Jannah Theme License is not validated, Go to the theme options page to validate the license, You need a single license for each domain name.
التاريخ الإسلامي

الاتحاد النقدي الخليجي والعملة الخليجية المشتركة


عرض كتاب

الاتحاد النقدي الخليجي والعملة الخليجية المشتركة

 

تأليف: الدكتور عبدالمنعم السيد علي.

دار النشر: مركز دراسات الوحدة العربية.

عدد الصفحات: 185 صفحة.

 

يُعَدُّ قرار مؤتمر القمة الثاني والعشرين الذي عقَده مجلس التعاون الخليجي في “مسقط” في 21 ديسمبر 2001م، هو البداية الحقيقية لمسألة الاتحاد النقدي والعُملة الخليجية، والذي أُقِرَّ فيه اتفاقٌ حول إنشاء اتحاد اقتصادي يهدِفُ إلى تحقيق تكامُل اقتصادي شامل، وإقامة اتِّحاد نقدي بعُملة واحدة مشتركة، في موعد لا يتعدَّى نهاية عام 2010م، وتحديد موعد زمني للاتحاد تضعه لجنة مشتركة من محافظي المؤسَّسات النقدية والبنوك المركزية، وتتبنَّى الدولار الأمريكي أساسًا مشتركًا لعُملات الدول الأعضاء بنهاية عام 2002.

 

وقد تَمَّ ذلك فعلاً، حين قرَّروا ربْطَ العملة المشتركة بالدولار، مدعومًا بتقارب بين سياسات أسعار الصرْف التي اتبعتْها دول المجلس بشأْن الربْط بالدولار عمليًّا طيلة الفترة الماضية، وأيضًا أقرَّت القمة تبنِّي معايير تقارُب في الأداء والسياسات الاقتصادية في موعدٍ لا يتجاوز عام 2005م؛ بهدف دعْم الاتحاد النقدي.

 

مسيرة العمل الخليجي:

وقد جاءت قمَّة مجلس التعاون لدول الخليج العربي في مايو 1981م انعكاسًا للعلاقات الخاصة والسمات المشتركة بينها، ولتشابه أنظمتها، وتماثُل تكوينها السياسي والاجتماعي والسكاني، وتقارُبها الثقافي والحضاري، واستهدافًا لتحقيق أكبر قدْرٍ ممكن من التنسيق بين أعضائه؛ للوصول إلى تحقيق التكامل الاقتصادي الكامل، عبر تحرير التجارة البينيَّة، وإقامة اتِّحاد جمركي، وإبراز المواطنة الاقتصادية، مِن خِلال توحيد معاملة مواطني دول المجلس في مجالات حريَّة تنقُّل الأشخاص والمنتجات، ووسائل الإنتاج، والسكن والعمل، والتنسيق الاقتصادي؛ بهدَف توحيد السياسات الاقتصادية والمالية والنقدية، والعمل على توحيد العُملة، والتنسيق الإنتاجي، وإقامة المشاريع والصناعات المشتركة، وتوحيد السياسات النفطيَّة؛ بهدف تحقيق التشابُك الإنتاجي والتنمية المشتركة.

 

ويبدو من ذلك – حتى عام 2001م – أنَّ الاتحاد الاقتصادي، ومن ثَمَّ الاتحاد النقدي بين دول المجلس، لَم يحقِّق أيَّ تقدُّمٍ ملحوظ باتجاههما، ما عدا الإعفاء الجمركي لمنتجات الدول الأعضاء في المجلس، وحريَّة مرورها من بلدٍ إلى آخر، باستثناء السلَع التي تبلغ القيمة المضافة عليها في الخليج ما لا يقل عن 40 %، وكذلك باستثناء بعض القرارات الخاصَّة بالمواطنة الاقتصاديَّة.

 

واعترافًا بذلك، تضمَّن البيان الختامي لقمة “مسقط” المذكورة الإعلانَ عن رغبة المجلس في نقْل التكامُل الاقتصادي بين دُوَله إلى مراحلَ متقدِّمة، تحقِّق الوصول إلى السوق المشتركة والاتحاد الاقتصادي والنقدي، فاعتمدَ المجلس اتفاقًا اقتصاديًّا جديدًا بديلاً، يحلُّ محلَّ الاتفاق الاقتصادي الموحَّد الذي أقرَّه المجلس عام 1981م.

 

وقرَّر المجلس بَدْء العمل باتفاق الاتحاد الجمركي بين دول المجلس في الأول من يناير 2003م، وبذلك دخَلت دُوَل التعاون مرحلة جديدة من التعاون الاقتصادي، مكوِّنة بذلك كتلةً اقتصادية ضخمة، وصَل ناتجها المحلي الإجمالي عام 2005م إلى 609,491 مليار دولار، وترتَّب على هذا الاتحاد الجمركي فرْضُ الأعضاء الستة فيه تعريفةً جمركيَّة موحدة بنسبة 5% على السلع المستوردة مِن خارج الاتحاد، كما يقوم الاتحاد بوضْع سياسة موحَّدة؛ لحماية الإنتاج الوطني، والتنسيق في المواقف التفاوضيَّة في إطار مفاوضات منظمة التجارة العالمية، وأيضًا قرَّر المجلس إعفاءَ المنشآت الصناعية في دُوَله من الرسوم الجمركية على وارداتها من مدخلات الإنتاج، وفْقًا لضوابط محدَّدة.

 

وبَقِي الأمر على هذه الوتيرة حتى عام 2007م، حين صدَر “إعلان الدوحة بشأن قيام السوق الخليجيَّة المشتركة”، في الرابع من ديسمبر 2007م عن القمة الثامنة والعشرين للمجلس الأعلى لمجلس التعاون.

 

وتأتي أهميَّة إقامة مثل هذه السوق من كونها تمثِّل حجرَ الزاوية في تحقيق التكامل الاقتصادي، ومِن ثَمَّ التكامل النقدي بين دول المجلس، وبهذه القرارات تَمَّ الربط بين مقررات قمة “مسقط” 2001م بشأْن الاتِّحاد النقدي والتكامُل الاقتصادي، ومقرَّرات قمة الدوحة 2007م.

 

التكامُل الاقتِصادي والنَّقدي:

ولا شكَّ في أنَّ التكامل الاقتصادي يرتبط بصورة كبيرة بالتكامل النقدي؛ حيث يشكِّل الأول نقطة انطلاق أساسيَّة؛ لتحقيق الهدف الثاني، ويزداد زخَمُ الجُهد التكاملي النقدي بتطوُّر عملية التكامل الاقتصادي، ويشدُّ أزْرَ الآخر؛ حتى يحقِّقا في نهاية المطاف اتحادًا اقتصاديًّا ونقديًّا ناجزًا.

 

غير أن الوتيرة التي تُجرى بها مسيرة كلِّ منهما قد تختلف من حالة إلى أخرى، ولكنَّهما يميلان إلى أن يدعمَ أحدهما الآخرَ؛ حتى يُتَوَّجا في النهاية باتحاد متكاملٍ؛ اقتصادي ونقدي، ومِن ثَمَّ في الغالب بوَحْدة سياسية شاملة.

 

ولكن يصعُب الوصول إلى تكامل اقتصادي شامل، دون تكامل نقْدي كامل، فالاتحاد النقدي والاتحاد الاقتصادي الكاملان يسيران جنبًا إلى جنبٍ، غير أن التكامل النقدي هو تتويجٌ لتكامل اقتصادي ناجزٍ وكامل، وليس لأيٍّ منهما أن يقومَ بشكلٍ كامل دون الآخر، بل يجب أن يسيرَا بشكلٍ متوازنٍ ومتلازم؛ إذ لا يمكن لأحدهما أن يتخلَّف كثيرًا عن الآخر.

 

منطقة العُملة المثلى:

ويُمكن اعتبار النقاش الذي دار حول تحديد ما يسمَّى بـ: “منطقة العملة المثلى” OPTIMUM CURRENCY AREA، الأساس الذي قامتْ عليه نظرية التكامل النقدي، وذلك في إطار النظرية العامة للتكامل الاقتصادي.

 

وقد جرى تطوير هذه النظرية، من خلال النقاش الواسع الذي دار – وما زال يدور – منذ ثلاثينيَّات القرن الماضي، حول المفاضلة بين نظام أسعار الصرف الثابتة، ونظام أسعار الصرف المرِنَة.

 

ومنطقة العُملة المثلى هي عمليًّا إقليم لا يصرُّ أي جزءٍ منه على خَلْق النقود، وتملُّك سياسة نقديَّة خاصة به، وقد جرَى وضْعُ معايير ثلاثة لمنطقة العُملة المثلى من قِبَل كلٍّ مِن:

1- المفكر الاقتصادي “مانديل” (MUNDELL) الذي يرى أن تلك المنطقة هي إقليم تظهر فيه قابليَّة كبيرة لعوامل الإنتاج على الانتقال داخله، وقابليَّة محددة على الانتقال خارجه، فتدفُّق العوامل يعتبر هنا بديلاً من تعديل سعر الصرف.

 

2- المفكر الاقتصادي “ماكينون” (MCKINNON) الذي يربط منطقة العملة المثلى بمدى انفتاح الاقتصاد، فكلما زادتْ نسبة السلع القابلة للمتاجرة بالنسبة إلى تلك التي غير قابلة للمتاجرة، زادت الفائدة من تكوين منطقة عُملة مثلى؛ أي: كلَّما كان الاقتصاد أكثر انفتاحًا، زادتْ منفعة منطقة العُملة المثلى، ومن ثَمَّ، فإن تلك الأقطار التي هي شريكة رئيسة في التجارة بعضها مع بعض، يجب أن تتَّخذ لها نظامًا ثابتًا لسعرِ الصرف.

 

3- أما المفكر “كينن” (KENNEN)، فيذهب إلى أن الخاصية التي تحدِّد منطقة العملة المثلى بمدى تنوُّع مزيج إنتاج القُطر، وعدد الأقاليم ذات الإنتاج الواحد التي يحتويها القُطر الواحد.

 

4- أما الاقتصادي الإنجليري “وود” (WOOD) الذي تعامَل مع منطقة العملة المثلى على أساس تحليل الكلفة – المنفعة، فيرى تبنِّي منطقة العملة فقط عندما تفوق منافعها تكاليفَها.

 

ويُمكن هنا تحديد أربع منافع كميَّة، يمكن تحقيقها من خلال منطقة العملة القائمة بين أقطار المنطقة، وهي:

أ- مردودات تنشأ عن الاقتصاد في الموارد، وخاصة في المعاملات الخاصة بحقْل الصيرفة والصرف الأجنبي.

 

ب- هناك مردودات تنشأ عن إعادة توزيع الموارد الناتجة بصورة رئيسية من تجميع الاحتياطات في منطقة العُملة.

 

ج- مردودات ناشئة عن تنامي التجارة، وتقليل عدم التأكُّد؛ نتيجة لتحديد سعر الصرف.

 

د – مردودات ناشئة عن كفاءة أكبر في عمل الآلية النقديَّة.

 

أما الكلفة الممكنة، فيمكن أن تنشأ عن عدم القدرة على تغيير سعر الصرف؛ لتصحيح الاختلال في التوازن؛ أي: فُقدان السيطرة على إحدى الوسائل المهمة للسياسة النقدية والاقتصادية.

 

من ذلك يظهر أنه ليس هناك معيارٌ واحد – وغالبًا يمكن استخدامه لتقييم مدى المرغوبية في إقامة اتحاد نقْدي، أو لتقدير مدى قابليَّته على الاستمرار – فليس هناك معيار مُطْلَقٌ لتقرير ما إذا كانتْ منطقة عُملة معيَّنة هي المُثلى أم لا.

 

لذا، فقد تزايَدَ الاهتمام بتحليل الصدمات التي تتعرَّض لها الاقتصادات المعنيَّة، ومدى تأثُّرها بها، ما دام امتصاص الصدمات يجمع الأثر الصافي لعددٍ من المعايير الاقتصادية، وأحد المعايير المهمة التي ترد في هذا الصدد تتعلَّق بدرجة انتظام أو عدم انتظام الصدمات الاقتصادية المحليَّة التي تتعرَّض لها اقتصادات الدول الأعضاء في الاتحاد النقدي، ذلك أنَّ الأخير – أي الاتحاد النقدي – يتضمَّن أنَّ سعر الصرف الأسمى لا يمكن أن يتحرَّك في ظلِّ الاتحاد؛ لتسهيل عملية التكيُّف مع الصدمات من أي نوعٍ كان؛ مما يؤدِّي إلى ازدياد التكاليف المصاحبة لفقدان استقلالية السياسة النقْدية، مع ارتفاع درجة عدم انتظام الصدمات بين الأقطار الأعضاء.

 

وبالنسبة لدول مجلس التعاون، فإن مضامين العملة المثلى تتوقَّف على:

حجم التجارة البينيَّة بين الدول الأعضاء، فكلما زادت التجارة البينيَّة، زادتْ معها منافع اتحاد العملة “الاتحاد الأوروبي نموذجًا”.

إذا كانت قابليَّة العمل على الانتقال بين الدول الخليجية كبيرة.

إذا كانت الصدمات جرَّاء التخلِّي عن أداة سعر الصرف في معظم الدول الأعضاء مشتركة، وليستْ خاصةً بدولة واحدة.

 

ولنجاح منطقة العملة المشتركة المثلى بين دول مجلس التعاون، لا بد من توافر شروط عامة، أبرزها:

1- تحقيق درجة عالية من تنسيق الدول بين سياستها المالية والنقدية، وكذلك مستوى عالٍ من قابلية العوامل على الانتقال فيما بينها، وهذه العوامل تساعد على تسهيل عملية التصحيح في ظلِّ أسعار صرف ثابتة.

 

2- يجب أن تكون منطقة العُملة كبيرة بما يكفي، حين تجري معظم معاملاتها الدولية داخل حدودها؛ لمنْع التقلُّبات في سعر صرفها المركَّب، وأسعار صرف المناطق الأخرى من أن تؤثِّر في مستويات أسعارها المحليَّة بدرجة كبيرة.

 

ويؤكِّد المؤلف على ضرورة إقامة سلطة نقدية مركزية لدول مجلس التعاون، تضع الأهداف وتُتابعها، وتعمل على تقليل الصدمات الناتجة عن توحيد العملة، وتوحيد الجهود بين الدول؛ لتحقيق التكامل النقدي التام.

 

ويؤكِّد المؤلِّف أخيرًا أنه على الرغم من الخُطوات الخليجية الملموسة في مسيرة التكامل الاقتصادي والنقدي، فإن هناك عددًا من التحدِّيات التي يجب التعامل معها من منظور إستراتيجي، وأبرزها خَلل التركيبة السكانية، وشحُّ المياه، وزيادة العمالة الوافدة، ودخولها في أنشطة اقتصادية متعددة، والاهتمام بالاقتصاد العقاري، واعتباره أحدَ ركائز التنمية، وارتفاع أسعار المواد الأولية، وارتفاع معدَّلات التضخُّم وغيرها.





المصدر

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى