Jannah Theme License is not validated, Go to the theme options page to validate the license, You need a single license for each domain name.
التاريخ الإسلامي

المسيح ابن مريم عليه السلام (4)


المسيح ابن مريم عليه السلام (4)

 

أشارَ الله تبارك وتعالى في كتابه الكريم إلى أن الملائكةَ عندما بشَّرت مريم بولدٍ ذَكَرتْ لها أن اسمه المسيح عيسى ابن مريم، وبهذا الاسم يتميز مسيح الهدى عن مسيح الضَّلالة الدجال، ولفظ المسيح قيل: هو عبراني ومعناه: المبارك، وقيل: إنما سُمي مَسيحًا؛ لأنه يمسح ذا العاهة فيبرأ بإذن الله، وقيل: لأنه كان مسيح القدمين؛ أي: لا أخمص لهما، وقيل: لأن الله مسحه، أي: خلقه خلقًا مباركًا حسنًا، وقيل: هو مأخوذ من السياحة وهي الذهاب في الأرض والتنقل فيها للدعوة، قال في القاموس المحيط في مادة ساح: والسياحة بالكسر والسُّيُوح والسيحان والسيحُ: الذهاب في الأرض للعبادة، ومنه المسيح ابن مريم، وقد ذكرت في اشتقاقه خمسين قولًا في شرحي لصحيح البخاري وغيره؛ اهـ.

 

وقال في مادة مسح: والمسيح عيسى صلى الله عليه وسلم لبركته، وذكرت في اشتقاقه خمسين قولًا في شرحي لمشارق الأنوار وغيره؛ اهـ.

 

وقال ابن منظور في لسان العرب: قال ابن سِيده: والمسيح عيسى ابن مريم صلى الله على نبيِّنا وعليهما، قيل: سُمِّي بذلك لصدقِه، وقيل: سُمي به؛ لأنه كان سائحًا في الأرض لا يستقر؛ اهـ.

 

وقيل: سمي المسيح مسيحًا؛ لأنه خرج من بطن أمه ممسوحًا بالدهن، كما سمي الدجال مسيحًا؛ لأنه كان ممسوح العين.

 

وسيقتل مسيحُ الهدى عيسى ابن مريم مسيحَ الضَّلالةِ الدَّجَّالَ، كما أخبر بذلك رسول الله صلى الله عليه وسلم، عندما ينزل في آخر الزمان، أما عيسى عليه السلام فقيل: هو اسم غير مشتق، وهو اسم عبراني أو سرياني، وقد حرَّفه المحرفون وقلبوه وقالوا: يسوع، وقيل: هو مشتق من العيس؛ وهو بياض تعلوه حمرة، وتسمى الإبل البيض التي يخالط بياضها شقرة عيسًا.

 

وقد أشار الله تبارك وتعالى إلى أنه هيَّأ لعيسى عليه السلام وأمه ربوة ذات قرار ومَعين، فنزلاها وسكنا فيها، والربوة المكان المرتفع، ومعنى كونها ذات قرار، أي: مستوية يستقر عليها ساكنوها، والمَعين الماء الجاري الظاهر الذي تراه العيون، ولم يرد في خبر صحيح تحديدُ مكان هذه الربوة، وبعض الناس يقول: إنَّها بيت المقدس، وبعضهم يقول: إنها غوطة دمشق وما حولها، وبعضهم يقول: إنها فلسطين، وبعضهم يقول: إنها أرض الفيوم في مصر، والعلم في ذلك عند الله عز وجل، والمقصود أن الله تبارك وتعالى يسَّر لهما الإقامة الآمنة والمَنْزِل الصالح، وفي ذلك يقول الله تبارك وتعالى: ﴿ وَجَعَلْنَا ابْنَ مَرْيَمَ وَأُمَّهُ آيَةً وَآوَيْنَاهُمَا إِلَى رَبْوَةٍ ذَاتِ قَرَارٍ وَمَعِينٍ ﴾ [المؤمنون: 50].

 

وقد أشارَ الله تبارك وتعالى إلى أن عيسى عليه السلام تعلَّم الكتابة ومنحه الله عز وجل الحكمةَ والفقه في التوراة، وعندما بلغ أشدَّه بعثه الله عز وجل إلى بني إسرائيل وأنزل عليه الإنجيل، فيه هدًى ونورٌ وموعظة للمتقين، وبشارة بسيد المرسلين، وقد أمره الله عز وجل أن يطلب من بني إسرائيل أن يحكموا بالإنجيل، وقد أيَّد الله تبارك وتعالى عيسى بالمعجزات الحسيَّة الباهرة، والآيات الظاهرة القاهرة، الشاهدة بأنه رسول مِن رب العالمين، فجاء عيسى عليه السلام إلى بني إسرائيل وأخبرهم أنه رسول الله وأنه عبده، وقد آتاه الإنجيل، وأنه لا إله إلا الله، ولا معبود بحق سواه، وأعلمهم أنه قد جاءهم بآياتٍ من ربهم تتمثَّل في خمس آيات حسيَّة، وهي:

أنه يَخلق من الطِّين كهيئة الطير فينفخ فيه فيكون طيرًا بإذن الله؛ أي: يصوِّرُ من الطين شكلَ طيرٍ، ثم ينفخ فيه فيطير بإذن الله، وهم ينظرون إليه ويشاهدونه بأعينهم، وقد أَذِنَ عز وجل لعيسى عليه السلام في تصوير صورة الطير من الطين والنفخ فيه ليطير بإذن الله؛ لتكون هذه المعجزة آية ظاهرة على أنه رسول من رب العالمين.

 

أما الآية الثانية: فهي أنه يُبرئ الأكمه بإذن الله؛ والأكمه هو من ولد ممسوح العينين لا حدقة لعينه، وإبراؤه ليبصر لا طاقةَ لأحد من الأطباء قديمًا وحديثًا عليه، فهي من أظهر المعجزات الحسيَّة التي لا قدرة للبشر عليها.

 

والآية الثالثة: هي إبراءُ الأبرص وشفاؤه بإذن الله، والبرص داء معروف؛ وهو بياض يعتري جلد الإنسان يعجز نُطسُ الأطباء عن علاجه قديمًا وحديثًا.

 

والآية الرابعة: هي إحياء الموتى بإذن الله.

 

وهذه الآيات الأربع لا قدرةَ لأحدٍ من البشر عليها في قديم الزمان وحديثه، وقد أشرت في الفصل الحادي والخمسين من هذا الكتاب عند الحديث عن معجزات موسى عليه السلام بأنه قد جَرَتِ السُّنة الإلهية في أن يبعث الله كلَّ نبيٍّ بمعجزة تفوق أعلى درجات العلم الذي برع فيه قومه؛ ليكون أظهر للحق، وليعرفوا أنه من عند الله، وأنه لا يقدر على مثله البشر؛ ولذلك أرسل محمدًا صلى الله عليه وسلم بالقرآن وجعله معجزته الكبرى؛ لأن قوم محمد صلى الله عليه وسلم قد برعوا في الفصاحة والبيان والبلاغة حتى أقاموا للخطباء والشعراء منابر في أسواق عكاظ ومجنة وذي المجاز، وكما أرسل عيسى عليه السلام بإبراءِ الأَكْمَهِ والأَبْرَصِ وإحياء الموتى بإذن الله؛ لأن قومه قد بلغوا في الطبِّ شأوًا لم يسبقوا إليه.

 

وقال ابن كثير رحمه الله في تفسير قوله تعالى: ﴿ وَيُعَلِّمُهُ الْكِتَابَ وَالْحِكْمَةَ وَالتَّوْرَاةَ وَالْإِنْجِيلَ * وَرَسُولًا إِلَى بَنِي إِسْرَائِيلَ أَنِّي قَدْ جِئْتُكُمْ بِآيَةٍ مِنْ رَبِّكُمْ أَنِّي أَخْلُقُ لَكُمْ مِنَ الطِّينِ كَهَيْئَةِ الطَّيْرِ فَأَنْفُخُ فِيهِ فَيَكُونُ طَيْرًا بِإِذْنِ اللَّهِ وَأُبْرِئُ الْأَكْمَهَ وَالْأَبْرَصَ وَأُحْيِي الْمَوْتَى بِإِذْنِ اللَّهِ وَأُنَبِّئُكُمْ بِمَا تَأْكُلُونَ وَمَا تَدَّخِرُونَ فِي بُيُوتِكُمْ إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآيَةً لَكُمْ إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ * وَمُصَدِّقًا لِمَا بَيْنَ يَدَيَّ مِنَ التَّوْرَاةِ وَلِأُحِلَّ لَكُمْ بَعْضَ الَّذِي حُرِّمَ عَلَيْكُمْ وَجِئْتُكُمْ بِآيَةٍ مِنْ رَبِّكُمْ فَاتَّقُوا اللَّهَ وَأَطِيعُونِ * إِنَّ اللَّهَ رَبِّي وَرَبُّكُمْ فَاعْبُدُوهُ هَذَا صِرَاطٌ مُسْتَقِيمٌ ﴾ [آل عمران: 48 – 51]، قال رحمه الله: قال كثير من العلماء: بعث الله كلَّ نبيٍّ من الأنبياء بما يناسب أهل زمانه، فكان الغالبُ على زمان موسى عليه السلام السحرَ وتعظيمَ السحرةِ، فبعثه الله بمعجزات بهرت الأبصار وحيَّرت كلَّ سحار، فلما استيقنوا أنها من عند العظيم الجبار انقادوا للإسلام وصاروا من عباد الله الأبرار.

 

وأما عيسى عليه السلام فبُعثَ في زمن الأطباء وأصحاب علم الطبيعة، فجاءهم من الآيات بما لا سبيل لأحد إليه إلا أن يكون مؤيَّدًا من الذي شرع الشريعة، فمِن أين للطبيب قدرة على إحياء الجماد أو على مداواة الأكمه والأبرص وبعث مَن هو في قبره رهين إلى يوم التناد… إلخ.

 

أما الآية الخامسة من الآيات الحِسيَّة التي أيَّدَ الله تعالى بها عبده ورسوله عيسى عليه السلام، فهي أنه يخبرهم بما يأكلون وبما يدَّخرون في بيوتهم، أي: يقول لأحدهم: أنت أكلتَ اليوم كذا، وتدَّخِر في بيتك لغدك كذا، مما يقطعون بأنه لا علم لغيرهم به، وقد أخبرهم عيسى عليه السلام بأن هذه آية من الله ينتفع بها مَن يشرح الله صدره للإيمان، وأن عيسى عليه السلام يؤمن بما سبقه من الكتب السماوية، ويصدق ما في التوراة، وأن شرعه يُحلُّ لبني إسرائيل بعض ما حرم عليهم في شريعة موسى عليه السلام، وأنه يشرح لهم الوجهَ الصحيحَ فيما يختلفون فيه من المسائلِ ويبيِّن لهم الحقَّ والصوابَ فيما اختلفوا فيه، وأنه مؤيَّد من الله، ثم جَرَّد لهم ما يدعوهم إليه وهو إخلاص العبادة لله وحده وامتثال ما يشرعه الله لهم على لسانه عليه السلام، وطالبهم بتقوى الله فقال لهم: ﴿ فَاتَّقُوا اللَّهَ وَأَطِيعُونِ * إِنَّ اللَّهَ رَبِّي وَرَبُّكُمْ فَاعْبُدُوهُ هَذَا صِرَاطٌ مُسْتَقِيمٌ ﴾ [آل عمران: 50، 51].

 

وإلى الفصل القادم إن شاء الله، والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته.



المصدر

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى