Jannah Theme License is not validated, Go to the theme options page to validate the license, You need a single license for each domain name.
التاريخ الإسلامي

آدم عليه السلام (4)


آدم عليه السلام (4)

 

لا شك في أنَّ آدم عليه السلام كان نبيًّا مِن أنبياء الله، وأكثر أهل العلم على أنه كان نبيًّا رسولًا بدليل قوله تبارك وتعالى: ﴿ إِنَّ اللَّهَ اصْطَفَى آدَمَ وَنُوحًا وَآلَ إِبْرَاهِيمَ وَآلَ عِمْرَانَ عَلَى الْعَالَمِينَ ﴾ [آل عمران: 33]، وتعريف الرسول ينطبق على آدم عليه السلام، سواء في ذلك التعريف المشهور عن العلماء وهو: “أنه مَن أُوحي إليه بشرع وأُمر بتبليغه”، أم التعريف الذي اخترتُه ورجَّحتُه وهو أن الرسول: “مَن بعثه الله بشريعة جديدة”؛ فآدم عليه السلام قد جاء – ولا شك – بشريعة جديدة يحتكم هو وبنوه إليها، ويسيرون على منهاجها، وقال جماعة من أهل العلم: إن آدم كان نبيًّا ولم يكن رسولًا؛ بدليل حديث الشفاعة الذي رواه البخاري ومسلم، واللفظ للبخاري من حديث أبي هريرة رضي الله عنه قال: كنا مع النبي صلى الله عليه وسلم في دعوة، فرُفعت إليه الذراع وكانت تعجبه فنهس منها نهسة، وقال: ((أنا سيد الناس يوم القيامة، هل تدرون بِمَ؟ يجمع الله الأولين والآخرين في صعيد واحد، فيبصرهم الناظر ويسمعهم الداعي، وتدنو منهم الشمس، فيقول بعض الناس: ألا ترون إلى ما أنتم فيه؟ إلى ما بلغكم؟ ألا تنظرون إلى من يشفع لكم إلى ربكم؟ فيقول بعض الناس: أبوكم آدم، فيأتونه، فيقولون: يا آدم، أنت أبو البشر، خلقك الله بيده، ونفخ فيك من روحه، وأمر الملائكةَ فسجدوا لك، وأسكنك الجنةَ، ألا تشفع لنا إلى ربك؟ ألا ترى ما نحن فيه وما بلغنا؟ فيقول: ربي غضب غضبًا لم يغضب قبله مثله، ولا يغضب بعده مثله، ونهاني عن الشجرة فعصيتُه، نفسي، نفسي، اذهبوا إلى غيري، اذهبوا إلى نوح، فيأتون نوحًا فيقولون: يا نوح، أنت أوَّل الرسل إلى أهل الأرض، وسمَّاك الله عبدًا شكورًا، أما ترى إلى ما نحن فيه، ألا ترى ما بلغنا؟ ألا تشفع لنا إلى ربك؟ فيقول: ربي غضب اليوم غضبًا لم يغضب قبله مثله، ولا يغضب بعده مثله، نفسي، نفسي…))؛ إلخ الحديث، فقولهم: ((أنت أول الرسل إلى أهل الأرض))، يفيد بأنَّ آدم لم يكن رسولًا، لكن المثبِتين لرسالة آدم يقولون: إن نوحًا أول رسول أرسله الله إلى أهل الأرض للتحذير مِن الشِّرك؛ إذْ لم يكن قبل قوم نوح عليه السلام شِرك في الأرض، وإنما كانت المعاصي كلها دون الشرك؛ كالقتل والظلم ونحوه، أو أن المراد من هذه الأولية هو بالنسبة إلى شمول رسالته لكلِّ أهلِ الأرض، ولم يكن أهل الأرض إلَّا قوم نوح عليه السلام، ولم يكن على الأرض ناس سواهم، أما الرسول الذي شملت رسالته كلَّ أهل الأرض عربهم وعجمهم وحتى الجن فهو محمد صلى الله عليه وسلم، وأمَّا ما عدا نوحًا ومحمدًا من الأنبياء عليهم الصلاة والسلام فلم تكن رسالتهم تشمل كلَّ أهل الأرض وإنما هي خاصة لأقوامهم، ونوح وإن كان كذلك قد بُعث إلى قومه خاصة، لكنهم كانوا يومئذ كلَّ أهل الأرض كما أشرتُ، قال الحافظ ابن حجر في فتح الباري في كتاب أحاديث الأنبياء في باب قول الله عز وجل: ﴿ وَلَقَدْ أَرْسَلْنَا نُوحًا إِلَى قَوْمِهِ ﴾ [هود: 25] في عبارة: ((أنت أول الرسل إلى أهل الأرض))، فأمَّا كونه أوَّلَ الرسل فقد استشكل بأن آدم كان نبيًّا، وبالضرورة تعلم أنه كان على شريعة مِن العبادة، وأن أولاده أخذوا ذلك عنه؛ فعلى هذا فهو رسول إليهم، فيكون هو أول رسول، فيحتمل أن تكون الأولية في قول أهل الموقف لنوح مقيَّدة بقولهم: إلى أهل الأرض؛ لأنه في زمَن آدم لم يكن للأرض أهل، أو لأن رسالة آدم إلى بنيه كانت كالتربية للأولاد، ويحتمل أن يكون المراد أنه رسول أُرسِلَ إلى بنيه وغيرهم من الأمم الذين أرسل إليهم مع تفرُّقهم في عدَّة بلاد، وآدم أُرسل إلى بنيه فقط وكانوا مجتمعين في بلدة واحدة؛ اهـ.

 

هذا، وبعض أهل العلم يفسِّر قولَ رسول الله صلى الله عليه وسلم في حديث الإسراء والمعراج عن يوسف عليه السلام: ((فإذا أنا بيوسف عليه السلام، وإذا هو قد أُعطي شطر الحسن))؛ بأنَّ المراد أنَّ يوسف عليه السلام أُعطي نِصف حُسن آدم عليه السلام، وإن كان بعضُ أهل العلم يفسِّر ذلك بأن يوسف قد أُعْطِي شطر حسن الناس جميعًا، وبعضهم يفسِّره بأن يوسف عليه السلام قد أُعطي شَطر حسن محمد صلى الله عليه وسلم، وعلى كلِّ حال فإن الله تبارك وتعالى قد خلَق آدم وركبه على أحسن صورة على حدِّ قوله تعالى: ﴿ لَقَدْ خَلَقْنَا الْإِنْسَانَ فِي أَحْسَنِ تَقْوِيمٍ ﴾ [التين: 4]، وقد استقرَّ عند أهل جميع الأديان السماويَّة أن آدم أبو البشر، غير أنه قد نبغت نابغات مِن الإلحاد والزَّندقة في العصور المتأخرة، فزعموا أنَّ الشمس في أثناء دورانها السريع حولَ نفسها انفصلت منها قطعة أخذت تبتعد عنها قليلًا قليلًا وتتَّخذ لنفسها مجرًى كمجرى أمها الشمس؛ وهذه القطعة هي الأرض، ويَدَّعون أنه بطول الزمن برد سطح الأرض، وإن كان باطنها لا يزال على حرارته، وقد أحاطت بها المياه، وأنه بطول الزمن آسن بعض هذا الماء فتوالدت فيه حيوانات مائيَّة كهذه الحيوانات التي تتوالد في أي ماء آسن، ويرون أن من جملة هذه الحيوانات البحرية كان الإنسان، ويطلقون عليه في هذه الفترة: (الإنسان المائي)، ثم بمرور الزمن الطويل البالغ (ملايين) السنين أخذ هذا الحيوان المائي يخرج إلى شواطئ البحار ويرعى الحشائش النابتة عليها، ثم يرجع إلى البحر ليعيش فيه شبيهًا بالتماسيح، ويطلقون عليه في هذه الفترة (الإنسان البرمائي)، ثم استطاع هذا الحيوان أن يتطبَّع بطِباع البَرِّ وأن يعيش فيه طول حياته، وأن يهجر حياة البحر، ويطلقون عليه طول هذه الفترة (الإنسان البرِّي).

 

ثمَّ يزعمون أن هذا الحيوانَ بعد فترات طويلة من التاريخ تبلغ “ملايين” كثيرة من السنين استطاع أن يتميز من كثير من الحيوانات البرية الغابية، وأنه صار يستعمل أنواعًا من الآلات كالحجارة ونحوها؛ فارتفع وارتقى عن باقي الحيوانات التي لم تتميز بذلك، وقد رفع لواءَ هذه النظريَّةِ نصرانيٌّ يقال له: داروين، ونشطت اليهودية العالمية في ترويج نظرية داروين هذه؛ لأنها تتماشى مع ما عرف باسم بروتوكولات حكماء صهيون وكذلك “الماسون” في العمل على تخريب العالم؛ ليتمكَّنوا مِن تأسيسه من جديد بحسب أهوائهم وشهواتهم، وقد أطلقوا عليها نظرية التطور والارتقاء[1].

 

وبالنظر المجرَّد إلى هذه النظرية نرى أنَّ أصحابها لا يؤمنون بفاطر السماوات والأرض، ولا يصدِّقون بأيِّ كتاب سماوي؛ إذ الكتب السماوية المؤيدة بالمعجزات الحسِّية والعقلية تقرِّر أنَّ الله خلَق الأرض، وجعل فيها رواسي مِن فوقها، وبارك فيها، وقدَّر فيها أقواتَها، ثم خلق السماوات وزيَّن السماء الدنيا بمصابيح، وأنه خلق الملائكة المكرمين من نور، ثم الجان من نار السموم، ثم خلق آدمَ أبا البشر من طين، فسوَّاه بيده الكريمة على هذه الصورة الجميلة، وكرَّمه على جميع المخلوقات في الأرض.

 

والعجيب أنَّ بعض الجاهلين يزعمون أن نظرية داروين في التطور والارتقاء قد قرَّرها القرآن الكريم في قوله تعالى: ﴿ وَقَدْ خَلَقَكُمْ أَطْوَارًا ﴾ [نوح: 14]، مع أنَّ القرآن شرح هذه الأطوار في مواضع كثيرة؛ كقوله تعالى: ﴿ فَإِنَّا خَلَقْنَاكُمْ مِنْ تُرَابٍ ثُمَّ مِنْ نُطْفَةٍ ثُمَّ مِنْ عَلَقَةٍ ثُمَّ مِنْ مُضْغَةٍ مُخَلَّقَةٍ وَغَيْرِ مُخَلَّقَةٍ ﴾ [الحج: 5]، وكقوله تعالى: ﴿ هُوَ الَّذِي خَلَقَكُمْ مِنْ تُرَابٍ ثُمَّ مِنْ نُطْفَةٍ ثُمَّ مِنْ عَلَقَةٍ ثُمَّ يُخْرِجُكُمْ طِفْلًا ﴾ [غافر: 67]، وكقوله تعالى: ﴿ وَلَقَدْ خَلَقْنَا الْإِنْسَانَ مِنْ سُلَالَةٍ مِنْ طِينٍ * ثُمَّ جَعَلْنَاهُ نُطْفَةً فِي قَرَارٍ مَكِينٍ * ثُمَّ خَلَقْنَا النُّطْفَةَ عَلَقَةً فَخَلَقْنَا الْعَلَقَةَ مُضْغَةً فَخَلَقْنَا الْمُضْغَةَ عِظَامًا فَكَسَوْنَا الْعِظَامَ لَحْمًا ثُمَّ أَنْشَأْنَاهُ خَلْقًا آخَرَ فَتَبَارَكَ اللَّهُ أَحْسَنُ الْخَالِقِينَ ﴾ [المؤمنون: 12 – 14]، كما فسَّر رسولُ الله صلى الله عليه وسلم أطوارَ خلق الإنسان كذلك؛ فقد روى البخاري ومسلم، واللفظ للبخاري من حديث عبدالله – يعني ابن مسعود – رضي الله عنه قال: حدَّثنا رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو الصادق المصدوق: ((إن خَلْقَ أحدكم يُجمع في بطن أمه أربعين يومًا وأربعين ليلة، ثم يكون علقة مثله، ثم يكون مُضغة مثله، ثم يُبعث إليه الملَك فيؤذَن بأربع كلمات، فيكتب رِزقه، وأجله، وعمله، وشقي أم سعيد، ثم ينفخ في الروح…))؛ الحديث.

 

فيجب علينا معشرَ المسلمين أن نتفطَّن ونحذر من هؤلاء الدعاة إلى نظرية داروين في التطور والارتقاء؛ لأن الإيمان بها كُفر بإله السماوات والأرض.

 

هذا، وقد أخبر رسولُ الله صلى الله عليه وسلم أنَّ آدم خُلق في يوم الجمعة؛ فقد روى مسلم في صحيحه من حديث أبي هريرة رضي الله عنه قال: ((خير يوم طلعت فيه الشمسُ يوم الجمعة؛ فيه خُلق آدم، وفيه أدخل الجنة، وفيه أخرج منها))، وهذا يدلُّ على أنَّ آدم عليه السلام خلق خلقًا واحدًا لم تمر عليه الأطوار التي زعمها داروين وعصبته من الملاحدة والدهريين.

 

وأكتفي بهذه الشذرات مِن قصة آدم عليه السلام، وقد بيَّنتُ فيها ما جاء به الخبر عن الله، أو صحَّ عن رسول الله، والواجب على كل مسلم ولا سيما أهل العلم أن يَحترسوا من الإسرائيليَّات، وما دَسَّه اليهود على الأنبياء والمرسلين.

 

وإلى فصل قادم إن شاء الله، والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته.


[1] بعد إعداد هذا الكتاب للطَّبع نشرت جريدة الشرق الأوسط السعودية في عددها رقم (3328) بتاريخ يوم الجمعة 19/ 5/ 1408هـ الموافق لليوم الثامن من شهر يناير سنة 1988م تحت عنوان: “العلم يُثبت أصل الإنسان”، ما يلي: واشنطن – مكتب الشرق الأوسط: ضجت الأوساط العلميَّة في الغرب، ولا سيما في الولايات المتحدة بنبأ الاكتشاف الذي توصَّل إليه فريق من العلماء الأمريكيِّين بعد نحو عشر سنوات من البحث والدراسة في علم الوراثة والجينات، وقاد البحث إلى اكتشاف أنَّ الجينات الثابتة في كل النوع البشري يمكن تقفيها إلى امرأة واحدة (سماها فريق البحث بايف – أو حواء) انحدر منها كلُّ البشر، وكانت خصبة الولادة، وإليها تعود الجينات الثابتة عند كل البشر، والبالغة نحو خمسة آلاف جين، وهذا ما جاء في التقرير العلمي الذي نشرته مجلة “نيوز ويك” الأمريكية هذا الأسبوع، ويحدِّد العلماء ظهورها على الأرض بأنه وقع في آسيا أو إفريقيا قبل نحو 200.000 سنة، وعلى هذا الأساس يمكننا اعتبارها جدتنا العشرة آلاف، وقد ناقضت هذه الاكتشافات كلَّ ما ذهب إليه العلماء من قبل فيما يتعلَّق بظهور الإنسان على الأرض، وخاصة ما يتعلق بنظرية العالم الإنجليزي داروين حول أصل الإنسان)؛ انتهى ما أوردته جريدة الشرق الأوسط بحروفه.



المصدر

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى