Jannah Theme License is not validated, Go to the theme options page to validate the license, You need a single license for each domain name.
التاريخ الإسلامي

من منطلقات العلاقات الشرق والغرب (الصور النمطية)


من منطلقات العلاقات الشرق والغرب

(الصور النمطية)

 

ومن محددات العلاقة بين الشرق والغرب ذلك الإنتاج الفني المتمثل في التقارير والأفلام السينمائية التي دأبت على تصوير العرب (المسلمين) صورًا لا تليق بالإنسان والحضارة، سواء من النواحي غير الأخلاقية، أم من تصوير العرب من خلال مواقفهم السياسية وتعاملهم معها بالعنف والتخريب والهدم “الإرهاب”؛ فالمسلمون في هذه الأفلام إما شهوانيون يشربون الخمر ويتعاطون المخدِّرات ويرقصون ويعاشرون الحريم ويكثرون من الجواري والقيان، وإما غشاشون مدلسون محتالون ماكرون في التعامل مع الرحالة الأجانب والمستشرقين ومع المنصرين والمستكشفين والبعثات الدبلوماسية، وإما غواة يعشقون التفجير والخطف والاغتصاب والإهانات الأخرى.

 

وهذه الصورة النمطية في التقارير المرئية والسينما والمسلسلات الغربية إنما جاءت بإيحاء من المحدد السابق المتعلق بالاستشراق، وربما اليهود، على اعتبار أن هناك اتفاقًا بين كثير من المعنيين على بروز سيطرة اليهودية على الفن عمومًا، وعلى المدن التمثيلية بخاصة، مثل هوليوود في لوس أنجلوس بالولايات المتحدة، بالإضافة إلى سيطرتهم على شبكات القنوات التلفزيونية، وبالتالي القنوات الفضائية التي ملأت الأرض بما تبثه من أفكار ومشاهد، بينما اكتفت كثير من الفضائيات العربية باللهو والرياضة.

 

وقد نوقشت هذه الظاهرة في تصوير المسلمين هذه الصور من مجموعة من المهتمين بتحسين الصورة العربية والمسلمة أمام الآخرين، من أمثال الدكتور جاك جي.شاهين،[1] والدكتور عبدالقادر طاش – رحمه الله تعالى – الذي كتب عن الصورة النمطية للإسلام والعرب في مرآة الإعلام الغربي[2]، وإدوارد سعيد وزينب عبدالعزيز وغيرهم[3]، في كتب معلومة وبحوث ودراسات علمية[4]، ومقالات مبثوثة في الصحافة الثقافية والدوريات العلمية[5]، فيرجع إليها في مظانها لمن أراد المزيد من البحث والدراسة.

 

وقد يقال: إن العرب قد ساعدوا على ترسيخ هذه الصورة النمطية في الإعلام الغربي من خلال التراث الأدبي والفني العربي المأخوذ من ألف ليلة وليلة، وكتاب الأغاني لأبي الفرج الأصفهاني، ومجالس بعض الخلفاء المزعومة، من أمثال مجالس الخليفة العباسي هارون الرشيد وأبنائه وأحفاده.

 

والمشكلة هنا أننا أخذنا صورة الخليفة هارون الرشيد هذه من الغرب عن طريق الاستشراق، ثم عن الإعلام الغربي، فهارون الرشيد ذو المواقف التاريخية، الذي كان يحج عامًا ويغزو عامًا تراه – رحمه الله – عند بعضنا مثالًا للغَواية، حتى ذكر بعض المستشرقين أنه قد فصل ثوبين، ثوبًا يدخل رأسين، رأسه ورأس جعفر البرمكي، وذلك من ولعه وحبه بجعفر، ويعلق المستشرق على هذا الخبر بأنه يعطي صورة لمدى الغَواية التي وصل إليها الخلفاء المسلمون تعميمًا،ومع أن هذا الخبر مكذوب على خليفة واحد، فإنه أيضًا يسري عند هؤلاء على بقية خلفاء المسلمين.

 

وكما اتُّهِمَ الخليفة العباسي في عِرضه – رحمه الله – يتهم بشهوانيته، وأنه يتكئ على النهود العارية للجواري الصافات على الدرج وهو يرتقيه ليهجع في منامه! وهذا الاتهام ليس لآخر خلفاء بني أمية الذين أسهموا في انتقال الخلافة إلى بني العباس، مع أنه لا يثبت، وليس اتهامًا لآخر خلفاء بني العباس الذين طردهم المغول فأسهموا في سقوط الخلافة، مع أنه لا يثبت كذلك، وإنما هو اتهام لخليفة يُعَدُّ عصرُه عصرَ ازدهار الحضارة الإسلامية.

 

يأخذ الإعلام الغربي هذه الآثار ويصورها للعامة بعد أن يزيد عليها، ليقول للغربيين خاصة: هذا هو الدين الذي سيغزوكم، وهؤلاء هم الحكام الذين يسعون إلى الوصول إليكم،ولعل من آخر هذه الحملات وليس آخرها: فيلمًا خرج أخيرًا بعنوان “المأخوذة Taken”، تختطف فيه فتاة أمريكية في باريس عن طريق عصابة ألبانية، وينتهي بها المقامُ في أحضان شخصية عربية تشتري العذارى! فيُنقذها والدها، ويقتل كل من يقف في طريقه، بما فيهم تلك الشخصية العربية التي ظهرت في الفيلم بصورة شهوانية مقززة!

 

إذا ما فرغ الإعلام الغربي من التراث، عرَّج على الواقع من خلال حوادث موجودة، ولكنها منعزلة هناك، تؤيد أن يبنى عليها قصصٌ وروايات هي مجال رحب للتمثيل، كاختطاف الطائرات والبواخر وتفجير الملاعب والمحافل العامة وأخذ الرهائن، وينسج عليها روايات، ويطعمها بمشاهد تقرب من الواقع العربي ومن المجتمع العربي، ليقول للعامة من سذج الغربيين: هؤلاء هم الناس هناك في الشرق، يملي عليهم دينهم هذه الأعمال الشهوانية والتخريبية، ويَعدهم جزاءً لها الجنة؛ لأنهم مجاهدون في سبيل الله،وهكذا تدخل المصطلحات الإسلامية هذا العبث في المدلول، فيحصل التشويه، وتعمم الصورة على الماضي والواقع والتطلعات.

 

إذا كانت هذه الصورة النمطية المتمثلة في مجموعة المشاهد قد بدأت من السينما، فإنها انطلقت إلى بقية وسائل الإعلام المسموعة والمقروءة والمرئية بالمشهد أو المقالة أو الصورة الهزلية “الكاريكاتير” في صحف واسعة الانتشار، وفي صحف غربية محلية لم يسلم منها سيد المرسلين محمد بن عبدالله صلى الله عليه وسلم[6].

 

عندما فكرت المملكة العربية السعودية في استجلاب جبال الجليد للحصول على ماء حالٍ “محلًّى” قابل للشرب، صُوِّرت هذه الفكرة في إحدى الصحف المحلية (مدينة جينسفيل بولاية فلوريدا، 1397هـ/ 1997م) بجمل يجر جبلًا جليديًّا، ومع مراحل جلب هذا الجليد عن طريق جره بالجمل يذوب الجبل تدريجيًّا عند مروره على خط الاستواء، حتى إذا وصل إلى محطته الأخيرة لم يبقَ منه إلا مكعب ثلج يضعه العربي، بلباسه العربي، في كأس من الخمر فيشربه!

 

هذه صورة واحدة أو مشهد واحد من المشاهد التي انتقلت بالصورة النمطية إلى بقية وسائل الإعلام الأخرى،والصور كثيرة جدًّا، أضحت مجالًا مؤثرًا وفاعلًا في تحديد العلاقة مع الغرب؛ إذ إنها لعبت لعبتها في العقلية الغربية التي آلت في مفهومها عن المسلمين بهذه الصورة النمطية إلى رفض قيام علاقة جادة بين الشرق/ المسلمين والغرب؛ لما يتوقع من التأثير الإسلامي على الحياة الغربية تأثيرًا سلبيًّا، إذا كان هذا هو الإسلام وإذا كان هؤلاء هم المسلمين،كما أنها أثرت في المجال الإسلامي تجاه الغرب الذي آمن بهذه الدعاية، وجعلها هي الوسيلة التي يحكم بها على أناسٍ هم على النقيض من ذلك تمامًا.

 

رغم محاولات تصحيح الصورة بالجهود العلمية والثقافية من خلال الكتاب والمقالة والمحاضرة والحوار، فإن الطريق طويل للتصحيح، لعله يبدأ من داخل المسلمين أنفسهم، الذين لا نقول: إنها تتحقق فيهم الصورة النمطية عنهم، ولكنهم – من دون شك – أسهموا في بروز هذه الصورة النمطية، ولو بنسبة ضئيلة جدًّا، فلو لم يجد الغرب أرضية يتكئ عليها، لما وُفِّق كثيرًا في هذا التشويه للإسلام والمسلمين،ومهما كان الطريق طويلًا نحو التصحيح، وبالتالي التأثير، فإنه يبدأ بالخطوة الأولى، ولعله قد بدأ.


[1] انظر: جاك جي.شاهين،الصورة النمطية للعرب في الأفلام الأمريكية بالإنجليزية.

[2] انظر: عبدالقادر طاش،الصورة النمطية للإسلام والعرب في مرآة الإعلام الغربي الرياض: الدائرة للإعلام، 1409هـ.

[3] انظر: سوزانا طربوش،صورة العرب في الغرب: حلقة نقاشية عقدت في أكسفورد 7 – 9 حزيران 1998م/ ترجمة طلال فندي، مراجعة عواد علي عمان: المعهد الملكي للدراسات الدينية، 1998م ص 79.

[4] انظر رسالة الدكتور علي بن زهير القحطاني حول صورة العرب والإسلام والمسلمين في صحيفتي الواشنطن بوست والنيو يورك تايمز، لما بعد 11 سبتمبر،باللغة الإنجليزية The Post – September 11 Potrayal of Arabs،Islam،And Muslims in The Washington Post and The New Yorok Times: A Comattive Content Analysis Study –،Washington،D،C،Howard Univesit،2002.

[5] انظر الوقفة ذات العنوان: الاستشراق، تلك التي تتحدث عن إدوارد سعيد من خلال كتابه: خارج المكان.

[6] انظر: علي بن إبراهيم النملة،الاستشراق والرسول صلى الله عليه وسلم: مقدمة لنقد وراقي “بيبليوجرافي” مجلة الجامعة الإسلامية ع 147 مج 42 (1/ 1430هـ – ديسمبر 2008م) ص 168 – 203.



المصدر

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى