Jannah Theme License is not validated, Go to the theme options page to validate the license, You need a single license for each domain name.
التاريخ الإسلامي

عمرو بن العاص رضي الله عنه الصحابي الذي أسلم على يد تابعي


عمرو بن العاص رضي اللَّه عنه

الصحابي الذي أسلم على يد تابعيٍّ

 

إنه الإمام الفطن، وقائد الفتح الإسلامي لمصر، أبو عبدالله عمرو بن العاص رضي الله عنه.

 

حضر عمرو بن العاص غزوة بَدْر مع قريش ضد المسلمين، ثم حضر غزوة أُحُد، ثم غزوة الخندق، ولمَّا عادت قريش إلى مكة بعد صلح الحُديبية، ذهب إلى الحبشة عند أصْحَمة النجاشي، ملك الحبشة ليرُدَّ عليهم من هاجر من المسلمين إلى بلاده، فوجده اعتنق الإسلام، فاعتنق الإسلام هناك على يد النجاشي رحمه الله في السَّنَة الثامنة للهجرة، ثم أخذ سفينة مُتِّجِهًا إلى المدينة المنورة، فالتقى في الطريق بخالد بن الوليد وعثمان بن طلحة، فدخل ثلاثتُهم المدينة المنورة في صفر عام 8 هـ مُعلنينَ إسلامَهم، رضي الله عنهم أجمعين، وحينها قال الرسول صلى الله عليه وسلم: ((إنَّ مَكَّةَ قَدْ ألْقَتْ إلينا أفلاذَ كبدها)).

 

كان عمرو بن العاص رضي الله عنه أَحَد دُهاة العرب، عُرِف عنه ذكاء لم يُسبَق له مثيل بين جميع قادة المسلمين، وسبب تسميته بداهية العرب أنه كان واسع الحيلة في تدبير الأمور، وهناك الكثير من القصص التي وصفته كأسطورة، حتى إن عمر بن الخطاب رضي الله عنه لقَّبَه بـ “أرطبون العرب”، والمقصود بالأرطبون عندهم الدَّاهية أو الرجل المُفرط في الذكاء.

 

[أرطبون: كلمة أعجمية، ولم نقف لها على معنى فيما تيسَّر لنا الاطلاع عليه من معاجم اللُّغة، وقد تَسمَّى بها أحد قادة الرُّومان المشهورين بالدَّهاء والخديعة والمَكْر].

 

من قصة حصن “بابليون”:

تروي القصة عن دهاء عمرو بن العاص رضي الله عنه أثناء حربه مع الرُّومان في مصر، إذ دعاه قائد حصن “بابليون” الرُّوماني ليُحادثه ويُفاوضه، بينما أعطى أمرًا لرجاله بإلقاء صخرة فوقه لدى خروجه من الحصن، وأعَدَّ كُلَّ شيءٍ ليكون قتلُ ضيفِه محتومًا، دخل عمرو على القائد الرُّوماني، وجرى اللقاء بينهما، حين خرج عمرو في طريقه للانصراف إلى خارج الحصن، لَمَح فوق الأسوار حركةً مُريبةً أيقظَتْ فيه حاسَّة الحَذَر، وسرعان ما تصرَّف بشكل مفاجئ؛ إذ عاد إلى داخل الحصن بخطواتٍ وئيدةٍ مطمئنةٍ وملامح بشوشة واثقة، كأنما لم يُفْزِعْه شيء، ولم يُثِرْ شكوكَه أمْرٌ، دخل عمرو على القائد الرُّوماني وقال له: تذكَّرْتُ أمْرًا، وأردْتُ أن أُطلِعَك عليه، إن معي حيث يُقيم أصحابي جماعةٌ من أصحاب الرسول صلى الله عليه وسلم السابقين إلى الإسلام، لا يقطع أميرُ المؤمنين بأمْرٍ دونَ مشورتِهم، ولا يُرسِل جيشًا من جيوش الإسلام إلَّا جعلَهم على رأس مُقاتليه، وقد رأيتُ أنْ آتيَكَ بهم حتى يسمعوا منك مثل الذي سمعتُ، ويكونوا من الأمر على مثلِ ما أنا عليه من بيِّنة، هنا ظن قائد الرُّوم أن عمرو بن العاص منَحَه بسذاجةٍ وغباءٍ فرصةَ العمر، فصمَّم على أنْ يُسايرَه ويُوافقَه على رأيه حتى إذا عاد ومعه تلك النخبة من زعماء المسلمين وخيرة رجالهم وقادتهم أجْهَزَ عليهم جميعًا بدلًا من أن يُجهِزَ على عمرو بن العاص وحده، أعطى القائد الروماني بإشارة خفيَّة أمْرَه بتأجيل الخطة التي كانت معدةً لاغتيال عمرو، وودَّعَه بحرارةٍ أكبر من السابق، ابتسم داهيةُ العربِ وهو يُغادرُ الحصن آمِنًا مُطْمَئنًّا، في الصباح عاد عمرو إلى الحصن ممتطيًا صهوةَ جوادِه على رأس جيشه.

 

وكانت المواجهة الحاسمة في فتح مصر، هي تلك التي خاضَها جيشُ عمرو بن العاص أمام حصن “بابليون”؛ حيث ضرب الجيش خيامه هناك واستعدَّ لتلك المنازلة الكبرى.

 

وهكذا سقط حصن “بابليون”، بعدَ حصارٍ دامَ نحو سبعة أشْهُر، في الثامن عشر من ربيع الثاني سنة عشرين للهجرة، وكان سقوطُه إعلانًا رسميًّا بفتح مصر.

 

قصة فتح مصر مع أهلها:

لما استكمل عمر بن الخطاب رضي الله عنه، والمسلمون فتح الشام، بعَثَ عمرو بن العاص إلى مصر وأردفه بالزبير بن العوَّام، وَفِي صُحْبَتِهِ بُسْرُ بْنُ أَرْطَاةَ، وَخَارِجَةُ بْنُ حُذَافَةَ، وَعُمَيْرُ بْنُ وَهْبٍ الْجُمَحِيُّ رضي الله عنهم، فاجتمعا على باب مصر، فلقِيهم (أبو مريمَ) جاثَليقُ مصر، ومعه الأُسْقُف (أبو مَرْيامَ) في أهل الثَّبات، بعثه المقُوْقِس صاحبُ إسْكندريةَ لمنع بلادهم، فلما تصافُّوا قال عمرو بن العاص: لا تعجلوا حتى نعذر إليكم، ليبرز إليَّ (أبو مريمَ) و(أبو مَرْيامَ) راهبا هذه البلاد، فبرزا إليه، فقال لهما عمرو بن العاص: أنتما راهبا هذه البلاد فاسمعا: (إنَّ اللهَ بعَثَ محمدًا صلى الله عليه وسلم بالحق، وأمَرَه به، وأمرنا به محمد صلى الله عليه وسلم، وأدَّى إلينا كل الذي أمر به، ثم مضى وتركنا على الواضِحة، وكان مِمَّا أمرنا به الإعذار إلى الناس، فنحن ندعوكم إلى الإسلام، فمَنْ أجابَنا إليه فمثلنا، ومَنْ لم يُجِبْنا عَرَضْنا عليه الجزية، وبذلنا له المنعة، وقد أعلمنا أنا مفتتحوكم، وأوصانا بكم، حفظًا لرحمنا منكم، وأنَّ لكم إن أجبتمونا بذلك ذِمَّةً إلى ذِمَّةٍ، ومِمَّا عهد إلينا أميرنا.. استوصوا بالقبطيين خيرًا، فإن رسول الله صلى الله عليه وسلم أوصانا بالقبطيين خيرًا؛ لأن لهم رَحِمًا وذِمَّةً).

 

فقالوا: قرابة بعيدة لا يصل مثلها إلا الأنبياء، معروفة شريفة، كانت ابنة مَلِكنا، وكانت من أهل مَنْف والمُلْك فيهم، فأُدِيلَ عليهم أهل عين شمس فقتلوهم وسلبوهم مُلْكَهم، واغتربوا، فلذلك صارت إلى إبراهيم عليه السلام، مرحبًا به وأهلًا، أمِّنَّا حتى نرجع إليك، فقال عمرو رضي الله عنه: (إن مثلي لا يُخْدَع؛ ولكني أؤجلكما ثلاثًا لتنظروا ولِتُناظرا قومكما، وإلَّا ناجزتكم)، قالا: زِدْنا، فزادهم يومًا، فقالا: زِدْنا، فزادهم يومًا، فرجعا إلى المقوقس فأبى أرطبون أن يجيبهما وأمر بمُناهدتِهم، وقال لأهل مصر: أما نحن فسنجتهد أن ندفع عنكم ولا نرجع إليهم، وقد بقيت أربعة أيام، وأشار عليهم بأن يبيتوا المسلمين، فقال الملأ منهم: ما تقاتلون من قوم قتلوا كسرى وقيصر وغلبوهم على بلادهم؟! فألَحَّ الأرطبون في أن يبيتوا المسلمين، ففعلوا فلم يظفروا بشيء؛ بل قُتِل منهم طائفة منهم الأرطبون، وحاصر المسلمون عين شمس من مصر في اليوم الرابع، وارتقى الزبير عليهم سور البلد، فلمَّا أحسُّوا بذلك خرجوا إلى عمرو من الباب الآخر فصالحوه، واخترق الزبير البلد حتى خرج من الباب الذي عليه عمرو، فأمضوا الصُّلْح.

 

نعم، فبعد سقوط حصن “بابليون”، وفتح مصر، أقام عمرو بن العاص رضي الله عنه جامع الفسطاط بالقرب منه، وهو أول مسجد بُني في مصر، وشيَّد مساكنَ لجنده، وجعل الفسطاط عاصمةً لمصر.

 

وقد واصل عمرو بن العاص رضي الله عنه فتوحاته في بقية مناطقِ مصر وشمال إفريقيا، وكان الفسطاط مقَرَّه في إدارة شؤون البلاد؛ حيث أصبح واليًا عليها، وعلى أرض مصر، وتُوفِّي رضي الله عنه ودُفِن في ثَراها.

 

وكان موتُه رحمه الله ورضي عنه بمصر ليلةَ عيد الفطر، سنة 43 هـ وله من العمر88 عامًا –على بعض الأقوال- فصلَّى عليه ابنُه عبداللَّه، ودُفِن بالمقطم، ثم صلَّى العيد، وولي بعده ابنُه، ثم عزله معاوية واستعمل بعده أخاه عتبة بن أبي سفيان.

 

ولما حضرته الوفاة قال: (اللهم إنك أمرتني فلم آتمِرْ، وزجرتني فلم أنزجر)، ووضع يده على موضع الغل، وقال: (اللهم لا قوي فأنتصر، ولا بريء فأعتذر، ولا مستكبر بل مستغفر، لا إله إلا أنت)، فلم يزل يُردِّدها حتى مات، غفر الله له ورحمه ورضي عنه وعن الصحابة أجمعين، وجمعنا معهم في عليِّينَ بصحبة المصطفى الأمين صلى الله عليه وسلم.





المصدر

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى