Jannah Theme License is not validated, Go to the theme options page to validate the license, You need a single license for each domain name.
التاريخ الإسلامي

من منطلقات العلاقات الشرق والغرب (الجدل)


من منطلقات العلاقات الشرق والغرب

(الجدل)

 

نوقشت رسالة نال بها صاحبها عبدالله بن عبدالعزيز الشعيبي درجة الدكتوراه في الثقافة الإسلامية، وكانت حول الجدل بين المسلمين والنصارى في العصر الحديث[1]،والجدل نوع من أنواع الحوار المباشر[2]، من منطلق قوله تعالى في سورة آل عمران: ﴿ قُلْ يَا أَهْلَ الْكِتَابِ تَعَالَوْا إِلَى كَلِمَةٍ سَوَاءٍ بَيْنَنَا وَبَيْنَكُمْ أَلَّا نَعْبُدَ إِلَّا اللَّهَ وَلَا نُشْرِكَ بِهِ شَيْئًا وَلَا يَتَّخِذَ بَعْضُنَا بَعْضًا أَرْبَابًا مِنْ دُونِ اللَّهِ فَإِنْ تَوَلَّوْا فَقُولُوا اشْهَدُوا بِأَنَّا مُسْلِمُونَ ﴾ [آل عمران: 64].

 

تبنى الداعية الشيخ أحمد ديدات – رحمه الله تعالى – هذه الآية في دعوته للحوار مع غير المسلمين عندما يحاضر بين المسلمين[3]،وكان يقول: إننا نردد هذه الآية الكريمة في الصلاة، وعند قراءة القرآن الكريم،فهل طبقناها في حياتنا اليومية؟![4]، وكذلك من منطلق الآية الكريمة: ﴿ ادْعُ إِلَى سَبِيلِ رَبِّكَ بِالْحِكْمَةِ وَالْمَوْعِظَةِ الْحَسَنَةِ وَجَادِلْهُمْ بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ ﴾ [النحل: 125].

 

للحوار أشكالٌ وأساليب كثيرة، منها المناظرات التي تزعمها الشيخ الداعية أحمد ديدات، وبعده الداعية ذاكر حسين نايك صاحب قناة السلام الفضائية، ومنها الجدل المباشر الذي يدخل في مفهوم المناظرة، ومنها المؤلفات والردود والمؤتمرات والمراكز الدينية والعلمية التي تقوم في المجتمعات غير المسلمة.

 

وجود المراكز الدينية والعلمية غير المسلمة في المجتمعات المسلمة يُعَد نوعًا من أنواع الحوار، الذي يفضل البعض تسميته بحوار الحضارات والثقافات، ابتعادًا خجولًا عن لفظة الدين؛ لما فيها من الحساسية لدى البعض من غير المتدينين من أبناء المسلمين وغير المسلمين من أبناء الديانات الأخرى.

 

يظهر أن الحوار الحضاري والثقافي لا يمكن أن يخلو من المسحة الدينية؛ ذلك أن الحضارات والثقافات القائمة الآن إنما قامت على الدين، وتفوح رائحتها بالخلفية الدينية التي انطلقت منها، رغم تجاهل الدين ظاهرًا على الأقل،واستعراض الأسماء، سواء أسماء الأشخاص أم المدن أم المرافق الحضارية والثقافية أم المنتجات التجارية والطبية، يظهر أنه تكاد لا تخلو من خلفية دينية.

 

عليه، فإن الحوار قائم بأشكاله المختلفة،والمزعج هنا ألا يدرك المسلمون كُنْهَ هذا الحوار، فيكون حوارًا من طرف واحد هو المنتج أو المرسل أو مصدر المعلومة، ويكتفي الطرف الثاني، وهم المسلمون هنا، بدور المستهلك أو المستخدم أو المستقبل لتلك المعلومات،ويبدو أن خروج مجتمع ما من المجتمعات، وليكن هنا مجتمعًا مسلمًا، عن أطواره في تقاليده وعاداته وسلوكياته، إنما هو أثر من آثار الحوار.

 

يتضح هذا الموقف أكثر عندما يخرج المجتمع من طورٍ عاشه قرونًا من الزمان إلى طور جديد عليه، مطبق في مجتمع آخر يدين بثقافة أخرى ويتبنى حضارة مختلفة،وهذا ما نسميه أحيانًا بالتغريب الذي يعاني منه المجتمع المسلم، حينما يعمِد إلى تبني ثقافة الآخر في كل سلوكياته الخاصة والعامة أو في معظمها – كما مر بيانه في المحدد ذي العلاقة بالتغريب.

 

من منطلق هذه النتيجة من نتائج الحوار، وهي التغريب، نجد أن الحوار قد يقتصر على أبناء الأمة الواحدة الذين يفترقون على فرقتين؛ فرقة تدعو إلى الأصالة ونبذ الضار من المستورد، وفرقة تدعو إلى تبني أفكار الآخر وثقافته وحضارته؛ بحجة أن هذه الأفكار والثقافة والحضارة هي التي أوصلته إلى ما وصل إليه، في الوقت الذي يدعي فيه هؤلاء أن هذا التخلف الذي وصل إليه المجتمع المسلم والمجتمع غير المسلم من العالم الثالث هو نتيجة لتبنيه الثقافة التي يتبناها الآن،ويظهر أن في هذا غلوًّا يقود إلى غلو في رفض كل ما هو أجنبي،وهذا ما حدا برابطة العالم الإسلامي بالدعوة إلى عقد لقاء بين العلماء والمفكرين المسلمين سنة 1430هـ/ 2009م لتحديد إستراتيجية للحوار مع الآخر.

 

إزاء هذه الأفكار المنثورة حول الحوار صار لزامًا على المسلمين أن يخطوا خطوات إيجابية في هذا المضمار قبل أن يسبق السيف العذل.


[1] انظر: عبدالله بن عبدالعزيز الشعيبي، الجدل بين المسلمين والنصارى في العصر الحديث: دراسة نقدية الرياض: المؤلف، 1412هـ/ 1992م ص 567.

[2] انظر: خالد عبدالعظيم عبدالرحيم السيوطي،الجدل الديني بين المسلمين وأهل الكتاب بالأندلس: ابن حزم – الخزرجي القاهرة: دار قباء، 2001م ص 296.

[3] توفي الداعية الإسلامي أحمد ديدات – رحمه الله تعالى – يوم الأحد 2/ 7/ 1426هـ الموافق 7/ 7/ 2005م.

[4] انظر: عبدالله بن حمد الشبانة،يا أهل الكتاب تعالوا إلى كلمة سواء الرياض: دار الهدى، 1407هـ ص 261، وانظر أيضًا: رؤوف شلبي،يا أهل الكتاب تعالوا إلى كلمة سواء ط 2 القاهرة: دار الاعتصام، 1400هـ/ 1980م ص 335.



المصدر

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى