Jannah Theme License is not validated, Go to the theme options page to validate the license, You need a single license for each domain name.
التاريخ الإسلامي

قبس من سير أئمة النحاة: الخليل بن أحمد الفراهيدي


قبس من سير أئمة النحاة

الخليل بن أحمد الفراهيدي

 

شيخ العربية المبجَّل، وإمام أهل اللغة، لا يزاحمه في ذلك مزاحم، ولا يدافعه من مكانته مدافع.

 

وُلِد سنة 100 هج، وتُوفِّيَ سنة 170 هج.

 

أبرز نحاة مدرسة البصرة.

 

ما من فنٍّ من فنون العربية إلا وله فيه القَدَحُ الْمُعلَّى، واليدُ الطُّولى؛ فالنحو ملعبه، والصرف ميدانه، والعروض منه بمنزلة الفرع من الأصل، أو قُلْ: بمنزلة الابن من أبيه، ولِمَ لا؟ وهو الذي ابتكره، وفضَّ حُجُبَه، فقد نضِج هذا الفنَّ على يديه واحترق، ولم يستطِع أحدٌ بعده أن يزيد شيئًا ذا بال في هذا الفن.

 

إمام اللغويين؛ فقد صنَّف أول معجم في تاريخ العربية؛ وهو معجم العين.

 

ابتكر الهمزة (ء)؛ وهي عبارة عن رأس عين كما ترى، ولعل الذي دفعه لابتكار هذا الشكل (ء)؛ ليعبر به عن الهمزة هو قرب مخرج الهمزة من مخرج حرف العين؛ فالهمزة والعين يخرجان من مخرج واحد، وهو الحلق على تباعد يسير بينهما.

 

صاحب اليد الطولى فيما آل إليه، واستقر عليه نظام الإعجام في الكتابة العربية.

 

من أبرز تلاميذه: النَّضْر بن شُمَيلٍ، والكسائي إمام مدرسة الكوفة، وسِيْبَويَهِ؛ ذلك النحويُّ المبرَّز وأحد أقطاب الصنعة، وصاحب كتاب “الكتاب”؛ الذي تدور حوله رَحَى كُتُبِ النحاة.

 

كان رحمه الله زاهدًا في الدنيا، مُؤثِرًا ما عند الله؛ فلم يزاحم الناس على الدنيا، ولم تطمح نفسه يومًا في الشهرة وحب الظهور، كما هو معهود عند كثير من بني الإنسان.

 

ولْنَدَعِ الحديث لتلميذه النضر بن شميل؛ فهو أعرف الناس به؛ يقول النضر بن شميل: “أقام الخليل في خُصٍّ (كوخ) من أخصاص البصرة، لا يقدر على فَلْسَينِ، وأصحابه يكسِبون بعلمه الأموال”.

 

إنها شخصية فذَّة تثير الإعجاب، فلم يَكَدْ يسمع عنه أحد من العامة في عصره؛ نظرًا لأنه كان يحب الخمول، ويجنح إلى الزهد، بينما كان تلامذته أكثر شهرة منه، ويتقلبون في رغد من العيش بسبب علمه الذي أحرزوه وأفادوه منه، وحازوا به مكانتهم ومقاعدهم من ذوي السلطان.

 

أما عن سبب وفاته، فنكتفي بما ذكره العلامة الفهَّامة المؤرخ، شيخ الإسلام الذهبي رحمه الله في كتابه (تاريخ الإسلام)؛ حيث ذكر أن وفاته كانت بسبب اصطدامه في سارية المسجد؛ حيث كان مشغولًا بالتفكير في ابتكار نوع من الحساب يسهِّل على الناس حياتهم في طريقة الحساب، وقيل: بل كان يفكر في بحر من بحور العروض، فاصطدم بالسارية؛ حيث زاغ عنها بصره، فمات على إثْرِ ذلك.

 

رحِم الله شيخ العربية المبجَّل، وأستاذ الأستاذين، وجزاه الله عما قدمه للغة القرآن خير الجزاء، والله نسأل أن يرفع قدره في الآخرة كما رفعه في الدنيا.

 

سيبويه:

إن ذِكْرَ اسمه له هيبة في نفوس النحويين، ولِمَ لا، وكتابه في علم العربية قد فاح عطره، وراج ذكره، حتى صار العمدة في هذا الفن، وأضحى صخرة شامخة لم تطُلْها معاول الهدم، ولم يَسْتَطِعْهُ إلا أولو الفهم، وقليلٌ ما هم؟

 

اسمه: عمرو بن عثمان بن قَنْبَر الحارثي.

 

كنيته: أبو بِشْرٍ.

 

لقبه: سِيبويه، وقد طغى هذا اللقب على اسمه حتى ما عاد يعرفه أحد إلا بلقبه ذاك، وسيبويه كلمة فارسية معناها: رائحة التفاح.

 

صاحب كتاب “الكتاب”، الذي تدور في فلكه كتب النحاة من بعده قاطبة.

 

وُلِدَ في بلاد فارس سنة ١٤٨ هج على الراجح، ورحلت أسرته إلى البصرة حيث نشأ وترعرع فيها.

 

طلب علم الحديث والفقه في مقتبل عمره، وكان يجالس آنذاك شيخه حمَّاد بن سلمة أحد أئمة الحديث، وقد لحَّنه حماد بن سلمة في حديث ما، ومن ساعتها أخذ على نفسه العهد أن يطلب علمًا يعصِمه من اللحن، فكان له ذلك بفضل الله؛ فقد صار شيخًا من شيوخ النحاة، وقطبًا من أقطاب الصنعة، وقد خَلَّد ذكره بتصنيف كتابه “الكتاب” في علم العربية الذي ما زالت هيبته مستوطنة في نفوس النحاة إلى يومنا هذا.

 

شيوخه: من أبرز شيوخه أستاذ الأستاذين شيخ العربية الأول؛ الخليل بن أحمد الفراهيدي، وقد لازمه سيبويه وتعلم منه كثيرًا، وما من أحد من البشر له مِنَّة في رقبة سيبويه كما للخليل رحمه الله.

 

نِعْمَ التلميذ البار بشيخه؛ فقد أحيا علم شيخه الخليل، فما الكتاب إلا علم شيخ العربية الأول الخليل بن أحمد الفراهيدي.

وقد تتلمذ أيضًا على يد عيسى بن عمر، ويونس بن حبيب وغيرهما من أساطين وشيوخ اللغة، وقد استفاد منهم كثيرًا، وقد ظهر أثر ذلك في كتابه.

 

تلاميذه: من أبرز تلاميذه أبو الحسن الأخفش، وقُطْرُب.

 

أما عن ثناء أهل العلم عليه فحدِّث ولا حرج، ونكتفي بما ذكره شيخ الإسلام الذهبي رحمه الله: “إمام النحو، حُجَّة العرب، الفارسي، ثم البصري، قد طلب الفقه والحديث مدة، ثم أقبل على العربية، فبرع وساد أهل العصر، وألف فيها كتابه الكبير الذي لا يُدرَك شأوه فيه، قيل: فيه مع فرط ذكائه حبسة في عبارته، وانطلاق في قلمه”.

 

سبب وفاته: قيل: تُوفِّيَ على إثر المسألة الزُّنبورية المتعلقة بمناظرته مع الكسائي، والقصة مشهورة، ولا أرى داعيًا لذكرها؛ فقد طفحت بها الكتب قديمًا وحديثًا.

 

تُوفِّيَ سنة ١٨٠ هج رحمه الله، وقد عاش فترة قصيرة، ولكنها خَلَّدت علمًا ما زال الناس يطلبونه إلى يوم الناس هذا.

 

رحم الله إمام النحاة، وجزاه الله عما قدمه للغة العربية خير الجزاء، والله نرجو أن يغفر له ما عرف عنه من اعتزاله.

 

الكسائي:

اسمه: علي بن حمزة بن عبدالله الأسدي.

 

كنيته: أبو الحسن.

 

لقبه: الكسائي، وقد غلب هذا اللقب على اسمه حتى عُرِف به.

قيل: لُقِّب بهذا اللقب لكساء أحْرَمَ فيه.

 

وُلِد سنة 120 هج.

 

توفي سنة 189 هج على الأرجح.

 

شيخ الكوفيين، وإمام المدرسة الكوفية.

 

واحد من القراء السبعة.

 

الإمام الكسائي رحمه الله إمام كبير من أئمة العربية والقراءات؛ إنه عَلَمٌ على رأسه نار.

 

صاحب المناظرة المشهورة التي ذكرها غير واحد من أهل العلم في كتبهم، تلك المناظرة التي حدثت بين سيبويه والكسائي، التي تتعلق بالمسألة الزنبورية المعروفة.

زعم بعضهم أن الكسائي اتفق مع الأعراب لكي يظفَرَ بالنصر أمام سيبويه.

 

والرد على هذا الافتراء من وجهين:

قصة المناظرة المشهورة تلك بين سيبويه والكسائي لم تكن محل إجماع بين أهل العلم، فهناك من يرى أنها لم تحدث أصلًا.

بل هناك أبحاث معاصرة تناولتها بالبحث، وانتهت إلى أنها مُخْتَلَقَةٌ.

 

وعلى افتراض وقوعها فإننا ننزِّه جناب الإمام الكسائي عن هذا الصنيع؛ فالرجل معروف بالديانة والأخلاق الحميدة، وهو واحد من القراء السبعة.

 

ثناء العلماء عليه:

نكتفي بشهادة إمام الدنيا الشافعي؛ قال الشافعي: “من أراد أن يتبحر في النحو فهو عيال على الكسائي”.

 

شيوخه:

من أبرز شيوخه شيخ العربية الأول، وإمام النحاة واللغويين؛ الخليل بن أحمد الفراهيدي رحمه الله.

 

وأختم بهذه القصة التي تدل على علوِّ الهمة عند الإمام الكسائي:

حكَوا عنه أنه في أول طلبه لعلم النحو أنه كان يجد صعوبة بالغة في تحصيله، حتى بدأ يداخله اليأس، وذات يوم رأى نملة تصعد حائطًا ثم تتعثر فتسقط، ثم تعاود المحاولة مرة بعد مرة حتى نجحت في تخطي الحائط، وقد علَّمت هذه النملة الكسائيَّ الدرسَ جيدًا، ومن ساعتها صار الكسائي ملءَ السمع والبصر، إمامًا كبيرًا من أئمة العربية لا يُشَقُّ له غبار.

 

رحم الله الإمام الكسائي، وجمعنا به على خير.





المصدر

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى