Jannah Theme License is not validated, Go to the theme options page to validate the license, You need a single license for each domain name.
التاريخ الإسلامي

داود وسليمان عليهما السلام (7)


داود وسليمان عليهما السلام (7)

 

ساقَ اللهُ تبارك وتعالى قصةَ تفقُّد سليمانَ الطيرَ وما كان من الهدهد، وقصة ملكة سبأ، ورسالة سليمان عليه السلام إليها بواسطة الهدهد، وما كان بينها وبين قومها من حوار في الجواب، وما كان في شأن عرشها، ومجيئها إلى سليمان، وقصة الصرح الممرَّد بالقوارير، ودخولها في الإسلام؛ حيث يقول عز وجل في سورة النمل:

﴿ وَتَفَقَّدَ الطَّيْرَ فَقَالَ مَا لِيَ لَا أَرَى الْهُدْهُدَ أَمْ كَانَ مِنَ الْغَائِبِينَ * لَأُعَذِّبَنَّهُ عَذَابًا شَدِيدًا أَوْ لَأَذْبَحَنَّهُ أَوْ لَيَأْتِيَنِّي بِسُلْطَانٍ مُبِينٍ * فَمَكَثَ غَيْرَ بَعِيدٍ فَقَالَ أَحَطتُ بِمَا لَمْ تُحِطْ بِهِ وَجِئْتُكَ مِنْ سَبَإٍ بِنَبَإٍ يَقِينٍ * إِنِّي وَجَدْتُ امْرَأَةً تَمْلِكُهُمْ وَأُوتِيَتْ مِنْ كُلِّ شَيْءٍ وَلَهَا عَرْشٌ عَظِيمٌ * وَجَدْتُهَا وَقَوْمَهَا يَسْجُدُونَ لِلشَّمْسِ مِنْ دُونِ اللَّهِ وَزَيَّنَ لَهُمُ الشَّيْطَانُ أَعْمَالَهُمْ فَصَدَّهُمْ عَنِ السَّبِيلِ فَهُمْ لَا يَهْتَدُونَ * أَلَّا يَسْجُدُوا لِلَّهِ الَّذِي يُخْرِجُ الْخَبْءَ فِي السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَيَعْلَمُ مَا تُخْفُونَ وَمَا تُعْلِنُونَ * اللَّهُ لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ رَبُّ الْعَرْشِ الْعَظِيمِ * قَالَ سَنَنْظُرُ أَصَدَقْتَ أَمْ كُنْتَ مِنَ الْكَاذِبِينَ * اذْهَبْ بِكِتَابِي هَذَا فَأَلْقِهِ إِلَيْهِمْ ثُمَّ تَوَلَّ عَنْهُمْ فَانْظُرْ مَاذَا يَرْجِعُونَ * قَالَتْ يَا أَيُّهَا الْمَلَأُ إِنِّي أُلْقِيَ إِلَيَّ كِتَابٌ كَرِيمٌ * إِنَّهُ مِنْ سُلَيْمَانَ وَإِنَّهُ بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ * أَلَّا تَعْلُوا عَلَيَّ وَأْتُونِي مُسْلِمِينَ * قَالَتْ يَا أَيُّهَا الْمَلَأُ أَفْتُونِي فِي أَمْرِي مَا كُنْتُ قَاطِعَةً أَمْرًا حَتَّى تَشْهَدُونِ * قَالُوا نَحْنُ أُولُو قُوَّةٍ وَأُولُو بَأْسٍ شَدِيدٍ وَالْأَمْرُ إِلَيْكِ فَانْظُرِي مَاذَا تَأْمُرِينَ * قَالَتْ إِنَّ الْمُلُوكَ إِذَا دَخَلُوا قَرْيَةً أَفْسَدُوهَا وَجَعَلُوا أَعِزَّةَ أَهْلِهَا أَذِلَّةً وَكَذَلِكَ يَفْعَلُونَ * وَإِنِّي مُرْسِلَةٌ إِلَيْهِمْ بِهَدِيَّةٍ فَنَاظِرَةٌ بِمَ يَرْجِعُ الْمُرْسَلُونَ * فَلَمَّا جَاءَ سُلَيْمَانَ قَالَ أَتُمِدُّونَنِ بِمَالٍ فَمَا آتَانِيَ اللَّهُ خَيْرٌ مِمَّا آتَاكُمْ بَلْ أَنْتُمْ بِهَدِيَّتِكُمْ تَفْرَحُونَ * ارْجِعْ إِلَيْهِمْ فَلَنَأْتِيَنَّهُمْ بِجُنُودٍ لَا قِبَلَ لَهُمْ بِهَا وَلَنُخْرِجَنَّهُمْ مِنْهَا أَذِلَّةً وَهُمْ صَاغِرُونَ * قَالَ يَا أَيُّهَا الْمَلَأُ أَيُّكُمْ يَأْتِينِي بِعَرْشِهَا قَبْلَ أَنْ يَأْتُونِي مُسْلِمِينَ * قَالَ عِفْريتٌ مِنَ الْجِنِّ أَنَا آتِيكَ بِهِ قَبْلَ أَنْ تَقُومَ مِنْ مَقَامِكَ وَإِنِّي عَلَيْهِ لَقَوِيٌّ أَمِينٌ * قَالَ الَّذِي عِنْدَهُ عِلْمٌ مِنَ الْكِتَابِ أَنَا آتِيكَ بِهِ قَبْلَ أَنْ يَرْتَدَّ إِلَيْكَ طَرْفُكَ فَلَمَّا رَآهُ مُسْتَقِرًّا عِنْدَهُ قَالَ هَذَا مِنْ فَضْلِ رَبِّي لِيَبْلُوَنِي أَأَشْكُرُ أَمْ أَكْفُرُ وَمَنْ شَكَرَ فَإِنَّمَا يَشْكُرُ لِنَفْسِهِ وَمَنْ كَفَرَ فَإِنَّ رَبِّي غَنِيٌّ كَرِيمٌ * قَالَ نَكِّرُوا لَهَا عَرْشَهَا نَنْظُرْ أَتَهْتَدِي أَمْ تَكُونُ مِنَ الَّذِينَ لَا يَهْتَدُونَ * فَلَمَّا جَاءَتْ قِيلَ أَهَكَذَا عَرْشُكِ قَالَتْ كَأَنَّهُ هُوَ وَأُوتِينَا الْعِلْمَ مِنْ قَبْلِهَا وَكُنَّا مُسْلِمِينَ * وَصَدَّهَا مَا كَانَتْ تَعْبُدُ مِنْ دُونِ اللَّهِ إِنَّهَا كَانَتْ مِنْ قَوْمٍ كَافِرِينَ * قِيلَ لَهَا ادْخُلِي الصَّرْحَ فَلَمَّا رَأَتْهُ حَسِبَتْهُ لُجَّةً وَكَشَفَتْ عَنْ سَاقَيْهَا قَالَ إِنَّهُ صَرْحٌ مُمَرَّدٌ مِنْ قَوَارِيرَ قَالَتْ رَبِّ إِنِّي ظَلَمْتُ نَفْسِي وَأَسْلَمْتُ مَعَ سُلَيْمَانَ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ ﴾ [النمل: 20 – 44].

 

كما ذكر الله تبارك وتعالى صورةً أخرى من صورة اهتمام سليمان بآلات الحرب؛ فذكر حرصَه على تفقُّد الخيلِ لما لها من أثر كبير في قتال أعداء الله، فأشار تبارك وتعالى إلى أنه قد عُرض على سليمان في وقت العَشِيِّ، وهو ما بعد الزوال إلى الغروب، الخيلُ الصافنات، وهي التي إذا كانت واقفة قامت على ثلاث قوائم منها، ثم جعلت الرابعة من قوائمها – أي يديها ورجليها – على طرف الحافر استعدادًا للجري، وكانت هذه الخيل كلُّها مختارة من الجياد السِّراع السوابق، فأخذ ساستها في عرضها على سليمان، وبدأت مسيرة أولها من أمامه حتى غاب آخرها عنه إما بسبب انتهاء البصر وإما بسبب حاجز آخر من جبل أو غيره، فقال لساستها والمسؤولين عن رعايتها وملاحظتها: ﴿ رُدُّوهَا عَلَيَّ ﴾، فردوها عليه، وكانت قد أصابها الغبارُ، وظهر في سوقها وأعناقها؛ لأنها يكثر فيها العرق فيلصق به الغبار، فأخذ سليمان عليه السلام من شدة عنايته بها وحرصه عليها ولتنبيه الناس إلى فضلها؛ لأنها ((معقود في نواصيها الخير))، أخذ يمسح بيديه سوقَها وأعناقَها ليبعد الغبارَ عنها، وكان قد قال لمن حوله عند عرض الخيل عليه: إني أحببت الخير حبًّا شديدًا عن ذكر ربي، أي: أحببت الخيلَ حبًّا عظيمًا بسبب أن الله تعالى أثنى لي عليها ومَدَحَها لي ونبَّهني إلى فضلها، والخيل يطلق عليها اسم الخير، لكثرة خيرها؛ ولذلك قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((الخيلُ معقودٌ في نواصيها الخيرُ إلى يوم القيامة))؛ كما رواه البخاري من حديث ابن عمر رضي الله عنهما، ولا ينبغي أن يخطر على بالِ مسلم أن قوله: ﴿ أَحْبَبْتُ حُبَّ الْخَيْرِ عَنْ ذِكْرِ رَبِّي ﴾ [ص: 32] أنه أحبَّ الخيلَ عن صلاة العصر، وكان قد ضيَّع صلاة العصرِ بسبب عرضه للخيل، فهذا كذبٌ مفترًى على سليمان عليه السلام، وأنت قد تقول: أنا أحببت أبا بكر عن محمد رسول الله صلى الله عليه وسلم؛ وتعني: أنك أحببت أبا بكر رضي الله عنه بسبب حبِّ رسول الله صلى الله عليه وسلم له، وعن طريق ذكره وثنائه عليه رضي الله عنه، فلا يخطر ببال مسلم أنك تريد أنك تحب أبا بكر أكثر من رسول الله صلى الله عليه وسلم؛ إذ هذا المعنى لا يخطُرُ ببالِ مسلم.

 

وقد ذكر الله تبارك وتعالى قصةَ عرض الخيل على سليمان في سورة (ص) حيث يقول: ﴿ إِذْ عُرِضَ عَلَيْهِ بِالْعَشِيِّ الصَّافِنَاتُ الْجِيَادُ * فَقَالَ إِنِّي أَحْبَبْتُ حُبَّ الْخَيْرِ عَنْ ذِكْرِ رَبِّي حَتَّى تَوَارَتْ بِالْحِجَابِ * رُدُّوهَا عَلَيَّ فَطَفِقَ مَسْحًا بِالسُّوقِ وَالْأَعْنَاقِ ﴾ [ص: 31 – 33]؛ أما إرجاعُ الضمير في قوله تعالى: ﴿ رُدُّوهَا عَلَيَّ ﴾ إلى الشمس أو أنه طلب من الملائكة إرجاع الشمس حتى يصلِّيَ العصرَ مع أنه لا ذكر للشمس البتة في هذا السياق الكريم؛ فهو من دسائس اليهود، وقولٌ على الله بلا علم.

 

هذا، وقد أشار رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى أن التسلُّط على الجنِّ قد اختص الله تعالى به نبيَّه سليمان عليه السلام إجابة لدعوته؛ حيث قال تعالى عن سليمان عليه السلام: ﴿ قَالَ رَبِّ اغْفِرْ لِي وَهَبْ لِي مُلْكًا لَا يَنْبَغِي لِأَحَدٍ مِنْ بَعْدِي إِنَّكَ أَنْتَ الْوَهَّابُ * فَسَخَّرْنَا لَهُ الرِّيحَ تَجْرِي بِأَمْرِهِ رُخَاءً حَيْثُ أَصَابَ * وَالشَّيَاطِينَ كُلَّ بَنَّاءٍ وَغَوَّاصٍ ﴾ [ص: 35 – 37]، فقد روى البخاري ومسلم، من حديث أبي هريرة رضي الله عنه، عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: ((إنَّ عفريتًا من الجنِّ تفلَّتَ عليَّ البارحةَ؛ ليقطع عليَّ صلاتي، فأمكنني الله منه فأخذتُه، فأردت أن أربطَه إلى ساريةٍ من سواري المسجدِ؛ حتى تنظروا إليه كلُّكم، فذَكَرْتُ دعوةَ أخي سليمان ﴿ رَبِّ اغْفِرْ لِي وَهَبْ لِي مُلْكًا لَا يَنْبَغِي لِأَحَدٍ مِنْ بَعْدِي ﴾، فرددته خاسئًا)).

 

وقد استمرَّ سليمانُ بن داود عليه السلام في تسخير الجنِّ يعملون بين يديه بإذنِ ربِّه، وأرادَ الله عز وجل أن يبطل دعوةَ بعض الناس أن الجنَّ يعلمون الغيب، وأنهم قادرون على التسلُّط على الناس، حتى كان بعضُ أهل الجاهلية إذا نزلوا واديًا استعاذوا بشيوخ الجن من سفهائهم، يقولون: نعوذ بسيِّد هذا الوادي من سفهاء قومه، كما قال الله تعالى في ذلك: ﴿ وَأَنَّهُ كَانَ رِجَالٌ مِنَ الْإِنْسِ يَعُوذُونَ بِرِجَالٍ مِنَ الْجِنِّ فَزَادُوهُمْ رَهَقًا ﴾ [الجن: 6]، أراد الله عز وجل أن يضرب مثلًا على أن الجن لا يعلمون الغيب، فَقُبِضَ سليمانُ بن داود عليه السلام وهو قائمٌ يراقبُ أعمالَ الجن بين يديه، وقد اتَّكَأَ على مِنْسَأَتِه؛ أي: عصاه، وقد مات وهو قائم ممسكٌ بعصاه، والجنُّ في أشغاله الشاقة بين يديه لا يعلمون أنه مات، حتى أراد اللهُ إظهارَ موتِه فسلَّط دابةَ الأرض؛ وهي الأرضة، فأكلت العصا من أسفلها، فلما سقطَ على الأرض أيقنَ الإنسُ والجنُّ أنه مات، وعَلِمَتْ الجنُّ أنهم لا يعلمون الغيب؛ إذ لو كانوا يعلمون الغيب ما لبثوا في هذا العمل الشاقِّ، وفي ذلك يقول الله عز وجل: ﴿ فَلَمَّا قَضَيْنَا عَلَيْهِ الْمَوْتَ مَا دَلَّهُمْ عَلَى مَوْتِهِ إِلَّا دَابَّةُ الْأَرْضِ تَأْكُلُ مِنْسَأَتَهُ فَلَمَّا خَرَّ تَبَيَّنَتِ الْجِنُّ أَنْ لَوْ كَانُوا يَعْلَمُونَ الْغَيْبَ مَا لَبِثُوا فِي الْعَذَابِ الْمُهِينِ ﴾ [سبأ: 14]، سلامٌ على سليمانَ في المرسلين، والحمد لله رب العالمين.

 

وإلى الفصل القادم إن شاء الله، والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته.



المصدر

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى