التاريخ الإسلامي

اللباب في شرح الكتاب شرح لمختصر القدوري في الفقه الحنفي


اللباب في شرح الكتاب شرح لمختصر القدوري في الفقه الحنفي

 

صدر حديثًا كتاب “اللباب في شرح الكتاب”، شرح لمختصر القدوري في الفقه الحنفي، تأليف: “عبد الغني الغنيمي الميداني”، تحقيق: أ.د. “سائد بكداش”، في خمسة مجلدات، نشر: “دار السلام للنشر والتوزيع”- مصر.

 

وكتاب (اللُّباب في شَرْح الكتاب) شرحٌ لمختصر القُدُوري في الفقه الحنفي، و(مختصرُ القُدُوري) للإمام الجليل أبي الحسين القدوري، (362هـ – 428هـ)، من أشهر المتون المعتبرة المعتمدة في المذهب الحنفي، وأرفعِها وأيَمْنِها، ومن أجملِها وأحسنِها، وأكثرها شهرةً وانتشارًا وقبولًا، حتى قَرَّت به العيون، واطمأنَّتْ إليه القلوب.

وكان من أشهر شروحه المتأخرة المتوسطة في حجمًا واستدلالًا، التي كُتِب لها القبول العجيب: كتاب: اللبابُ في شَرْح الكتاب، للعلامة الشيخ عبد الغني الغُنَيمي الميداني الدمشقي، (1222هـ – 1298هـ)، تلميذ “ابن عابدين” صاحب “الحاشية” المشهورة، وقد عَمَّت رغبة الفقهاء إليه، فقرَّروه في كل مكان، وأصبح كتابَ الدرس، ومن مزاياه: اهتمامه بذِكْر المعتمَدِ المفتى به في المذهب الحنفي.

ويعد هذا الشرح من أهم شروح “المختصر”؛ فقد حل ألفاظه، وشرح معانيه، وبين الأحكام التي لا يحتوي عليها، وجاء لها بالأدلة الشرعية، وبيَّنَ آراء أصحاب المذهب الحنفي.

يقول “الميداني” في مقدمة شرحه للمختصر:

“أما بعد: فإن الكتاب المبارك للإمام القدوري، قد شاعت بركته حتى صارت كالعلم الضروري، ولذا عكفت الطلبة على تفهمه وتفهيمه، وازدحموا على تعلمه وتعليمه، وكنت ممن عكف عليه الأيام الكثيرة، ودأب على التردد إليه حتى أسر إليه ضميره، فرأيت بعض جواهره قد خفيت في معادنها، وبعض لطائفه قد استترت في مكامنها، وكان كثيرًا ما يخطر لي أن أتطفل عليه بجمع بعض عبارات تكون كالشرح إليه، لتفضيل مجمله، وتقييد مطلقه، وإيضاح معانيه على وجه التوسط، مع الإيضاح بحيث يكون معينًا لمعانيه، إلا أنه كان يمنعني أني لست من أهل هذا الشأن، وقصير الباع في هذا الميدان، ثم جرأني على اقتحام هذا المقام، رجاء الانتساب بالخدمة لذلك الإمام، تشبثًا بأذيال بركته، تيمنًا بخدمته، فاستخرتُ الله تعالى، وجمعت من كلامهم ما يدل على مقصودهم ومرامهم، مع زيادة ما يغلب على الظن أنه يحتاج إليه، وتحري ما هو المعتمد والفتوى عليه، وضم ما جمعه العلامة قاسم في كتابه “التصحيح” من اختيارات الأئمة لما هو الأرجح والصحيح، ولم آل جهدًا في التهذيب والتحرير، وتحري ما هو الأظهر والأوضح في التعبير…”.

وبذلك يتضح لنا أن “اللباب” هو “شرح مزجي” بين عبارته وعبارة مختصر القدوري، مع براعة تامة في هذا المزج، بحيث لا يشعر القارئ في الغالب وهو يقرأ في “اللباب” إلا بتسلسل تام، وانسجام مرتب منظم بين عبارات المختصر والشرح دون أي انقطاع.

وهو شرح متوسط، وهو في توسطه أقرب إلى الاختصار منه إلى الإطالة، مع تحري الشارح الأظهر والأوضح في التعبير، كما أن الشارح “الميداني” زاد مسائل وفروعًا فقهية كثيرة على مختصر القدوري، رأى الحاجة إلى إضافتها، ويأتي بها في الغالب من كتب المذهب الحنفي كـ”الهداية” و”الجوهرة المنيرة” و”الدرر والغرر”.

ويهتم “الميداني” بذكر مناسبات لطيفة لعناوين الكتب والأبواب الفقهية الموجودة في مختصر القدوري، ويربط بعضها ببعض، مبينًا من غير إطالة سبب تقديم هذا أو تأخيره، وهو ما يسمى بمناسبات ترتيب الموضوعات.

كما يبين الشارح المعنى اللغوي لعنوان الكتاب الذي يشرحه، مع ذكر المعنى الاصطلاحي الشرعي له، مع ضبط الكلمات المشكلة، وشرح الألفاظ الغريبة.

وقد صرح “الميداني” في المقدمة أنه يهتم بتفصيل مجمله، وتقييد مطلقه، وإيضاح معانيه على وجه التوسط، وهو في ذلك كله لم يأل جهدًا في تهذيب العبارات وتحريرها وتنقيحها.

مع اهتمام الشارح بالتدليل لمسائل مختصر القدوري بأدلة نقلية وعقلية، أو ما يسمى بالرواية والدراية.

وقد حقَّقَ أ.د. “سائد بكداش” المتنَ والشرحَ على عدة نُسَخٍ خطية نادرة، مع وَضْع المتن أعلى الصفحات، ومع دراسةٍ فريدةٍ عن المتن وشَرْحه في (560) صفحة، وتمَّ اللباب في (5) خمسة مجلدات.

و”عبد الغني الغنيمي الميداني” (1222هـ – 1298هـ = 1807م – 1881م) هو فقيه حنفي أصولي. ولد وتوفي بدمشق، بعد تمييزه بقليل وقراءته القرآن الكريم، قرأ على الشيخ عمر أفندي المجتهد، وعلى الشيخ سعيد الحلبي، وعلى الشيخ عبد الغني السقطي، وعلى العلامة ابن عابدين، صاحب “رد المحتار على الدر المختار”، وعلى الشيخ عبد الرحمن الكزبري، وعلى الشيخ حسن البيطار، ولازمه ملازمة تامة، وكان يكثر المديح في حقه، ولما طلب منه الإجازة حضرة السيد سلمان أفندي القادري نقيب بغداد كتب له بها أسماء مشايخه الذين تخرَج عليهم، ولما ذكر الشيخ حسن البيطار قال: “وكان جل انتفاعي به”.

كان محلَّ ثناءٍ عظيم في حياته وبعد مماته، قال العلامة الشيخ عبد الرزاق البيطار في وصفه: “بحر علم لا يُدرك غوره، وفلك فضل على قطب المعارف دوره، لم يقنع بالمجاز عن الحقيقة، حتى تبوأ البحبوحة من تلك الحديقة. ولديه من المعلومات ما يشق على القلم حشره، ويتعسر على الألسنة نشره، وتأليفاته التي يحق لرائيها أن ينافس بها ويفاخر، محشوة من الفوائد بما يعقل الأفكار ويقيد الخواطر”.

وقال العلامة الشيخ محمد سعيد الباني في معرِضِ كلامه عن شيخه الشيخ طاهر الجزائري:

“وكثيرًا ما سمعت الفقيدَ – الشيخ طاهر الجزائري تلميذ الغنيمي – يطريه – أي الغنيمي – ويثني عليه بأنه من العلماء المحققين الواقفين على لباب الشريعة وأسرارها، وأخبرني أنه حينما حضر عنده “التلويح” للسعد التفتازاني على “توضيح التنقيح” لصدر الشريعة في أصول الفقه، وجد منه تحقيقًا يُعرب عن غزارة علمه وارتقاء فكره، غير أنه كان يؤثر الخمول على حب الشهرة والظهور، فلا يرغب في المناقشة والتفصح في المجالس الحافلة، ولكنه إذا سئل على انفراد عن عويصات المسائل تجد منه حَلَّالَ المعضلات وكشافَ الأستار عن الأسرار، فلزمه الفقيرُ وتلقى عنه ما تلقى حتى تخرَّج به”.

وقال العلامة الشيخ محمد أديب تقي الدين الحصني في وصفه:

“له مؤلفات كثيرة: منها شرح عقيدة الطحاوي، ومن النادر وجودها، وبالجملة فإنه كان من جهابذة العلماء المحققين، والفقهاء الورعين المخلصين لا يمل عن الإفادة ولا يستنكف عن الاستفادة، صفاته النصيحة والإرشاد إلى الخلق، وعدم الالتفات إلى ما في أيديهم، له ولع في إعمار المساجد والمعابد، وزيارة المشاهد والمعاهد، وملازمة الأذكار ومخالطة الفقراء والمساكين، تردد إلى الحجاز مرارًا وأخذ عن علمائها، وقد أدركتُه وزرتُه مع والدي رحمه الله تعالى في داره”.

له مؤلفات كثيرة من أهمها:

شرح العقيدة الطحاوية.

“اللباب في شرح الكتاب”، شرح فيه كتاب القدوري في الفقه الحنفي.

“رسالة إسعاف المريدين لإقامة فرائض الدين”، وقد شرحها ولده الشيخ إسماعيل.

“رسالة في توضيح مسألة من كتاب المنار في مبحث الخاص”.

“رسالة في رد شبهة عرضت لبعض الأفاضل”.

“رسالة في الرسم وشرحها”.

“رسالة في صحة وقف المشاع”.

“رسالة في مشد المَسْكة”.

“سل الحسام على شاتم دين الإسلام”.

“شرح على المراح في الصرف”.

“فتوى في شركاء اقتسموا المشترك بينهم”، بخطه.

“كشف الالتباس في قول الإمام البخاري قال بعض الناس”.

“المطالب المستطابة في الحيض والنفاس والاستحاضة”.

توفي رابع ربيع الأول سنة ألف ومائتين وثمان وتسعين (1298هـ) ولقد صلي عليه في جامع الدقاق، وكان لجنازته مشهدٌ قد غصّ له واسعُ الطريق، ودفن في تربة باب الله في أسفل التربة الوسطى من جهة الشرق.





المصدر

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى