Jannah Theme License is not validated, Go to the theme options page to validate the license, You need a single license for each domain name.
التاريخ الإسلامي

الغاز الصخري


الغاز الصخري

 

مع توالي الاكتشافات المستمرة لاحتياطات جديدة من النفط والغاز الطبيعي في مناطق عديدة من دول العالم، ظهَرت على السطح ظاهرة غريبة تتعلَّق باقتراب وصول عصر الاكتشافات النفطيَّة السهلة لنهايته، لقد أصبَح اكتشاف آبار نفطيَّة جديدة يَسهُل استخراج إنتاجها أمرًا متعذرًا هذه الأيام، ولو عُدنا بذاكرتنا لعام 1900، فسنجد أنَّ طاقة برميل واحد كانت تكفي لاستخراج 100 برميل من النفط، أمَّا الآن فقد أصبَحت طاقة البرميل الواحد تكفي لاستخراج 15 برميلاً فقط! لقد ازْدَادت صعوبة الوصول إلى مكامن النفط والغاز، وتَمَّ استهلاك غالبية الآبار والحقول التي كانت تَعُجُّ بالنفط خلال القرن الماضي، والتي كان يتمُّ اكتشافها عادة، مصادفة دون ترتيبٍ، ككثير من حُقُول النفط العِمْلاقة التي كانتْ موجودة في المكسيك وإيران، وفنزويلا، وإندونيسيا.

 

لقد اعتمَدت تلك الاكتشافات الأولى لمصادر الطاقة الأحفورية على رؤية بُقع زيتية، تعلو سطح الأرض، أو تسيل من خلال ثقوب أنواع معيَّنة من الصخور، أما الآن فيتمُّ استخدام تقنيات المَسْح المتقدِّمة التي تستخدم تَقنية “الارتدادات الصوتيَّة”؛ لتحديد التكوين الجيولوجي لمكامن النفط والغاز، والتي تُصاحبها دومًا اتصالات عبر القمر الصناعي، تُساعد في التحكُّم عن بُعد في تحديد مواقع الآبار الاستكشافية، وعلى الرغم من دقَّة هذه التقنيات وتطوُّرها، فإنها لَم تُثبت قدرتها على تحديد نوعيَّة النفط أو الغاز بدقة، كما أنها لَم تُثبت قدرتها أيضًا على تحديد حجم المخزون منهما قبل حفر البئر المستهدَف، وهذا يعني باختصار صعوبة التكهُّن بكون كميَّة النفط أو الغاز الكامنة بالبئر موجودةً داخله بكميَّات تجارية أو لا، ومن المُسَلَّم به بالطبع أنَّ عمليَّة حفر البئر النفطيَّة عملية باهظة التكاليف، وبخاصة عندما يكون البئر عميقًا، وهي لا تقلُّ بأيِّ حال من الأحوال عن 15 مليون دولار لكلِّ عمليَّة حفر.

 

إن الاكتشافات النفطية الآن تدشن عصر “النفط الصعب”، والمقصود بالنفط الصعب: هو ذلك النفط الذي يتطلَّب استخراجه عمليات معقَّدة من الحفر والمعالجة، ولا يوجد إلاَّ داخل أعماق الصخور والبحار، ومع تعقُّد الحياة في القرن الواحد والعشرين، وامتلاكها سمات مغايرة لما كانت عليه إلى وقتٍ قريب مضَى، أصبَح هناك جدلٌ مثارٌ حول اكتشاف مخزونات ضخمة لأنواع من الطاقة التقليديَّة صعبة الاستخراج؛ من حيث جَدْوى استخراجها، وحَجْم مخزونها، وهل ستستطيع الصمود والاستمرار تجاريًّا أم لا في وجْه تصاعُد الطلب العالمي على مصادر الطاقة، ومنذ ما يَقْرُب من عقد من الزمان، تَمَّ الكشف عن احتياطي هائل “للغاز الصخري”، أُطْلِق عليه ثورة الغاز الصخري، صاحبَه اكتشاف كميَّات متواضعة نسبيًّا من “النفط الصخري”.

 

والغاز الصخري أو الحجري: هو غاز طبيعي يتكوَّن داخل صخور السجيل – التي تحتوي بشكل طبيعي على النفط – بتأثير الحرارة والضغط، ويظلُّ محتبسًا داخل تجويفات وفراغات تلك الصخور المُصمتة، والتي لا تسمح بنفاذه خارجها، والغاز الصخري مثله مثل الغاز الطبيعي، فيكون غازًا جافًّا، أو غازًا غنيًّا بسوائل الغاز، والتي تُعَدُّ حجر الأساس في صناعة البتروكيمياويات، وتوجد تكوينات صخور السجيل في أعماق سحيقة داخل باطن الأرض تصل لقرابة 1000 متر تحت سطح الأرض، وتتميَّز باحتوائها على نسبة عالية من المواد العضوية الهيدروكربونية.

 

ويستخرج الغاز من داخل الصخور بطريقة معقَّدة، يتمُّ فيها الحفر أُفقيًّا تحت الأرض؛ للوصول لأكبر مساحة سطحيَّة ملامسة للصخور، ثم يتمُّ تكسير تلك الصخور هيدروليكيًّا بواسطة خليط سائل مكوَّن من مزيج من الماء والرمل وبعض الكيمياويات، ويتم ضَخُّ هذا السائل تحت ضغط شديد الارتفاع؛ ليتحرَّر الغاز بتحطُّم الصخور، أو من خلال تشقُّقها، ولكي تتم هذه العملية، يجب حفر الآلاف من الآبار عموديًّا، فإن عُثِر على الغاز في واحدة منها، يتمُّ البَدء في الحفر أفُقيًّا داخل طبقات الصخور التي تجاور بعضها البعض، والغاز الصخري معروف منذ بداية الاكتشافات النفطيَّة والغازية التقليديَّة، ولكن لَم يتمَّ الالتفات إليه؛ لصعوبة استخراجه وارتفاع تكلفة عمليَّة استخراجه، وتتَّسِم حقول هذا الغاز بسرعة تراجُع معدَّلات إنتاجها، وتصل لأدنى مستوياتها خلال سبع أو تسع سنوات من بَدء الإنتاج.

 

غير أنه في ثمانينيات القرن الماضي، حدَثَت ثورة أخرى في تقنيات استخراج الغاز الصخري، قلَّلتْ كثيرًا من تكلفة استخراجه، وحوَّلته من مصدر للطاقة “صعب” الاستخراج إلى مصدر للطاقة “سهل” الاستخراج نسبيًّا، وبَدَأت عندها أنظار العالم تتَّجه نحو هذا المخزون الاحتياطي العملاق من الغاز الصخري، الذي بدأ ينافس مصادر الطاقة التقليديَّة بشراسة، ويُحاول إنزالها من على عرشها، فمخزونات الغاز الصخري تفوق كثيرًا الاحتياطات العالميَّة للغاز الطبيعي التقليدي، والأهم أنها ظهَرت داخل دول تُعَدُّ من الدول المستوردة للغاز الطبيعي التقليدي كفرنسا وبولندا، والبرازيل وجنوب إفريقيا، وهو ما يعني أن خارطة قوى الطاقة العالميَّة سينتابها تحول جذري وعميق، بتحوُّل عددٍ من الدول الكبرى من مستهلكين لمصادر الطاقة إلى منتجين لها.

 

ولكن إن اعتبَرنا أن ثورة “خفض تكاليف” استخراج الغاز الصخري هي الجانب المضيء من ذلك الحدث، فإن لهذه الثورة جوانب أخرى شديدة الظلمة.

 

إنَّ استخراج الغاز الصخري يثير جدلاً واعتراضات كثيرة داخل العديد من الدول؛ لأسباب بيئية في المقام الأول، وإلى الدرجة التي تُنبئ بنشوب حرب بين شركات الطاقة وبين جماعات المدافعين عن البيئة، والذين يعتقدون أنه أثناء القيام بعمليات تكسير الصخور – بهدف تحرير الغاز منها – يتمُّ ضَخُّ آلاف اللترات من المواد الكيمياوية، والتي يتسرَّب غاز الميثان منها، ويَمتزج بالمياه الجوفيَّة ويلوِّثها تمامًا، وعندما تتدفَّق المياه من الصنابير وهي حاملة لغاز الميثان، تُصبح مياه مشتعلة، أو قابلة للاشتعال، وذلك في حال تقريب قدَّاحة أو مصدر حراري منها!

 

وفي الوقت الذي يدَّعي فيه ممثلو شركات الطاقة بأنَّ الحفر داخل الأرض لا يُشبه الثقوب، وإنما يشبه بناء التليسكوبات؛ حيث يتم عزل موقع الحفر بطبقات عديدة من الصلب والأسمنت، وحجزها بعيدًا عن الطبقات الحاملة للمياه الصالحة للشرب، إلاَّ أنَّ سُكَّان المناطق التي تتم فيها عمليات الحفر، يعترضون أشد الاعتراض على تلك المزاعم، فهم يرون هذه الإجراءات غير كافية لحمايتهم وحماية مياههم الجوفية، فماذا لو حَدَثت تحرُّكات أو هِزَّات أرضية طبيعية، نَشَأ عنها تشقُّق وهشاشة لتلك الخراسانات الأسمنتية الصُّلبة؟ وماذا لو صَدأَتْ أنابيب الصُّلب من تلقاء نفسها؟ أو ماذا لو لَم تتمتَّع بمواصفات الجودة منذ البداية؟

 

وبخلاف تساؤلات السُّكان المجاورين لمناطق الحفر بتلك الآبار، ترتبط بعمليَّة استخراج الغاز الصخري من باطن الأرض تحدِّيات أخرى عديدة، تُرَشِّحه لأن يكون كارثة بيئية محقَّقة، وليس طَفرة في مجال الطاقة غير المتجددة، فعمليات تكسير صخور السجيل تتطلَّب كميات ضخمة جدًّا من المياه، تُعَدُّ هدرًا لهذا المورد البيئي الحيوي، كما تتسبَّب في اختلال التوازن البيئي ببعض مناطق الحفر؛ نتيجة للاستهلاك غير الرشيد للمياه بها، كما أن استخدام المياه الممزوجة بالكيمياويات، ينتج عنه مياه صرف صناعي ملوَّثة بكيمياويات ذائبة فيها؛ مما يجعلها غير قابلة للتدوير مرة أخرى قبل معالجتها، وهو الأمر الذي يضيف مشكلة جديدة أخرى لقائمة المشكلات البيئية التي تعاني منها البشرية.





المصدر

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى