Jannah Theme License is not validated, Go to the theme options page to validate the license, You need a single license for each domain name.
التاريخ الإسلامي

الدوام الآلي والإنساني وما يترتب عليهما من إجراءات “فلسفة قانونية”


الدوام الآلي والإنساني وما يترتب عليهما من إجراءات “فلسفة قانونية

 

لا أدَّعي أنني عالم بالمجال القانوني، كمعرفتي إلى حد ما بالمجال الأصولي والفلسفي والتربوي والإداري كناحية تخصيصية يلزمك العمل بالتعرف عليها لتتماشى مع اللوائح والأنظمة المسيرة للعمل، فتسير في الاتجاه الصحيح، وتحدد قدر الإمكان الفجوات التي ربما تظهر هنا وهناك، وتحاول مع فريق العمل أن تردم تلك الفجوات ردمًا كاملًا، أو تقلل قدر الإمكان تلك الفجوات، وبمقدار اقترابك من تضييق تلك الفجوات وتلاشيها بمقدار ما يكون إنجازك مع فريق العمل.

 

ولا شك أن من أساسيات نجاح العمل المؤسسي فهم الفلسفة القانونية التي تنطلق منها المؤسسة أو المنظمة، وترسيخ تلك الفلسفة وتداولها بين أفراد المؤسسة رئيسًا ومرؤوسًا حتى تتحوَّل إلى سلوك عملي بعدما كانت مجالًا تصوريًّا لأفرادها.

 

وهنا تكون القيمة لتلك الفلسفة القانونية في تسيير آلية العمل بين الرئيس والمرؤوس في المنظمة، وما يلحق ذلك من إجراءات ومصالح مشتركة للطرفين لإنجاز مهام العمل على أكمل وجه قدر الإمكان.

 

وحيث إن المنظمات البشرية في المؤسسات ودوائر العمل كانت تنطلق في فلسفتها القانونية في إدارة العمل وضبط دوام الموظفين على لوائح ونظم ودساتير محددة، وإن كانت واضحة في بعض المؤسسات النشطة والفاعلة بحيث إن أصغر موظف في السن والرتبة والدرجة يُلِمُّ بهذه الثقافة الفلسفية القانونية للمؤسسة أو المنظمة أو الدائرة كما يلم بها الخبير كناحية نظرية وإن كانت خبرته هي التي تميزه عن غيره، والإنتاجية في تلك البيئات مقبولة إلى حد ما إذا لم تكن مرتفعة، إلا أن هذه الثقافة القانونية وفلسفتها في بعض المؤسسات أو المنظمات ظلت باهتة وضعيفة؛ ومن ثم فإن الإنتاجية في الغالب لتلك المؤسسات أو المنظمات متدنية مقارنة مع تلك المؤسسات والمنظمات التي أصبحت الفلسفة القانونية ثقافة سائدة بين أفرادها!

 

ولكن السؤال الذي يطرح نفسه بقوة وجدارة، وهو يعتبر في لغة البحث العلمي متغيرًا مستقلًّا يؤثر في غيره إيجابًا وسلبًا، بماذا كانت تدار تلك اللوائح والأنظمة والدساتير في تلك المؤسسات أو المنظمات أو الدوائر، حكومية كانت أو أهلية أو اجتماعية أو غير ذلك لإنجاز العمل ورفع تلك الإنتاجية إلى درجة التنافسية؟! وما علاقة هذا بفلسفة المنظمة أو المؤسسة أو الدائرة في التطبيقات العملية لتلك الفلسفة القانونية؟!

 

إن الإجابة عن هذا التساؤل محور جوهري؛ لتحديد الفلسفة التي كانت تُدار بها تلك الجهات، وما يترتب عليها من تبعات لتحقيق الإنجاز وتحقيق الهدف المنشود.

 

فإذا نظرنا إلى تلك اللوائح والدساتير والأنظمة فيما يتعلق بدوام الموظفين؛ فإنها كانت تُدار بالجانب الإنساني لدى الجميع، باختلاف درجة تطبيق ضبط هذا الجانب من شخص إلى آخر، ولكن في نهاية الأمر، يبقى الإنسان كائنًا بشريًّا يؤثر ويتأثر بالمواقف الحياتية إيجابًا وسلبًا، ويبقى العنصر الإنساني مؤثرًا لدى أصعب إداري يباشر تطبيق تلك اللوائح والأنظمة بحذافيرها وإجراءاتها النظامية، ومن يبقى هنا وهناك مجالًا للأخذ والعطاء، وتبادل المصالح بين المنظمة والموظف لإنجاز العمل، ولو كان خارج وبعد الدوام الرسمي، لوجود جانب من العلاقات الإنسانية بين المنظمة والموظفين رئيسًا ومرؤوسًا؛ لأن مَنْ يتحكَّم في إدارة تلك الجهات وإن كانت مطبقة للوائح والأنظمة هو الجانب الإنساني الذي ذكرت صفاته سابقًا، وتأثره بالجانب الإنساني مهما كان مطبقًا لتلك اللوائح والأنظمة والدساتير!

 

أما الآن في التوجُّه الحديث، فأصبح كثيرٌ من المؤسسات أو المنظمات أو الدوائر، حكومية أو اجتماعية أو أهلية أو غير ذلك تُدار بالجانب الآلي لدوام الموظفين من خلال كاميرات مراقبة بالبصمة بالوجه أو الصوت أو الأصبع أو برامج تعتمد على أحدث تقنيات إنترنت الأشياء والسمات الحيوية؛ لاستخدامها في عمليات رصد ساعات العمل بهدف ضبط الموظفين حضورًا وانصرافًا والالتزام بأماكن العمل المخصصة في أثناء الدوام، من خلال تحديد أماكنهم بدقة عبر الموقع الجغرافي على الهاتف المحمول في أثناء تسجيل الحضور، ومن ثم تجنُّب الخداع وترك أماكن العمل!

 

ولذا برمجت بها تلك الأنظمة وتحوَّلت اللوائح والأنظمة والدساتير في تلك الجهات المطبقة من النظام الإنساني الذي يُراعي الحالات ويُقدِّر الظروف ويعطي ويأخذ من الموظف إلى الضبط الآلي المجرد القائم على الأجرة مقابل العمل بعيدًا عن الجانب الإنساني الذي كان يقدره من يدير النظام قبل أن يتحوَّل إلى إدارة آلية مجردة لن يكون لها تقدير في تلك الآلة التي تدير النظام حضورًا وانصرافًا وما بينهما في موقع الموظف المخصص له البقاء به في أثناء العمل!

 

وجميل ذلك النظام لضبط حضور وانصراف الموظف وما بينهما كساعات عمل محددة، حسب برمجة الجهة المختصة لساعات العمل، والأجمل من ذلك أن يُستفاد فعلًا من وجود الموظف والتزامه بمقر العمل لترتفع الإنتاجية في تلك المؤسسة أو المنظمة، عندما تجد من يحسن إدارة الموظفين ومتابعة ذلك، ويوزع العمل، ويهتمُّ بالجوانب التحفيزية للموظفين؛ فهم بين يديه موجودون رضي الموظف أو لم يرضَ، وأصبح الموظف متصلًا في البقاء أو المغادرة بمراقبته للنظام، بعيدًا عمَّن يدير العمل، وربما لا يلتقي بمن يدير العمل كما كان سابقًا، حيث إنه كان يحتاج إلى سجل الدوام الموجود عند المدير أو الرئيس، لتوقيع الحضور والانصراف أو نحو ذلك، أما الآن فلا يحتاج إلى ذلك!

 

هذه مقارنة عاجلة بين نظام إدارة الموظفين بالجانب الإنساني، وبين إدارتهم بالجانب الآلي حضورًا وانصرافًا وما بينهما، والفلسفة القانونية التي بدأت تنتشر في أوساط المؤسسات أو المنظمات أو الدوائر، حكومية أو اجتماعية أو غير ذلك، وهو حق لا مراء فيه، ولا ينكره العقلاء من الموظفين أن وقت الدوام محدد بالساعات المعتمدة في النظام الآلي؛ ومن ثم فلا يملك من يدير العمل التجاوز والتسامح؛ لأن النظام الآلي سيحسب ذلك دون تدخُّل، ومن ثم سيبقى الموظف الفاعل والمنتج وغير ذلك لتلك الساعات المحددة في دائرة العمل!

 

ولكن السؤال الذي يطرح نفسه أيضًا: هل ستُنجز جميع الأعمال، وتحقق تلك الجهات القفزات والإنجازات التي كانت تحققها كناحية تنافسية في أثناء دوام الموظف، أم أنها ستكون في حاجة ماسة لوجود الموظف معها خارج الدوام على هاتفه وجهازه الخاص ووقته الخاص لتكمل الإنجاز وتحقق التنافسية؟!

 

وهنا يكون المحك الحقيقي؛ فالثقافة الآلية للتعامل مع الموظف تنتهي بانتهاء الدوام الرسمي؛ فلا علاقة للموظف بما هو خارج الدوام إلا في حالة مبدأ الأجرة مقابل العمل؛ ومن ثمَّ فكل عمل خارج وقت دوامه يلزم منه أجرة إضافية يحددها النظام كما حدَّد دوامه الرسمي آليًّا تدفع للموظف مقابل ذلك العمل، وهو حق من حقوقه، كما أن النظام الآلي يتعامل معه في ضوء ذلك المبدأ.

 

فالنظام الآلي سيحسم عليه في حالة التأخر، فكذلك الفلسفة القانونية أن يعطى مقابلًا بعد انتهاء الدوام الرسمي إن احتاج الأمر إلى إنجاز خارج أوقات الدوام!

 

فيتحوَّل الأمر إلى فلسفة قانونية كما تحوَّل الأمر إلى فلسفة قانونية نظامية ١٠٠٪؜ ببقائه والالتزام بالعمل حضورًا وانصرافًا وما بينهما؛ فكذلك تتحوَّل فلسفة قانونية بالمحافظة أيضًا على وقت الموظف خارج الدوام، وبأن الإنجاز وما يتعلق بالعمل يكون داخل أوقات العمل، كما ينص النظام على ذلك، وما أحتاج إلى خارج الدوام الرسمي للإنجاز إن دعت الحاجة إلى ذلك؛ فيحسب للموظف كما يحسب عليه!

 

كانت هذه مقارنة سريعة بين النظام الذي يُدار بالجانب الإنساني، وما له وما عليه في العموم، والنظام الذي يُدار بالجانب الآلي، وما له وما عليه.

 

وهو توجُّه عالمي لإدارة الموظفين والمحافظة على أوقات الدوام حضورًا وانصرافًا وما بينهما من أجل زيادة الإنتاجية وجودة العمل.

 

فعسى أنني وفقت في طرح الفلسفة القانونية للنظامين وما لهما وما عليهما، وما يترتب على كل فلسفة؛ ليحفظ الجميع نظامًا وموظفًا ما له وما عليه؛ ليكون الإنجاز حاضرًا، والإنجاز لا يكون حاضرًا إلا بمقابل من الوقت والجهد والمال والمحافظة عليها معًا، في وجود الكادر البشري المؤهل، هذا وبالله التوفيق.





المصدر

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى