Jannah Theme License is not validated, Go to the theme options page to validate the license, You need a single license for each domain name.
التاريخ الإسلامي

العولمة والتنظيم العمالي


العولمة والتنظيم العمالي

في ضوء السعي إلى تنمية الموارد البشرية النظامية، لا تزال منطقةُ الخليج العربية بعامة بحاجة ملحة إلى المزيد من التنظيمات والإجراءات النظامية (القانونية)، التي تكفُل بيئةَ عملٍ تتناسب مع خصوصية المنطقة الثقافية والاجتماعية والمناخية والجغرافية[1]؛ من ذلك: السعي الجادُّ والسريع إلى تحديدِ أوقات العمل (الدوام) في القطاع الخاص، لا سيما في المنشآت التِّجارية والأسواق والمحلات الصغيرة، ولا يُتصوَّرُ أن يشغلَ هذه المنشآت مواطنون إذا استمر الوضعُ على ما هو عليه، من الانفتاح في البدء والانتهاء في عمل اليوم والليلة طيلة أيام الأسبوع.

 

يدخل في ذلك مواجهةُ موضوعِ عمل المرأة، بحيث توجد بيئةُ عمل للمرأة، لا تفقد فيها متطلَّباتِها الطبيعية من حضانة، ومراعاة لظروف فسيولوجية لم يُتنبَّه لها في الغالب؛ بحكم أن الأنظمة/ القوانين واللوائح ذاتَ العَلاقة بالتوظيف وُضعت غالبًا وفي بداياتها تحت سيطرة هاجسِ أن العامل ذكر.

 

إيجادُ بيئةِ عمل للمرأة كفيلٌ بأن يقلِّلَ من المشكلات التي تواجهها المرأةُ العاملة في بيئة لم تُهيَّأ لها، ولا بد من مواجهة هذه المشكلات بشفافية، من حيث تعرُّضُ المرأة العاملة في بيئة مختلَطة إلى مُضايقات مستمرة من زملائها العاملين، أو من رؤسائها الذين تعمل لهم، أو من العاملين لها إذا ما تحولت هي إلى صاحبة عمل، لا ينبغي تحت أي حجة أن يُغفَلَ هذا العاملُ ذو العَلاقة بكرامة المرأة ومكانتها وأثرها في التنمية، على اعتبار أنها عنصر فاعل في تركيبة القوى البشرية.

 

تشير الإحصائيات إلى أن التغاضي عن إيجاد بيئة عمل للمرأة تنتج عنه مآسٍ يمكن تلافيها؛ من ذلك أن 65% من النساء العاملات في بعض الدول الأوروبية تعرضن للتحرش الجنسي، 35% على مستوى الاتحاد الأوروبي، 18% من النساء العاملات في الولايات المتحدة اغتُصبن أو تعرَّضن لمحاولات اغتصاب، 17% منهن تحت السابعة عشرة من أعمارهن، 19% من المُنخرِطات في التعليم العسكري (القوات الجوية) في الولايات المتحدة اغتُصبن من قِبل زملائهن، وبلغت حالاتُ الاغتصاب في الولايات المتحدة وحدها 100,000 حالة في سنة 1425هـ/ 2004م، ولم تسلم اليابان من هذه المشكلة؛ مما أدى إلى سَنِّ قانون لمكافحة الاغتصاب، وتخصيص عربات في القطارات للنساء[2].

 

يدخل في مسألة تنظيم سوق العمل كذلك إنهاءُ مشروعات النظر في الحد الأدنى للأجور الذي يستوي فيه المواطن والوافد والذكر والأنثى؛ بحيث تتحول كلفة العامل الوافد إلى أعلى منها لدى العامل المواطن وتأهيله وتدريبه، فيزداد الإقبالُ على تشغيل العامل المواطن، هذا بالإضافة إلى خدمات أخرى تُقدَّم للعامل؛ كالتأمينات الاجتماعية، والضمان الصحي، والحوافز الأخرى[3].

 

سيؤدي هذا حتمًا إلى أن يُعيدَ القطاعُ الأهلي النظرَ في نسبة الأرباح المباشرة، والانطلاق إلى النظر إلى الأرباح بعيدة المدى، ليس من منطلقات معنوية؛ كالوطنية، وخدمة المجتمع، وتحقيق المسؤولية الاجتماعية فحسب؛ إذ إن هذه أمور معنوية، ليست بالوضوح المَقيس الذي يطرحه بعضُ المفكرين – ولكن من منطلق اقتصادي بحت؛ فالربحُ السريع الذي يطيب لبعضِ المستثمرين ممن تعوَّدوا عليه زمنَ الطفرة لا يعني بالضرورة الاستمرار عليه إذا ما كانت “التركيبة” العمالية غيرَ سليمة[4].

 

يدخل في مسألة تنظيم بيئة العمل تفعيلُ الاتحادات العمالية، التي تتحدث باسم العمال، وتسعى إلى تحسين بيئة العمل وظروفه، إنها المتحدث الرسمي باسم العمال، وهي – أيضًا – حمايةٌ من العمال من أن ينخرطوا في نشاطاتٍ لا تتفق والمجتمعَ الذي يعملون فيه، والتوكيد على عدم الاستغلال السيئ لهذه الاتحادات، كما هو الحاصل في بعض الاتحادات والنقابات العمالية في بعض دول العالم الثالث؛ إنها تُستغلُّ لأغراض بعيدة عن الأهداف التي قامت من أجلها؛ وذلك بتسييسِها على حساب مهمتها الفنية التي قامت من أجلها[5]، وهذا ما يدعو للأسف عندما يحول هذا الهاجسُ دون الوصول إلى رؤية واضحة متَّفَق عليها من قِبل الاتحادات العمالية[6].

 

يقول عاطف السيد: “إن اتحاداتِ العمال في الدول النامية إما أن تكونَ ضعيفة أو معدومة، فاتحادات العمال القوية ذاتُ آثار إيجابية على مستوى معيشة العمال، من خلال رفع الأجور وتحسين ظروف العمل”[7].


[1] تصدر تباعًا عن الجهات التنظيمية (التشريعية) والتنفيذية في دول منطقة الخليج العربية قرارات تؤكد توطين الوظائف، وأعطيت مصطلحات خاصة بها، إلا أنها جميعها تصبُّ في التوكيد على توطين الوظائف في القطاع الأهلي، ومنها على سبيل المثال: القرار ذو الرقم (50) الصادر عن مجلس الوزراء في المملكة العربية السعودية في 21/ 4/ 1415هـ، الذي يقضي بتوظيف مواطنين بنسبة 5% سنويًّا في المنشآت التي توظِّف عشرين عاملًا فأكثر، وكذا صدور تنظيم صندوق تنمية الموارد البشرية، الذي يدعم تدريب المواطنين وتوظيفهم، وصدور تنظيم الصندوق الخيري الوطني وصندوق المئوية، الذي يهدف إلى التوكيد على إيجاد فرص عمل للقادرين عليها وتفعيل مفهوم الأسر المنتجة، وتطوير بنك التسليف، وزيادة قروضه الحسنة؛ لدعم المشروعات الصغيرة، وغيرها من الترتيبات الأخرى.

[2] انظر: إبراهيم الناصر، العولمة: مقاومة واستثمار، الرياض: مجلة البيان، 1426هـ – ص 39، 40، (سلسلة كتاب البيان).

[3] صدور قرار مجلس الوزراء السعودي، ذي الرقم 219 والتاريخ 22/ 8/ 1426هـ، وتُوِّج بالمرسوم الملكي ذي الرقم م/ 51 والتاريخ 22/ 8/ 1426هـ، بتحديث نظام العمل الذي كان معمولًا به منذ سنة 1389هـ – 1969م، كما قامت المملكة العربية السعودية بتحديث نظام التأمينات الاجتماعية الذي صدرت الموافقة عليه بالمرسوم الملكي ذي الرقم م/ 33 والتاريخ 3/ 9/ 1421هـ بناءً على قرار مجلس الوزراء ذي الرقم 199 والتاريخ 17/ 8/ 1421هـ.

[4] انظر: محمد رؤوف حامد، الوطنية في مواجهة العولمة، القاهرة: دار المعارف، 1999م، ص 212، (سلسلة اقرأ؛ 647).

[5] لا يعني تغليب اهتمامات الاتحادات العمالية الفنية على الجانب السياسي إغفال هذا الجانب الأخير؛ لتعذر إغفاله، المقصود – هنا – هو عدم تغليب التسييس على العناية بهموم العمال في بيئة عملهم.

[6] انظر: جان – مارك لوغال، إدارة الموارد البشرية/ ترجمة نبيل جواد، بيروت: المؤسسة الجامعية للدراسات والنشر والتوزيع، 1429هـ/ 2008م، ص 57 – 58.

[7] انظر: عاطف السيد، العولمة في ميزان الفكر: دراسة تحليلية – مرجع سابق – ص 122.



المصدر

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى