Jannah Theme License is not validated, Go to the theme options page to validate the license, You need a single license for each domain name.
التاريخ الإسلامي

داود وسليمان عليهما السلام (1)


داود وسليمان عليهما السلام (1)

 

نتحدَّثُ عن النبيَّيْنِ الرسولَيِنْ الملِكَيْنِ الكريمَيْنِ داودَ وسليمانَ عليهما الصلاة والسلام، وكان أوَّلُ ذِكْرٍ ثابت لداود عليه السلام هو ما قصَّه الله تبارك وتعالى عن قتلِ داودَ لجالوت في الحرب التي دارت بين طالوت وجالوت في فلسطين، والظاهر من سياق القرآن الكريم لقصة هذه الحرب يُفيد أنَّ بني إسرائيل قد حاربهم جماعة من الوثنيين، وأخرجوهم من ديارهم وأبنائهم، وكان على رأس هؤلاء الوثنيين جالوت لعنه الله، وقد كانت بنو إسرائيل تسوسهم الأنبياءُ، كلَّما مات نبي بعث الله عز وجل لهم نبيًّا آخر، يشرح لهم التوراة، ويحكم بها فيهم، ويبيِّن لهم ما غيَّروه وحرَّفوه وبدَّلوه من الكلم عن مواضعه، على حد قوله تعالى: ﴿ إِنَّا أَنْزَلْنَا التَّوْرَاةَ فِيهَا هُدًى وَنُورٌ يَحْكُمُ بِهَا النَّبِيُّونَ الَّذِينَ أَسْلَمُوا ﴾؛ (أي انقادوا لأمر الله) ﴿ لِلَّذِينَ هَادُوا ﴾؛ (أي صاروا يهودًا) ﴿ وَالرَّبَّانِيُّونَ وَالْأَحْبَارُ بِمَا اسْتُحْفِظُوا مِنْ كِتَابِ اللَّهِ وَكَانُوا عَلَيْهِ شُهَدَاءَ ﴾ [المائدة: 44]، وقد روى البخاري ومسلم من حديث أبي هريرة رضي الله عنه قال: رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((كانت بنو إسرائيل تسوسهم الأنبياء، كلما هلَك نبي خلفه نبي، وإنه لا نبي بعدي))، فكان أنبياء بني إسرائيل كعلماء أمَّة محمد صلى الله عليه وسلم سوى أنه كان يُوحى إليهم، فلما اشتدَّت الحرب على بني إسرائيل طلبوا من نبيِّهم أن يبعث لهم ملكًا يقاتلون تحت رايته أعداء الله من الوثنيين، فأخبرهم نبيُّهم عليه السلام أنه يخشى عليهم أن ينكلوا عن القتال إذا فرض عليهم ولا يَفُوا بما التزموا به، فقالوا: ﴿ وَمَا لَنَا أَلَّا نُقَاتِلَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ وَقَدْ أُخْرِجْنَا مِنْ دِيَارِنَا وَأَبْنَائِنَا ﴾ [البقرة: 246]؛ أي: أُخذت منا البلاد وسُبيت الأولاد، فأخبرهم نبيُّهم عليه السلام أن الله قد عيَّن لهم ملِكًا منهم هو طالوت، فاعترضوا على هذا التعيين، وقالوا: كيف يُعيِّنُ اللهُ علينا طالوت ملكًا ولم يكن في آبائه من ملك؟! فنحن أحقُّ بالملك منه، مع أنه فقير قليل المال، فأجابهم نبيُّهم عليه السلام بأن الله عز وجل قد اختاره عليكم وفضَّلَه من بينكم، وقد أعطاه الله عز وجل بسطَةً في العلم والجسم، فهو أعلم منكم بشؤون الحروب وتدبير الأمور، وأشد منكم قوَّة وصبرًا وجلدًا لملاقاة الأعداء، فلا تعترضوا ولا تتعنَّتُوا، وأنتم تعلمون أن الله هو الذي اختارَه وعيَّنه ملكًا عليكم، والله يؤتي مُلكَه من يشاء، والله واسع عليم، وقال لهم نبيُّهم: إن الله تبارك وتعالى جاعلٌ لكم آيةً على صحَّةِ مُلْك طالوت عليكم؛ وهي رجوع الصندوق الذي يشتمل على بعض آثار موسى وهارون، وقد عجزتم عن إرجاعه من يدِ مغتصبيه، ولن يُطلب منكم بذل مجهود في استرجاعه، بل سيجيء الصندوق تحملُه الملائكة فيه طمأنينة لبني إسرائيل، ودلالة ظاهرة على أن الله لا يعجزه شيء في السماوات ولا في الأرض، فصدِّقوا وَعْدَ الله وسارِعوا إلى طاعة طالوت وآمِنوا بما أخبرتكم به عن الله عز وجل، ولَمَّا انقادوا لذلك وتهيؤوا لقتال جالوت وجنوده تحت راية طالوت رحمه الله، وكان من بينهم داود عليه السلام، أخبرهم طالوت رحمه الله أن الله عز وجل سيختبرهم؛ حيث يَمُرُّون بنهرٍ وهم عطاش وهو يمنعُهم من الشرب منه لما يعلمه الله عز وجل أن الشرب منه يضرُّهم، والعجيب أنه لا يزال بعض قادة الجيوش إلى اليوم يحرِّمون على جنودهم أن يشربوا في أثناء زحفهم على عدوِّهم؛ لما يترتَّب على ذلك من الضرر بصحتهم، إلا أنهم يجيزون لهم أن يبلوا ريقهم بلًّا خفيفًا؛ ولذلك أذن طالوت لجيشه بأنه لا مانع من أن يغترف الواحد منهم غُرفة بيد تَبُلُّ ريقَه، ولا تعتبر شربًا، وهذا من آثار بسطة عِلم طالوت رحمه الله، وقد حذَّرهم طالوت وعرَّفهم أن مَن شرب من هذا النهر لا يصحبه في قتال أعداء الله من الوثنيين أتباع جالوت، ولا يجاوز النهر، غير أنه عندما وصل هذا الجيش إلى النهر عصوا طالوت وشربوا منه سوى عددٍ قليل منهم امتنع عن الشرب من النهر طاعة لطالوت رحمه الله.

 

وقد جاء في بعض الآثار الصحيحة أن الذين جاوزوا النهرَ مع طالوت كانوا ثلاثمائة وبضعة عشر رجلًا بعدد أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم يوم بدر؛ فقد روى البخاري في صحيحه من حديث البراء بن عازب رضي الله عنه قال: حدثني أصحاب محمد صلى الله عليه وسلم ممن شهد بدرًا أنهم كانوا عدة أصحاب طالوت الذين جاوزوا معه النهرَ بضعة عشر وثلاثمائة، قال البراء: لا والله، ما جاوز معه النهر إلا مؤمن، وفي لفظٍ للبخاريِّ عن البراء قال: “كنا أصحاب محمد صلى الله عليه وسلم نتحدث أنَّ عدَّة أصحاب بدر على عدة أصحاب طالوت الذين جازوا معه النهر، ولم يجاوز معه إلا مؤمن: بضعة عشر وثلاثمائة”، وفي لفظ للبخاري رحمه الله من حديث البراء رضي الله عنه قال: “كنا نتحدَّث أن أصحاب بدر ثلاثمائة وبضعة عشر بعدَّة أصحاب طالوت الذين جاوزوا معه النهر، وما جاوز معه إلا مؤمن”.

 

ولما جاوز طالوتُ النهرَ هو والذين آمنوا معه وجدوا أن عدوَّهم جالوت قد حشد جنودًا، وأعدَّ عدَّةً عظيمة، فقال بعض المؤمنين من أصحاب طالوت: لا طاقة ولا قدرة لنا اليوم على قِتال هذا العدوِّ الكثير؛ كأنهم استقلوا أنفسهم عن لقاء عدوهم، فشجَّعهم علماؤهم العالمون بأن وعد الله حقٌّ، وأن النصر من عند الله ليس بكثرة العدد وقوة العدد، وأنه ينبغي للمسلم أن يرغب في الاستشهاد ولقاء الله في سبيل الله قائلين لهم: ﴿ كَمْ مِنْ فِئَةٍ قَلِيلَةٍ غَلَبَتْ فِئَةً كَثِيرَةً بِإِذْنِ اللَّهِ وَاللَّهُ مَعَ الصَّابِرِينَ * وَلَمَّا بَرَزُوا لِجَالُوتَ وَجُنُودِهِ ﴾ [البقرة: 249، 250] سألوا الله عز وجل أن ينزل عليهم الصبرَ، وأن يُثبِّت أقدامهم في لقاء الأعداء، وأن ينصرهم على القوم الكافرين، فاستجاب الله دعاءهم ونصرهم على أعدائهم، وقتل داودُ جالوتَ ملكَهم، وسارع طالوت بالتنازل عن الملكِ لداود، وبعث الله عز وجل داودَ نبيًّا رسولًا، وجعله ملِكًا كريمًا على بني إسرائيل، وقد أثنى الله تبارك وتعالى على طالوت ووصفه بأوصاف كريمة.

 

أمَّا ما زعمه بعضُ المفسرين والإخباريين من أن طالوتَ حسدَ داودَ وأصيب بالجنون وهام في الصحراء، فإنَّه زَعْمٌ باطلٌ لا دليل عليه من خبر ثابت، وقد أورد الله تبارك وتعالى قصَّةَ طالوت وحربه جالوتَ، وتمليك داود حيث قال:

﴿ أَلَمْ تَرَ إِلَى الْمَلَإِ مِنْ بَنِي إِسْرَائِيلَ مِنْ بَعْدِ مُوسَى إِذْ قَالُوا لِنَبِيٍّ لَهُمُ ابْعَثْ لَنَا مَلِكًا نُقَاتِلْ فِي سَبِيلِ اللَّهِ قَالَ هَلْ عَسَيْتُمْ إِنْ كُتِبَ عَلَيْكُمُ الْقِتَالُ أَلَّا تُقَاتِلُوا قَالُوا وَمَا لَنَا أَلَّا نُقَاتِلَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ وَقَدْ أُخْرِجْنَا مِنْ دِيَارِنَا وَأَبْنَائِنَا فَلَمَّا كُتِبَ عَلَيْهِمُ الْقِتَالُ تَوَلَّوْا إِلَّا قَلِيلًا مِنْهُمْ وَاللَّهُ عَلِيمٌ بِالظَّالِمِينَ * وَقَالَ لَهُمْ نَبِيُّهُمْ إِنَّ اللَّهَ قَدْ بَعَثَ لَكُمْ طَالُوتَ مَلِكًا قَالُوا أَنَّى يَكُونُ لَهُ الْمُلْكُ عَلَيْنَا وَنَحْنُ أَحَقُّ بِالْمُلْكِ مِنْهُ وَلَمْ يُؤْتَ سَعَةً مِنَ الْمَالِ قَالَ إِنَّ اللَّهَ اصْطَفَاهُ عَلَيْكُمْ وَزَادَهُ بَسْطَةً فِي الْعِلْمِ وَالْجِسْمِ وَاللَّهُ يُؤْتِي مُلْكَهُ مَنْ يَشَاءُ وَاللَّهُ وَاسِعٌ عَلِيمٌ * وَقَالَ لَهُمْ نَبِيُّهُمْ إِنَّ آيَةَ مُلْكِهِ أَنْ يَأْتِيَكُمُ التَّابُوتُ فِيهِ سَكِينَةٌ مِنْ رَبِّكُمْ وَبَقِيَّةٌ مِمَّا تَرَكَ آلُ مُوسَى وَآلُ هَارُونَ تَحْمِلُهُ الْمَلَائِكَةُ إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآيَةً لَكُمْ إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ * فَلَمَّا فَصَلَ طَالُوتُ بِالْجُنُودِ قَالَ إِنَّ اللَّهَ مُبْتَلِيكُمْ بِنَهَرٍ فَمَنْ شَرِبَ مِنْهُ فَلَيْسَ مِنِّي وَمَنْ لَمْ يَطْعَمْهُ فَإِنَّهُ مِنِّي إِلَّا مَنِ اغْتَرَفَ غُرْفَةً بِيَدِهِ فَشَرِبُوا مِنْهُ إِلَّا قَلِيلًا مِنْهُمْ فَلَمَّا جَاوَزَهُ هُوَ وَالَّذِينَ آمَنُوا مَعَهُ قَالُوا لَا طَاقَةَ لَنَا الْيَوْمَ بِجَالُوتَ وَجُنُودِهِ قَالَ الَّذِينَ يَظُنُّونَ أَنَّهُمْ مُلَاقُو اللَّهِ كَمْ مِنْ فِئَةٍ قَلِيلَةٍ غَلَبَتْ فِئَةً كَثِيرَةً بِإِذْنِ اللَّهِ وَاللَّهُ مَعَ الصَّابِرِينَ * وَلَمَّا بَرَزُوا لِجَالُوتَ وَجُنُودِهِ قَالُوا رَبَّنَا أَفْرِغْ عَلَيْنَا صَبْرًا وَثَبِّتْ أَقْدَامَنَا وَانْصُرْنَا عَلَى الْقَوْمِ الْكَافِرِينَ * فَهَزَمُوهُمْ بِإِذْنِ اللَّهِ وَقَتَلَ دَاوُودُ جَالُوتَ وَآتَاهُ اللَّهُ الْمُلْكَ وَالْحِكْمَةَ وَعَلَّمَهُ مِمَّا يَشَاءُ وَلَوْلَا دَفْعُ اللَّهِ النَّاسَ بَعْضَهُمْ بِبَعْضٍ لَفَسَدَتِ الْأَرْضُ وَلَكِنَّ اللَّهَ ذُو فَضْلٍ عَلَى الْعَالَمِينَ * تِلْكَ آيَاتُ اللَّهِ نَتْلُوهَا عَلَيْكَ بِالْحَقِّ وَإِنَّكَ لَمِنَ الْمُرْسَلِينَ ﴾ [البقرة: 246 – 252].



المصدر

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى