Jannah Theme License is not validated, Go to the theme options page to validate the license, You need a single license for each domain name.
التاريخ الإسلامي

المدير الذي قتل الموظفين


المدير الذي قتل الموظفين

مقدمة:

أي نوع من المديرين هذا الذي يقتل الموظفين؟! إنه مدير من نوع استثنائي، فقد يكون متعلمًا ولديه العلم الكافي؛ لكن لم يساعده علمه ولم ينعكس كممارسات وإجراءات في المؤسسة مع الموظفين؛ أي: إنه ليس فعَّالًا.

 

هل نتحدث عن طبيعة الشخصية هنا؟ بالفعل، فالعلم هو أحد جوانب التكوين العقلي والمعرفي، والجانب الثاني للمديرين هو طبيعة الشخصية وخصائصها الجسدية والعقلية والنفسية التي تساعده على التأثير في الموظفين وتوجيه طاقاتهم.

 

وأستطيع القول إن مدير الموارد البشرية مثل ذلك الرجل الذي يمشي على الحبل في عروض السيرك، فإن فقد توازنه وقع ومات، وإن ظل متوازنًا فإنه حتمًا سيصل إلى المنطقة الأخرى؛ منطقة الأمان، بمعنى أن نجاة المؤسسات مرهونة بحسن الإدارة المالية منها والبشرية، وهي هنا تمثل جناحَي الطائر، فلا طائر يستطيع الطيران بجناحٍ واحدٍ.

 

العلم والممارسة:

هل الخلاف بين العلم والتطبيق خلاف حقيقي؟ هل يكون المتعلم بالضرورة ممارسًا ومطبقًا لما تعلمه ويتعلمه؟ أم أن الاعتماد الحقيقي هو اعتماد على الممارسة التطبيقية؟ هذه الأسئلة وغيرها نراها مطروحة دائمًا في المقاعد الأكاديمية والمؤسسية. ففي الجامعات والمعاهد نرى تعظيمًا كبيرًا لأصحاب النظريات والمفكرين والباحثين، في حين نجد في المؤسسات والمنظمات انحيازًا أكبر لأصحاب التجربة والممارسة التطبيقية، وهذا أمر طبيعي؛ حيث إن حاجة الأكاديميين الأولى تكون تعليمية بالأساس، أما حاجة المؤسسات فهي حاجة تطبيقية؛ لكن تكون مبنية على الأسس العلمية والنظريات المثبتة والصحيحة.

 

لذا تسعى المؤسسات دائمًا إلى استقطاب المتعلمين أصحاب الخبرة والتجربة، وإن كانت الوظيفة المعلن عنها لا تتطلب خبرةً سابقةً، فسنجد أنهم يركزون على التحصيل الأكاديمي والدورات التدريبية، وفيما بعد سيتم تدريب المقبولين منهم في المؤسسة؛ لإكسابهم المهارات اللازمة لتأدية الوظيفة اللازمة.

 

فالعلم بلا ممارسة كالذي يحمل الماء في يده وهو عطشان لكنه لا يشرب، وممارسة بلا علم مثل ثور الزراعة يدور حولها ولا يفكر متى سينتهي. كذلك فالعلم والممارسة يجب تتويجهما بالأخلاق، أخلاق شخصية وأخلاقيات التعامل مع الناس وأخلاقيات المهنة؛ لأن الأخلاق قِيمة عُلْيا تترك الأثر الطيب مع كل الناس.

 

مدير الموارد البشرية الذي نريد:

بعد حديثنا عن العلم والممارسة واعترافنا أن العاملين في المؤسسات لا بد أن يكون لديهم العلم الكافي والممارسة والمهارات اللازمة لتحقيق أهداف المؤسسة ورؤيتها، ويكون لديهم الأخلاق العالية، أقول إن مدير الموارد البشرية يقع عليه العبء الأكبر في نجاح المؤسسة؛ لأنه هو الذي يحرك الموظفين ويخلق خطط التحفيز والمكافآت والتدريب وتقييم الأداء والأمن والسلامة للعاملين والتعويضات، وذلك بما يتوافق مع إستراتيجية المؤسسة، ويجب أن تتمثل فيه الصفات القيادية بدرجة كبيرة حتى يستطيع التأثير في باقي المديرين؛ ومِن ثَمَّ التأثير في الموظفين، وليس مطلوبًا منه أن يمكث في مكتبه لساعات طويلة ويعزل نفسه عن الموظفين، فالقيادة في جوهرها هي القدرة على التأثير في المرؤوسين، وهناك حالتان لمدير الموارد البشرية من الناحية الاجتماعية والعملية كالآتي:

أن يكون مدير الموارد البشرية منطويًا على نفسه، لا يخالط الموظفين، ويمكث في مكتبه معظم الوقت؛ ومِن ثَمَّ لن يكون لديه القدرة على التأثير والتحفيز، وسيكون عمله تقليدًا لمديره السابق وغير مبتكر ومبدع للخطط والرؤى المستقبلية وحل المشكلات، وسيؤثر ذلك في كافة الموظفين بعد فترة زمنية متوسطة نسبيًّا.

 

أن يكون مديرًا اجتماعيًّا حاضرًا مع الموظفين وفي الاجتماعات والاستشارات، ويقوم بتوجيه الموظفين ومديريهم نحو الأفضل، ويملك القدرة على التأثير والتحفيز، ومِن ثَمَّ سيكون مثابرًا ومبتكرًا ومبدعًا في عمله؛ مما يعود على المؤسسة بالإنتاجية الأفضل.

 

لذا فإن منصب مدير الموارد البشرية يعد من أهم المناصب في المؤسسات التي تحترم نفسها؛ لأنه حساس جدًّا ويحتاج إلى شخصية من نوع فريد.

 

وهذه المصفوفة تمزج بين الجانبين الاجتماعي والعملي لمدير الموارد البشرية، وما يجب أن يكون عليه، وما هي الإجراءات المحتملة التي تجب على مدير المؤسسة اتخاذها تجاه مدير الموارد البشرية في الحالات الأربع؟

المدير الذي يقتل الموظفين:

هل يقتل المدير موظفيه؟! أقصد بهذا العنوان وهذا السؤال ذلك المدير الضعيف؛ لأنه فعلًا يقتل الموظفين ويقتل المؤسسة.

 

لقد كنت موجودًا في مكان عمل في مؤسسة طبية كمرافقٍ لأحد الأقارب لمدة ثلاثة أشهر، وشاهدت بعيني كيف تموت بيئة العمل وتموت فرق العمل موتًا بطيئًا والمدير غائب عن المشهد، ورأيت مظاهرَ عديدةً سيئةً في بيئة العمل، حيث كانت تتمثل في:

الغيبة: فقد كان عدد من الموظفين يتحدثون عن زملائهم بصورة سلبية مزعجة، وكان ذلك في جلساتهم وقت الاستراحة، وهذا من أشدِّ الأمور التي تؤثر في فِرَق العمل؛ لأنه سيسبب فجوةً نفسيةً بين الموظفين نتيجة ضعف الأخلاق المهنية، وسينعكس ذلك على العمل والمتعاملين.

 

كثرة الشكوى: فمن الطبيعي أنه عندما تتسمَّم بيئة العمل ويكره الموظفون بعضهم بعضًا؛ ستكثر الشكوى وتتصاعد حتى تصل إلى الذروة، وهنا تحتاج إلى تدخُّل قوي من المدير، لكن إذا كان المدير ضعيفًا ستتزايد الشكوى وتزداد حدة الخلافات حتى تصل إلى مرحلة حرجة جدًّا.

 

تراكم المشكلات وتأجيل حلها: وهذا مترتب على ما سبق، والمدير الحازم هو الذي يعمل على حلِّ المشكلات حلًّا جذريًّا ولا يؤجلها؛ لأن ذلك يسبب أزمات بين الموظفين، وتصبح بيئة العمل مشحونةً سرعان ما تنفجر.

 

النزاع بين العاملين: كل ما سبق هو مقدمة للنزاع بين العاملين، فلو كان المدير المباشر قويًّا وحازمًا؛ فلن يسمح بتعقُّد الأوضاع والوصول إلى نزاع بالصوت أو ربما بالأيدي- وهذا قد يحصل-.

 

هذه بعض المظاهر في بيئة العمل المشحونة التي سببها ضعف المدير المباشر؛ مما يؤدي إلى قتل الموظفين معنويًّا، وهو ما يسبب:

تفشِّي عدوى بيئة العمل السامة: من قسم إلى آخر حتى يطال كافة أقسام المؤسسة وترك آثار سمية قاتلة بين الموظفين.

 

فقدان الرغبة في العمل: تخيَّل معي أنك تعمل في بيئة عمل فيها معظم مظاهر الشكوى والتذمُّر والنزاعات، فهل سيكون لديك الرغبة في الاستمرار في العمل؟ الجواب الحقيقي: لا، لن يكون لأي موظف الرغبة في المجيء للعمل؛ لأنه فقد الرضا ووصل إلى ضعف الانتماء، بسبب تلك الممارسات التي كان سببها الأول والمباشر ضعف المدير.

 

البحث عن مؤسسة أخرى: ستبحث المواهب عن مؤسسات أخرى أكثر استقرارًا وانسجامًا وأخلاقًا ليكملوا عملهم هناك، وستبقى المؤسسة تحت رحمة ذلك المدير الضعيف الذي سمح لكل تلك المظاهر السلبية بالتفشِّي والانتشار.

 

الاستنتاج:

إن وظيفة مدير الموارد البشرية ليست بالأمر السهل، ويجب اختيار أفضل الشخصيات من الناحية العلمية والتطبيقية، كما يجب أن يكون شخصًا اجتماعيًّا، والأهم أن يكون شخصًا حازمًا لا يسمح بمظاهر الضعف وتدمير بيئة العمل؛ بل يضع الحلول اللازمة لمعالجة كل مظاهر الضعف؛ لأنه إن كان ضعيفًا؛ فسيقتل الموظفين وسيقتل الشركة.

 

كما يجب على إدارة أي مؤسسة أن تهتم وتعتني بمدير الموارد البشرية من الجانب العلمي والجانب التطبيقي، حتى تختار أفضل ما لديها من شخصيات لشغل منصب مدير الموارد البشرية، وأن يكون لديه توازن بين العلم والتطبيق ليأخذ الشركة بموظفيها نحو الأهداف المنشودة والرؤية الإستراتيجية.

 

 

شكرًا لكم.





المصدر

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى