Jannah Theme License is not validated, Go to the theme options page to validate the license, You need a single license for each domain name.
التاريخ الإسلامي

الاستشراق والتنصير


الاستشراق والتنصير

 

الوقوف على إسهامات المستشرقين حول الإسلام ضرورة يُحتِّمها الانتماء الثقافي رغم تهوين بعض المعنيين مِن هذا التوجه، ولدى بعض المستشرقين مواقف ليست مُشرفة عن الإسلام؛ لأسباب ذات علاقة بالدوافع والأهداف؛ فلقد استغلَّ التنصير مثلًا الاستشراق في تحقيق بعض أهدافه، عندما تبيَّن للمُنصِّرين أن مسألة تنصير المسلمين غير متحقِّقة، وأن مسألة تحويلهم “ارتدادهم” عن الإسلام دون الدخول بالضرورة في النصرانية غير متيسِّرة، في مقابل الجهود التي تبذل لذلك، فانحرف التنصير في بعض أهدافه الابتدائية، وفي مفهومه إلى تشويه الإسلام في أذهان المسلمين.

 

هذه فكرة طرَحها المنصر المستشرق المعروف جيدًا في منطقة الخليج العربية خاصةً السموءل (صاموئيل) زويمر، الذي مارس خطابًا قائمًا على تحشيد فج مِن المغالطات والافتراءات، لا يخاطب بها “بالتأكيد أناسًا على دراية طيبة بالإسلام في دينه وتاريخه وحضارته؛ إذ إن هذه الأكاذيب لا تنطلي إلا على محدودي الثقافة، أو على وجه الدقة: مَن انحصرت ثقافتهم بما تلقوه من مصادر المعرفة الغربية”[1].

 

هذا التحول في الأهداف التنصيرية يقتضي جهدًا فكريًّا علميًّا يغوص في هذا الدين وما كتبه أهله عنه، ثم يعمد إلى استخراج ما يمكن أن يعدَّ من نقاط الضعف فيه من وجهة نظر المستشرق أو الناقد الآخر في المسلم نفسه، وليس وجود نقاط ضعف محققة في واقع الدين نفسه، فليس في الدين نقاط ضعف، فتكبر هذه النقاط من قِبَل الآخر، وينظر إليها على أنها اتهامات للدين نفسه[2]؛ أي: إن نقاط التقصير في المسلمين أنفسهم تؤخذ على أنها نقاط تقصير في الدين نفسه، فتكون تلك التقصيرات حجةً على الإسلام، بينما هي حجة على المسلمين، فليست بالتالي مواطن اتهام لهذا الدين الحنيف.

 

مع التوكيد على أن استخدام تعبير الآخر هنا يأتي من منطلق ثقافي، لا مِن منطلق عرقي؛ كما هو الشائع من استخدام اللفظ في الغرب، ومِن هذا المُنطلَق فإن الآخر لا يظل دائمًا آخر، ومن هنا يأتي الإشكال في إطلاق هذا اللفظ من مفهوم ثقافي[3]، ومِن هذا المفهوم لا يسمح اللفظ أن ينطبق على أوروبا الأمس واليوم؛ إذ لا يجوز أن يرى الإسلام “كمُغتصب لأوروبا المسيحية أكثر ما تعتبر هذه الأخيرة محطمة الأوثان وأسواط اليهود، وكلهم كان لهم ألقاب تثبت وجودهم، ولكن لا يجوز، بالسير إلى هذا الهدف، أن يعتبر أحد نفسه الآخر فقط، بل هو جزء من أوروبا وجزء من ميراثنا”. كما يقول جاك غودي[4]، ومِن ثمَّ يصبح الإسلام من حيث تأثيره أحد الروافد الثقافية الثلاثة لأوروبا[5].

 

المقصود هو تمثُّل هذه الثقافة في النظرة إلى الآخر، وهو الاستشراق هنا، وإن ظهر التفاوت في هذا التمثل، كما هي الحال لدى إدوارد سعيد وأنور عبدالملك وعبدالله العروي وحسن حنفي كنماذج تصدت لأطروحات المستشرقين في نظرتهم إلى الإسلام، وإصرار بعضهم على اتباع أسلوب إثارة الشبه[6].

 

اقتضى هذا الأسلوب في إثارة الشبه البحث في القرآن الكريم والسنة النبوية المطهرة والسيرة النبوية الشريفة، ثم الخوض في سِيَر أمهات المؤمنين والصحابة من كتاب الوحي ورواة الحديث وقادة الفتوحات الإسلامية، ثم التشكيك في الفقه الإسلامي وأنه مستمَد من القانون الروماني، وأن هذا الدين إنما هو صورة مشوهة عن اليهودية والنصرانية[7]؛ بحجة أن رسول الله صلى الله عليه وسلم مخترع هذا الدين، وأنه عليه الصلاة والسلام قد عرف “شيئًا قليلًا من عقائد اليهود والنصارى”[8]، وأنه صلى الله عليه وسلم كان يتصل قبل بعثته بالأحبار والرهبان داخل مكة المكرمة وخارجها، فالتشكيك في الفتوحات الإسلامية ودوافعها وأنها إنما قامت لأسباب اقتصادية[9]، وأن الإسلام قد انتشر بالقوة والإكراه التي يعبَّر عنها بالسيف[10]، وهكذا من الشبه التسقُّطيَّة التي تصدى لها العلماء والمفكرون المسلمون والعرب وأكثروا من الردود عليها ودحضها[11].

 

اختلفت الردود على شبهات المستشرقين حول الإسلام في مداها وفي أسلوب التعامل مع هذه الشبهات بحسب قوة الشبهات وموقف العلماء المسلمين منها، ويُمكن تصنيف هذه المواقف إلى خمسة أنواع، كما يصنفها محمد أبو الفتح البيانوني:

موقف العلم بها وبأسبابها ودوافعها، والرد العلميُّ عليها.

 

موقف الغفلة عنها وعن أسبابها، أو التساهل معها، حتى شاعت في صفوف كثير من المسلمين.

 

موقف التأثُّر بها، وتصديقها، والدفاع عنها.

 

موقف الرد عليها ردًّا عاطفيًّا مجردًا لا يَقوى على دفعها.

 

موقف الدفاع الضعيف المنطلِق من مركب النقص الذي أصاب كثيرًا من شباب المسلمين في العصر الحديث[12].


[1] انظر: ناصر عبدالرزَّاق الملَّا جاسم: الإسلام والغرب: دراسات في نقد الاستشراق؛ مرجع سابق، ص 44 – 47.

[2] انظر: أبو الحسن علي الحسني الندوي: الإسلاميات بين المستشرقين والباحثين المسلمين، ص 15 – 69، في: نخبة من العلماء المسلمين. الإسلام والمستشرقون؛ مرجع سابق، 511 ص.

[3] انظر: خيري منصور. الاستشراق والوعي السالب، بيروت: المؤسسة العربية للدراسات والنشر، 2001م، ص 135 – 150.

[4] انظر: جاك غودي: الإسلام في أوروبا؛ مرجع سابق، ص 25.

[5] انظر: جاك غودي: الإسلام في أوروبا، المرجع السابق، ص 82 – 119.

[6] انظر: نديم نجدي: أثر الاستشراق في الفكر العربي المعاصر عند إدوارد سعيد – حسن حنفي – عبدالله العروي؛ مرجع سابق، ص 9 – 21.

[7] انظر: شوقي أبو خليل: الإسلام في قفص الاتِّهام، ط 5، بيروت: دار الفكر المعاصر، 1418 هـ / 1998م، ص 314 – 317.

[8] انظر: شوقي أبو خليل: الإسلام بدعة نصرانية، الإسلام مقتبسٌ من اليهودية والنصرانية، ص 15 – 43، في: شوقي أبو خليل، أضواء على مواقف المستشرقين والمبشِّرين، ط 2، طرابلس (ليبيا): جمعية الدعوة الإسلامية العالمية، 1999م، 264 ص.

[9] انظر: جميل عبدالله محمَّد المصري، دواعي الفتوحات الإسلامية ودعاوى المستشرقين، دمشق: دار القلم، 1411هـ / 1991م، 111 ص، (سلسلة بحوث في التاريخ الإسلامي؛ 3).

[10] تصدَّى زكريا هاشم زكريا لهذه الشُّبهة بإفاضة، انظر: دين السلام، ص 43 – 58، في: زكريا هاشم زكريا. المستشرقون والإسلام، القاهرة: المجلس الأعلى للشئون الإسلامية، 1385هـ / 1965م، 612 ص، (سلسلة لجنة التعريف بالإسلام؛ 20). وانظر: نبيل لوقا بباوي، انتشار الإسلام بحدِّ السيف بين الحقيقة والافتراء، القاهرة: دار البباوي، 2002م، 192 ص.

[11] تولَّى عبدالعظيم إبراهيم مُحمَّد المطعني الوقوف على بعض هذه الشُّبه وسعى إلى الردِّ عليها. انظر: عبدالعظيم إبراهيم مُحمَّد المطعني. افتراءات المستشرقين على الإسلام: عرض ونقد، القاهرة: مكتبة وهبة، 1413هـ / 1992م، 208 ص.

[12] انظر: مُحمَّد أبو الفتح البيانوني، الشبهات المثارة حول الإسلام وموقف المسلم تجاهها، ص 61 – 85، في: دراسات استشراقية وحضارية: كتاب دوري محكَّم، المدينة المنورة: كلية الدعوة، مركز الدراسات الاستشراقية والحضارية، ع 1 (1412هـ / 1993م)، 396 ص.



المصدر

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى