؛ لإحراج الحزب الحاكم.

 

على أي حال، فإن هذا يوحي بقدر من قلة الوعي السياسي، واختلاط الممارسة الديموقراطية من خلال الأحزاب بتصفية الحسابات الحزبية، كل ذلك على حساب العامل الذي ينطلق إلى دول الاستقدام؛ ليعملَ وليكسب بالحلال، فيعيش ويعيش من ورائه أهلُه وذووه ومجتمعه بعد ذلك في دولة المصدر.

 

هذه التجرِبة السياسية تؤدي إلى ضعف الاطمئنان من دولة المصدر والمستقدم على حدٍّ سواء، فتتأثر حركةُ العمال، مما يتعارض مع تطلُّعات منظمة العمل العربية في فتح قنوات للعمال العرب داخل البلاد العربية، ومن ثم الحد من هجرة العمال العرب إلى البلاد الغربية، وقد حاولت منظمةُ العمل العربية إصدارَ إستراتيجية في دورتها السنوية سنة 1424هـ/ 2003م تحكم هذا النمطَ من التبادل الحيوي بين الدول العربية، الأمر الذي يرتضيه المواطنُ العربي لو سارت الأمور من منطلقها الفني البحت، بعيدًا عن المؤثرات السياسية التي طالما عصفت بالأمة، وأنستها ما هو مشترك بينها.


[1] انظر: أسامة عبدالرحمن، النفط والقبيلة والعولمة، بيروت: المؤسسة العربية للدراسات والنشر، 2000م، ص 92.

[2] انظر: أسامة عبدالرحمن، النفط والقبيلة والعولمة – المرجع السابق – ص 94.

[3] انظر: أسامة عبدالرحمن، النفط والقبيلة والعولمة – المرجع السابق – ص 94، ويتردد مفهوم الوهابية، ويطلق ابتداءً على مسلمي منطقة الخليج العربية، دون تحقيق لهذا المفهوم، ويُراد به النزوع إلى التشديد في الدين، الذي لن يُشادَّه أحدٌ إلا غلبه.

[4] انظر: علي بن إبراهيم النملة، الصراع العربي في الكويت: فرض الأفكار قسرًا، الرياض: مكتبة العبيكان، 1415هـ/ 1994م، ص 150.

[5] انظر: باقر سلمان النجار، حلم الهجرة للثروة: الهجرة والعمالة المهاجرة في الخليج العربي – مرجع سابق – ص 116.



المصدر

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى