Jannah Theme License is not validated, Go to the theme options page to validate the license, You need a single license for each domain name.
التاريخ الإسلامي

الجرح النازف


الجرح النازف

 

فلسطين الجرح النازف في قلب الأمة المسلمة، التي كانت ضحية مخططات ومؤامرات خارجية وداخلية، في كتابه الرائع “كارثة فلسطين: الحقيقة والمؤامرة”، يكشف الحاج “محمد أمين الحسيني” عن طرف من هذه الأسرار، باعتباره شاهدَ عِيانٍ على ضياع فلسطين، ورجل صدق يُؤتَمن على ما يذكره؛ حيث طُبِع الكتاب لأول مرة عقب وقوع كارثة فلسطين بإعلان قيام إسرائيل سنة 1948، ويحمل صفات صاحبه الذي عايش وشاهد وجاهد وأخلص، حتى لقِيَ ربه.

 

يقول مقدم الكتاب الأستاذ هشام عوَّاض: وهذا الكتاب من الكتب النادرة التي تشفي غليل القارئ الغيور في الرد على الاتهامات التي لا تزال تتردد إلى الآن عن الفلسطينيين، مشككة في وطنيتهم وانتمائهم، وتطمس على جهادهم واستشهادهم، مما يدل على وجود أيدٍ خفية تبث سموم هذه الدعايات الصهيونية الإسرائيلية، وتمنع المصل الواقيَ والترياق الشافي من الوصول للفلسطينيين أنفسهم، وللعرب وللمسلمين وللناس في العالم كله.

 

وهو كتاب فريد في بابه يكشف أسرارًا لم تُنشَر في غيره، وحقائقَ غيَّبتها أصوات نفير الدعاية الصهيونية العالمية… كما أنه ينفرد بتشخيص الداء “الكارثة”، ويصف له العلاج الناجع من واقع تجرِبة صاحبه مع الأحداث التي أفنى فيها عمره.

 

الفلسطينيون لم يفرطوا في أراضيهم:

أكثر الأراضي التي اشتراها اليهود كانت تمتلكها أسرٌ إقطاعية من خارج فلسطين؛ لبنانية وسورية؛ كآل سرسق، وآل سلام، وآل التيان، وآل الصباغ، وآل الجزايرلي، وآل شمعة والقوتلي؛ يقول الدكتور “روبين آرثر” من رجال الوكالة اليهودية أمام إحدى لجان التحقيق: “إن تسعة أعشار الأراضي التي اشتراها اليهود حتى عام 1929م، اشتُرِيت من مالكين غير فلسطينيين، يعيشون خارج فلسطين”.

 

إن الفلسطينيين قد حرصوا على أراضيهم كل الحرص، وحافظوا عليها رغم الإغراءات المالية الخطيرة من قِبَلِ اليهود، ورغم الضغط الاقتصادي عليهم بمختلِف الوسائل من قِبل الإنجليز.

 

ومنذ تأسيس المجلس الإسلامي الأعلى الذي انتخبه الفلسطينيون لإدارة المحاكم الشرعية والأوقاف والشؤون الإسلامية في فلسطين عام 1922م، قام بأعمال عظيمة لصيانة الأراضي الفلسطينية من الغزو اليهودي، فمنع بواسطة المحاكم الشرعية التي كان يشرف عليها بيعَ أو قسمة أي أرض كان للقاصرين نصيبٌ فيها، وكذلك اشترى المجلس من أموال الأوقاف الإسلامية كثيرًا من الأراضي التي كانت عُرضة للبيع، وأقرض كثيرًا من أصحاب الأراضي المحتاجين قروضًا من صناديق الأيتام؛ ليصرفهم عن البيع، وكان يعقد مؤتمرًا سنويًّا من العلماء ورجال الدين؛ لتنظيم وسائل المقاومة لليهود الطامعين في الأراضي.

 

وقد بذل المجلس الإسلامي الأعلى مبالغَ طائلة في سبيل إنقاذ الأراضي، واشترى بعض القرى برمتها، وبذل جهودًا عظيمة، وأقام قضايا في المحاكم في هذه السبيل، ووُفِّق في إقناع كثير من القرى ببيع أراضيها إلى المجلس الإسلامي الأعلى، وجعلها وقفًا على أهلها.

 

على أن الكثير ممن باعوا أراضيهم، أو كانوا سماسرة للبيع، قد فتك بهم الشعب الفلسطيني، ولم ينجُ منهم إلا من فرَّ مِنَ البلاد، ولجأ إلى أقطار أخرى.

 

ومؤتمرات العلماء التي كنا نعقدها سنويًّا، وكذلك الهيئات الدينية كانت تصدر الفتاوى بتكفير من يبيع الأرض، أو يسمسر على بيعها، وتعتبره مرتدًّا لا يُدفَن في مقابر المسلمين، وتجب مقاطعته، وعدم التعامل معه، وقد أصدر مؤتمر “كهنة الأرثوذكس العرب” في فلسطين قراراتٍ مماثلة.

 

ما انفك الإنجليز – منذ احتلالهم فلسطينَ – يساعدون اليهود بمختلف الوسائل على التسليح والتدريب والتنظيم العسكري، في الحين الذي كانوا يحرمون فيه جميع ذلك على عرب فلسطين، بل يحكمون بالإعدام على من يحوز أي نوع من السلاح والعتاد، حتى إن وزير المستعمرات البريطانية مستر “كريتش جونز” اعترف في تصريح له في مجلس العموم البريطاني أن “الذين حكمت عليهم المحاكم العسكرية البريطانية بالإعدام شنقًا من العرب؛ لحيازتهم أسلحة أو ذخيرة، كانوا 148 شخصًا”؛ هذه بضعة ألوف فتك بهم الإنجليز خلال ثورات 1936-1939م.

 

فلما اشتد ساعد اليهود بالسلاح والتدريب والتعضيد البريطاني، قاموا بمحاولتهم الثالثة؛ وهي الوصول إلى أهدافهم عن طريق القوة، وظهرت هذه المحاولة بجلاء في اعتداءات اليهود عام 1929م، 1939م، 1947م، وغيرها.

 

ولكن عرب فلسطين على قلة وسائلهم صدُّوهم ببسالة، وهزموهم شرَّ هزيمة في جميع المعارك، على رغم مساعدة الإنجليز لهم، وحشدهم القوات العسكرية البريطانية بقيادة مشاهير قوَّادهم؛ كالجنرال “دل”، والمارشال “ويفل”، وغيرهما، لخَضْدِ شوكة عرب فلسطين.

 

ولما سُقِط في أيدي الإنجليز واليهود معًا، ويئسوا من ترويض عرب فلسطين، وإخضاعهم بالوسائل المذكورة آنفًا، عمدوا إلى أساليبَ أخرى كان سلاحهم فيها الخداع والدهاء؛ ما أدى إلى وقوع كارثة فلسطين.

 

وشارك في هذا الخداع وهذا التضليل بعض ملوك العرب وأمرائهم، فبعد أن قبِلَ شريف مكة الحسن بن علي تفسير “هوجارت” المضلل والخادع لوعد بلفور عام 1918م، تدخلوا مرة أخرى لإنهاء إضراب وثورة 1936م، وإعادة الثقة في بريطانيا.

 

تهمةُ أنَّ عرب فلسطين لم يدافعوا عن بلادهم هي فرية لا ظلَّ لها من الحقيقة؛ فالناس جميعًا يعلمون كيف كافح أهل فلسطين اليهود والإنجليز معًا، مدة ثلاثين عامًا، لم يُقهَروا خلالها قط، مع كثرة القوات البريطانية، وقوات الشرطة المحتلة، وقوى اليهود المنظمة.

 

ومن ذلك ما قاله هتلر من أنه مُعجَب كل الإعجاب بكفاح عرب فلسطين وبسالتهم، وكذلك جاء في بيان رسمي وجَّهه هتلر إلى الألمان في السوديت: “اتخذوا – ألمان السوديت – من عرب فلسطين قدوة لكم، إنهم يكافحون إنجلترا أكبر إمبراطورية في العالم، واليهودية العالمية معًا، ببسالة خارقة، وليس لهم في الدنيا نصير أو مساعد، أما أنتم، فإني أمدكم بالمال والسلاح، وإن ألمانيا كلها من ورائكم”.

 

وقد جاء في كتاب ألَّفه الجنرال “ولسون” الذي اشترك في المعارك ضد عرب فلسطين، ذِكْرٌ مستفيض لبطولة عرب فلسطين، خلال المعارك الدامية التي جاهدوا فيها القوات البريطانية؛ إذ ذكر ما خلاصته:

“إن خمسمائة من ثوَّار عرب فلسطين يعتصمون في الجبال، ويقومون بحرب عصابات، لا يمكن التغلب عليهم بأقل من فرقة بريطانية كاملة السلاح؛ [أي: خمسة عشر ألفَ جنديٍّ]”.

 

وفي الحرب العالمية الأولى عندما صمد لواء واحد من الجيش العثماني مؤلَّف من أقل من ثلاثة آلاف جندي فلسطيني، في وجه فرقتين بريطانيتين أمام غزة، وكبَّدهما خسائر فادحة، وأرغمهما على التقهقر حتى العريش عام 1917م، وأصدر أحمد جمال باشا القائد التركي – الذي اشتهر بخصومته للعرب – بيانًا رسميًّا أشاد فيه بالشجاعة الفذة التي أبداها أولئك الجنود الفلسطينيون في غزة، أمام أضعاف أضعافهم من جنود الأعداء، وإنها لَبسالة خارقة تذكِّر بالشجاعة التي أبداها آباؤهم من قبلُ، عندما حَمَوا هذه البقاعَ المقدسة بقيادة صلاح الدين الأيوبي.

 

براعة الفلسطينيين في حرب العصابات:

ولا شك أن كل مُنْصِفٍ يعترف بأن مجاهدي فلسطين لم يُغلَبوا على أمرهم، ولم يُقهَروا في ميدان الكفاح، حينما كانوا يحاربون اليهود والإنجليز معًا حربَ العصابات التي حَذَقُوها، التي هي أجدى وأنجع من مكافحة الجيوش النظامية، وأعظم أثرًا وأقل نفقة، وبحرب العصابات القائمة على أسس التضحية والاستماتة والبسالة، استطاع الفلسطينيون أن يقضُّوا مضاجعَ أعدائهم أمدًا طويلًا، وأن يُنزِلوا بهم الخسائر الفادحة، واستطاعت حركة الجهاد الفلسطيني في أعوام 36 و37 و38 و1939م أن تسيطر على معظم الأراضي الفلسطينية، بل عليها كلها، إذا استثنينا قليلًا من المدن التي انحصر الجنود الإنجليز داخلها وقتًا غيرَ قليل في انتظار النجدات.

 

الإنجليز يسلِّحون اليهود ويدرِّبونهم:

وفي الحوادث الأخيرة ظن الإنجليز الذين جرَّدوا أهلَ فلسطين خلال الحرب العالمية الثانية من أسلحتهم، وشرَّدوا قادتهم، وسجنوا الألوف من مجاهديهم، وأرهقوهم ظلمًا وعدوانًا، كما يفعلون اليوم في المكافحين من رجال ماو ماو، في الوقت الذي كانوا يسلحون فيه اليهود ويدربونهم، وينظمونهم ويساعدونهم بواسطة هيئة عسكرية إنجليزية، كان يرأسها القائد “وينجت” المعروف – ظن الإنجليز أن كِفَّةَ اليهود الحربية أصبحت راجحة، وأن في استطاعتهم أن يتسلموا فلسطين حسب وعد بريطانيا القديم لهم، فأعلنت بريطانيا أنها ستنسحب من فلسطين، ولكن أهل فلسطين على رغم ضعف وسائلهم عامي 1947 – 1948 قاموا بكفاح شديد، أُرْغِمَ به يهود القدس وعددهم نحوه 115 ألفًا على رفع رايات التسليم، بعد أن أرهقوهم وحسروهم، وقطعوا عنهم الماء والعتاد، وقد توسطت الهيئة الدبلوماسية في القدس حينئذٍ، وجاءت بعثة من بعض أعضائها إلى دمشق في مارس 1948 م؛ لمفاوضة الجامعة العربية والهيئة العربية العليا في هذا الأمر.

 

يقول الكاتب فلسطين ناصر النشاشيبي: “إن ضرب المناطق اليهودية المكتظة بالسكان كفيل بأن يدفع مئات الآلاف إلى الهروب، أسلوب (اضرب واهرب)، مع عمليات نسف وإرهاب فدائيين، بحيث لا يبقى جسر ولا نفق، ولا خط حديدي، ولا إذاعة، ولا خزان مياه، ولا محطة كهرباء، ولا مصنع، قد نجح في السابق، وسوف ينجح في اللاحق”.

 

تفوق العرب في المعارك على اليهود:

وفي غضون ذلك كانت المعارك الكبيرة ناشبة بين العرب واليهود؛ ففي مكان يُعرَف بالدهيشة بين القدس والخليل نشبت معركة كبيرة في 17 مارس سنة 1948 قُتل فيها بضع مئات من اليهود، ووقع منهم 350 أسيرًا، وغنِم المجاهدون أسلحتهم وذخائرهم، ونحو 150 سيارة كان قسم كبير منهم من المصفحات والمدرعات، ووقعت معارك صوريف وبيت سوريك وسلامة ويافا، ومعارك أخرى في المنطقة الشمالية، قهرت فيها العصابات الفلسطينية اليهودَ وهَزَمَتْهُم.

 

في تلخيص الوضع القتالي ذلك الوقت؛ قال رئيس شعبة العمليات في هيئة أركان الهاجاناه، في تقريره الذي قدمه في أول أبريل 1948 م: “يجب أن نذكر أن كل مراحل المعركة حتى الآن قد أملاها علينا العدو، ولم نتمكن حتى الآن من التأثير على المجرى الإستراتيجي والعملياتي للمعركة، التي تطورت من مجرد أحداث وصدامات إلى حرب بين قوتين شبه نظاميتين، والحل الوحيد هو أخذ زمام المبادرة العملياتية بأيدينا، ونحن نتطلع إلى إحراز نصر حاسم عسكري ضد العدو”.

 

ولما شرع اليهود في استعمال المتفجرات، وعمدوا إلى النسف، قابلهم المجاهدون بما هو أدهى وأمَرُّ؛ فنسفوا عمارة بالستين بوست، والوكالة اليهودية، وشارع بن يهودا برمته، ومحلة المنتفيوري، وغيرها؛ مما قصم ظهر اليهود، وجعلهم يطالبون بالعدول عن حرب المتفجرات.

 

وقد أبدى المجاهدون الفلسطينيون من البسالة والتصميم والتضحية ما ضمِن لهم التفوق ورجوح الكفة على اليهود، حتى إن الولايات المتحدة الأمريكية أعلنت بواسطة مندوبها في الأمم المتحدة في 23 مارس سنة 1948 عدوله عن تأييد قرار تقسيم فلسطين، وقد وقعت جميع هذه الحوادث قبل أن تدخل الجيوش العربية فلسطين.

 

12 ألف شهيد في فلسطين:

وقد بلغ عدد الذين استشهدوا من أهل فلسطين في ميادين الجهاد نحو 12 ألف شهيد، وبلغ عدد مَن أُصيب منهم بجراحات وعاهات دائمة ضعف العدد، وهذا بالإضافة إلى ألوف من السكان المدنيين، ولا سيما من الشيوخ والنساء والأطفال الذين قتلهم اليهود والمستعمرون، كما أن خسائرهم المادية إلى ما قبل نشوب الحرب العالمية الثانية تقدر بعشرات الملايين من الجنيهات، فإن السلطات البريطانية نسفت أقسامًا برمتها من مدن يافا واللد، وعشرات من القرى العربية، وأتلفت مزروعات أهلها ومواشيهم وممتلكاتهم.

 

المؤامرة الإنجليزية لإبعاد الفلسطينيين عن ميدان القتال:

ولما رأى الإنجليز واليهود هذا الجِدَّ والتصميم والاستماتة من عرب فلسطين، وأن حرب العصابات تزداد توسعًا واندلاعًا وأن أمَدَها سيطول، وستكون لها نتائج خطيرة في إثارة الشرق العربي والعالم الإسلامي – لجؤوا إلى الحيلة لوقف حرب العصابات، وإبعاد المجاهدين الفلسطينيين عن ميدان المعركة؛ لأنهم بطبيعة الحال أشد العناصر العربية تصميمًا على القتال، واستماتة في الذَّوْدِ عن وطنهم وأنفسهم وممتلكاتهم، فعمد الإنجليز إلى تعديل خطة الدول العربية التي كانت قررت في اجتماع “عالية – لبنان”، في السابع من أكتوبر عام ١٩٤٨م أن يكون المعوَّل في حرب فلسطين على أبنائها، وأن تمدهم الدول العربية بالأسـلحة والأموال، وما إلى ذلك من وسائل المساعدة، وألَّا تدخل الجيوش العربية النظامية فلسطينَ، ولكني عندما شعرت في ذلك الحين برغبة بعض الشخصيات العربية الرسمية في إدخال الجيوش العربية فلسطين، وباندفاعها في هذه السبيل، أوجستُ في نفسي خيفة، وأبديتُ ارتيابي وخشيتي من أن تكون وراء ذلك دسيسة أجنبية، وعارضت في هذا معارضة شديدة.

 

ولم تكن الدول العربية موافقة على إدخال جيوشها إلى فلسطين، ولكن تيار الضغط الأجنبي على بعض الشخصيات المسؤولة في الدول العربية، في ذلك الحين، كان بدرجة من الشدة اجتاح معها كل معارضة، ودخلت الجيوش العربية، وكانت مصر من أشد الدول معارضة لدخول جيشها في الحرب، ثم دخلت بتأثير دوافع متعددة، كما ظهر في المحاكمات الأخيرة أمام محكمة الثورة، فقد قِيل في صدد دخول الجيش المصري حرب فلسطين: “إن المرحوم النقراشي أسرَّ إلى أحد كبار المصريين وقتئذٍ – ليهدئ من روعه ومعارضته – أن الإنجليز متحمسون لدخولنا الحرب، وأنهم وعدوه بمدِّ الجيش المصري بالأسلحة والذخيرة التي يحتاج إليها “.

 

إن فكرة الجامعة العربية وفكرة دخول الجيوش العربية في ذاتهما فكرتان لا غبار عليهما، إن كانتا في إطارهما الإسلامي الجامع، أما اجتماع القوالب مع تفرق القلوب، فهو الضلال المبين والخسران، والهزائم والنكسات؛ ذلك أن دخول جيوش الدول العربية الخمس في آنٍ واحد، مع عدم التنسيق بينها، وجعل القيادة العامة في يد الملك عبدالله بن الحسين، عديمِ الخبرة العسكرية، واستعانته بقائد الجيش الأردني الجنرال البريطاني “چون یاجوت جلوب”، كمستشار فعلي وحيد، وغيرها من عوامل الخذلان، جعلت السيد محمد أمين الحسيني يتوجس خيفة، وقد تحققت مخاوفه.

 

الجيوش العربية تحت قيادة جنرال إنجليزي!

فلما دخلت الجيوش العربية فلسطين، سلَّمت قيادتها العملية إلى الجنرال “جلوب” الإنجليزي، وصدر أمر الملك عبدالله “بإلغاء منظمة الجهاد القدس الفلسطينية [حركة مقاومة عسكرية سرية قامت بدورها في الثورات الفلسطينية العديدة ضد الاحتلال البريطاني والصهيوني، خاصة عام ١٩٤٧م تحت قيادة عبدالقادر الحسيني، وكانت قوته الضاربة قوامها 5-7 آلاف رجل، بالإضافة إلى مجاهدين مقيمين في قراهم، يبلغ عددهم ١٠ آلاف رجل، وكان وراء قرار حل المنظمة جلوب باشا!]، وجميع القوى والعصابات التابعة لها”، وإلغاء “جيش الإنقاذ” المؤلف من المتطوعين، وطلب إلغاء الهيئة العربية العليا لفلسطين، ووُضِعت خطة محكمة لإبعاد الفلسطينيين عن میدان الجهاد والسياسة، وكل ما يتعلق ببلادهم ومستقبلهم وحياتهم.

 

والملك عبدالله هو ابن الشريف الحسين بن علي أمير الحجاز، والشقيق الأصغر للأمير فيصل الكبير؛ ملك الأردن ومؤسسها، وُلِد بمكة، قاد في الحرب العالمية الأولى حملات المساعدة لبريطانيا في شبه جزيرة العرب، اختارته بريطانيا أميرًا على شرق الأردن عام ۱۹۱۹م، ومنحته استقلالًا ذاتيًّا عام ١٩٢٣م، ومنحته معونة سنوية قدرها ۱۸۰,۰۰۰ جنيه إسترليني، مع تعهده باحترام التزامات بريطانيا الدولية تجاه فرنسا، والحركة الصهيونية، وضم الجزء الغربي من فلسطين على أساس التقسيم، اتخذ لقب ملك المملكة الأردنية الهاشمية عام ١٩٤٦م، واغتيل عام ١٩٥١م على باب المسجد الأقصى بواسطة خياط فلسطيني.

 

دعايات مضللة وتهم باطلة تُذاع عن فلسطين:

ولتبرير إبعاد الفلسطينيين عن ميدان المعركة، قامت دوائر المخابرات البريطانية واليهودية، وغيرها من الدوائر الموالية لها، بدعايات واسعة مضلِّلة، وإشاعات مبطِلة عن الفلسطينيين، تكيل لهم فيها جُزافًا أفظع التُّهَم؛ من تجسسهم على الجيوش العربية، وبيعهم جنودها وضباطها لليهود، ونحو الأكاذيب التي لا ظل لها من الحقيقة، ولا يعقل أبدًا أن يرتكبها الفلسطينيون الذين هم أعظم الناس مصيبة باليهود والاستعمار، وأشدهم حَنَقًا عليهما، واستغل الخصوم بعض حوادث التجسس التي كان يقوم بها أفراد من اليهود نشؤوا في البلاد العربية، وحذقوا لغتها وعاداتها، وقد بثَّتهم دوائر الاستخبارات اليهودية في كل الجهات، وهم يرتدون الثياب العربية، حتى ظُنَّ أنهم من عرب فلسطين.

 

على أن أهل فلسطين كغيرهم من الشعوب، منهم الصالحون ومنهم دون ذلك، ولا يبعد أن يكون بينهم أفرادٌ قصَّروا، أو فرطوا، أو اقترفوا الخيانة، ولكن وجود أفراد قلائل من أمثال هؤلاء بين شعب كريم مجاهد كالشعب الفلسطيني، لا يدمَغُ هذا الشعب، ولا ينتقص من كرامته، ولا يمحو صفحة جهاده العظيم.

 

إن التطورات والأحداث التي حدثت في العالم العربي بعد كارثة فلسطين، لا سيما بعد ثورة مصر في ٢٣ يوليو تموز ١٩٥٢م، كانت كفيلة بإظهار الحقائق سافرة للأمة العربية، رغم ما بذله المستعمرون واليهود وأولياؤهم وصنائعهم المأجورون من جهود كبيرة؛ لتظل تلك الحقائق خافية عن الشعوب العربية والإسلامية، وإن تقلُّص نفوذ الاستعمار في العالم العربي، ونمو القومية العربية، قد أسكت كثيرًا من أبواق الدعاية المضللة، وأخرس كثيرًا من ألسنة السوء التي أطلقها الأعداء لتشويه صفحة جهاد عرب فلسطين.





المصدر

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى