Jannah Theme License is not validated, Go to the theme options page to validate the license, You need a single license for each domain name.
التاريخ الإسلامي

الجامع في بواعث إعجاب الكفار بالإسلام (3)


الجامع في بواعث إعجاب الكفار بالإسلام (3)

كان لشخص النبي – صلَّى الله عليه وسلَّم – وصفاته أثرٌ كبير في إعجاب الكفَّار بالإسلام، فقد جَمَعت ذاتُه الشريفة – صلَّى الله عليه وسلَّم – خصالَ الخير وصفات الكمال في البشَر، حتى حَملتْ أخلاقُه وصفاتُه أعداءَه على تعظيمه والشهادة له.

 

إنه لا يطالِعُ أحدٌ سيرته إلاَّ ويُسجِّل إعجابه به – صلَّى الله عليه وسلَّم – وإنْ لَم يؤمن به أو يتبعه، حتَّى لقد كان كفَّار مكَّة الأُوَل يعرفون صِدْقَه من أخلاقه ونقاء نفسه، فلم يُجرِّبوا عليه في الجاهلية كذبًا، أو يعهدوا عليه فجرًا أو خيانة، ويَذْكرون هذا بينهم وهم يَكْفرون برسالته، وقد سجَّلَ تعالى في كتابه العزيز تلك الشَّهادات، فقال – عزَّ وجلَّ -: ﴿ قَدْ نَعْلَمُ إِنَّهُ لَيَحْزُنُكَ الَّذِي يَقُولُونَ فَإِنَّهُمْ لاَ يُكَذِّبُونَكَ وَلَكِنَّ الظَّالِمِينَ بِآيَاتِ اللهِ يَجْحَدُونَ ﴾ [الأنعام: 33].

 

فلا يكذِّبونه، وإن كفروا وجَحدوا بِما جاءهم به.

 

وتختلف رُؤَى الكُفَّار في كلِّ زمان لجوامع أخلاقه – صلَّى الله عليه وسلَّم – والانبهار بصفاته، فمِن مُعْجَب بِحِلْمه، وآخَر بِزُهده، وثالثٍ بعقله، وتتَّفِق كلمة مُنْصِفيهم على عظمته وعلوِّه على كلِّ بشَر كان وسيكون.

 

أخلاق جامعة:

فشهدوا له – صلَّى الله عليه وسلَّم – بأخلاقه الجامعة، شهدوا له بعِفَّتِه عن كلِّ ما حرَّمه على أُمَّتِه، وبِزُهده في الدُّنيا، وتواضعه مع الصَّغير قبل الكبير، وكرَمِه وبذْلِه ما في يده وما يَمْلكه، وبشاشته وسهولة طبْعه، ووفائه وحُسن تعَهُّده لكلِّ مَن حولَه، شهدوا له كأحسن ما يُشهد لبشر.

 

تلك الأخلاق التي اهتزَّتْ لها مشاعر العدوِّ الغليظة أمام عدوِّه، فشهد له بأحسنها، وخضعت كلُّ كلمات الإعجاب والانبهار لِمَقامه الشريف – صلَّى الله عليه وسلَّم – فيُتخيَّر منها ما يُناسبه – صلَّى الله عليه وسلَّم – ويُغلق الباب دون غيْرها.

 

صفات عالية:

كما شهدوا له – صلَّى الله عليه وسلَّم – بِعُلوِّ صفاته على كلِّ صفات، شهدوا له بِهمَّتِه العالية، وبصَرِه النَّافذ، وصِدْق نفسه، وشجاعته في الحقِّ، وإحسانه إلى الخَلْق، شهدوا له بصفات الكمال حتَّى لكأنَّهم ارتابوا في بشريَّته!

 

أثر كبير:

كان من إعجاب الكُفَّار بشخصه – صلَّى الله عليه وسلَّم – الأثر الإيجابي الَّذي تركَتْه نفْسُه الشَّريفة في أصحابه – رضي الله عنهم – والمؤمنين من بعدهم، هذا الأثَرُ القائم على حُبِّهم له وتقديمه على أنفسهم وأموالهم وأهليهم.

 

هذا الأَثَر في تغيُّر الطِّباع والأخلاق والصِّفات إلى ذروة ما يُطلب ونِهاية ما يُقصد منها، هذا الأثر في توحيد النُّفوس والأرواح على اتِّباعه وحْدَه – صلَّى الله عليه وسلَّم – وترك ما خالف قولَه أو فِعْلَه، أو حتى مُجرَّد إقراره بالفعل أو التَّرك.

 

حضارة عُظْمى:

وكان مِن أثر النبِيِّ – صلَّى الله عليه وسلَّم – في أُمَّتِه إيجادُ أكبر حضارة عرفَتْها الدُّنيا واتَّسَعت لها الممالك، حضارة تُلائم الإنسان وتغذِّي حاجاته الفطريَّة، حضارة أخلاق وبناء، وعَدْل وإحسان، حضارة جمعَتْ بين متطلَّبات الجسد والرُّوح معًا، حضارة امتدَّت من نحو أربعة عشر قرنًا تَحْمل رسالة واحدة للدُّنيا بأسْرِها، وإن اختلفتْ وسائلُها لاختلاف الواقع الذي تعمل فيه، وإن ضعفتْ ثِمارُها اليوم؛ لِضَعف إعمال ثوابتها في أهلها.

 

تلك الحضارة التي أعْلَتْ من قيمة الإنسان – كلِّ إنسان – في جوانب الأخلاق والتصوُّرات، وفي جوانب العلم والبناء، وأسْهَمت في إحياء علومٍ وابتكارات أخرى، فاستفادَتْ منها الأمم، وبُنِيَت على تجربتها نهضات إصلاحيَّة وعلمية حديثة.

 

تلك الحضارة هي التي استخرجت أكبَر الشهادات من أبناء الأُمَم الأخرى، مِمَّن كفر بِها وببانيها، استخرجت شهاداتِ إعجابٍ وانبهار بتصوُّراتها التي قامتْ عليها، وعملها الذي أنتجَتْه، وخدمت به البشريَّة جمعاء.

رجال الإسلام:

إنَّ الباحث الغَرْبِي أو غيْرَ المسلم ليَعْجَب ويَنْبهر من القَدْر الكبير للرِّجال العُظَماء الذين أخرجهم الإسلام؛ لِيَقودوا أُمَّةً كاملة، فكانوا بحقٍّ إعجازًا جديدًا يُضاف إلى رصيد الإسلام في القلوب والعقول.

 

ولقد سطَّرَت كتبُ التواريخ والأحداث أروعَ التَّراجم لرجال الإسلام قديمًا وحديثًا، من الأُمَراء والعلماء، والمُجاهدين والمصلحين، هؤلاء العُظَماء الذين تربَّوْا على هَدْي الإسلام، فاستحقُّوا أن يكونوا جزءًا منه ينسب إليه فَضْل وجودهم وأعمالهم.

 

ومنهم مَن ينتظر:

يقول ربُّنا – تبارك وتعالى -: ﴿ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ رِجَالٌ صَدَقُوا مَا عَاهَدُوا اللهَ عَلَيْهِ فَمِنْهُمْ مَنْ قَضَى نَحْبَهُ وَمِنْهُمْ مَنْ يَنتَظِرُ وَمَا بَدَّلُوا تَبْدِيلاً ﴾ [الأحزاب: 23].

 

ولا يزال الإسلام يصنع رجالاً يبهرون الدُّنيا، ويسجِّل فيهم العدوُّ الشهادات والتَّزكيات؛ مِصْداقًا لقول النبِيِّ – صلَّى الله عليه وسلَّم -: ((لا يزال الله يَغْرس في هذا الدِّين غرسًا، يستعملهم فيه بطاعته إلى يوم القيامة))؛ أخرجه أحمد وابن ماجه من حديث أبي عِنَبة الخولاني، وحسَّنَه الألباني في “صحيح الجامع”.

 

وقوله – صلَّى الله عليه وسلَّم -: ((أمتي كالمطر، لا يُدرى أوَّله خيْر أم آخره))؛ أخرجه الطَّبَراني في “الأوسط” وغيْرُه من حديث أبي نجيد، ورُوِي من حديث غيره، وصححَّه الألباني في “السلسلة الصحيحة”.

 

كتاب الله:

ولقد آثَرْتُ أن أختم بالحديث عن كتاب الله تعالى؛ لأنه صانع الأمَّة، وبانيها، وتاريخُ رجالِها، وحضارَتُها.

 

ولقد شهد الكُفَّار عَبْر كلِّ زمان لِهَذا الكتاب المعجز، شهدوا له بِمضمون أوامره ونواهيه، وشهدوا له بِحُسْن بيانه وعلوِّ مقامه، شهدوا له بإعجازه الكامل، ومَيْل القلوب إليه، وقوَّة حُجَّتِه، ولُطْف إشاراته، شهدوا له بعَجْزِهم عن أن يأتوا بِمِثله ولو كان بعضهم لبعض ظهيرًا.

 

وبعدُ، فتلك جوامِعُ بواعث الكُفَّار في الإعجاب بدين الإسلام، كان الغرض من جَمْعِها دون التقيُّدِ بلفظِها – إحياءُ ما حَملَتْه من معانٍ غفَل كثيرٌ من المسلمين عنها في غمرة الغفلة الجامعة التي أصابتنا جميعًا إلاَّ من رحم الله.

 

وهناك كتابٌ باسْم “وشَهِد شاهدٌ من أهلها“، طبعَتْه نَهْضة مصر، وهو جامعٌ لكثيرٍ من تلك الشهادات، يُمْكِن الاستفادة منه في هذا الباب لمن يرغب، والحمد لله ربِّ العالمين، وصلِّ اللهم وسلِّم على نبيِّنا محمد وعلى آله وصحبه ومن تَبِعَهم بإحسان إلى يوم الدين.





المصدر

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى