تعقبات الحافظ ابن حجر في اللسان على الإمام الذهبي في الميزان لعمر حسن الصميدعي
تعقبات الحافظ ابن حجر في اللسان
على الإمام الذهبي في الميزان لعمر حسن الصميدعي
صدر حديثًا كتاب “تعقبات الحافظ ابن حجر في اللسان على الإمام الذهبي في الميزان”، تأليف: د. “عمر حسن الصميدعي”، نشر: “دار الفتح للدراسات والنشر”.
وأصل هذا الكتاب أطروحة علمية تقدم بها الباحث لنيل درجة الدكتوراه في الحديث الشريف من كلية الدراسات العليا، قسم أصول الدين بجامعة العلوم الإسلامية العالمية بالأردن، تحت إشراف أ.د. “محمد عيد الصاحب” وذلك عام 2015 م.
وهذا الكتاب يتناول تعقبات الحافظ ابن حجر العسقلاني “ت 852 هـ” في كتاب “لسان الميزان” على الإمام الذهبي “ت 748 هـ” في كتاب “ميزان الاعتدال”.
ونجد أن “الحافظ ابن حجر العسقلاني” قد تميز في تعقبه لغيره من العلماء الذين صنفوا في فن علم الحديث قبله، حيث له العديد من المصنفات المختلفة والمتنوعة في علوم الحديث، منها: كتب في الشروح، والرجال، وغيرها، ومن العلماء الذين تعقبهم الحافظ ابن حجر، “الإمام الذهبي” في كتابه “ميزان الاعتدال”، والتعقب فن سار عليه كثير من العلماء، وليس تقليلًا أو انتقادًا من شأن المتعقًّب عليه، بل الخروج بما هو أفضل في التصنيف في علم رجال الحديث، ولتصحيح ما وقع فيه علماء الحديث من السهو، والهفو.
وتظهر في هذه التعقبات مدى أهمية المراجعة والتعقبات وأثرها في بناء الشخصية العلمية المستقلة، والملكة النقدية لدى علماءالحديث، إلى جانب الوصول إلى خلاصة القول في المسائل التي يتعقب فيها الحافظ ابن حجر على الإمام الذهبي ووجه الصواب فيها.
وتظهر هذه الدراسة إظهار وبيان دقة الحافظ ابن حجر، وعمق علمه في بيان تلك التعقبات.
إلى جانب إبراز مناهج وآداب العلماء في تحاورهم العلمي الموضوعي بعيدًا عن الأهواء.
حُكِي عن شيخ الإسلام أبي الفضل ابن حجر أنه قال: “شربت ماء زمزم لأصل إلى مرتبة الذهبي في الحفظ” انتهى من “ذيل طبقات الحفاظ” (ص 231).
وكتاب “ميزان الاعتدال في نقد الرجال” للإمام الذهبي، هو كتاب في الجرح والتعديل، وهو كتاب جامع لنقد رواة الآثار حاو لتراجم أئمة الأخبار، ألفه الذهبي بعد تأليفه “المغني في الضعفاء” الذي اعتمد فيه على كثير من المراجع، وقد زاد في “الميزان” رجالًا لم يكن ذكرهم في “المغني”، وقد ذكر المؤلف في الكتاب الرواة: الكذابين، والمتروكين، والضعفاء، وعلى الحفاظ الذين في دينهم رقة، وعلى من يقبل في الشواهد، وعلى الصادقين أو المستورين الذين فيهم لين، والمجهولين، والثقات الذين تكلم فيهم من لا يلتفت إليه. قال “الذهبي”: “قد احتوى كتابي هذا على ذكر الكذابين والوضاعين، ثم على المحدثين الصادقين أو الشيوخ المستورين الذين فيهم لين ولم يبلغوا رتبة الأثبات المتقنين، ثم على خلق كثير من المجهولين”.
وبلغ عدد تراجمه (11053) ترجمة.
أما “لسان الميزان” فهو كتاب من كتب الحديث يختص بعلم الجرح والتعديل، ألفه الحافظ ابن حجر العسقلاني (773 هـ-852 هـ)، يختص الكتاب بالمجروحين من رواة الحديث، وأصل هذا الكتاب هو كتاب “ميزان الاعتدال في نقد الرجال” للحافظ الذهبي، وقد قام ابن حجر بتهذيبه والزيادة عليه، وهو مرتب ترتيبًا ألفبائيًا، يترجم فيه المجروحين ذاكرًا أسمائهم وأنسابهم وأقوال العلماء فيهم، وتعرض كذلك للقراء والمفسرين والفقهاء والأصوليين والشعراء واللغويين والمتصوفة والمؤرخين إضافة للأصل الذي هو رواة الحديث، يقع الكتاب في سبعة أجزاء.
وقد أشار “ابن حجر العسقلاني” إلى سبب تأليف الكتاب في المقدمة فقال: “ومن أجمع ما وقفتُ عليه في ذلك كتاب “الميزان” الذي ألَّفه الحافظ أبو عبدالله الذهبي، وقد كنتُ أردتُ نسخه على وجهه فطالَ عليّ، فرأيتُ أن أحذفَ منه أسماءَ من أخرج له الأئمة الستة في كتبهم أو بعضهم، فلما ظهر لي ذلك استخرتُ الله تعالى وكتبتُ منه ما ليس في “تهذيب الكمال”، وكان لي من ذلك فائدتان: إحداهما: الاختصار والاقتصار، فإنَّ الزمان قصير والعمر يسير، والأخرى: أنَّ رجال “التهذيب” إما أئمة موثوقون، وإما ثقات مقبولون، وإما قومٌ ساء حفظهم ولم يطرحوا، وإما قومٌ تُرِكوا وجُرحوا؛ فإن كان القصد بذكرهم أنه يعلم أنه تكلم فيهم في الجملة فتراجمهم مستوفاة في “التهذيب”.. وسميته “لسان الميزان” ثم أختمها بفوائد وضوابط نافعة إن شاء الله تعالى”. فكان قصد ابن حجر من تأليف الكتاب الاستدراك والتعقيب والتهذيب لكتاب “ميزان الاعتدال” للإمام الذهبي.
وقد ذكر ابن حجر جميع التراجم التي في “الميزان” سوى من كان مترجمًا في “تهذيب الكمال”، وزاد زيادات ليست في “الميزان”، قال “الحافظ السخاوي” وهو يتحدث عن “اللسان”: “يشتمل على تراجم من ليس في “تهذيب الكمال” من “الميزان”، مع زيادات كثيرة جدًا في أحوالهم من جرح وتعديل، وبيان وهم، وعلى خلق كثير لم يذكرهم في الميزان أصلًا”.
وقد بلغت تعقبات الحافظ ابن حجر على الإمام الذهبي (302) تعقبًا، ترجح للباحث بعد الدراسة أن الحافظ أصاب في (201) تعقبًا، أي بنسبة (66 %) تقريبًا.
وبلغت التعقبات الظنية وغير الجازمة (150 تعقبًا) والتي ذكرت في الفصل الخامس على شكل إحصائية، حيث بين الباحث نوع التعقب فيها، وهي موزعة في خمسة مباحث مع التمثيل:
وجاءت تعقبات الحافظ ابن حجو على النحو التالي:
• كثير من التعقبات جاء الحق فيها مع الحافظ ابن حجر، فكان إذا نشط في البحث عن المسألة أغلق الباب ولم يترك لأحد بعده مجالًا للتعقيب والإضافة، وهذا من سعة علمه ودقة فهمه.
• التعقبات التي لم يكن الحق فيها للحافظ ابن حجر ( ١٠١)، فيما ظهر للباحث ويرجع ذلك إلى عدة أسباب:
أ- تغاير النسخ وتباينها، فقد ينقل ابن حجر شيئًا ويتعقبه وهو في نسخة أخوى على الصواب.
ب- الجزم بالقول دون التقصي والتحقيق، فقد يجزم بقوله ولا يتحقق منه، وذلك أنه قد ينشط أحيانًا ويضعف عن البحث في حين آخر.
ت- نقل الكلام من المصدر مجتزئًا ويكون المنقول عنه قد بين الصواب فيما بعد، أو أن يكون له قولان فينقل واحدًا وينتقده.
• ظهر للباحث أن الذهبي كثير النظر والنقل من “كتاب الضعفاء” لابن الجوزي، وفي بعض الأحيان ينقل كلام أبي حاتم منه دون الرجوع إلى كتاب أبي حاتم.
• حصل للحافظ ابن حجر وهم وتناقض في بعض تعقباته في كتبه، فقد يحكم بصحبة راو في “اللسان” وينفيها عنه في “الإصابة”.
• لم يستطع الباحث الجزم بترجيح على آخر في بعض التعقبات، فكان التوقف فيها هو الأسلم، والتوقف عند عدم القدرة على الترجيح هو منهج علمائنا منذ القدم.
• رأى الباحث في دراسة هذه التعقبات والتي بلغت أكثر من (300) تعقبًا أن الحافظ ابن حجر امتاز بروح الموضوعية وعدم التعصب فكان الحق غايته، ومعرفة الصواب هدفه.
• هناك بعض الكتب التي رجع إليها الحافظ ابن حجر إما مفقودة وغير موجودة في مكتبتنا، وإما طبع منها أجزاء يسيرة، فمن الكتب التي رجع إليها الحافظ في اللسان وهي مفقودة كتاب (الضعفاء) للأزدي، وكتب ابن أبي الفوارس كـ(الوفيات) وغيرها، و(الصحابة) للديلمي، و(الحافل) للنباتي، و(ذيل الميزان) للحسيني، وبعض الكتب طبع منها أجزاء يسيرة كـ(معرفة الصحابة) لابن منده، و(غرائب مالك) للدارقطني، و(الرواة عن مالك) للخطيب.
ونجد أن دراسة التعقبات تسهم في فتح باب النقاش والحوار والنظر في أقوال الآخرين وعرضها على ميزان النقد لمعرفة الحق في كثير من الخلافات بين العلماء.