Jannah Theme License is not validated, Go to the theme options page to validate the license, You need a single license for each domain name.
التاريخ الإسلامي

جوانب العظمة في حياة أبي بكر الصديق رضى الله عنه قبل الإسلام وبعده


جوانب العظمة في حياة أبي بكر الصديق رضى الله عنه

قبل الإسلام وبعده

 

دائمًا ما يحب الناس قراءة التاريخ، والتعرف على أحداثه، من قبيل التسلية أو التعلم من هذا التاريخ؛ لما في ذلك من سرد لأحداث التاريخ التي مضت، وذكر لجوانب عظمة المسلمين وفترات توهجهم وحضارتهم التي عمرت الدنيا، ولا غرو فتاريخ المسلمين هو مَعِين ومرجع كبير، نتعلم منه الأحكام الشرعية والعبادات والشعائر، والأمور السياسية والاجتماعية، وغيرها من أمور الحياة العامة والخاصة.

 

وعلى مسار هذه الأحداث والسنين تجد أن كتب التاريخ تعتني بشكل كبير جدًّا بسيرة النبي صلى الله عليه وسلم، سواء سيرته العطرة أو أعماله العظيمة، ودلائل نبوته، ويكون هناك إسهاب في شرح هذه السيرة، وعرض مُفصَّل لها ولأحداث حياته، وللأمور الغيبية التي تحدث عنها، ثم يتبع ذلك مرور سريع وعجيب على سيرة أبي بكر الصديق، ولا يأخذ الصديق حقَّه من عرض سيرته بالتفصيل، وتوضيح جوانب عظمته والتعلم منها، ثم يتبع ذلك تبحر في سيرة عمر بن الخطاب؛ حيث تُكتَب فيه الكتب، وتُعدُّ البحوث،… إلى غير ذلك من الشخصيات؛ كخالد بن الوليد، وصلاح الدين.

 

فأرى أن أبا بكر هو الأقل حظًّا في هؤلاء كلهم من حيث الاهتمام بسيرته وعرضها بالتفصيل وبالبحث، لا تكثر الكتب المعرفية المناسبة لشرح جوانب عظمة الصديق، فلقد كانت سيرته ناصعة البياض، ونموذجًا لا ترى في الزمان مثله بعد الأنبياء.

 

وبالنظر إلى التراث العلمي المتاح حاليًّا، نجد القليل مما كتب عن حياة أبي بكرٍ الصديق رضي الله عنه.

 

لذا أجد لزامًا أن نتبحر أكثر ونغوص في حياة الصِّدِّيق؛ لنستخرج ما فيها من درر وجواهر، ترشدنا في طريق النهضة الحديثة، فحياة الصِّدِّيق رضي الله عنه قبل الإسلام وبعده، قبل خلافته وبعدها كانت كلها مواقف عظيمة تدل على السمات التي اتصف بها، وأخلاقه الحميدة التي تماثل بشكلٍ كبير أخلاق النبي صلى الله عليه وسلم، ولا غرو فقد كان أشد الصحابة تمسكًا بسُنَّة رسول الله صلى الله عليه وسلم؛ حيث قال في خطبته الأولى: “إنما أنا مُتَّبع، ولست بمبتدع، فإن أحسنت فأعينوني، وإن أسأت فقوِّموني”، في سياسية واضحة يرسم بها خريطة وطريقة حكم المسلمين في خلافته.

 

ولكل ما سبق أجد أن الحديث عن حياة الصِّدِّيق المليئة بالأحداث العظيمة لَهُوَ أمر واجب في هذا الزمان، وفيما يلي عرض لبعض جوانب عظمة الصِّدِّيق رضي الله عنه، وما يُستفاد منها في عصرنا الحاضر، وسيتم استكمالها في مقالات لاحقة تليق بصاحب السيرة الطيبة وما يستفاد منها لعصرنا الحاضر:

أولًا: قبل الإسلام:

1- منزلة أبي بكر العظيمة في قومه قريش قبل الإسلام؛ حيث كان صاحب الدِّيَات والمغارم، وهي وظيفة مرموقة تماثل وزير التضامن الاجتماعي حاليًّا، فكان مسؤولًا عن تجميع الديات وتسليمها لأهل الميت، وكذلك سداد الديون عن الغارمين، وهي وظيفة ولا شك ستدفعه إلى أن يتصدق من ماله لأداء هذه الوظيفة.

 

2- عالم الأنساب: كان أبو بكر نسَّابة قريش، فمن أراد أن يعرف نسب أي شخص يرجع إلى أبي بكر؛ فهو عنده العلم بهذا الباب، وهي ثقة كبيرة من قريش فيه ليكون هو المحدِّث بأنسابهم، وكان أبو بكر عفَّ اللسان، فإذا رأى في عِرْضِ أحدٍ شيئًا تجاوز عنه.

 

3- كان أبو بكر يتصف بصفات عظيمة كما وصفه ابن الدغنة، عندما أراد أبو بكر الهجرة إلى الحبشة؛ قال له ابن الدغنة: “فوالله إنك لتزين العشيرة، وتعين على النوائب، وتفعل المعروف، وتكسب المعدوم”، وكان حلو المعشر سهلًا لينًا، صدوقًا مقربًا.

 

ثم بعد الإسلام:

1- الصاحب والصديق: هو صاحب النبي وصديقه؛ فقد كانا متقاربين في السن (النبي صلى الله عليه وسلم أكبر من أبي بكر بعامين فقط)، وكانت الثقة والمودة بينهما عظيمة جدًّا.

 

2- فكره: لما جاء الإسلام وعَرَضَهُ النبي على أبي بكر لم يتوانَ أبو بكر أن يعلن إسلامه من أول لحظة، فكان أول الرجال إسلامًا.

 

3- إنفاق ماله: أول من حرر العبيد في الإسلام، فصرف ماله على إعتاق العديد من الصحابة المشهورين، وهو ما تكرر طوال أيام حياته في العديد من المواقف قبل الهجرة وبعدها.

 

4- الداعية الثاني: كان أبو بكر ثاني الدعاة إلى الإسلام، ففي ثوانٍ أتى بعدد من كبار الصحابة السابقين لاحقًا ليدخلوا هذا الدين؛ مثل أبي عبيدة بن الجراح، وعثمان بن عفان، والزبير بن العوام، وعبدالرحمن بن عوف.

 

5- الصاحب في الهجرة: اختاره رسول الله صلى الله عليه وسلم ليكون صاحبه في الهجرة، فكانت منزلة عظيمة لأبي بكر أن يكون هو المصاحب للنبي في الهجرة، ونال بشرفها قرآنًا يُتلى إلى يوم الدين.

 

6- أمير الحج الأول: في عام 9 للهجرة، وهو العام الذي أوحى الله لنبيه أن يقيم مناسك الحج على منهج إبراهيم عليه السلام، وأن يرسي معالم ومنهجية الحج في الإسلام، فأرسل النبي أبا بكر الصديق أميرًا على الحج إلى مكة؛ ليبلِّغ الناس تعاليم الدين ونظامه في الحج.

 

7- الإمام الثاني للمسلمين: في الفترة الأخيرة من مرض النبي صلى الله عليه وسلم، أمر أبا بكر أن يصلي إمامًا بالمسلمين في المسجد النبوي، فكان أول من أمَّ الناس بالصلاة بعد النبي صلى الله عليه وسلم.

 

8- الخليفة الأول: كما كان هو المؤمن الأول، والصاحب الأول، والداعية الثاني، كان هو الخليفة الأول الذي تولى الخلافة في وقت عصيب جدًّا، فعنده ميراث النبوة الذي يجب أن يسير على منهجه في كافة أموره، وعنده قبائل العرب التي ارتدَّ معظمها عن الإسلام، فكانت مهامُّ جِسامٌ سنأتي على ذكرها إن شاء الله.

 

9- ثبات وصبر: عندما بلغ المسلمين أن النبي صلى الله عليه وسلم قد مات، وهنت قواهم وأصابهم الذهول، ولم يعرفوا كيف يتصرفون وفزعوا فزعًا شديدًا، إلا أبا بكر الصديق، فبالرغم من حبه الشديد للنبي صلى الله عليه وسلم، فإنه كان ثابتًا صابرًا راضيًا بقضاء الله عز وجل، وجعل يُثبِّت الناس على الدين.

 

10- الفاتح الأول: بعد توليه الخلافة والقضاء على المرتدين، بدأ أبو بكر في تنفيذ وعود ونبوءات النبي صلى الله عليه وسلم من فتح فارس والروم، فبدأ أبو بكر في إرسال الجيوش لفتح هذه البلاد، وكان ذلك في وقت قياسي منذ توليه البعثة.

 

11- المحب الأول: لم أجد في التاريخ أحدًا يحب أحدًا مثل حب أبي بكر للنبي صلى الله عليه وسلم، فكان محور حياته كلها مرتبطًا بالنبي صلى الله عليه وسلم، فكان يتواجد دائمًا في الزمان والمكان الصحيحين، وكانت فرحته وسعادته مرتبطة بالنبي صلى الله عليه وسلم، وكان حديثه كله عن النبي صلى الله عليه وسلم حتى يقول في الهجرة: “فشرِبَ النبي صلى الله عليه وسلم حتى ارتويت”؛ انظر إلى الحب، فمن شرب هو النبي صلى الله عليه وسلم، ومن ارتوى وشبِع هو أبو بكر، فيا لها من محبة وكرامة!

 

وهذا العظيم لا بد من إفراد الكتب والبرامج لشرح جوانب عظمته، ومكانته في صدر الإسلام،، وسأحاول أن أعرض بعضًا من جوانب عظمته في مقالاتي التالية؛ لعلها تكون بداية لغيري، ولعل الله أن ينفعني بها، وحديثي عن أبي بكر لن يكون على النمط المعروف من شرح السيرة من كتاب واحد، واعتماد مبدأ شرح سيرته من الميلاد إلى الوفاة، بل سنتبع أسلوبًا جديدًا لعرض سيرته، وربطها بالصفات المطلوب أن يتعلمها المسلمون في عصرنا الحاضر، سواء في حب النبي صلى الله عليه وسلم، والقيادة، والأخلاق الحميدة، وأساليب التعامل الراقية، وطريقة اتخاذ القرارات الهامة، والله أسأل أن يوفق ويعين.

 

المراجع:

« أبو بكر الصديق »، للشيخ علي الطنطاوي.

 

« صحيح التوثيق في سيرة وحياة الصديق رضي الله عنه»، مجدي فتحي السيد.





المصدر

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى