Jannah Theme License is not validated, Go to the theme options page to validate the license, You need a single license for each domain name.
التاريخ الإسلامي

التأثر والتأثير


التأثر والتأثير

 

هكذا ضاعت المسألة الاستشراقية أو الفكر الاستشراقي بين هذين الاتجاهين، التأثر والتأثير، فأضحت تبحث عن الخط الوسط بينهما فلا تكاد تجده إلا لدى بعض المتأخرين، الذين تعمقوا في دراسة الاستشراق، وربما درس بعض هؤلاء المتعمقين على مستشرقين فخالطوهم وعرفوا عنهم مواقفهم. وهناك نماذج يمكن سردها من هذه الفئة المتوسطة من النقاد، لولا أنه يخشى أن تحسب على أنها أميل إلى الفئة المتأثرة منها إلى الفئة الرافضة لفكر الاستشراق؛ ذلك أنه ثبت أن معظم الدارسين على المستشرقين لابد أن يتأثروا إيجابا بهم من قريب أو بعيد[1]، وأن لم يتأثر بعضهم بالفكر الاستشراقي تأثر بالمنهجية التي يسير عليها الاستشراق في دراسته للإسلام، ويرى بعض الكتاب هذا التأثير من مسوغات سعي اليهود في الغرب والشرق للسيطرة على مراكز الدراسات الاستشراقية في الجامعات الأجنبية[2].

 

يدخل هذا القول في الأحكام التعميمية التي افترضت قوة تأثير الاستشراق على الطلبة المسلمين، لا سيما منهم من لديه أزمة ثقة بثوابته دون النظرة العكسية من قِبَل طلبة مسلمين آخرين، لا تظهر عليهم عوامل أزمة الثقة بهذا الدين، فيبلغونه للآخر ويسعون بهدوء إلى تقديمه إلى هذا الآخر من خلال الحوار الهادئ في قاعات المحاضرات وأروقة الجامعات، والمقالات والبحوث في الدوريات والكتب[3]، ونتيجةً لذلك يبرز تأثُّر المستشرقين وغيرهم بالإسلام، كما يؤثِّرون في المسلمين[4].

 

مع عدم إغفال هذا البعد في التأثُّر، ومع عدم إغفال الأقوال السيئة عن الإسلام من قبل كثير من المستشرقين، ومحاولة إقصائه باعتباره مؤثرًا في حياة أتباعه، وبالتالي حياة الآخرين[5]، فإن النظرة من وجه واحد؛ هو الوجه السلبي للاستشراق، قد يُضفي على الاستشراق والمستشرقين في موقفهم من الإسلام قوة في التأثير غير عادية، لا يقوى المسلمون على اختراقها، وهذا موقف فيه مِن التهويل ما يستحق المراجعة وإعادة النظر، لا سيما مع وجود شواهد حية لهذا الجانب من التأثُّر الإيجابي يمكن رصدها في حياة بعض المستشرقين.

 

الصورة “ليست قاتمة تمامًا؛ إذ من القديم كان بعض الأوروبيين قادرين على بلوغ نظرة أكثر توازنًا، لكنهم كانوا دائمًا قِلَّةً، وكانت لهم إخفاقاتهم، لقد حاولت هذه الحفنة من الناس تصحيح الأخطاء التي وقع فيها معاصروهم، والارتفاع فوق مستوى الرأي الذي نقل إليهم، وبكل تأكيد علينا الآن أن نشجع هذا التراث المتسامح، المتراحم والشجاع”[6].


[1] انظر: مُحمَّد الدسوقي. الفكر الاستشراقي: تاريخه وتقويمه، المنصورة: دار الوفاء، 1415هـ / 1995م، ص 52 – 53، و156 – 157.

[2] انظر: عبدالقهَّار داود عبدالله العاني: الاستشراق والدراسات الإسلامية، عمَّان: دار الفرقان، 1421هـ / 2001م، ص 11.

[3] انظر، مثلًا، تأثير الشيخ مُحمَّد حسنين عبدالرزَّاق وغيره من علماء العربية على المستشرق هاملتون جب لدى: ناصر عبدالرزَّاق الملَّا جاسم، الإسلام والغرب: دراسات في نقد الاستشراق، عمَّان: دار المناهج، 1423هـ / 2004م، ص 171 – 172.

[4] انظر، مثلًا: مكارم الغمري: مؤثِّرات عربية وإسلامية في الأدب الروسي، الكويت: المجلس الوطني للثقافة والفنون والآداب، 1412هـ / 1991م، 328 ص، (سلسلة عالم المعرفة؛ 155)، وانظر، أيضًا: كاتارينا مومزن: جوته والعالم العربي / ترجمة عدنان عبَّاس علي، مراجعة عبدالغفَّار مكاري، الكويت: المجلس الوطني للثقافة والفنون والآداب، 1415هـ / 1995م، 384 ص، (سلسلة عالم المعرفة؛ 194).

[5] انظر: محسن جاسم الموسوي، الاستشراق في الفكر العربي، بيروت: المؤسَّسة العربية للدراسات والنشر، 1993هـ، 206 ص.

[6] انظر: كارين آرمسترونغ. الإسلام في مرآة الغرب: محاولة جديدة في فهم الإسلام؛ مرجع سابق، ص 19.



المصدر

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى