Jannah Theme License is not validated, Go to the theme options page to validate the license, You need a single license for each domain name.
التاريخ الإسلامي

الميثان… الجليد المشتعل


الميثان… الجليد المشتعل

 

ربما لا يَعرف بعضُنا واحات ثلج الميثان القابعة في أعماق البحار، تلك الواحات المسكونة بالجليد المشتعل المكوَّن من هيدرات الميثان، والتي تُكَوِّن جبالاً عملاقة تُقَدَّر بما يَقْرُب من 12 تريليون طن، هذه الكميات الهائلة تُعَدُّ مصدرًا عظيمًا للطاقة في المستقبل، يُمكنه أن يحلَّ محلَّ الوقود الأحفوري الموشِك على النضوب، غير أنَّ استخراج هذا الميثان قد يُسَبِّب للبشرية في ذات الوقت كارثة بيئيَّة محقَّقة، تُهَدِّد بدمار شامل لكلِّ الأحياء الموجودين على ظهر البسيطة، وقبل أن نتحدَّث عن تلك الطاقة الجبارة المدفونة في قيعان البحار، دعونا نلقي نظرة موجزة على كلٍّ من غاز الميثان وهيدرات الميثان معًا؛ لنتعرَّف على المعضلة ثنائيَّة الوجه التي تَعترض طريق استخراج جبال الثلج المشتعلة المستقرة بأعماق البحار.

 

الميثان هو ذلك الغاز الشهير الذي يمثِّل المكوِّن الرئيسي للغاز الطبيعي، والميثان النقي ليس له رائحة، وعندما يستخدم تجاريًّا يتمُّ خلطه بكميات ضئيلة من مركبات الكبريت ذات الرائحة المميزة؛ لكي يتمَّ التمكُّن من تتبُّع آثار الميثان في حالة حدوث تسريب، ويستخرج الميثان من الرواسب الجيولوجيَّة؛ حيث يكون مصاحبًا لأنواع الوقود الهيدروكربوني الأخرى، ويمكن الحصول عليه من المصادر الطبيعية، كناتج لتحلُّل المخلَّفات العضويَّة، أو من المستنقعات، أو من الوقود الحفري، و60 % من الانبعاثات التي تُنتج الميثان تَنتُج من الأنشطة البشريَّة، وخاصة الزراعية منها، ويمكن تصنيع الميثان واستخدامه صناعيًّا من خلال التفاعلات الكيميائيَّة، والميثان هو أحد غازات الاحتباس الحراري، وله القدرة على تسخين الجو بمقدار يوازي ما بين 25 – 30 مرة أكثر من تأثير غاز ثاني أكسيد الكربون، وقد تضاعَف تركيزه داخل الغلاف الجوي خلال المائتي السنة الماضية من 0.8 إلى 1.6 جزء في المليون؛ نتيجة للازدياد المُطَّرد في الأنشطة الصناعية في العالم.

 

أمَّا هيدرات الميثان – ويطلق عليها أيضًا كلاثريتات – فهي مواد بللوريَّة صُلبة، يمثِّل الماء أحد مكوِّناتها الرئيسية، وهى تُشبه الثلج، تنحبس فيها جزيئات الغاز اللاقطبيَّة داخل أقفاص الروابط الهيدروجينيَّة لجزيئات الماء، بحيث يكون فيها الجزيء المستضيف هو الماء، والجزيء المستضاف المحجوز هو الغاز، وبسبب استمراريَّة حدوث تأثيرات متبادلة بين الماء وبين جزيئات الغاز، تَظَلُّ الشبكة البللورية للهيدرات في حالة تماسُك، ولا يحدث لها انهيار، وعلى الرغم من أنَّ عملية تشكُّل هيدرات الميثان تمثِّل عملية تحوُّل طوري – تطوُّر في مراحل التكوُّن – غير متضمِّن لتفاعلات كيميائية بأي صورة من الصوَر، فإن آلية تشكُّل هذه الهيدرات ما تزال يكتنفها الكثير من الغموض حتى الآن.

 

هيدرات الميثان هذه تَقبع في قعر البحار العميقة (350 مترًا على الأقل)، ويُطلق عليها: “الوقود البحري”؛ لاختزانها كميَّة كبيرة من الطاقة بداخلها، وهى توصَف بأنها جبال “الجليد المشتعل”؛ لقابليَّتها السريعة للتطايُر والاشتعال، وهي على حالتها المجمَّدة، كما أنه عند تحلُّلها تُطلق كمية كبيرة من غاز الميثان، وتوجد ثلوج الميثان في أعماق البحار على شكل واحات فسيحة، وتتكوَّن باستمرار من خلال تجمُّد بعض الأحياء البحرية؛ بسبب انخفاض درجة الحرارة، وارتفاع الضغط في تلك البقاع المجمَّدة من البحار، ويُقَدّر العلماء اشتعال لترٍ واحد من ثلج هيدرات الميثان بإطلاقه ما يوازي 164 لترًا من غاز الميثان، والكميَّة الموجودة من وقود هيدرات الميثان تُعادل ضِعف الاحتياطي العالمي من النفط والغاز والفحم مجتمعين معًا، وهو ما يعني أنه احتياطي عملاق، ويُعَدُّ كشفًا واعدًا ومبشِّرًا للبشرية ولأجيالها القادمة، لَم يتمَّ استغلالُه قطُّ.

 

يحلو للبعض أن يطلق على هيدرات الميثان “الذهب الأبيض”، وذلك في الوقت الذي تسعى فيه دول كثيرة كالصين واليابان، وكوريا الجنوبية والهند، والبرازيل والولايات المتحدة لاستخراجه؛ لسدِّ احتياجاتها المتزايدة من الطاقة، ويأمُل الكثير من العلماء ليس في مجرَّد استخراجه واستخدامه كوقود للطاقة فحسب؛ بل يطمحون في استخلاص ثاني أكسيد الكربون من طبقات الجو، ودَفْنه مكان هيدرات الميثان، وبهذا يكون لاستخراج هيدرات الميثان فائدة عظيمة مزدوجة؛ سَد نَقْصٍ مُلحٍّ في موارد الطاقة، والتخلُّص من ملوِّثات تُهَدِّد النظام الإيكولوجي بالدمار، وتَدفعها لحافة الهاوية.

 

غير أنَّ هذه الطموحات تَصطدم بمخاوف علماء مركز “جيومار” الأمريكي، الذي لاحَظ خلال إحدى رحلاته الاستكشافيَّة ذات مرة مصادفة رقعة واسعة من المياه تُشبه السجادة، تطفو على سطحها طبقة كثيفة من البكتريا ذات الرائحة القبيحة التي تُشبه رائحة البيض العَطِن، وتتحرَّك خلالها أمواج المياه عاليةً مطلقةً دَفقات كثيفة من الفقاقيع، وبعد أن انتشَل العلماء عيَّنات من هذه البقعة المائية، اكتشفوا أنها تَختزن كميَّة كبيرة من غاز الميثان الذائب، والذي تَبيَّن فيما بعد أنه انفصَل عن أعماق البحر لأسباب مجهولة، وطفا على السطح مكوِّنًا تلك الفقاقيع المنفجرة، وغابات البكتريا الكثيفة، والرائحة النَّتنة في ذات الوقت.

 

المخاوف التي نتَجَت عن ملاحظة فريق العلماء الأمريكي لتأثير انفصال بقعة الثلج المشتعل عن موطنها الأصلي، أثارَت اهتمام بقية العلماء، وشجَّعت فريقًا منهم على الاعتقاد بأن استخراج الميثان سيكون وبالاً على البشرية، وسيمثِّل كارثة بيئيَّة سيتعذَّر التخلُّص من آثارها حتى على المدى الطويل، ومن هنا شَرَعت المراكز المتخصِّصة في البحث في مستقبل هيدرات الميثان، عن طريق تكثيف مراقبتها لجبال هيدرات الميثان القابعة في أعماق البحار، والتي تمارس أنشطة المراقبة من خلال الكاميرات التي تَنفذ إلى الأعماق وعبر أجهزة التحليل الصوتي، وقد توصَّل فريق آخر من العلماء إلى خطورة إضافية لاستخلاص هيدرات الميثان من الأعماق، وهى خطورة تغيير النظام الإيكولوجي البحري، وإحداث خللٍ جوهري فيه؛ وذلك لأن شُعب الثلج المشتعل تحوي كميات هائلة من البكتريا التي تتغذَّى عليها أصناف وأجناس شتَّى من الأحياء البحريَّة والقواقع والأصداف، ومَحْو هذه الجبال يعني نفوق هذه الأحياء واندثارها، ومِن ثَمَّ حدوث اضطرابات واختلالات في النظام البيئي البحري المستقر.

 

يشعر الكثير من العلماء بقلق بالغ للحماس غير الحذر الذي تُبديه بعض الدول لاستخراج هيدرات الميثان، كما ينظرون بعدم الرضا عن المشروعات العملاقة التي تُمَوِّلها الكثير من الدول الغنيَّة، والتي تَهْدف منها لاستخراج ذلك النفط الدفين، مُدَّعية أنها تقوم بإنجاز بيئي يحاول الإسهام في تقليل الآثار البيئية الضارة الناتجة عن تزايُد كميات ثاني أكسيد الكربون في طبقات الغلاف الجوي، وذلك من خلال تخزينه مكان الميثان؛ وذلك لأنَّ هؤلاء العلماء يرون أنه يتعذَّر كثيرًا في الوقت الحالي استثمار غاز الميثان المنطلق من هيدرات الميثان؛ بسبب الطبيعة المتطايرة والتحلُّليَّة له، فهو يتطايَر في درجة حرارة الغرفة، ويشتعل وهو ما يزال في حالته الجليديَّة، ويتحلَّل لمكوِّناته الأوليَّة بمجرَّد تعرُّضه لتغيُّر طفيف في الضغط، وكلُّ هذا يعني أنَّ رَفْعه من الأعماق سيُهدر كمية هائلة منه قبل استغلالها، ستَعلَق في الجوِّ على شكل فُقاعات طائرة، سينتج عنها ارتفاعٌ في درجة الحرارة، قد يؤدي لارتفاع مستوى سطح البحر، وغَرَق السواحل القريبة منه، وقد يَنتج عنه تفاعلات كيميائية بينها وبين مواد أخرى غير محسوبة أو معروفة؛ أي: إجمالاً تُعَدُّ عمليَّة استخراج هيدرات الميثان بهدف استثمار غاز الميثان، عملية خطيرة يصعب السيطرة عليها أو التحكُّم فيها، أو في مخرجاتها.

 

ربما يبدو هذا العرض الذي يوضِّح الأسباب التي تدفع الكثير من العلماء لرَفْض استخراج هيدرات الميثان كافيًا لأن يَنبذ الجميع الفكرة، إلا أنه يبدو أنَّ لأساطين العالم الصناعي منظورًا آخرَ يرون به الأمور على نحو يختلف كثيرًا عن منظورنا، والدليل على ذلك هو ذلك المشروع العملاق المعروف اختصارًا باسم “شوجار”، والذي تَدعمه الحكومة الألمانية بأكثر من 10 مليون يورو، والذي انطلَق في عام 2008 بإسهام فعَّال من أكثر من 30 شريكًا من الأوساط الأكاديمية والاقتصادية المرموقة، والذي يحظى بتأييد المجلس الدولي للمناخ، ويعتمد فيه متبنُّوه على إمكانية استخراج هيدرات الميثان دون أضرار تُذْكَر في حالة الإتقان التام للجوانب التقنيَّة لعملية الاستخراج تلك، وهو موضوع تحديهم الأكبر مع مَن يُخالفهم في الرأي، وهم لا يَدَّخرون وسعًا في تبرير مسعاهم بأنه يَصبُّ في مصلحة البيئة، فكل جهودهم موجَّهة لإنقاذ البيئة؛ سواء من أخطار مورد أوْشَك على النفاد، أو من خلال مخاطر غاز ثاني أكسيد الكربون الذي لوَّث طبقات الجو، وتسبَّب في حدوث ظاهرة الاحتباس الحراري، التي ما يزال العالم يعاني ويلاتها وأخطارها حتى يومنا الحالي.

 

يلوِّح بعض العلماء أمام هذا الشغف غير المسؤول من جانب البعض، باعتقاده أنَّ ثمة كارثة بيئية حلَّت بالأرض قبل ما يقرب من 55 مليون سنة، وكان سببها تسرُّب كميات كبيرة من غاز الميثان من أعماق البحار إلى أجواء الأرض، وهم في تحليلهم هذا يربطون بين الظاهرة المعروفة باسم “مثلث برمودا”، وبين ذوبان بعض جبال الثلج المشتعل في أعماق البحار والمحيطات؛ حيث يعتقدون أنَّ الفراغات الجليدية المتطايرة تَجتذب السفن المارة إليها، تمامًا كما يحدث مع الثقوب الكونيَّة السوداء التي تَبتلع الكواكب والنجوم، وقد اكتشَف بعض العلماء ثقبًا أسودَ في قعر بحر الشمال، يَجتذب إليه السفن ويُغرقها كما يَحدث داخل مثلث برمودا، كما فسَّروا حوادث سقوط واختفاء الطائرات في البحر، كطائرة الخطوط الجوية السويسرية بالقرب من هاليفكس، كنتيجة لوجود “ثقوب ميثانية سوداء”، وهي النظرية التي تحمل نفس هذا الاسم، وتحمل في طيَّاتها الكثير من الحقائق المُخيفة عن واحات الثلج المشتعل، وتدعو للحذر من التدخُّل السافر في الشأن البيئي المستقر، وتتنبَّأ بالعواقب الكارثيَّة التي ستلمُّ بالبشرية في حالة إصرارها على التلاعب بالعناصر الإيكولوجية الثابتة، وترفض بوضوح استخراج غاز الميثان من أعماق البحار، رافضة كنوز “الذهب الأبيض” وبريق “الجليد المشتعل”.





المصدر

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى