التاريخ الإسلامي

تهديم الأركان من ليس في الإمكان أبدع مما كان لبرهان الدين البقاعي


تهديم الأركان من ليس في الإمكان أبدع مما كان لبرهان الدين البقاعي

 

صدر حديثًا كتاب: “تهديم الأركان من ليس في الإمكان أبدع مما كان”، تأليف: “برهان الدين إبراهيم بن عمر بن حسن البقاعي الشافعي” (ت 885)، تحقيق: د. “عبد الواحد جهداني”، نشر: “دار الفتح للنشر والتوزيع”.

 

وهذه الرسالة للإمام البقاعي يرد بها على مقولة “ليس بالإمكان أبدع مما كان” المنسوبة لأبي حامد الغزالي رحمه الله، حيث وردت نصوصًا في كتبه تثبت هذه المقولة التي تعني أن الله تعالى لا يمكنه أن يبدع أو يخلق أبدع من هذا الكون؛ لأنه قد أبدعه على أكمل صورة، إذ لو لم يبدعه على أكمل صورة فإن ذلك يعتبر بخلًا يناقض الجود الإلهي وعجزًا يناقض الإلهية. وقد ألف الإمام “إبراهيم بن عمر البقاعي” هذه الرسالة للرد على فساد هذه العبارة، ولينقض هذه المقولة ويفندها، ويبرئ الإمام الغزالي من هذه المقولة التي حكم بأنها قد تكون مدسوسة عليه، أو أنها لو صحت عنه فإنها زلة منه.


ونجد أن هذه العبارة قد وردت في كثير من مؤلفات الإمام الغزالي، حيث سبق أن كررها في كتابه “جواهر القرآن”، و”الإحياء”، وفي هذه الرسالة يعتذر البقاعي للإمام الغزالي عن هذه العبارة الموهمة والمشكلة مبينًا بطلانها من أكثر من وجه.


وقد أورد البقاعي في مؤلفه الأدلة على بطلان هذه المقولة، وعلى بطلان نسبتها للغزالي، من خلال إيراد نصوص من كتب الغزالي تخالف هذه المقولة، فضلًا عن سيرة وحال الغزالي – رحمه الله.


ويرى البقاعي أن عنوان هذه العبارة أخذت من كلام بعض الفلاسفة القائلين بوحدة الوجود أو الوحدة المطلقة، والفلاسفة القائلين بقدم العالم، وكذلك القائلين بالصلاح والأصلح كما هو لدى المعتزلة.


وقد ألف البقاعي كتابه المذكور بقصد “الانتصار للواحد القهار” لأن في هذه المقالة في زعمه تحتجن عقائد فاسدة، مناقضة لأصول الشريعة، فهي تشبه قول من يقول أن الله يفعل بالذات لا بالاختيار، أو أن الله لا يعلم الجزئيات.


والقائلين بوحدة الوجود يرون أن الله تعالى لا يقدر أن يوجد أبدع من هذا الكون؛ لانصراف الإرادة عنه تعالى، ولعدم تعلق القدرة به؛ لأنها لا تتعلق بالمحال، وهو ما لا يجوز أن يكون عقيدة الإمام الغزالي رحمه الله، وأن موهم عبارته يلتقي مع هؤلاء الزنادقة في هذه الإشكالية.


يقول “البقاعي” في (نظم الدرر: 20/ 177):-

وإيَّاك أن تَلْتَفِتَ إِلى منْ قالَ: إنَّه ليسَ فِي الإمْكانِ أبْدَعَ من هذا العالمِ؛ فإنّه مذهبٌ فلسفيّ خبيثٌ، والآيةُ نصّ في إبطاله، وإن نسبه بعضُ الملحدين إلى “الغزاليّ” فإنّي لا أشك في أنّه مدسوسٌ عليه!!!، فإنَّه مذهبٌ فلسفيّ خبيثٌ بشهادة “الغزالىّ” كما بينت في كتابي: “تهديم الأركان من ليس في الإمكان أبدع مما كان” وكتابي: “دلالة البرهان على أنّ في الإمكان أبدع مما كان” وكتابي: “إطباق الأغلال في أعناق الضلال”.


ومع كونه مذهب الفلاسفة أخذه أكفر المارقين “ابن عربي” وأودعه “فصوصه” وغير ذلك من كتبه، واستند فيه في بعضها إلى “الغزاليّ” إتقانًا لمكره – أعاذنا الله من شره – و”الغزاليّ” بريءٌ منه بشهادة ما وجد من عقائده في “الإحياء” وغيره”.

 

 

وتبين هذه الرسالة باع البقاعي في رده على حجج الفرق الضالة الأخرى، ونقض أدلتها بنفس المنطق العقلي الذي اتبعه أصحابها في مناقشة هذه المزاعم، حيث يتعقب كلام الغزالي وما يمكن أن يؤدي إليه من تهويمات حسب ادعاء كل فرقة من تلك الفرق الكلامية الضالة.


وهذا الكتاب سبق نشره من قبل في “دار الكتب العلمية” ومعه كتاب “تثبيت قواعد الأركان في الرد على البقاعي” لِتقي الدين محمد بن محمد البلاطنسي (ت ٩٣٦ هـ) في الرد عليه، وذلك بتحقيق د. “يونس عبد الغني القنتي” عام 2019 م، وكذلك حقق في رسالة علمية في كلية دار العلوم بجامعة القاهرة بواسطة الباحث “حسام عاشور فهمي” وذلك عام 2010 م، كما تم تناول جهود الإمام البقاعي ضمن مقال منشور بمجلة الشريعة والدراسات الإسلامية بجامعة الكويت بعنوان “مسألة ليس في الإمكان أبدع مما كان ( المنسوبة إلى حجة الإسلام أبي حامد الغزالي رحمه الله ) بين الغزالي والبقاعي” وذلك عام 2007 م.


والإمام البقاعي هو أبو الحسن برهان الدين إبراهيم بن عمر بن حسن الرُّبَاط – بضم الراء وتخفيف الباء – بن علي بن أبي بكر البقاعي، المولد سنة 809 من الهجرة في سهل البقاع في لبنان اليوم، وكانت البقاع من سورية يوم ولد بها. وقد سكن دمشق، ورحل إلى بيت المقدس والقاهرة، ثم عاد إلى دمشق وتوفي بها عام 885 هـ.


وقرأ ودرس في الفقه والنحو، وفي القراءات، وبرع في جميع العلوم وفاق الأقران، وأصبح من الأئمة المتقنين المتبحرين في جميع المعارف، وله كتبٌ مناظراتٌ وردودٌ مع كثير من علماء عصره تدلُّ على سعة معارفه، وشدة حذقه، وكثرة جلده.


وهو مفسر مؤرخ أديب، من شيوخه: “التاج بن بهادر”، و”العلاء القلقشندي”، و”الشرف السبكي” والتقي الحصني” و”ابن حجر العسقلاني” و”القاياني”.


ومن مصنفاته:

“إشعار الواعي بأشعار البقاعي”.

“شرح جمع الجوامع” في أصول الفقه للسبكي وهو من مشهورات المختصرات.

“سر الروح” مختصر كتاب “الروح” لابن قيم الجوزية.

“إظهار العصر لأسرار أهل العصر” ذيّل به على كتاب “إنباء الغمر في أبناء العمر” لابن حجر العسقلاني، بلغ فيه البقاعي إلى سنة 870هـ.

“الإباحة في علمي الحساب والمساحة” وهي أرجوزة مشروحة بقلمه.

“جواهر البحار في نظم سيرة النبي المختار” أرجوزة شرحها في مجلدين.

“رفع اللثام عن عرائس النظام” مختصر في العروض والقوافي.

“عظم وسيلة الإصابة في صناعة الكتابة” منظومة في صناعة الخط والشكل والنقط استدرك بها على منظومة ابن خطيب الدهشة الحموي.

“رسالة في اختلاف علماء الحنفية في الديار المصرية”.

“مختصر سيرة النبي صلى الله عليه وسلم وثلاثة من الخلفاء الراشدين”.

“عنوان الزمان في تراجم الشيوخ والأقران” جمَعَ فيه شيوخه وأخبارهم، ثم اختصره، وهو من مخطوطات خزائن كوبرلي في الأستانة، انتقده زميلُه ومعاصرُه شمسُ الدين السخاوي لمنافسةٍ بينهما.

ومختصره “عنوان العنوان”.

“الإسفار عن أشرف الأسفار” ألفه سنة 844هـ لمّا خرج إلى غزوة قبرص ورودس من البحر ولم يفتحوا سوى قلعة الميش.

“فصول القرآن، وأصول الفرقان”.

“ما لا يستغني عنه الإنسان من مُلح اللسان” في النحو.

أمّا كتابه “نظم الدرر في تناسب الآي والسور” فيُعدُّ مِنْ أهم مؤلفاته طبع في سبعة مجلدات تقريبًا أو أكثر، يعرف بمناسبات البقاعي أو تفسير البقاعي.

“مصاعد النظر للإشراف على مقاصد السور” طبع في ثلاثة مجلدات.





المصدر

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى