العولمة والمعلومة العمالية
العولمة والمعلومة العمالية
أصبحت المعلومةُ هي المادة الأولية في القرن الحادي والعشرين، وهي أيضًا – حسب توفلر – ستكون مصدرَ النزاعات الدولية في المستقبل القريب[1].
إن منطقة الخليج العربية بدولها الست لا تزال – على تفاوت يسير بينها – تفتقر إلى المعلومة الدقيقة عن سوق العمل، وحجم طالبي العمل من المواطنين، ومدى تأهيلهم وقدراتهم الذاتية على العمل الميداني؛ مما نتج عنه غموضٌ في تحديد نسبة دقيقة للبطالة، بمفهوم البطالة العلمي الموضوعي الذي سبق الحديث عنه في وقفة سابقة من هذه الوقفات (الوقفة التاسعة عشرة).
تُطوِّرُ دولُ مجلس التعاون الخليجية قدراتِها على توفير المعلومة في مجال العمل، وذلك من خلال إيجاد قواعد المعلومات الشاملة عن ظروف العمل وبيئته، وسوق العمل وإمكاناته، ومثال على ذلك: ما تقوم به وزارة العمل بالمملكة العربية السعودية التي جدَّت في إنشاء مركز لمعلومات العمل، يشتمل على قاعدة معلومات إلكترونية، وذلك منذ سنة 1418هـ/ 1997م عندما بدأت الوزارة ببناء هذا المشروع الذي يُشرِف على النهاية، بربط مكاتب العمل السبعة والثلاثين الموزَّعة في البلاد بقاعدة المعلومات المركزية في الوزارة، ويتعاون القطاعُ الخاص مع هذا المشروع بتزويد قاعدة المعلومات بما تتطلَّبه من معلومات أولًا بأول.
هذا على الرغم من تَكرار الدعوات إلى إيجاد نُظُم معلومات العمل، ومراكزها، وقواعدها المعلوماتية الكفيلة بإذن الله تعالى بالقدرة على صُنعِ القرار في مجال تنمية الموارد البشرية، وتهيئتها لسوق العمل في المنطقة، مما يستدعي سرعةَ التنبُّه إلى ذلك عمليًّا، بعد أن تمَّ التنبهُ إليه نظريًّا من خلال توصيات الندوة الإقليمية حول التشغيل في إطار تنمية الموارد البشرية بدول مجلس التعاون، التي تمَّت بدولة البحرين بالتعاون مع وزارة العمل والشؤون الاجتماعية بدولة البحرين، ومنظمة العمل الدولية، وبرنامج الأمم المتحدة الإنمائي في المدة من 5 – 7/ 8/ 1418هـ الموافق 6 – 8/ 12/ 1997م[2].
لا عبرة ببعض الأطروحات العَجلى التي أعطت البطالةَ الوطنية في المنطقة نسبًا دخلت في حيز العشرات بدلًا من الآحاد؛ إذ إنها في معظمها لا تتكئ على استقراءٍ علمي سليم، يُطبِّق المفهومَ الفني للبطالة.
ويتطلع الجميعُ إلى الرقم الحقيقي المبني على أسلوب علمي سليم على مستوى منطقة الخليج العربية؛ حيث يضع في الحُسبان عدَّةَ متغيرات تتدخل في النظر إلى البطالة، بما في ذلك حسم النقاش المستمر حول الحد الأدنى لسن الالتحاق بالعمل، الذي حددته منظمة العمل الدولية بخمس عشرة سنة[3].
هذا التحديد الذي يبدو أنه يحتاج إلى إعادة نظر ما أخذت دول المنطقة بإلزامية التعليم، وحددت سنواتِه؛ مما سيُعين بإذن الله تعالى على اتخاذ المزيد من الإجراءات النظامية (القانونية) في التصدي للبطالة[4]، ومن ثَمَّ المُضي قُدُمًا في مشروعات التوطين وبرامجه، دون النظر إلى سلسلةٍ من الإحباطات الناجمة عن الصعوبات التي تكتنف هذا المشروع، بحيث أصبحت هذه الصعوباتُ تحدياتٍ في طريق توطين سوق العمل، الذي يؤكد واقعُه أن الوافدَ قد سيطر على معظمه، لا سيما في المنشآت التجارية الصغيرة، تلك التي تعتمد على تجارة التجزئة وتقديم الخدمات، وتمثل ما يصل إلى 90% من حجم سوق العمل في المنطقة؛ مما أوجد ممارساتٍ غيرَ نظامية (غير قانونية) في هذا الجو غير الطبيعي وغير الصحي، الذي ينخرُ في التركيبة العمالية المحلية، مما يمكن أن يدخل في مفهوم “مافيا سوق العمل”.
في الأحوال العادية – غير الحال الخليجية – التي يسيطر فيها الوافدُ على معظم سوق العمل، يمكن القول: إن العامل الوافد في الوقت الذي يسهم فيه في رفع كفاءة الإنتاج، وفي زيادة ربحية المؤسسات التي يعمل بها – إلا أنه يسهم “في الإخلال بعدالة توزيع الدخل في دول الاستقبال؛ حيث يرفع من دخل مالكي مؤسسات الإنتاج، ويُضعِف من دخل العمالة المواطنة، ويكون ذلك الاختلال أكثرَ وضوحًا عندما تُترك الأجورُ لتُحدَّد وَفقًا لعوامل السوق فقط، وهنا لا بد للدول المعنية من التدخل وتصحيح هذا الفشل للسوق، والحد من تأثيراته السلبية على استقرار المجتمع، وهذا أحد الأدوار المهمة التي ستؤديها الحكوماتُ في ظل العولمة، ومن خلال التدخل في تشريع وتقنين سوق العمل، خاصة في الدول ذات الندرة العمالية كدولنا الخليجية”[5].
رغم أن أنظمةَ قوانين العمل في المنطقة لا تتضمن التفرقةَ في الأجور بين العامل المحلي والعامل الوافد؛ فإن واقعَ الممارسة يُحتِّم على دول المنطقة ضرورةَ اقتراب متوسط أجور العمال المحليين مع متوسط أجور العمال الوافدين[6]، لا بإنقاص أجور العمال المحليين – الأمر الذي لن يحصل – ولكن برفع كُلْفةِ العامل الوافد من حيث أجرُه ومن حيث استقدامه، وفي الوقت نفسه رفع كفاءة العامل المحلي، وتهيئته بالتأهيل والتدريب.
[1] انظر: السيد ولد أباه، اتجاهات العولمة: إشكالات الألفية الجديدة – مرجع سابق – ص 2.
[2] انظر: المكتب التنفيذي لمجلس وزراء العمل والشؤون الاجتماعية لدول مجلس التعاون لدول الخليج العربية، نتائج وتوصيات… سلسلة توصيات ونتائج الملتقيات العلمية، ع 16 (ذو الحجة 1419هـ/ أبريل 1999م)، ص 53.
[3] انظر: عدنان خليل التلَّاوي، القانون الدولي للعمل – مرجع سابق – ص 519 – 533.
[4] أكدت مصلحة الإحصاءات العامة بوزارة التخطيط بالمملكة العربية السعودية – من خلال نشرها للبيانات الإحصائية على موقع الوزارة في الإنترنت – على أن حجم البطالة في البلاد قد وصل إلى 9،6%، لكن الخبير الاقتصادي الدكتور صالح بن محمد الشعيبي لا يرى أنها بطالة اقتصادية، بقدر ما هي بطالة هيكلية واجتماعية، لا سيما عند تطبيق المفهوم الفني الموضوعي للبطالة، كما ورد ذكره في الوقفة العشرون، وذلك في المحاضرة التي ألقاها في كلية الملك فهد الأمنية بالرياض في شعبان 1423هـ، ضمن فعاليات ندوة الأمن والمجتمع، سوق العمل في المملكة: الواقع والتحديات بعنوان: دراسة عن البطالة في اقتصاديات المملكة العربية السعودية.
[5] انظر: أحمد هاشم اليوشع، عولمة الاقتصاد الخليجي: قراءة للتجربة البحرينية – مرجع سابق – ص 32.
[6] انظر: أحمد هاشم اليوشع، عولمة الاقتصاد الخليجي: قراءة للتجربة البحرينية – المرجع السابق – ص 75.