Jannah Theme License is not validated, Go to the theme options page to validate the license, You need a single license for each domain name.
التاريخ الإسلامي

إلى عظماء البشرية صحابة رسول الله صلى الله عليه وسلم


إلى عظماء البشرية صحابة رسول الله صلى الله عليه وسلم

 

يا صحابة رسول الله صلى الله عليه وسلم، اسمحوا لي في الحديث عنكم، وكأنني أتحدث إليكم، وأجلس بين أيديكم، أخبروني بالله عليكم، أنا على يقين إن شئتم أن يصلني بإذن الله إلى ردِّكم.

 

من أنتم لتفوزوا من دون كل البشرية، وتنالوا شرف صحبة خيرِ من وَطِئَ الثَّرى؟ من أنتم لتكتحل أعينكم وآذانكم وكل جوارحكم بالنظر، وطِيب السماع، والجلوس بين يديه، وهو ينثُر لكم أرقى وأطيب، وأحلى وألذ، وأروع وأمتع كلمات الرحمة والحرص، والرأفة والتزكية، والرشد والهداية، وحسن الأخلاق؟

 

هنيئًا لكم ودُّ حديثه، ولطافةُ معاشرته، وجميل تبسُّمه وضحِكه.

 

لماذا اختاركم الله واصطفاكم لصحبة نبيه وحبيبه، وخِيَرةِ خَلْقِهِ وخاتم رسله؟

كلما طالعت سيرتكم استذكرت بعضًا من معاشرتكم، وتسابقكم في ميادين الخيرات والتضحيات، والجهاد والأخلاق، والعبادات والتزكيات والعقائد، وازداد إعجابي بكم، وحبي لكم، وينشرح صدري حين أستحضر قدراتكم في التأثر والتأثير، والتعايش مع كلمات الله القرآنية، وهو يتنزل غضًّا طريًّا على رسول الله صلى الله عليه وسلم، وأنتم معه وحوله، وبين يديه، لا تفارقونه حتى يفارقكم لبعض شؤونه، أو يكون في حجراته مع زوجاته، حينها فقط أتحسَّرُ كيف لم يختارني الله لأكون معكم؟ لكنني – وحسن ظني بربي الذي استودعت حبه وعظمته في قلبي وبين جوانحي – أتأمَّلُ في توفيقه لي ليأخذني في مدارج الصالحين، لأستحق بفضله وكرمه، وعظيم رحمته، شفاعةَ حبيبي وسيدي رسول الله صلى الله عليه وسلم، في نَيلِ شرف رؤيته ورؤيتكم، والجلوس بين أيديكم، فهو سبحانه نعم المولى ونعم النصير.

 

هنيئًا لكم قول الله فيكم: ﴿ مُحَمَّدٌ رَسُولُ اللَّهِ وَالَّذِينَ مَعَهُ أَشِدَّاءُ عَلَى الْكُفَّارِ رُحَمَاءُ بَيْنَهُمْ تَرَاهُمْ رُكَّعًا سُجَّدًا يَبْتَغُونَ فَضْلًا مِنَ اللَّهِ وَرِضْوَانًا سِيمَاهُمْ فِي وُجُوهِهِمْ مِنْ أَثَرِ السُّجُودِ ذَلِكَ مَثَلُهُمْ فِي التَّوْرَاةِ وَمَثَلُهُمْ فِي الْإِنْجِيلِ كَزَرْعٍ أَخْرَجَ شَطْأَهُ فَآزَرَهُ فَاسْتَغْلَظَ فَاسْتَوَى عَلَى سُوقِهِ يُعْجِبُ الزُّرَّاعَ لِيَغِيظَ بِهِمُ الْكُفَّارَ وَعَدَ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ مِنْهُمْ مَغْفِرَةً وَأَجْرًا عَظِيمًا ﴾ [الفتح: 29].

 

وهنيئًا لكم قول الله فيكم: ﴿ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ رِجَالٌ صَدَقُوا مَا عَاهَدُوا اللَّهَ عَلَيْهِ فَمِنْهُمْ مَنْ قَضَى نَحْبَهُ وَمِنْهُمْ مَنْ يَنْتَظِرُ وَمَا بَدَّلُوا تَبْدِيلًا * لِيَجْزِيَ اللَّهُ الصَّادِقِينَ بِصِدْقِهِمْ ﴾ [الأحزاب: 23، 24].

 

وهنيئًا لكم قول الله فيكم: ﴿ رِجَالٌ لَا تُلْهِيهِمْ تِجَارَةٌ وَلَا بَيْعٌ عَنْ ذِكْرِ اللَّهِ وَإِقَامِ الصَّلَاةِ وَإِيتَاءِ الزَّكَاةِ يَخَافُونَ يَوْمًا تَتَقَلَّبُ فِيهِ الْقُلُوبُ وَالْأَبْصَارُ * لِيَجْزِيَهُمُ اللَّهُ أَحْسَنَ مَا عَمِلُوا وَيَزِيدَهُمْ مِنْ فَضْلِهِ ﴾ [النور: 37، 38].

 

كيف استشعرتم خطاب الله لكم وهو يقول لكم: ﴿ هُوَ الَّذِي يُنَزِّلُ عَلَى عَبْدِهِ آيَاتٍ بَيِّنَاتٍ لِيُخْرِجَكُمْ مِنَ الظُّلُمَاتِ إِلَى النُّورِ وَإِنَّ اللَّهَ بِكُمْ لَرَءُوفٌ رَحِيمٌ ﴾ [الحديد: 9]؟

 

كيف استقر الإيمان في قلب مَن وقف ينصر الله ورسوله، ويوالي الحق وأهله، وقد ألجأهُ والده أو ولده، أو إخوانه أو عشيرته، أو كلهم جميعًا في قتالهم، فيقتلونه أو يقتلهم؟ كيف لمثل هؤلاء أن تهدأ نفوسهم، ويشرح الله صدورهم، وهم يقرؤون ما سطَّره القرآن يُتلى إلى قيام الساعة ثباتَهم على الحق، وقوة ولائهم لله ولرسوله وللمؤمنين، فيكونوا نجومًا يُحتذى بهم في قول الله تعالى: ﴿ لَا تَجِدُ قَوْمًا يُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ يُوَادُّونَ مَنْ حَادَّ اللَّهَ وَرَسُولَهُ وَلَوْ كَانُوا آبَاءَهُمْ أَوْ أَبْنَاءَهُمْ أَوْ إِخْوَانَهُمْ أَوْ عَشِيرَتَهُمْ أُولَئِكَ كَتَبَ فِي قُلُوبِهِمُ الْإِيمَانَ وَأَيَّدَهُمْ بِرُوحٍ مِنْهُ وَيُدْخِلُهُمْ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهَارُ خَالِدِينَ فِيهَا رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ وَرَضُوا عَنْهُ أُولَئِكَ حِزْبُ اللَّهِ أَلَا إِنَّ حِزْبَ اللَّهِ هُمُ الْمُفْلِحُونَ ﴾ [المجادلة: 22]؟

 

هنيئًا لكم وأنتم تقرؤون قول الله فيكم: ﴿ لِلْفُقَرَاءِ الْمُهَاجِرِينَ الَّذِينَ أُخْرِجُوا مِنْ دِيَارِهِمْ وَأَمْوَالِهِمْ يَبْتَغُونَ فَضْلًا مِنَ اللَّهِ وَرِضْوَانًا وَيَنْصُرُونَ اللَّهَ وَرَسُولَهُ أُولَئِكَ هُمُ الصَّادِقُونَ * وَالَّذِينَ تَبَوَّءُوا الدَّارَ وَالْإِيمَانَ مِنْ قَبْلِهِمْ يُحِبُّونَ مَنْ هَاجَرَ إِلَيْهِمْ وَلَا يَجِدُونَ فِي صُدُورِهِمْ حَاجَةً مِمَّا أُوتُوا وَيُؤْثِرُونَ عَلَى أَنْفُسِهِمْ وَلَوْ كَانَ بِهِمْ خَصَاصَةٌ وَمَنْ يُوقَ شُحَّ نَفْسِهِ فَأُولَئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ ﴾ [الحشر: 8، 9]، وبعد الثناء عليكم يرشد ويوجِّه من يأتي بعدكم بالدعاء لكم، والاعتراف بفضلكم: ﴿ وَالَّذِينَ جَاءُوا مِنْ بَعْدِهِمْ يَقُولُونَ رَبَّنَا اغْفِرْ لَنَا وَلِإِخْوَانِنَا الَّذِينَ سَبَقُونَا بِالْإِيمَانِ وَلَا تَجْعَلْ فِي قُلُوبِنَا غِلًّا لِلَّذِينَ آمَنُوا رَبَّنَا إِنَّكَ رَءُوفٌ رَحِيمٌ ﴾ [الحشر: 10].

 

هنيئًا لكم والقرآن يتنزل عليكم منجَّمًا مفرَّقًا لِتَعِيَه قلوبكم، وتُشرق نفوسكم، وتفقهه عقولكم، وتعيشوه مُيسَّرَ الحفظ، مليء المعاني، غزير التوجيه، عميق الأفكار، أعانكم الله على تبليغه والعمل به، ولو نزل عليكم جملة “دفعة” واحدة، لَما استطعتم؛ فقال الله لكم: ﴿ لَوْ أَنْزَلْنَا هَذَا الْقُرْآنَ عَلَى جَبَلٍ لَرَأَيْتَهُ خَاشِعًا مُتَصَدِّعًا مِنْ خَشْيَةِ اللَّهِ وَتِلْكَ الْأَمْثَالُ نَضْرِبُهَا لِلنَّاسِ لَعَلَّهُمْ يَتَفَكَّرُونَ ﴾ [الحشر: 21]، وقال الله لنبيِّه حين قال الكفار: ﴿ لَوْلَا نُزِّلَ عَلَيْهِ الْقُرْآنُ جُمْلَةً وَاحِدَةً كَذَلِكَ لِنُثَبِّتَ بِهِ فُؤَادَكَ وَرَتَّلْنَاهُ تَرْتِيلًا ﴾ [الفرقان: 32]، وقال الله لنبيه: ﴿ وَقُرْآنًا فَرَقْنَاهُ لِتَقْرَأَهُ عَلَى النَّاسِ عَلَى مُكْثٍ وَنَزَّلْنَاهُ تَنْزِيلًا ﴾ [الإسراء: 106].

 

هنيئًا لكم يوم سطَّر القرآن حتى معاناتكم وشدة ما لاقيتم، وأنتم تخوضون غِمار الجهاد، وحياة الكفاح بجميع أنواعه وأحواله، ويخاطبكم مباشرة وصراحة: ﴿ أَمْ حَسِبْتُمْ أَنْ تَدْخُلُوا الْجَنَّةَ وَلَمَّا يَأْتِكُمْ مَثَلُ الَّذِينَ خَلَوْا مِنْ قَبْلِكُمْ مَسَّتْهُمُ الْبَأْسَاءُ وَالضَّرَّاءُ وَزُلْزِلُوا حَتَّى يَقُولَ الرَّسُولُ وَالَّذِينَ آمَنُوا مَعَهُ مَتَى نَصْرُ اللَّهِ أَلَا إِنَّ نَصْرَ اللَّهِ قَرِيبٌ ﴾ [البقرة: 214].

 

وهنيئًا لكم يوم يبيِّن لكم الصراع الذي نالكم بين مداخل نفوسكم، وذكَّركم بحقائقِ دوافعكم يوم معركة أُحُدٍ، يوم اجتهدتم فخالفتم وما قصدتم فيما ظهر لكم إرادتكم المخالفة؛ فقال لكم: ﴿ وَلَقَدْ صَدَقَكُمُ اللَّهُ وَعْدَهُ إِذْ تَحُسُّونَهُمْ بِإِذْنِهِ حَتَّى إِذَا فَشِلْتُمْ وَتَنَازَعْتُمْ فِي الْأَمْرِ وَعَصَيْتُمْ مِنْ بَعْدِ مَا أَرَاكُمْ مَا تُحِبُّونَ مِنْكُمْ مَنْ يُرِيدُ الدُّنْيَا وَمِنْكُمْ مَنْ يُرِيدُ الْآخِرَةَ ثُمَّ صَرَفَكُمْ عَنْهُمْ لِيَبْتَلِيَكُمْ وَلَقَدْ عَفَا عَنْكُمْ وَاللَّهُ ذُو فَضْلٍ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ * إِذْ تُصْعِدُونَ وَلَا تَلْوُونَ عَلَى أَحَدٍ وَالرَّسُولُ يَدْعُوكُمْ فِي أُخْرَاكُمْ فَأَثَابَكُمْ غَمًّا بِغَمٍّ لِكَيْلَا تَحْزَنُوا عَلَى مَا فَاتَكُمْ وَلَا مَا أَصَابَكُمْ وَاللَّهُ خَبِيرٌ بِمَا تَعْمَلُونَ ﴾ [آل عمران: 152، 153]، هكذا خاطبكم الحق العظيم بخطاب لا يطيقه إلا العظماء، وكنتم أنتم دون غيركم.

 

وهنيئًا لكم وأنتم تسمعون وتقرؤون قول الله لنبيه في شأنكم: ﴿ فَبِمَا رَحْمَةٍ مِنَ اللَّهِ لِنْتَ لَهُمْ وَلَوْ كُنْتَ فَظًّا غَلِيظَ الْقَلْبِ لَانْفَضُّوا مِنْ حَوْلِكَ فَاعْفُ عَنْهُمْ وَاسْتَغْفِرْ لَهُمْ وَشَاوِرْهُمْ فِي الْأَمْرِ فَإِذَا عَزَمْتَ فَتَوَكَّلْ عَلَى اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الْمُتَوَكِّلِينَ ﴾ [آل عمران: 159].

 

وهنيئًا لكم سورة الأنفال التي انفردت بتفاصيل الكثير من الحياة الجهادية التي عايشتموها، فيها من الآلام والانتصارات بقضيتكم التي نذرتم أنفسكم لها؛ وهي حماية العقيدة، وتبليغ الرسالة، وإعلاء كلمة الله، التي ابتدأت بالثناء على قوة إيمانكم، وحسن توكلكم على ربكم، لتنتهي بتحقيق أسمى وأرقى وثائق الإيمان؛ وهو حسن الولاء لله ولرسوله وللمؤمنين: ﴿ إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا وَهَاجَرُوا وَجَاهَدُوا بِأَمْوَالِهِمْ وَأَنْفُسِهِمْ فِي سَبِيلِ اللَّهِ وَالَّذِينَ آوَوْا وَنَصَرُوا أُولَئِكَ بَعْضُهُمْ أَوْلِيَاءُ بَعْضٍ… وَالَّذِينَ آمَنُوا وَهَاجَرُوا وَجَاهَدُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ وَالَّذِينَ آوَوْا وَنَصَرُوا أُولَئِكَ هُمُ الْمُؤْمِنُونَ حَقًّا لَهُمْ مَغْفِرَةٌ وَرِزْقٌ كَرِيمٌ ﴾ [الأنفال: 72 – 74].

 

يا صحابة رسول الله صلى الله عليه وسلم، كيف تلقيتم هذا الخطاب الذي امتدحكم فيه ربكم، وأعلى فيه قدركم، ونسَبَكم إلى أبي الأنبياء إبراهيم عليه السلام أبًا لكم، وهو من سمَّاكم وشرَّفكم بهذا الاسم؛ المسلمين؟ ﴿ وَجَاهِدُوا فِي اللَّهِ حَقَّ جِهَادِهِ هُوَ اجْتَبَاكُمْ وَمَا جَعَلَ عَلَيْكُمْ فِي الدِّينِ مِنْ حَرَجٍ مِلَّةَ أَبِيكُمْ إِبْرَاهِيمَ هُوَ سَمَّاكُمُ الْمُسْلِمِينَ مِنْ قَبْلُ وَفِي هَذَا لِيَكُونَ الرَّسُولُ شَهِيدًا عَلَيْكُمْ وَتَكُونُوا شُهَدَاءَ عَلَى النَّاسِ فَأَقِيمُوا الصَّلَاةَ وَآتُوا الزَّكَاةَ وَاعْتَصِمُوا بِاللَّهِ هُوَ مَوْلَاكُمْ فَنِعْمَ الْمَوْلَى وَنِعْمَ النَّصِيرُ ﴾ [الحج: 78]، فهنيئًا لكم، والله هنيئًا لكم.

 

سادتي وقدواتي، عظماء البشرية وخِيرَتَها، تزدحم ذاكرتي بمواقفكم الكثيرة، العديدة بشخوصها الشامخة العظيمة، عبر مراحل سيرتكم العَطِرة، وتاريخكم المشرق الوضَّاء، يستلهم منها قارئها أسمى معاني الرجولة والعظمة، حتى كأنهم يشاهدون ملائكة على هيئة بشر يجسِّدون معانيَ الإسلام الحنيف بتفرُّد فذٍّ عجيب، سأذكر بعضًا منها كشواهد للحياة البشرية الملائكية المثالية التي لا تتكرر إلى قيام الساعة.

 

1- عمر بن الخطاب رضي الله عنه الذي استعرض عزَّة المسلم الذي عرف الحق فاتبعه، وأذعن له، ولم يمنعه مخافة إنكار سادة قريش عليه تركَ دينهم، ودين آبائهم، وأشهر إسلامه في ناديهم متحديًا لهم: “من أراد أن تَثْكَله أمُّه، وتُرْمِل امرأته، فَلْيَلْحَقْني وراء هذا الوادي”، وظل يقاتلهم وقد اجتمعوا عليه يضربونه، حتى غربت الشمس؛ كما يقول أهل السير.

 

2- عمرو بن الجموح الذي سمع رسول الله صلى الله عليه وسلم يبشرهم قبل التحام الجيشين في معركة بدر الفرقان، أن ليس بينهم وبين دخول الجنة إلا الشهادة في سبيل الله، وكان بيده تمرات يأكل منها؛ فقال رضي الله عنه: “بخٍ بخٍ ما بيني وبين الجنة إلا أن يقتلني هؤلاء؛ يعني المشركين، ثم نظر إلى التمرات فقال: لأن عشتُ حتى آكل هذه الثمرات، إنها لحياة طويلة”، ثم رماهنَّ وأقبل يقاتل حتى استشهد رضي الله عنه.

 

3- أبو يحيى صهيب الرومي، الذي أراد الخروج من مكة مهاجرًا إلى المدينة، فمنعه المشركون إلا أن يترك كل ماله، فتركه لهم، فاستقبله رسول الله صلى الله عليه وسلم بهذه الكلمات الخالدة: ((ربِح البيع أبا يحيى، ربح البيع أبا يحيى))، وأنزل القرآن فيه: ﴿ وَمِنَ النَّاسِ مَنْ يَشْرِي نَفْسَهُ ابْتِغَاءَ مَرْضَاتِ اللَّهِ وَاللَّهُ رَءُوفٌ بِالْعِبَادِ ﴾ [البقرة: 207].

 

4- كل من تعرَّض للتعذيب من العبيد والمستضعفين؛ لأنهم آمنوا بالله، وعرفوا التوحيد، وكان منهم مؤذِّن رسول الله صلى الله عليه وسلم، الذي اشتراه سيدنا أبو بكر رضي الله عنه، فقال الفاروق عمر رضي الله عنه: “أبو بكر سيدُنا، أعتق بلالًا سيدَنا”، حين أعتقه بعد أن اشتراه، رضي الله عنهم جميعًا.

 

5- استحقاق الكثير منهم شرف الألقاب والصفات كنياشين منحهم إياها رسول الله صلى الله عليه وسلم، لِما اشتهروا به من الأعمال والمواقف والمواهب، فكان منهم أمين هذه الأمة أبو عبيدة عامر بن الجراح، وأسد الله حمزة بن عبدالمطلب عم رسول الله صلى الله عليه وسلم، وسيف الله المسلول خالد بن الوليد، والصديق أبو بكر صاحب رسول الله الأول، وخليفته من بعده، ورفيق هجرته، والفاروق عمر بن الخطاب، وذو النورين عثمان بن عفان، ومنزلة علي بن أبي طالب كرم الله وجهه عند رسول الله كمنزلة هارون من موسى عليهما السلام، وكان قاضي الصحابة ومستشارهم، رضي الله عنهم جميعًا، وحواريُّ الرسول الزبير بن العوام، وشاعرهم حسان بن ثابت الذي كان يهجو قريشًا، ورسول الله يقول له: ((اهْجُهم وروح القدس معك))، وسفير الإسلام الأول مصعب بن عمير رضي الله عنه.

 

وغسيل الملائكة حنظلة الذي خرج حين سمع النداء: يا خيل الله اركبي، وكان حديثَ عُرْسٍ وهو على جنابة.

 

وتلك المرأة السوداء التي كانت مصابة بالصَّرع، ((فأتت رسول الله صلى الله عليه وسلم تقول له: يا رسول الله، إني أُصرع، فهل دعوت الله لي فلا أُصرع؟ فقال لها: إن شئتِ دعوت الله لكِ، أو تصبري ولكِ الجنة، فقالت: بل أصبر، ثم قالت: ادعُ الله لي ألَّا أتكشف إذا جاءني الصرع، فدعا لها فكان الصحب الكرام يقولون: هذه امرأة تمشي على الأرض وهي من أهل الجنة))، وذلك الأعرابي الذي شارك في أول معركة مع رسول الله صلى الله عليه وسلم بعد إسلامه، فدعاه رسول الله صلى الله عليه وسلم ليأخذ سهمه من الغنائم فقال: ((يا رسول الله، والله ما على هذا اتبعتك، وإن ما أرجوه أن أُرمى بسهم ها هنا، فأدخل الجنة، وأشار بيده إلى موضع في حلقه؛ أي: رقبته، ووجده رسول الله صلى الله عليه وسلم بعد المعركة، وهو صلى الله عليه وسلم يبحث في الشهداء، والسهم أصابه حيث أشار بيده؛ فقال لأصحابه: صدق الله فصدقه الله)).

 

أي جيل أنتم من الطُّهر والنقاء، والإخلاص والصدق مع الله، ثم مع أنفسكم، ماذا أقول؟ وكيف أختتم حديثي العذب معكم عنكم؟ ليس إلا أن أتلو قول الله عنكم: ﴿ وَالسَّابِقُونَ الْأَوَّلُونَ مِنَ الْمُهَاجِرِينَ وَالْأَنْصَارِ وَالَّذِينَ اتَّبَعُوهُمْ بِإِحْسَانٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ وَرَضُوا عَنْهُ وَأَعَدَّ لَهُمْ جَنَّاتٍ تَجْرِي تَحْتَهَا الْأَنْهَارُ خَالِدِينَ فِيهَا أَبَدًا ذَلِكَ الْفَوْزُ الْعَظِيمُ ﴾ [التوبة: 100].

 

اللهم هؤلاء الذين اصطفيتهم لحبيبك، وزكَّيتهم في كتابك، ورضيت عنهم وأرضيتهم، اجمعنا بهم يا مولانا، ولا تحرمنا بعدَ لذةِ النظر إلى وجهك الكريم، أن نلقاهم ونشرب معهم من حوض حبيبك ونبيك، وأن تُظِلَّنا في ظل عرشك يوم لا ظل إلا ظلك، لا إله إلا أنت سبحانك، إني كنت من الظالمين، والحمد لله رب العالمين.





المصدر

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى