التاريخ الإسلامي

ابن حزم الظاهري في دائرة النقد


ابن حزم الظاهري في دائرة النقد

 

كثُرَ الحديث عن ابن حزم الظاهري عند المُعاصرة، فقوم انتقصوا من حقِّه، وآخرون غالوا فيه فأعلوه فوق حقِّه؛ الأمر الذي دعاني إلى أن أكتب مقالًا وجيزًا موضوعيًّا نقديًّا في حال ابن حزم، وها هو بين أيديكم:-

يقولون ابن حزم!وأنا أقول: وهل في دُنيا الناس- في زمانه- كابن حزم؟! فابن حزم هو أعجوبة من أعاجيب الزمان، والذي ملك رجاحة عقلٍ لها كعب عالٍ بين الذين تميَّزوا بها عبر تاريخ البشرية، وحيدُ دهره، صاحبُ التصانيف، والذي لم يطرقُ فنًّا إلا وألَّف فيه بمُصنَّفٍ غزا به المكتبة التراثية فاحتلَّ مكانًا فيها لا يسدُّهُ غيره حتى (الحُب) قد تفنَّن في مسالِكه.

ابن حزم صاحب المنهج العلمي المُعتبر في جُلِّ العلوم، نؤمنُ بمنهجهِ، ونعتبرهُ كأحد المناهج العلمية المطروقة قديمًا، وننتقدهُ ولا نُغالي فيه، فنقول: صاحب مذهب! فالظاهرية برُمتها ليست مذهبًا فقهيًّا على الحقيقة؛ بل تُعَدُّ أحد المناهج المطروقة للمدرسة الحديثية في الفقه والتي لا تنفكُّ عنها أبدًا.

ابن حزم هو: الجمَّاع المُتفنِّن، والفاحص المُتمرِّس، لا ينبغي أبدًا أن يُقال عنه: “من الحزم ترك ابن حزم”.

 

أقول: أزعُم أنَّ خريطة المكتبة التراثية بأصولها وفروعها تستقرُّ في ذهني- بحمد الله وفضله ومنَّته- فجُد عليَّ – أيها الناقد اللاذع لابن حزم- ببدائل لما سأكتب الآن وقلمي لم يترك لك شفرة إلا وقضى عليها حالًا ووقتًا:

1- في الفقه الإسلامي أعطني بديلًا عن (المُحلَّى) ليحل محلهُ.

2- في الأصول أعطني بديلًا عن (الإحكام في أصول الأحكام) في إيجازه وجمعه الحافل عدا مبحثي(القياس) و(الأمر المطلق).

3- في الإجماع أعطني بديلًا موسعًا لـ (مراتب الإجماع) عدا مورده لابن المنذر النيسابوري.

4-في العقائد سطِّر لي بديلًا عن (الفِصل في الملل والنحل) عدا (المِلل والنِّحل) للشهرستاني.

5- في الأنساب انفض المكتبة التراثية فلن تجد في هذه الواحة -الخاصة بالأنساب- إلا القليل ومنها (جمهرة أنساب العرب) لابن حزم.

6- في الأدب- قديمًا وحديثًا- هل ترى مثل (طوق الحمامة) و(الأخلاق والسير)؟

يا هذا، ابن حزم سطَّر مؤسسةً علميةً مُتكاملةً لا ينكرها أو ينتقص منها أبدًا إلا الجاحد أو الجاهل بها.

أما وإن سألتني عن الصنعات العلمية لديه أجبتك بموضوعية تامة، وسأفصلها لك على النحو المُدرج:-

(1) الصنعة الفقهية: ما أعتقده في ابن حزم أن له منهجًا فريدًا تميَّز به في (مدرسة أصحاب الحديث)، فلا تُعد أقواله مذهبًا خاصًّا؛ بل منهجًا خاصًّا وقد تأثَّر به كثيرًا (ابن تيمية) وعلا كعبهُ على أكتاف ابن حزم، فمن جعل لابن حزم مذهبًا فقهيًّا ومن تركه وشذذه، كلاهما لم يفرقا بين (المذهب والمسلك والمنهج) فابن حزم له منهج فقهيٌّ يُعدُّ أحد مناهج مدرسة الحديث في الفقه لا أقل ولا أكثر.

(2) الصنعة الحديثية: إن حصرنا الصنعة الحديثية كما أعتقد أنا من خلال دراساتي الحديثية- فعندي تكمُن الصنعة الحديثية في (العلل) و(المختلف) و(المشكل) ودونها فالجميع سواء- قلت: ابن حزم ليس له صنعة حديثية تُذكر؛ لكنه من أعلام المحدثين بالمفهوم المتداول بين أصحاب الحديث من لدُن المتأخرين إلى يومنا هذا.

(3) الصنعة الأدبية: لا شك ولا ريب أن ابن حزم أديب مغوار امتلك أدوات الأدب وسخَّرها في جُلِّ كتاباته حتى في مُنازعاته وخصوماته.

(4) الصنعة العقدية: أما عن الصنعة العقدية فلا أعلم قديمًا من سطَّر مثل (المِلل) للشهرستاني، و(الفِصل) لابن حزم وفي الفِصَل تكمن الصنائع العقدية لدى ابن حزم.

(5) الصنعة اللغوية: أما عن الصنعة اللغوية فلا تحتاج إلى تبيين فحرفه وكلمه وقلمه يشهد وحبره لم يجفَّ بعد.

(6) الصنعة السيرية: صنَّف الجوامع وأخذ عنه أقرانه ومن جاء بعده؛ حيث انتهج فيها منهجًا ماتعًا لم يُطرق من قبله، ويكفيه وروده لأسماء الصحابة الذين رووا الحديث، وما لكل واحد منهم من العدد، وهذا من الجديد على الكتابات السيرية وقتها.

وأخيرًا حتى لا أُطيل: ابن حزم هو أحد الأقلام النيِّرة التي لم يجف مِدادُها من وقته إلى يومنا هذا، ولا تزال الدراسات البحثية تتناول مناهجه في العلوم، فلا ينبغي مقارنته بأقرانه أو بمن جاء بعده، أمَّا بمن كان قبله من الأئمة الأوائل فهو تلميذهم المُتمرِّد بلا أدنى ريب.

هذا والله تعالى أعلى وأعلم.





المصدر

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى