Jannah Theme License is not validated, Go to the theme options page to validate the license, You need a single license for each domain name.
التاريخ الإسلامي

من منطلقات العلاقات الشرق والغرب (حوار التجار)


من منطلقات العلاقات الشرق والغرب

(حوار التجار)

يقرر بعض المستشرقين أن الإسلام قد انتشر بالسيف[1]، ويرد عليهم بعض المسلمين أن الإسلام لم ينتشر بالسيف[2]، ولكلٍّ أدلته، إلا أن معظم المستشرقين يهمهم التعميم في إطلاق الأحكام السلبية ما دامت تخدم الغرض،والذي نعرفه نحن المسلمين أن الإسلام يضع المدعوين أمام ثلاثة خيارات؛ الإسلام أو الجزية أو القتال،والقتال هو الخيار الأخير، وهو كرهٌ، وليس غاية، كما أنه ليس مطلبًا[3]،كما أن الذي نعرفه نحن المسلمين أن الجهاد ذروة سنام الإسلام، ذلك الجهاد الذي فهمه المجاهدون الأوائل، وأن القتال جزء من ثلاثة عشر جزءًا من الجهاد، وليس الجهاد كله قتالًا[4]، وأنه ماضٍ إلى يوم القيامة[5]، ونحن لا نعتذر في ذلك لأحد؛ إذ إن هذا من معتقدنا.

 

إلا أن هذا المصطلح “الجهاد” قد أخضع لقدر من سوء الاستخدام، بحيث أصبح يطلق على عمليات ليست بالضرورة داخلة في مفهوم الجهاد كما فهمه سلف هذه الأمة، مما أدى إلى تشويه هذا المفهوم ومحاولة التملص والتخلص منه من قبل بعض الاعتذاريين – كما مرت الإشارة إليه من قبل.

 

تشير التقارير الأخيرة الواردة من الولايات المتحدة الأمريكية إلى أن الإسلام هو أسرع الأديان انتشارًا في تلك البلاد، وأنه الآن الدين الثاني من حيث الأتباع[6]، ويبرر المحللون ذلك بأسباب عديدة، منها تزايد التضامن بين المسلمين في هذه القارة، وكذا الحال في أوروبا، وانفتاحهم على المجتمع الذي يعيشون فيه، عندما فاز مسجد مانهايم بألمانيا بجائزة معتبرة لاتباعه سياسة المسجد المفتوح[7].

 

الذين درسوا انتشار الإسلام يدركون أنه انتشر بالجهاد كما انتشر بوسائل أخرى غير الجهاد، وأن الإسلام قد انتشر في شرق آسيا وجنوبها الشرقي عن طريق التجار، وانتشر في إفريقيا عن طريق الدعوة،ولا تزال العائلات العربية تقطن تلك البقاع.

 

كما انتشر الإسلامُ شَمالَ آسيا وآسيا الوسطى عن طريق التجار، والذي يقرأ رحلة ابن فضلان وغيره كابن جبير والعياشي وابن بطوطة وسليمان التاجر، سيدرك ذلك الحوار الذي تبناه التجار المسلمون مع علماء تلك البقاع وقادتها السياسيين والاقتصاديين الذين قَبلوا الإسلام في مجملهم، ولم يقبله بعضهم؛ لأن الإسلام يدعو إلى التوحيد، ويحرم الخمر ولحم الخنزير، مثلًا، وقد تكون الأسباب سياسية أكثر منها دينية في العقيدة والعبادات[8].

 

يظهر أن هذه فرصة للذين يدرسون الدعوة وانتشار الإسلام في أن يغوصوا في كتب الرحلات، لا سيما رحلات المسلمين، ليتخذوها مصدرًا مهمًّا من مصادر المعلومات عن انتشار الإسلام على مدى العصور، ففي هذه الكتب، التي تمثل ما نسميه بأدب الرحلات، مادةٌ علميةٌ جيدةٌ في مجال الحوار بين المسلمين وغيرهم من أصحاب الأديان الأخرى.

 

يبدو أن تأثير التجار المسلمين في حوارهم مع غيرهم لا يزال قائمًا، وإن لم يكن بذلك الوضوح الذي كان لدى السلف من التجار؛ لأن أولئك ذهبوا بروحين؛ روح التجارة وروح الدعوة.

 

بعض تجارنا اليوم يذهبون بروحين؛ روح التجارة وروح تقمص شخصية الآخر، فتخفت الحاجة إلى الحوار، ويخفت بالتالي التأثير، ويبرز التأثر،وما ذلك إلا نتيجة لعدم الاقتناع بدمج الدعوة بالتجارة، الأمر الذي يحتاج معه التجار المسلمون إلى أن يجلسوا في القاعات الثقافية يستمعون إلى محاضرات حول انتشار الإسلام عن طريق التجار، ولتكن هذه القاعات في مقرات الغرف التجارية الصناعية والاتحادات التجارية الصناعية المنتشرة في أرجاء العالم الإسلامي، ليعود للتجار المسلمين تأثيرهم على الآخر تأثيرًا إيجابيًّا، فيجيدوا الحوار مع أقرانهم التجار الآخرين وغيرهم ممن يختلطون بهم، وهذا جزء من مسؤولياتهم تجاه هذا الدين العظيم.


[1] وهذه من افتراءات بعض المستشرقين التي فندها بعض الكتاب المسلمين الذين تولوا الرد على الشبهات التي أثارها المستشرقون.

[2] انظر مثلًا: أحمد شلبي،الاستشراق: تاريخه وأهدافه، شبهات المستشرقين: مناقشتها وردها القاهرة: مكتبة النهضة المصرية، د.ت ص 212.

[3] قال الله تعالى: ﴿ كُتِبَ عَلَيْكُمُ الْقِتَالُ وَهُوَ كُرْهٌ لَكُمْ وَعَسَى أَنْ تَكْرَهُوا شَيْئًا وَهُوَ خَيْرٌ لَكُمْ وَعَسَى أَنْ تُحِبُّوا شَيْئًا وَهُوَ شَرٌّ لَكُمْ [البقرة: 216].

[4] انظر: ابن قيم الجوزية، الإمام المحدث شمس الدين أبو عبدالله محمد بن أبي بكر الزرعي الدمشقي،زاد المعاد في هدي خير العباد مرجع سابق 3: 9 – 11.

[5] من منطوق حديث المصطفى محمد بن عبدالله صلى الله عليه وسلم “باب الجهاد ماضٍ مع البر والفاجر؛ لقول النبي صلى الله عليه وسلم: ((الخيل معقودٌ في نواصيها الخير إلى يوم القيامة))؛رواه البخاري وأبو داود وأحمد في المسند.

[6] انظر مثلًا الصفحة الأخيرة من العدد 16989 من صحيفة الحياة (الجمعة 20/ 10 / 1430هـ الموافق 9/ 10/ 2009م)،ويبلغ عدد المسلمين اليوم مليارًا وخمسمائة وسبعين مليون (1،570،0000،000) نسمة، ويمثل هذا الرقم ربع سكان العالم.

[7] انظر المقابلة مع د.نديم عطا إلياس حول فكرة المسجد المفتوح بعنوان: يوم المسجد المفتوح في ألمانيا: حوار مع د.نديم إلياس في مجلة الرائد ع 194 (11/ 1418هـ – 11/ 1997م) ص 1 – 5،وانظر إلى موقع المجلة: www.dfi-aglraid.de،19/ 11/ 1430هـ – 7/ 11/ 2009م.

[8] انظر في الفرق بين الرحالة العرب المسلمين في الماضي، وبين الرحالين العرب المسلمين في الحاضر: نازك سابا يارد،الرحالون العرب وحضارة الغرب في النهضة العربية الحديثة ط 2 د. م: نوفل، 1992م ص 512.



المصدر

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى