Jannah Theme License is not validated, Go to the theme options page to validate the license, You need a single license for each domain name.
التاريخ الإسلامي

محمود شاكر (شيخ العربية) (5)


محمود شاكر (شيخ العربية) (5)

 

روحه المرحة:

كان تلميذه محمـود محمـد الطناحي، يجلس إليه وفي يده ورقـات فيهـا بعـض ملحوظاتـه عـلى كتاب “طبقـات فـحـول الشعراء”، فينظـر إلـيـه شاكر وهـو يـقـول لـه: “في إيـه؟!”

 

يرد الطناحـي: هنـاك إن أذنـت يـا شـيـخنـا بعـض الأشياء التـي استشكلتها في طبقات الفحـول. فرد عليه شاكر: “ما تقول يا محمود وما تبقاش حمـار!” فسرد عليـه الطناحـي ملحوظاتـه عـلى مواضـع مـن الكتـاب، فجعل الشيخ يطيل النظـر وهـو يمسح رأسه، كعادته إذا تفكر في شيء، ثـم قـال لـه: “كل مـا قـلتـه صحيح، بس هذا لا يمنع أنـك حمار”.

 

وهذا تلميذه عادل سليمان يكتب وهو طالب في الجامعة بحثًا عـن محـمـد بـن سـلام الجمحي، فيقـول لـه أسـتاذه الدكتـور سـيد حنفي: سـأكافئك عـلى هـذا البحث باصطحابك إلى بيت العلامة محمـود محمـد شـاكر، لكنـي أحـذرك مـن الآن؛ فإن لـه لسـانًـا شـديـدًا! يقول الدكتـور عـادل: فرضيت ومضيـت معـه إلى بيت أبي فهـر وأنـا أسـتصحب تحذير أستاذي، ودخلنا إلى البيت، وفتح لنا الأستاذ الباب، فقال لـه الدكتور سيد يعرِّفه بي: هـذا تلميذ مـن التلامذة النجباء، واسمه عـادل سليمان. فنظر إليه الشيخ قائلًا: أليس تلميذًا لك؟! يبقى أكيـد حمار زيـك! فاستدار عادل سليمان إليَّ موليًـا وجـهـه إلى الباب لينصرف، مع أن أستـاذه حـذَّره! فلما رآه الشيخ منصرفًا إلى البـاب ضحك ومـد يـده وضمَّـه إليـه قائلًا: تعـالَ هـنـا! لا بُدَّ وأنـك صعيدي مثلي!

 

وكان تلميذه محمود الطناحي متعصبًا في تشجيعه لفريق كرة القدم بالنادي الأهلي، حتى كان يضع عصابة على رأسه حينما تكون هناك مباراة بين الأهلي والزمالك، وقد جاء وقت تلك المباراة، وكانت الغلبة فيها للزمالك، فكان مع كل هدف يُسجَّل في مرمى الأهلي يقوم محمود شاكر ويتصل بهاتف الطناحي، ويغيِّر من نبرات صوته، ويسمعه عبارة مقتضبة شامتة بالهدف، تكررت هذه العملية ثلاث مرات، وفي الثالثة خرج الطناحي عن شعوره، فأزبد وأرعد، وسب وشتم. وبعدها يجلس مع شاكر على مائدة الطعام، فيباغته شاكر بقوله: كيف لك وأنت تربي الأجيال أن تسب رجلًا لا تعرفه؛ لأنه يخبرك بنتيجة مباراة! فيحمر وجه الطناحي حياءً، ويضرب رأسه بيده وهو يقول: “يا نهار أبيض هو حضرتك!” فيضحك شاكر ملء شدقيه.

 

زوجته:

لا يمكن الحديث عن حياة محمود شاكر دون التطرق إلى زوجته المصون، السيدة نعيمة الكفراوي، المعروفة بأم فهر. تلك المرأة التي قامت على خدمة شاكر وهو شاب وكانت بعد صغيرة تربت في بيتهم، حيث استوعبها بيت آل شاكر وهي صبية، بعدما مات والدها وهي من سلالة بيت علم، ونذرت حياتها في خدمته وأضيافه بعد أن تزوجها. تفانت في إعداد أطايب الطعام والشراب بكل سرور؛ حبًّا لزوجها.

 

قال عنها محمود الطناحي: “إذا كان شيخنا قد جمعنا من عقولنا، فإن أم فهر قد جمعتنا من بطوننا!”

 

سألته يومًا الفنانة كريمة مختار عن زواجه من أم فهر، فقال: “أنـا كنـت صغيرًا مهاجـرًا، خرجـت مـن مـصـر بعـد أن تركت الجامعة في سبيل قضية لا يعلم خبأهـا إلا الله تعالى، وأقمت بـين جـدة ومكـة سنتين.. خرجـت مـن مـصـر مهاجرًا على ألَّا أعـود إليها، ولم تكن جزيرة العرب في ذلك الوقت مغرية، لا بالمال ولا بشيء، وإنـما كـانـت هـجـرة مـن القلـب. ومـن الغـرائـب أنـه كان لي صديق، وهـو الأستاذ حسين نصيـف بـن محـمـد أفنـدي نصيـف؛ عظيـم جـدة، وكانت بيني وبينهـم مـودة، فحملـوني عـلى أن أتزوج في سـنة “ألف وتسعمائة وتسع وعشرين”.. وتبسـم نـاظـرًا إلى الأرض، ثـم أكـمـل: وخطبـت امـرأة؛ ولكـن حدثت حادثة في السعودية جعلتني أعـزم فـورًا عـلى أن أعـود إلى مصر، بعـد أن هاجرت فورًا إلى الحجاز على خلاف إرادة والدي وأساتذتي جميعًا في الجامعة وغيرها.. فعدت إلى مصر في سنة تسع وعشرين وخطبت امرأة في نفس السنة بمصر! ومضت الأيام بعد إقبال شديد، سكت سكوتًا كاملًا عن هذا! والـسـر الـذي أريـد أن أصـل إلـيـه أن في تلك السنة – سنة تسع وعشرين- وُلدت أم فهر، في السنة التي حدث فيهـا هـذا الاختلال؛ لأتـرك مـن في الحجاز، وأتـرك مـن في مصر! وهي بالمناسبة الحفيدة الصغرى للشيخ حسن الكفراوي شارح الآجرومية. ومضت الأيام، وجاءت والدتها مهاجرة من البلد إلى مصر هي وأخواتها، ويشاء الله أن نتعارف، وبقيت معنا وهي في الرابعة عشرة من عمرها سنة اثنتين وأربعين إلى اليوم، ولم أتزوجهـا إلا في سنة أربع وستين. فهـي رعتني دون أن تكـون زوجـة.. أكرمتني، وحفظتني، وأكبر مـن ذلـك أنها تحملتني.. لكـن مقادير الله هكذا؛ أنهـا بقيت معـي مـن سـنة ثلاث وأربعين، لكن لم أفكـر قـط، وعبـد الحميد البسيوني يعـرف.. لكـن جـاء الـزواج فجأة في سنة أربع وستين.. فهي صاحبة البيـت منـذ ثلاث وأربعين إلى خمس وستين.. لكـن لم أكـن أفكـر؛ لأنهـا كـانـت صغيرة.. لكـن المسألة جاءت عـلى خـلاف الأشياء فجأة، والفضـل كل الفضـل بطبيعـة الحـال للأستاذ أحمـد المانع؛ فهـو الذي حرضني، وكنـت قـد بـلـغـت مـن السـن السادسة والخمسين. فأنا في رعايتها منذ سنة ثلاث وأربعين إلى هـذا الـيـوم، ولكنها لم تأخذني مـن مـعـدتي کما قـال محمود الطناحي؛ ولكنها جمعـت حـولي الأمعاء كلها، فهي صاحبة البركة في هـذا البيت”.

 

وبقيت على العهد بعدما غادر شاكر الحياة الدنيا، تتمسك بكل ما له صلة به، وفي القلب والخاطر مكتبته النفيسة التي تفوح بأنفاسه، فكل ركن فيها يذكرها به، وكل كتاب له عليه تعليق وشرح، فهو ناطق بين سطورها، من أجل ذلك لم تفعل مثلما يفعل أترابها ممن لا ينتمين إلى طبقة المثقفات، بعدما يموت الزوج أول ما تتخلص منه هو كتبه التي تزحم البيت بلا فائدة، فتتصرف فيها بيعًا أو هبةً أو رميًا.

 

جاءها ثري عربي ومعه شيك على بياض، طالبًا منها أن تبيعه المكتبة مقابل أن تضع الرقم الذي ترتضيه، لكنها لم يُغْرِها سطوة الشيك الأبيض، ولم تذهب بخيالها بعيدًا جرَّاء ما يمكن أن يصنع الرقم الذي يوضع عليه من متع حياتية، لا، لم تفكر في هذا ولا ذاك، فقط فكرت في فارسها الذي واراه الثرى ولم يبق منه إلا تذكار كبير، فرفضت مستريحة القلب والعقل، وقالت: “إن ذهاب المكتبة عندي أعظم على قلبي من ذهاب صاحبها، فما دمت حية فلن أفعل ذلك، فإذا مت فأنتم وما تريدون”.

 

تكريمه:

انتخب عضوًا مراسلًا في مجمع اللغة بدمشق عام 1980.

 

حصل على جائزة الدولة التقديرية من مـصـر عـام 1982م ثم جائزة الجدارة أيضًا عن كل جهوده في نفس العام.

 

أخيرًا اختير عضوًا عاملًا بمجمع اللغة العربية في مصر 1983 تتويجًا لحياة طويلة أمضاها في البحث والدراسة والتنقيب.

 

حاز جائزةَ الملك فيصل العالمية للأدب العربي عام 1984 عن كتاب المتنبي.

وفي عام 1989 مُنِح وسام العلوم والفنون من الطبقة الأولى.

 

قالوا عنه:

“إن محمود شاكر قد رُزِق عقل الشافعي، وعبقرية الخليل، ولسان ابن حزم، وشجاعة ابن تيمية”؛ (محمود الطناحي).

 

قال العقاد لفتحي فودة: “إذا أردت أن تكون فيلسوفًا بحق فطريقك إليه الشعر، وإذا أردت شعر العرب فطريقك إليه محمود محمد شاكر”.

 

“لو وجد الجاحظ الآن لترك مكانه عن طيب خاطر لمحمود محمد شاكر”؛ (مالك بن نبي).

 

“إن محمود شاكر ضمير عروبة مصر”؛ (عبدالله الطيب).

 

وفاته:

في مساء الخميس 7 من أغسطس من عام 1997 فارق شاكر الحياة عن عمر يناهز 88 عامًا.





المصدر

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى