Jannah Theme License is not validated, Go to the theme options page to validate the license, You need a single license for each domain name.
التاريخ الإسلامي

بحوث حديثية محكمة لمحمد زايد العتيبي


كناشة البحوث: بحوث حديثية محكمة لمحمد زايد العتيبي

 

صدر حديثًا كتاب “كناشة البحوث: بحوث حديثية محكمة”، تأليف: د. “محمد زايد العتيبي”، نشر: “دار الفتح للدراسات والنشر”.

 

ويتناول هذا الكتاب مناقشة خمسة بحوث حديثية محكَّمة، تمثِّل نموذجًا للبحث الحديثي المتخصِّص، في معرفة الرواة، والجرح والتعديل، وأحوال الأسانيد. وقد اجتهد المؤلف في جمع مادته العلمية، وتوثيقها من المصادر المعتبرة في هذا العلم، حيث أن كتابة البحوث في مسائل جزئية من العلم هي من خير وسائل الارتياض في فهم دقائق ذلك العلم والتمرُّس فيه، وهذه نماذج تطبيقية في علوم الحديث يتناولها الكاتب بالبحث والتحقيق.

ويحتوي هذا الكتاب على هذه البحوث:

1- بحث (صحيفة سليمان بن قيس اليشكري عن جابر بن عبد الله الأنصاري رضي الله عنه).

حيث تكلم الكاتب في هذا البحث عن صحيفة سليمان بن قيس اليشكري التي يرويها عن جابر، فعرّفَ بهذه الصحيفة وبصاحبها، ثم جمع الرواة الذين أخذوا من هذه الصحيفة، وخلصَ إلى أنهم ينقسمون إلى ثلاثة أقسام: قسم رووا من الصحيفة عن سليمان اليشكري، ولم يسمعوا منه. وهم: (قتادة بن دعامة السدوسي، وجعفر بن أبي وحشية، والجعد بن دينار). وقسم رووا من الصحيفة عن جابر بن عبد الله، ولم يسمعوا لا من سليمان ولا من جابر. وهم: (الحسن بن أبي الحسن البصري، ووهب بن منبه). وقسم رووا من هذه الصحيفة عن جابر بن عبد الله، لكنهم قد سمعوا من جابر. وهم: (عامر بن شراحيل الشعبي، وأبو سفيان طلحة بن نافع، وأبو الزبير محمد بن مسلم بن تدرس، ومجاهد بن جبر). وقد جمعَ أمثلة كل قسم، وإذا وجد في المثال خلافًا ذكره، ثم ختم البحث بخاتمة فيها النتائج وكان من أهمها:

1- معرفة كيفية تعامل النقاد مع الوجادات، فقد جاء عنهم تقوية بعض الوجادات والاحتجاج بها وأسباب ذلك.

2- وجود الرواية بالوجادة في العصر الأول، حيث روى جمع من المحدثين من صحيفة سليمان اليشكري، وهم لم يسمعوا من سليمان شيئًا.

3- تهيأ له من خلال هذا البحث: معرفة الواسطة في جملة من الرواة الذين حدثوا عن سليمان اليشكري أو جابر بن عبد الله رضي الله عنه على وجه الإرسال أو التدليس، وهذه الواسطة هي صحيفة سليمان، مما يقوي هذه الروايات ويؤمن معه الخوف من الساقط. وفي النهاية ذكرَ المصادر والمراجع التي رجع إليها.

 

2- بحث (رواية أبي اليمان الحكم بن نافع وبشر بن شعيب عن شعيب بن أبي حمزة).

تكلم الباحث في هذا البحث على رواية أبي اليمان – الحكم بن نافع – عن شعيب بن أبي حمزة، فمهدَ بالتعريف بأبي اليمان وشعيب بن أبي حمزة، ثم ذكرَ أقوال المحدثين في هذه الرواية، وكانت كالتالي:

القول الأول: ذهب أصحاب هذا القول إلى أنه لم يسمع من شعيب بن أبي حمزة شيئًا.

القول الثاني: لم يسمع إلا حديثًا واحدًا، والباقي عرض.

القول الثالث: ذهب أبو الفتح الأزدي إلى أن أحاديث أبي اليمان عن شعيب بن أبي حمزة كانت مناولة.

القول الرابع: ذهب أبو زرعة إلى أن أبا اليمان لم يسمع من شعيب إلا حديثًا واحدًا والباقي إجازة.

القول الخامس: ذهب أبو علي – صالح بن محمد البغدادي- إلى أنها وجادة.

القول السادس: أنه ليس له من شعيب بن أبي حمزة إجازة.

ثم تكلمَ على مسألة سماع بشر بن شعيب بن أبي حمزة من أبيه، وذكرَ النصوص فيها، وخلاف المحدثين في ذلك، والتوفيق بينها.

ثم ختم البحث بخاتمة فيها النتائج.

 

3- بحث (معرفة الواسطة في السَّقْط وأثرها فيه).

 

4- بحث (دراسة لقول البخاري في الراوي: “لا يُعرف صحيحُ حديثه من سقيمه”).

وهو دراسة لمنهج البخاري في توثيق الرواة، والرواية عنهم في صحيحه، وقد نُقِلَت هذه العبارة عنه في أكثر من مرة، وهو – رحمه الله – إنما يقصد أن أحاديث ذلك الراوي يمكن تمييزها فيعرف منها الصحيح والضعيف، فمثل هذا الراوي ينقى الصحيح من حديثه ويطرح الضعيف.

وهذه بعض المواضع التي وقف عليها نقاد الحديث في كون الإمام البخاري رحمه الله لا يروي عمن لايعرف صحيح حديثه من سقيمه.

قال الترمذي في العلل الكبير (2/978): (وسألت محمدًا عن داود بن أبي عبد الله الذي روى عن ابن جدعان فقال: هو مقارب الحديث، قال محمد: عبد الكريم أبو أمية مقارب الحديث، وأبو معشر المديني نجيح مولى بني هاشم ضعيف لا أروي عنه شيئًا ولا أكتب حديثه ((وكل رجل لا أعرف صحيح حديثه من سقيمه لا أروي عنه ولا أكتب حديثه)) ولا أكتب حديث قيس بن الربيع) انتهى.

وفي (علل الترمذي الكبير ص35):

وقال أيوب بن عتبة عن يحيى بن أبي كثير عن أبي سلمة عن معيقيب عن النبي – صلى الله عليه وسلم – نحوه، فسألت محمدًا عن هذا الحديث فقال: حديث أبي سلمة عن عائشة حديث حسن، وحديث سالم مولى دوس عن عائشة حديث حسن، وحديث أبي سلمة عن معيقيب ليس بشيء،كان أيوب لا يُعرف صحيح حديثه من سقيمه فلا أحدث عنه.

ويقول الشيخ العلامة عبدالرحمن بن يحيى المعلمي رحمه الله في [التنكيل (1/123)]:

أقول في باب الإمام ينهض بالركعتين من (جامع الترمذي): ((قال محمد بن إسماعيل [البخاري]: ابن أبي ليلى هو صدوق، ولا أروي عنه لأنه لا يدري صحيح حديثه من سقيمه، وكل من كان مثل هذا فلا أروي عنه شيئًا)).

والبخاري لم يدرك ابن أبي ليلى، فقوله: ((لا أروي عنه)) أي بواسطة، وقوله: ((وكل من كان مثل هذا فلا أروي عنه شيئًا)) يتناول الرواية بواسطة وبلا واسطة، وإذا لم يرو عمن كان كذلك بواسطة فلأن لا يروي عنه بلا واسطة أولى، لأن المعروف عن أكثر المتحفظين أنهم إنما يتقون الرواية عن الضعفاء بلا واسطة، وكثيرًا ما يروون عن متقدمي الضعفاء بواسطة.

وهذه الحكاية تقتضي أن يكون البخاري لم يرو عن أحد إلا وهو يرى أنه يمكنه تمييز صحيح حديثه من سقيمه وهذا يقتضي أن يكون الراوي على الأقل صدوقًا في الأصل فإن الكذاب لا يمكن أن يعرف صحيح حديثه.

فإن قيل قد يعرف بموافقته الثقات لروى عن ابن أبي ليلى ولم يقل فيه تلك الكلمة فإن ابن ليلى عند البخاري وغيره صدوق وقد وافق عليه الثقات في كثير من أحاديثه ولكنه عند البخاري كثير الغلط بحيث لا يؤمن غلطه حتى فبما وافق عليه الثقات، وقريب منه من عرف بقبول التلقين فأنه قد يلقن من أحاديث شيوخه ما حد ثوابه ولكنه لم يسمعه منهم، وهكذا من يحدث على التوهم فأنه قد يسمع من أقرأنه عن شيوخه ثم يتوهم أنه سمعها من شيوخه فيرويها عنهم.

فمقصود البخاري من معرفة صحيح حديث الرواي من شيوخه بمجرد موافقة الثقات، وإنما يحصل بأحد أمرين:

1) إما أن يكون الراوي ثقة ثبتًا فيعرف صحيح حديثه بتحديثه.

2) وإما أن يكون صدوقًا يغلط ولكن يمكن معرفة ما لم يغلط فيه بطريق أخرى، كأن يكون له أصول جيدة، وكأن يكون غلطه خاصًا بجهة كيحيى بن عبد الله بكير روى عنه البخاري وقال في (التاريخ الصغير): ((ما روى يحيى ابن عبد الله بن بكير عن أهل الحجاز في التاريخ فإني أتقيه)) ونحو ذلك.

فإن قيل قضية الحكاية المذكورة أن يكون البخاري التزم أن لا يروي إلا ما هو عنده صحيح فأنه إن كان يروي ما لا يرى صحته فأي فائدة في تركه الرواية عمن لا يدري صحيح حديثه من سقيمه؟ لكن كيف تصح هذه القضية مع أن في كتب البخاري غير الصحيح أحاديث غير صحيحة، وكثير منها يحكم هو نفسه بعدم صحتها؟ قلت: أما ما نبه على عدم صحته فالخطب فيه سهل وذلك بأن يحمل كونه لا يروي ما لا يصح على الرواية بقصد التحديث أو الاحتجاج فلا يشمل ذلك ما يذكره ليبين عدم صحته، ويبقى النظر فيما عدا ذلك، وقد يقال أنه إذا رأى أن الراوي لا يعرف صحيح حديثه من سقيمه تركه البتة ليعرف الناس ضعفه مطلقًا، وإذ رأى أنه يمكن معرفة صحيح حديثه من سقيمه في باب دون باب ترك الرواية عنه في الباب الذي لا يعرف فيه كما في يحيى بن بكير، وأما غير ذلك فأنه يروي ما عرف صحته وما قاربه أو أشبهه مبينًا الواقع بالقول أو الحال. والله أعلم” انتهى.

وبذلك يورد الباحث اختلاف العلماء في مراد البخاري من هذه العبارة، وتعلقها بشرط الصحة الذي انتهجه منهجًا صارمًا في متابعة الرواة في “صحيحه الجامع”.

 

5- بحث (طرق معرفة ما يحدِّث به الراوي من حفظه وما يحدِّث به من كتابه).

وهو أحد مراتب اشتراط الضبط في راوي الحديث، وبراءته من أن يكون مدلسًا، والمقصود به التثبُّت، وأن لا يروي الراوي إلا ما حفِظه ووعاه، ولم يختلط عليه، وأن يؤديه كما سمعه، وأهل الضبط بهذا المعنى يتفاوتون، حيث قسم العلماء الضبط إلى قسمين:

الأول: ضبط صدر: هو الحفظ بأن يثبت الراوي ما سمعه في صدره، بحيث يبعد زواله عن القوة الحافظة، مع القدرة على استحضار المحفوظ إن حدث حفظًا.

والثاني: ضبط كتاب: وهو صيانة الراوي لكتابه منذ أدخل الحديث فيه، وصحَّحه، أو قابله على أصل شيخه، ونحو ذلك؛ إلى أن يؤدي منه، وذلك لأن الراوي قد يبتلى برجل سوء: سواء كان ابنًا، أو جارًا، أو صديقًا، أو ورَّاقًا، أو نحو ذلك، فيدخلون في كتابه ما ليس منه، فعند ذلك يطعن في ضبط الراوي، ويسقط حديثه.

وقد قال يحيى بن معين رحمه الله: “هما ثبْتان: ثبت حفظ، وثبت كتاب”.

ونجد أن هناك بعض الرواة قال العلماء فيهم: “ثقة إذا حدث من كتابه، ويخطئ إذا حدث من حفظه”، والراوي إذا قيل فيه ذلك، فإنه في الغالب يُعرف من أخذ عنه من كتابه، ومن أخذ عنه من حفظه لضبط ما جاء به ولأنه ربما كان يهم كثيرًا إذا حدث من حفظه.

ويعرف ذلك بعدة أمور:

الأول: أن ينصّ الراوي عنه أنه أخذه من كتابه.

مثاله:

أبو عوانة الوضاح بن عبد الله اليشكري.

وهو من الثقات، إلا أن أبا حاتم قال فيه كما في “الجرح والتعديل” (9/41):” كتبه صحيحة، وإذا حدث من حفظه، غلط كثيرًا، وهو صدوق ثقة “. انتهى.

الثاني: أن ينصّ علماء الحديث على أن هذا الراوي حدث في موضع، أو بلد ما، من كتابه، وفي غيرها من حفظه، أو العكس.

مثاله:

حفص بن غياث.

وهو من الثقات، إلا أنه ساء حفظه بعدما ولي القضاء، فمن أخذ عنه من كتابه: فحديثه صحيح.

قال أبو زرعة الرازي كما في “الجرح والتعديل” (3/186): “حفص بن غياث: ساء حفظه بعد ما استُقضي، فمن كتب عنه من كتابه: فهو صالح، وإلا فهو كذا”.

وقد نصّ ابن معين على أن جميع ما حدث به حفص، في بغداد والكوفة: إنما هو من حفظه، كما في “تاريخ بغداد” (8/191).

الثالث: أن ينصّ علماء الحديث، على أن هذا الراوي لم يأخذ عنه من كتابه، إلا فلان وفلان مثلًا؛ فيقبل حديثه من طريقهم دون غيرهم.

مثاله:

شريك بن عبد الله النخعي.

قال ابن رجب في “شرح علل الترمذي” (2/759): “قال يعقوب بن شيبة وغيره: كتبه صحاح، وحفظه فيه اضطرب، وقال محمد بن عمار الموصلي الحافظ: شريك كتبه صحاح، فمن سمع منه من كتبه، فهو صحيح.

قال: ولم يسمع من شريك من كتابه: إلا إسحاق الأزرق”. انتهى.

الرابع: أن ينصّ علماء العلل على أن هذا الحديث، لهذا الراوي: ليس في كتابه.

مثاله:

عبد الرزاق بن همام الصنعاني:

قال الذهبي في “تاريخ الإسلام” (5/374): “قال الأثرم: سَمِعْتُ أبا عَبْد الله يُسأل عَنْ حديث النار جبار. فقال: هذا باطل، ليس من هذا شيء.

ثم قَالَ: وَمَن يُحَدِّث بِهِ عَنْ عبد الرّزّاق؟ قلت: حدّثني أحمد بْن شَبَّوَيْه.

قَالَ: هَؤُلّاءِ سمعوا بعدما عَمي. كَانَ يُلقَّن، فلُقِّنَه، وليس هُوَ في كُتُبه. وقد أسندوا عَنْهُ أحاديث ليست في كُتُبه، كَانَ يُلَقَّنَها بعدما عَمِي”. انتهى.

وعلى كُل؛ فيجب على الباحث المحقق إذا وجد راويا قال فيه أهل العلم: “ثقة إذا حدث من كتابه، يخطئ إذا حدث من حفظه” أن يتوسع في ترجمته، حتى يقف على الرواة الذين أخذوا عنه من كتابه.

فإن وُجد حديث من طريق راو من هؤلاء، ولا يُعرف هل أُخذ عنه من كتابه أم من حفظه، فيجب التوقف، فإن تُوبع، دل على أنه حدث به من كتابه، وإن تفرد، فيتوقف في قبول حديثه ذاك.

والمؤلف هو د. “محمد زايد فلاح العتيبي”، عضو هيئة التدريس بقسم التفسير والحديث بكلية الشريعة- جامعة الكويت.

له من المؤلفات والبحوث:

“التثبت فى تحمل الحديث وأدائه: دراسة حديثية”.

“أحوال الرواة في تغيير صيغ الأداء”.

“الإيماء إلى طرق التحمل والأداء”.

“الدر المنثور في التفسير بالمأثور: دراسة وتحقيق”- رسالة ماجستير.





المصدر

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى