Jannah Theme License is not validated, Go to the theme options page to validate the license, You need a single license for each domain name.
التاريخ الإسلامي

المعادن الأرضية النادرة


المعادن الأرضية النادرة

 

المعادن – أو العناصر – الأرضية النادرة هي مجموعة من 17 عنصرًا كيميائيًّا، تحتلُّ أسفلَ صفين من صفوفِ الجدول الدوري؛ وقد اكتسبت صفةَ الندرة لأنَّه لم يعثر إلا على كمياتٍ قليلة منها عند بداية اكتشافِها في القرنين الثامن عشر والتاسع عشر، وبسبب قلتِها كانت مرتفعةَ الثمن وغير لافتة لانتباه كثير من العلماء، وقد احتفظتْ بهذه التسمية رغم أنها تُصنَّفُ في العصرِ الحديث باسم “العناصر اللانتانيدية” نسبةً لأول عناصرها “اللانتانيوم”، وتصنف أيضًا باسم “العناصر الانتقالية الداخلية” نسبةً لطبيعتِها وتركيبها الكيميائي، وهى مكوَّنةٌ تحديدًا من “السكانديوم” و”الإتريوم” و”اللانثانيدات”، وهي سلسلة مكونة من 15 عنصرًا كيميائيًّا، وقد تواكب معرفة هذه العناصرِ باكتشاف المعدن الأسود “إتربايت” بأحد محاجرِ قرى السويد، ومع التطورِ الصناعي بدأتْ هذه العناصرُ تجذبُ انتباهَ العلماء، وتوسعتْ عملياتُ التنقيب وتم اكتشافُ كمياتٍ كبيرة منها في قشرةِ الكرة الأرضية، وهي تتوافر – باستثناء البروميثيوم غير المستقر – بكمياتٍ تفوقُ الفضة والزئبق والرصاص، كما يحتلُّ “السيريوم” – أحد عناصر اللانثانيدات – الترتيبَ الخامس والعشرين في قائمةِ العناصر الأكثر وفرة في القشرة الأرضية.

 

يندر أن تتواجدَ المعادنُ النادرة على شكلِ رواسب خام مركزة قابلة للاستخدام، كما أنَّ استخراجَها يسببُ مشكلتين رئيسيتين:

أولهما: أنَّ استخراجَها عمليةٌ صعبة غير آمنة على من يستخرجُها، بخلافِ أنَّها تنتج سمومًا وأحيانًا موادَّ مشعة إلى الدرجةِ التي تؤهِّلُها لأنْ تكونَ واحدةً من أشدِّ عمليات التعدين تلويثًا للبيئة.

 

ثانيهما: أنَّ استخراجَها يدمِّرُ التربةَ الخصبة، ويسبب لها الجفافَ والجدب؛ لأنَّ مناجمها تكون عادة فوق سطحِ الأرض وليست مدفونةً بداخله، ويتسبَّبُ إنتاجُ طنٍّ واحد منها في فقد 300 متر مربع من التربةِ الخصبة، غير أنَّ صعوباتِ ومشكلات التنقيب عنها ثم استخراجها تقترن – من ناحيةٍ أخرى – بالأهميةِ الفائقة لها والتي أهلتها بجدارةٍ لأن يُطلِقَ عليها البعضُ “ذهب القرن الواحد والعشرين”؛ وذلك لأنَّ حياتنا اليومية المعاصرة التي تعتمدُ بشكلٍ كبير على التكنولوجيا تعتمدُ بدورها على هذه العناصرِ التي أضحت أهم وأقيم الموارد الموجودة على سطح الكرة الأرضية، والتي تتنوَّعُ فوائدُها لتشملَ كلَّ سيارةٍ وجهاز ومنزل على أرض المعمورة.

 

ولو نظرنا بشكلٍ موجز لبعضِ عناصرها فسنجد الآتي: “النيوديميوم” – بسببِ كونه ذا مجالٍ مغناطيسي عالٍ – يدخلُ في تطويرِ مكبرات الصوت وتحويلها لمكبراتٍ أقل حجمًا وأعلى صوتًا، ويجعل الأقراصَ الصلبة أصغر حجمًا وأكثر سرعة، أمَّا “اللانثانوم” فهو يُستخدمُ في عدساتِ الكاميرات والتليسكوب، و”البراسيوديميوم”، فيُستخدم في إنتاج محركات للطائراتِ أكثر صلابة، و”السيريوم” يستخدم في إنتاج المحولات الحفازة، و”الجادولينيوم” يستخدم في أجهزةِ الأشعة والرَّنين المغناطيسي.

 

وبهذا يمكننا القول إجمالاً بأنَّ الأهميةَ الحقيقية لهذه المعادنِ الأرضية النادرة تكمنُ في ترتيبِ إلكتروناتها بطريقةٍ خاصة، تمنحُ الموادَّ التي تُخلط معها خصائصَ عديدة ومهمة، غير أنَّ أهمها على الإطلاقِ هو تلك الخصائصُ التي تمنح المغناطيسياتِ قوةَ جذبٍ هائلة، تؤهلها لأن تكون – كما رأينا في الأمثلة سابقة الذكر – الوقودَ الحيوي للعديدِ مما يُعرف باسم “المغنطيسات الجبارة” والتي تستخدمُ في التطبيقاتِ الصناعية المتطورة، كما تستخدم في المعداتِ الخاصة بصناعات الفضاء والمحفزات الصناعية، وفي معداتِ الإضاءة والليزر، والرادارات وشاشات التليفزيونات، والحاسب الآلي والرَّقائق الإلكترونية وأقراص حفظ المعلومات الصلبة وأقطاب البطاريات الحديثة، كما تستخدم في الموصلات الفائقة ذات درجة الحرارة العالية، وفي تكنولوجيا البطاريات المنمنمة؛ كالكاميراتِ الرَّقمية والحواسب والهواتف المحمولة.

 

وتكمن أيضًا أهميةُ تمتع هذه العناصرِ بقوة جذبٍ مغناطيسية شديدة في أنَّ قوةَ الجذب المغناطيسية تتعلَّقُ بمعدات مجال الدِّفاعِ العسكري والأمن القومي، فالمغناطيسُ جزءٌ أساسي من محركاتِ ومولدات الطاقة الكهربائية؛ لأنَّها أداة تحويلِ الطاقة الميكانيكية لطاقةٍ كهربية، وكلما زادت القوةُ المغناطيسية في معداتِ توليد الطاقة تَمَّ الحصولُ على كفاءةٍ أعلى في كلٍّ من الإنتاج والاستخدام، لذلك يعد استخدامها ذا أهميةٍ قصوى في إنتاجِ محركات الطائرات النفاثة المدنية والمقاتلة، وفي نظم التشويش والاعتراض الإلكتروني، وفي أنظمةِ الصَّواريخِ وأنظمة الاتصالاتِ عبر الأقمار الصناعية، وفي إنتاجِ الأسلحةِ دقيقةِ التوجيه، وتكنولوجيا الشَّبح، ونظَّارات الرؤية الليلية.

 

وبجانبِ البُعد التكنولوجي والصناعي/ العسكري للعناصرِ الأرضية النادرة تكتسبُ هذه العناصر بُعدًا مهمًّا من منظوري “الطاقة النظيفة” و”التكنولوجيا الخضراء”، فهذه المعادنُ النادرة تدخلُ في صناعةِ المصابيح الموفرة للطاقة، غير أنَّ الأهمَّ هو أنها تسهم بكثافةٍ في إنتاج السيارات الهجين؛ حيت تحتاجُ بطارياتُ هذه السياراتِ لقرابة 5 أرطال منها، وهى تدخلُ في إنتاج معدات نظم الطاقة البديلة؛ كتوربينات الرياح ومعداتِ توليد الطاقة من اندفاعِ الأمواج ومن خلال المدِّ والجزر، فتسهم في جعلِها تؤدي وظائفَها بشكل أكثر كفاءة، وبأقل صيانة ممكنة في ذات الوقت.

 

تنتشرُ احتياطياتُ هذه العناصرِ في أرجاء الكرة الأرضية، غير أنَّها تتركَّزُ بشكلٍ عام في الصِّين (43%)، وخاصة بمنطقةِ منغوليا الداخلية التي تعدُّ أكبر منجمٍ للعناصرِ النَّادرةِ في العالم كلِّه، ثم تتوزع بقيةُ النسبِ بين الجمهورياتِ المستقلة عن الاتحاد السوفيتي السابق (19%) والولايات المتحدة (13) وأستراليا (5%)، والصِّين حاليًّا هي من تحتكِرُ إنتاجَ وتصدير هذه العناصر التي تُكدَّسُ في حاوياتٍ وأكياس عند تصديرها مثلها مثل الرَّملِ والإسمنت، فهي تسيطرُ على (97%) من إجمالي تجارة هذا السَّوق مسببةً إغلاق 9 مناجم من أصلِ كلِّ 10 مناجم كانت تنتجُ وتستخرجُ العناصرَ النَّادرة من قبل، وذلك رغم أنَّها لم تبدأ تطوير هذه الصناعة إلا من خمسينياتِ القرنِ الماضي، وذلك بعد أن كانت الولاياتُ المتحدة هي المسيطرة على هذا السوقِ قبل دخولها إليه.

 

ويعودُ سببُ سيطرةِ الصِّين على سوق العناصر النادرة لعدة عوامل:

أولها: هو امتلاكُها لأكبرِ مخزونٍ احتياطي منها.

 

ثانيها: هو رخصُ وتوافر العمالةِ، وساعدها هذا على خفضِ الأسعار بيسر، مما أسهمَ في عدمِ قدرة المنتجين الآخرين على تقديمِ أسعار منافِسة لأسعارها، وأدَّى في النهايةِ لإقلاعِهم عن ممارسةِ هذه التجارة وإغلاق مناجمهم.

 

وثالثها: هو أنَّ لديها قيودًا بيئية أقل من تلك التي لدى الولاياتِ المتحدة، ولديها قدرةٌ أكثر على تحمُّلِ الأضرارِ البيئية التي يسببها استخراجُ هذه العناصرِ على المناطق المحيطة بها؛ نتيجةً لضعفِ الوعي العام والوعي البيئي على وجهِ الخصوص لدى عامَّةِ جمهور الشعب الصِّيني.

 

تلاحقت العديدُ من التغيراتِ على الساحة الصِّينية خلال العقود القليلة الماضية، ومنذ عام 2006 بدأت الصِّين في خفضِ صادرتها من المعادن النادرة، وتقول الصِّين إنَّ أسبابَ هذا الخفض بيئية، وأنَّها تسعى للتقليلِ من الأضرارِ البيئية الناتجة عن عملياتِ التنقيب؛ لأنَّها لم تعد تحتملها كما كانت تفعلُ من قبل، في الوقتِ الذي يعتقدُ فيه بعضُ المحلِّلين أنَّ أسبابَ الخفض تجارية بحتة، وأنَّ الصِّين تحاولُ الاستفادةَ من احتكارها لهذا السوق وجني بعض الأرباح، سواء بتقليلِ المعروض من هذه المعادن النادرة أو بمحاولةِ الاستفادة منها ودمجها في عمليةِ التصنيع بدلاً من بيعِها كموادَّ خام، وخاصةً بعد أن عرفت أنَّ العالم بصددِ استقباله لثورةٍ تكنولوجية جديدة قادمة، سيتمُّ فيها تصنيعُ هذه العناصرِ كيميائيًّا في المعاملِ للابتعاد عن تلويثِ البيئة، ووقتها لن تستطيعَ الصِّين الاستفادةَ من مخزونِها الضخم؛ لذلك فهي تحاولُ جني بعضِ الأرباح ولو على المدى القريب.

 

غير أنَّ فئةً كبيرة من المحلِّلين تعتقدُ أنَّ أسبابَ الخفض سياسية، وأنَّ الصِّين تجعلُ احتكارَها لسوقِ المعادن النادرة سلاحًا تشهره في وجهِ خصومِها السياسيين، وهم يدلِّلون على صحةِ دعواهم بالقيود التي فرضتْها الصِّين على صادرتها من تلك المعادن لليابان والولايات المتحدة إثر نشوبِ بعض الخلافات السياسية بينهم، وعلى كلِّ الأحوال أيًّا كان التحليل الصائب من بين التحليلاتِ الثلاثة السابقة أو من غيرها، فإنَّ الصِّين على ما يبدو عازمة على المضي قدمًا في سياسةِ خفض الصادرات، وعلى الاحتفاظِ بكنوزِها الثمينة داخل حدود دولتها المترامية، وعلى تطبيقِ مقولة الزعيم الصِّيني السابق “دنج شياو بنج” في خطابِه الذي تناولَ فيه أزمةَ الطاقة في السبعينيات “لدى الشرق الأوسط نفطه، ولدى الصِّين معادنها النادرة”.





المصدر

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى