الأعمال الكاملة لشاعر دمشق أنور العطار
الأعمال الكاملة الشعرية والنثرية
لشاعر دمشق وغِرِّيدها المِفَنِّ (أنور العطَّار)
(1327- 1392هـ/ 1909- 1972م)
أتحفَني الأخُ الكبير والصديق العزيز، الرجلُ النبيل والأديب الرقيق، الأستاذُ هاني العطَّار بهدية نفيسة، هي ثمرةُ سنوات من العمل الدؤوب في جمع تراث أبيه؛ شاعر دمشق المرهَف الأستاذ الكبير (أنور العطَّار) رحمه الله تعالى.
وهذا العملُ بلا ريب دليلُ بِرٍّ ووفاء وإخلاص من الأستاذ الفاضل هاني؛
بِرٍّ بأبيه وأدبه الرفيع، وفنِّه الراقي البديع..
ووفاءٍ للشام وتاريخ رجالاتها، وأعلام أدبائها، وآثار مبدعيها..
وإخلاصٍ للعربية وبيانها الساحر، ولشعرها البليغ الآسِر..
جزاه الله عن العربية وأدبها، وعن الشام وأدبائها خيرَ الجزاء وأحسَنه.
۞۞ ۞ ۞۞
الأعمال الكاملة:
• وقد كان أصدر الأستاذ هاني أولًا ديوان أبيه (ظلال الأيام) عام 1434هـ/ 2013م في الرياض، في طبعة مَزيدة. وقد سبق أن طُبع في حياة الشاعر بدمشق عام 1367هـ/ 1948م.
• ثم أصدر ديوان أبيه الثاني (رباعيات علَّمتني الحياة) عام 1436هـ/ 2015م في الرياض.
• ثم أصدر الأعمال الكاملة (الشعرية والنثرية) في مجلَّدين كبيرين، عام 1441هـ/ 2020م عن دار الفكر بدمشق.
تضمَّنت الأعمالُ الشعرية عشَرة دواوين هي:
(البواكير) (منعطف النهر) (وادي الأحلام) (ربيع بلا أحبَّة) (ليل البلبل المسحور) (قصائد المدن والبلدان) (أغاني الديار) (ظلال الأيام) (رباعيات علَّمتني الحياة) (مع الشعر أحيا).
وتضمَّنت الأعمالُ النثرية ثلاثة عشر دراسةً أو نصًّا، منها:
(الوصف والتزويق عند البحتري) (دراسة أدبية عن أرجوزة القلم للأستاذ محمد كُرد علي) (دراسة أدبية بين الزجَل والشعر مع رشيد نخلة) (دراسة عن أمير الشعراء أحمد شوقي) (دراسة عن الشاعر شفيق جبري) (فهرس الطريف والتليد من أدب العرب).
۞۞ ۞ ۞۞
وعلى أن الأستاذ هاني استقرَّ بعيدًا عن ديار العرب، في أوهايو بالولايات المتحدة الأمريكية، لا يزال يعمل بجِدٍّ في التنقيب عمَّا بقيَ من تراث أبيه الأدبي ليخرجَه لأبناء العربية، ويثري به مكتبتنا البلاغية الأدبية.
والمتأمِّل فيما أصدر لا يملك إلا أن يُكبرَ جهده الحثيثَ الظاهر، وكأني به قد سكبَ فيه من جمال روحه، ورقَّة طبعه، فأتى على طِراز بديع من الإخراج الفني المشرق!
وصدقَ أستاذُنا الكبير أديبُ الصَّحفيين الأستاذ عبد الغني العطري حين وصف شاعرَنا أنور العطَّار في كتابه (حديث العبقريات) بقوله: أنور العطار شاعرُ الطبيعة والوصف الذي ظلم نفسَه وظلمناه..
فقد ظلم نفسَه باختياره العُزلةَ والبعدَ عن أضواء الشُّهرة..
وظلمناه بأن لم نُقبِل على أدبه دراسةً وإذاعةً وتنويهًا..
ولكنَّ هذه العزلةَ التي اختارها الشاعرُ إنما كانت بمِلء إرادته، وصريح رغبته، وقد أبان عن هذا في رباعيته (العُزلة مملكة الأفكار) من ديوانه (رباعيات علمتني الحياة) قال:
ومن أراد أن يعرفَ مكانة أنور العطار الأدبية والشعرية والإنسانية فليقرأ ما خطَّه صديقُ طفولته، وخِدنُ شبابه، وصَفيُّ دهره، أديبُ الفقهاء الشيخُ علي الطنطاوي فيما قدَّم لديوانه (ظلال الأيام)، وفي مقالته (أنور العطَّار شاعر الحب والألم والطبيعة) المنشورة في كتابه (أعلام من التاريخ) ص157- 172، وفيما نثره عنه في (ذكرياته)، وقد بلغا من ألفة النفس وامتزاج الروح وشدَّة القرب مبلغًا جعل الطنطاوي يصف حالهما أيام عملهما في بغداد بقوله:
(كنَّا أنا وأنور نتحدَّث ساعاتٍ عن أيامنا في بغداد؛ أبدأ أنا الكلام فيُكمل هو، ويتكلَّم هو فأُتمُّ أنا. عِشنا حياةً واحدة، كنَّا دائمًا معًا، فمن رآني رآه، ومن رآه رآني، وكانوا يقولون: علي وأنور، وأنور وعلي، وربما خلَطوا فقالوا: علي العطار، وأنور الطنطاوي!).
وعبَّر عن هذا الامتزاج الأستاذُ أنور العطار نفسُه، في تعقيب له على مقالة للطنطاوي عنه بعنوان (صورة!)، نشرها في مجلَّة الرسالة عدد رمضان 1355هـ/ 1936م، بقوله:
(الأستاذ علي أخي؛ قد تشابهَت حياتانا، وتماثلَت نفسانا، حتى صرتُ أراه أنا، ويراني هو، وحتى أراد أن يصوِّرَني في هذه القطعة فصوَّر فيها نفسَه، فما درَيتُ أنا ولا دَرى هو، ولا دَرى القرَّاء لمن منَّا هذه الصورة!).
رحم الله شاعرَنا العبقريَّ أنور العطار الذي رحلَ عن دنيانا بجسَده، وبقيَ صدى شِعره وفنِّه يتردَّد في الآفاق، وقد صحَّ فيه ما قدَّم به قصيدتَه (الخالدون) من كلمات قال فيها:
(إن الموتَ نهاية، وإنه بداية، وإنه للعبقري حياةٌ وخلود)
۞۞ ۞ ۞۞
تاريخ ولادة أنور العطَّار:
• ذكر الزِّرِكْلِيُّ في ترجمة أنور العطار في (الأعلام) 2/ 29: أنه ولد سنة 1326هـ/ 1908م.
• وذكر أستاذُنا العِطري في ترجمته للعطار في كتابيه (عبقريات شامية) ص53، و(حديث العبقريات) ص302: أنه ولد سنة 1913م.
• وما ذكره العطري هو الشائعُ في جُلِّ المصادر التي ترجمت له، ومنها: (من هم في العالم العربي- سورية) ص427، و(معجم المؤلفين السوريين) لعبد القادر عيَّاش ص355.
• وهذا التاريخ (1913م) هو ما دوَّنه العطار نفسُه بخطِّ يده في سيرته الذاتية، وهو التاريخُ الذي اعتمده ولدُه الأستاذ هاني في ترجمته لأبيه في كلِّ ما أخرج من تراثه.
• وذكر الشيخ علي الطنطاوي في كتابه (رجال من التاريخ) ص482، ثم نُقلت المقالة إلى كتابه (أعلام من التاريخ) ص168: أنه ولد عام 1327هـ، ويوافقه عام 1909م، وعبارته: (وُلد أنور في السنة التي وُلدتُّ أنا فيها، سنة 1327هـ). ثم علَّق في الحاشية تعليقًا صريحًا يؤكِّد فيه ما ذكره في المتن، قال: (وقد كبَّره الأستاذُ مؤلف “الأعلام”، وصغَّره الأستاذُ العطري، وميلادُه الحقُّ هو ما قلته).
• ووَهَم أستاذُنا العطري رحمه الله في هامش (حديث العبقريات) ص303، فقال: (ذكر صاحبُ “الأعلام” خير الدين الزِّرِكْلي أن الشاعر من مواليد عام 1908م، غير أن صديقَه ورفيقَ عمره المرحوم علي الطنطاوي أكَّد أن العطار من مواليد عام 1913م، وهذا التاريخُ أثبتناه في كتابنا “عبقريات شامية” ونكرِّره اليوم)!
كذا قال العطري! وما أكَّده الطنطاوي هو ما نقلتُه لك من أن العطار وُلد في العام الذي وُلد هو فيه، وهو عام 1327هـ ويوافقه 1909م.
والراجح عندي قول الطنطاوي، لأسباب:
• لأنه ألصَقُ الناس بأنور، وهو أليفه وصفيُّه من يفاعتهما إلى وفاة أنور!
حتى إنه قال: (كنت أُبصر كلَّ دقيق وجليل من حياتي وحياة أخي في الصِّغَر وفي الكِبَر، ورفيقي في السَّفَر وفي الحضَر، وأنيسي في المسرَّة وفي الكدَر، أنور). وقد أكَّد الطنطاوي قوله تأكيدًا جازمًا، وردَّ ما سوى ذلك من تواريخ، بما يُستبعَد معه الوهم.
• لأن كثيرًا من الحوادث التي ذكرها الشيخُ الطنطاوي في ذكرياته لا يستقيم معها إلا أن يكونَ أنور من مواليد عام 1909م مثله، ومن ذلك عند حديثه في (الذكريات) 2/ 337 عن قصيدة (الشاعر) لأنور العطار قال: (وهذه القصيدةُ منشورة في الجزء السادس من “الحديقة” لخالي محبِّ الدين الخطيب، المطبوع سنة 1346هـ، لمَّا كان عمر أنور وعمري تسع عشرة سنة، وقد نظمها وألقاها قبل ذلك). فإذا كان عمرهما عام 1346هـ تسع عشرة سنة فهما قطعًا من مواليد عام 1327هـ/ 1909م.
• لأن الزِّرِكلي جعل أولَ مصادره في كتابة ترجمة أنور العطَّار: (من رسالة خاصَّة كتبَها ابنُه هشام)، ثم ذكر مصادرَ أُخرى وردَ تاريخ ولادة أنور فيها عام 1913م، منها كتابُ سامي الكيَّالي (الأدب العربي المعاصر في سورية) ص404. ولكنَّ الزِّرِكلي ضرب بها عُرضَ الحائط، مُثبتًا تاريخ ولادته سنة 1326هـ/ 1908م، مما يرجِّح أنه التاريخُ الذي كتبَه له ابنُ المترجَم الأستاذ هشام العطار في الرسالة الخاصَّة التي ألمعَ إليها. وهذا التاريخُ على تخطئة الطنطاوي له هو أقربُ من التاريخ الآخَر الذي كتبه أنورُ بيده.
وخُلاصة القول:
ما رجَح عندي في تاريخ ولادة الأستاذ أنور العطار هو ما أكَّده الشيخُ علي الطنطاوي من أنه عام 1327هـ/ 1909م.
أما التاريخُ الذي دوَّنه العطار في سيرته الذاتيَّة بخطِّ يده، أي عام 1913م، فهو فيما يبدو التاريخُ المثبَت في أوراقه الرسمية الثبوتية، على عادة القوم يومئذٍ من تصغير أولادهم؛ لتأخير التحاقهم بالخدمة العسكرية الإلزامية!
والله تعالى أعلم.
كتبه
أبو أحمد المَيداني
أيمن بن أحمد ذو الغنى
الرياض 14 جُمادى الأولى 1443هـ
(18/ 12/ 2021م)
أنور العطار في شبابه، وإهداء بخطِّه إلى صديق عمره علي الطنطاوي
الأليفان أنور العطار وعلي الطنطاوي