Jannah Theme License is not validated, Go to the theme options page to validate the license, You need a single license for each domain name.
التاريخ الإسلامي

ولقد كرمنا بني آدم وفضلناهم على كثير ممن خلقنا تفضيلا


وَلَقَدْ كَرَّمْنَا بَنِىٓ ءَادَمَ..

وَفَضَّلْنَاهُمْ عَلَىٰ كَثِيرٍ مِّمَّنْ خَلَقْنَا تَفْضِيلًا

 

لقد بدأ الله خلق الإنسان من طين، ثم نفخ فيه من روحه، قال تعالى: ﴿وَبَدَأَ خَلْقَ الْإِنْسَانِ مِنْ طِينٍ [السجدة: 7]، وقال للملائكة: ﴿فَإِذَا سَوَّيْتُهُ وَنَفَخْتُ فِيهِ مِنْ رُوحِي فَقَعُوا لَهُ سَاجِدِينَ [ص: 72]، فكان أعظم تكريم للإنسان، وأعظم تفضيل له من الله هي تلك الروح التي نفخها الله في الإنسان، فهي نفخة من الله لا يعلم مكنونها إلا هو، لذلك جاء الأمر للملائكة، بالسجود، تكريمًا لهذه الروح، فهي من أمر الله.

 

وأضاف – سبحانه – الروحَ إلى ذاته، للإِشعار بأن هذه الروح لا يملكها إلا الله تعالى، وأن مرد كنهها وكيفية هذا النفخ، مما استأثر – سبحانه – به، ولا سبيل لأحد إلى معرفته، كما قال تعالى: ﴿وَيَسْأَلُونَكَ عَنِ الروح قُلِ الروح مِنْ أَمْرِ رَبِّي وَمَآ أُوتِيتُم مِّنَ العلم إِلاَّ قَلِيلاً [الإسراء: 85].

 

وحتَّى نتصور عمل الروح في تكوين الإنسان، وبعض خصائصه نتدبر ما يلي:

عن علي رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: ” رُفِعَ الْقَلَمُ عن ثلاثٍ: عن النائم حتى يَسْتَيْقِظَ، وعن الصبي حتى يَحْتَلِمَ، وعن المجنون حتى يَعْقِلَ “؛ [صحيح: رواه أبو داود والترمذي وابن ماجه وأحمد].

 

أي أن النائم غير مكلف ولا مسئول في هذه الحالة… لماذا؟

 

قال تعالى: ﴿وَهُوَ الَّذِي يَتَوَفَّاكُم بِاللَّيْلِ وَيَعْلَمُ مَا جَرَحْتُم بِالنَّهَارِ ثُمَّ يَبْعَثُكُمْ فِيهِ لِيُقْضَىٰ أَجَلٌ مُّسَمًّى ۖ ثُمَّ إِلَيْهِ مَرْجِعُكُمْ ثُمَّ يُنَبِّئُكُم بِمَا كُنتُمْ تَعْمَلُونَ [الأنعام: 60].

 

فهو سبحانه الذي يقبض أرواحكم بالليل بما يشبه قبضها عند الموت.

 

ففي هذه الحالة الروح قد قبضت من الإنسان، رغم أن الإنسان يتنفس، ويجري فيه الدم وقد يتحرك بتقلبه وهو نائم؛ أي أن في الإنسان حياة في هذه الحالة.

 

يقابل هذه الحالة وهو جنين في بطن أمه – قبل نفخ الروح – ففي الحديث: عن أبي عبدالرحمن عبدالله بن مسعودٍ رضي الله عنه قال: حدثنا رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو الصادق المصدوق: ((إن أحدكم يجمع خلقه في بطن أمه أربعين يومًا نطفة، ثم يكون علقةً مثل ذلك، ثم يكون مضغةً مثل ذلك، ثم يرسل إليه الملك فينفخ فيه الروح، ويؤمر بأربع كلماتٍ: بكَتْبِ رزقه وأجله وعمله، وشقي أو سعيدٌ، فوالذي لا إله غيره إن أحدكم ليعمل بعمل أهل الجنة حتى ما يكون بينه وبينها إلا ذراعٌ، فيسبق عليه الكتاب فيعمل بعمل أهل النار فيدخلها، وإن أحدكم ليعمل بعمل أهل النار حتى ما يكون بينه وبينها إلا ذراعٌ، فيسبق عليه الكتاب، فيعمل بعمل أهل الجنة فيدخلها))؛ رواه البخاري ومسلم.

 

أي أن نفخ الروح في الجنين يكون بعد 120 يومًا؛ أي بعد أربعة أشهر، وفي هذه المدة الزمنية فإن الجنين في بطن أمه ينمو، وينبض قلبه ويجري فيه الدم، ويتحرك، وتشعر الأم بحركته في بطنها، وبالكشف عليه بالأشعة يتم مشاهدة كل ذلك، أي أن الجنين فيه حياة من قبل نفخ الروح.

 

من هذا يتضح لنا أن هناك فرقًا بين الحياة والروح في الإنسان، وهذا ما تأكده الآية: ﴿اللَّهُ يَتَوَفَّى الْأَنْفُسَ حِينَ مَوْتِهَا وَالَّتِي لَمْ تَمُتْ فِي مَنَامِهَا فَيُمْسِكُ الَّتِي قَضَى عَلَيْهَا الْمَوْتَ وَيُرْسِلُ الْأُخْرَى إِلَى أَجَلٍ مُسَمًّى إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآيَاتٍ لِقَوْمٍ يَتَفَكَّرُونَ [الزمر: 42].

 

وقد اكتشف الإنسان بالعلم أن كل خلية حية (نباتية أو حيوانية) بها برنامج خاص ببداية حياة الخلية ونهاية حياتها، فالفيروسات، والمكروبات، والفطريات، كلها خلايا حية، أما الحيوان ففيه حياة ولا نستطيع أن نقول أكثر من ذلك.

 

ولبيان عظم دور الروح في الإنسان نقرأ قول الله تعالى: ﴿يَابَنِي آدَمَ قَدْ أَنْزَلْنَا عَلَيْكُمْ لِبَاسًا يُوَارِي سَوْآتِكُمْ وَرِيشًا وَلِبَاسُ التَّقْوَى ذَلِكَ خَيْرٌ ذَلِكَ مِنْ آيَاتِ اللَّهِ لَعَلَّهُمْ يَذَّكَّرُونَ [الأعراف: 26].

 

انظر روعة هذه الآية التي يتوجه فيها رب العالمين إلى البشرية بكلياتها بنداء يا بني آدم، ولم يقل يا أيها الناس، إشارة إلى بداية خلقهم، وتفضل ربهم عليهم بأن ألبس أجسادهم التي خلقت من طين الأرض لباس الروح التي أنزلها عليهم من عليين رفعة وصلة بربهم.

 

فهذه الروح التي نفخها الله في الإنسان تنقل هذا التكوين العضوي الوضيع (الجسد الذي به حياة) في الإنسان إلى ذلك الأفق الإنساني الكريم، منذ بدء التكوين، وتجعله ذلك الخلق المتفرد الذي توكل إليه الخلافة في الأرض بحكم تفرد خصائصه منذ بدء التكوين هذه النفخة التي تصله بالملأ الأعلى؛ وتجعله أهلا للاتصال بالله، وللتلقي عنه، ولتجاوز النطاق المادي الذي تتعامل فيه العضلات والحواس، إلى النطاق التجريدي الذي تتعامل فيه القلوب والعقول، التي تمنحه ذلك السر الخفي الذي يسرب به وراء الزمان والمكان، ووراء طاقة العضلات والحواس، إلى ألوان من المدركات وألوان من التصورات.

 

ولذلك عبر الله عن هذا اللباس بلباس التقوى، وأن هذا اللباس خير للإنسان عندما يستجيب لربه ويتبع هداه ويتذكر هذا دائمًا، ولا يجعل للشيطان عليه سبيلا، فينزعه عنه كما فعل من قبل مع أبويه فأخرجهما من الجنة؛ قال تعالى: ﴿يَابَنِي آدَمَ لَا يَفْتِنَنَّكُمُ الشَّيْطَانُ كَمَا أَخْرَجَ أَبَوَيْكُمْ مِنَ الْجَنَّةِ يَنْزِعُ عَنْهُمَا لِبَاسَهُمَا لِيُرِيَهُمَا سَوْآتِهِمَا إِنَّهُ يَرَاكُمْ هُوَ وَقَبِيلُهُ مِنْ حَيْثُ لَا تَرَوْنَهُمْ إِنَّا جَعَلْنَا الشَّيَاطِينَ أَوْلِيَاءَ لِلَّذِينَ لَا يُؤْمِنُونَ [الأعراف: 27].

 

وهنا يتبين أن للإنسان تكوينًا حيويًّا وتكوينًا روحيًّا، ولابد من ملاحظة هذه الحقيقة ودقة تصورها كلما تحدثنا عن تركيب الإنسان من الطين ومن النفخة العلوية (الروح) التي جعلت منه هذا المخلوق الفريد التكوين.

 

والتفاعل بين خصائص العناصر الطينية فيه (الجسد) والعناصر العلوية (الروح) هو المطلوب من الإنسان أن يحققه ويبلغه وفق منهج الله الذي وضعه الله له من الأفق الأعلى، وهو الكمال البشري المقدر له، فليس مطلوبًا منه أن يتخلى عن طبيعة أحد عنصريه ليكون ملكًا أو ليكون حيوانًا، وليس واحدٌ منهما هو الكمال المنشود للإنسان، والحكمة التي من أجلها خُلق هذا الإنسان تتمثل في قول الله تعالى: ﴿قُلْ إِنَّ صَلَاتِي وَنُسُكِي وَمَحْيَايَ وَمَمَاتِي لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ [الأنعام: 162].

 

فالمطلوب مني كإنسان أن أكون متجردًا تجردًا كاملًا لخالقي ورازقي بكل خالجة في القلب، وبكل حركة في هذه الحياة، إنه التجرد الكامل لله، بكل خالجة في القلب وبكل حركة في الحياة، وبالمحيا والممات، وبالشعائر التعبدية، وبالحياة الواقعية، وبالممات وما وراءه.



المصدر

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى