Jannah Theme License is not validated, Go to the theme options page to validate the license, You need a single license for each domain name.
التاريخ الإسلامي

عن الشورى وقوة الرأي


عن الشورى وقوة الرأي

 

الشورى هي طلب الرأي من الآخر أو الآخرين في أمر لا يستطيع فيه الفرد اتخاذ القرار جملة واحدة، ولا يبلغ درجة الاطمئنان والسكينة فيه إلا بمشاركة الآخرين، وهي بهذا الاعتبار قيمة أساسية من جملة القيم التي على أساسها يتم التحكم في الصراع بدرجة عالية، وتوجُّه القوة فيه توجيهًا سليمًا؛ والله تعالى يقول: ﴿ وَشَاوِرْهُمْ فِي الْأَمْرِ فَإِذَا عَزَمْتَ فَتَوَكَّلْ عَلَى اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الْمُتَوَكِّلِينَ ﴾ [آل عمران: 159].

 

ذكر ابن عبدالبر في (اختصار المغازي والسير): “نزل رسول الله صلى الله عليه وسلم على أدنى ماء من مياه بدر إلى المدينة، فأشار عليه الحبَّاب بن المنذر بن عمرو بن الجموح بغير ذلك، وقال لرسول الله: أرأيت هذا المنزل، أمنزل أنزلكه الله، فليس لنا أن نتقدمه أو نتأخر عنه، أم هو الرأي والحرب والمكيدة؟ فقال عليه السلام: بل هو الرأي والحرب والمكيدة، فقال: يا رسول الله، إن هذا ليس بمنزلٍ، فانهض بنا حتى نأتي أدنى ماء من القوم فننزله ونغور ما وراءه من القلب، ثم نبني عليه حوضًا فنملؤه ماء؛ فنشرب ولا يشربون، فاستحسن رسول الله صلى الله عليه وسلم ذلك من رأيه”[1].

 

وذكر ابن كثير القصة في كتاب (البداية والنهاية) قال: “قال ابن إسحاق: فحُدثت عن رجال من بني سلمة أنهم ذكروا أن الحباب بن منذر بن الجموح قال: يا رسول الله، أرأيت هذا المنزل، أمنزل أنزلكه الله، ليس لنا أن نتقدمه ولا نتأخر عنه، أم هو الرأي والحرب والمكيدة؟ قال: بل هو الرأي والحرب والمكيدة، قال: يا رسول الله، فإن هذا ليس بمنزل، فامضِ بالناس حتى نأتي أدنى ماء من القوم فننزله، ثم نغور ما وراءه من القلب، ثم نبني عليه حوضًا فنملؤه ماء، ثم نقاتل القوم، فنشرب ولا يشربون، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: لقد أشرت بالرأي”[2].

 

إن المنزل الذي حدده الصحابي الحباب بن المنذر رضي الله عنه، الذي هو أدنى وأقرب ماء من معسكر المشركين يمثل رأيًا فرديًّا يصب – تبعًا لتقديره – في مصلحة الجماعة، وقد تأكد صحة هذا التقدير والرأي بعد أن رضِيَه رسول الله صلى الله عليه وسلم، ولاحقًا بعد انقضاء الحرب.

 

هذا الرأي لم يكتمه الصحابي الحباب بن المنذر رضي الله عنه؛ لأن مصلحة الفرد هي عين مصلحة الجماعة، ومصلحة الجماعة هي ذاتها مصلحة الفرد، وأهداف الفرد هي أهداف الجماعة، وأهداف الجماعة هي ذاتها أهداف الفرد، إنه تمازج الكل في الواحد، والواحد في الكل، وتفكير وتخطيط الواحد، هو تفكير وتخطيط الكل، إنها إرادة واحدة وثابتة، لا متعددة ومتباينة.

 

والرأي الذي أشار به الحباب بن المنذر، وقبول النبي صلى الله عليه وسلم به، يوضح أهمية الشورى، وكان هذا الرأي عاملًا مهمًّا في انتصار المسلمين، وهي قوة سخرها الله للصحابي الحباب بن المنذر.

 

ولنا في هذه القصة جملة من الفوائد أو بالأحرى الدروس والمبادئ، التي يقرها رسول الهدى صلى الله عليه وسلم:

1- أن الصحابي الحباب بن المنذر أشار بالرأي باعتباره فردًا من الأمة والجيش الإسلامي المجاهد، ويهمه ما يهمه؛ وقد قال النبي صلى الله عليه وسلم: ((المسلمون تتكافأ دماؤهم، ويسعى بذمتهم أدناهم، ويجير عليهم أقصاهم، وهم يدٌ على من سواهم))[3].

 

2- لم تكن اعتبارات صغر سن الصحابي الحباب بن المنذر لِتمنعَه من إبداء الرأي.

 

3- أنه لم يكتم رأيًا يتوقع فيه أن يكون سببًا في النصر، وإلحاق الهزيمة بالعدو.

 

4- الإحساس الكبير بالمسؤولية، والانتماء للدين والدعوة.

 

5- لم تكن أخلاق وسلوك جيش الإسلام فوضوية، كأن تتم المشاورات ووضع الخطط دون الرجوع إلى قائد الجيش، بل على العكس من ذلك تمامًا، فإن إبداء الصحابي لرأيه يمثل قمة الانضباط والربط.

 

6- يمثل رأي الصحابي الحباب بن المنذر قوة سخَّرها الله له.

 

7- قبول النبي محمد صلى الله عليه وسلم لرأي الحباب بن المنذر يعني إشراكه صلى الله عليه وسلم لكافة أفراد الجيش في صنع القرار.

 

8- يمثل قبول قائد الجيش لرأي أحد من أفراد جنده دفعة معنوية عالية لذلك الفرد، بل لكل أفراد الجيش.

 

9- قبول قائد الجيش مبدأ الشورى والأخذ به هي أبلغ دلالة على وجود المبادئ الإسلامية السامية؛ مثل: مبدأ المساواة والعدل، والإنصاف والتكامل، والتكافل بين الجميع.

 

10- يمثل قبول قائد الجيش محمد صلى الله عليه وسلم لرأي الصحابي الحباب بن المنذر إشراكَ كافة أفراد الصف الإسلامي في القرار، وتحمل المسؤولية.

 

11- يمثل إقرار النبي صلى الله عليه وسلم لرأي الصحابي الحباب بن المنذر محصلة بينة للتفكير الجماعي، والمشاركة والوصول للقرار السليم.

 

12 الاتحاد والوحدة في جسد الأمة الواحد.

 

13 يمثل إقرار النبي صلى الله عليه وسلم لرأي الصحابي الحباب بن المنذر تقديرًا من القائد الأعلى للجيش لكافة أفراد الصف الإسلامي، ومساواتهم في الحقوق والواجبات.

 

14 يمثل إقرار النبي صلى الله عليه وسلم لرأي الصحابي الحباب بن المنذر تطبيقًا فعليًّا لقيمة الشورى في الميدان.

 

15 الرأي يُؤخذ من الصغير مثلما يُقبل من الكبير، سواء بسواء.

 

16- توفيق الله سبحانه وتعالى وهدايته الصحابي الحباب بن المنذر للرأي السليم.

 

17قوة الرأي هي من الأدوات المكملة والمتممة لجاهزية الجيش الإسلامي.

 

18محبة رسول الله صلى الله عليه وسلم للمؤمنين؛ قال الله جل وعز: ﴿ لَقَدْ جَاءَكُمْ رَسُولٌ مِنْ أَنْفُسِكُمْ عَزِيزٌ عَلَيْهِ مَا عَنِتُّمْ حَرِيصٌ عَلَيْكُمْ بِالْمُؤْمِنِينَ رَءُوفٌ رَحِيمٌ ﴾ [التوبة: 128].

 

19 تعديل خطط الحرب وفق ما تقتضيه الضرورة، هو من صفات القادة العظماء، وأفضل وأعظم قائد هو رسول الله صلى الله عليه وسلم.

 

20 أدب وخشية الصحابي الحباب بن المنذر في خطابه: (أرأيت هذا المنزل، أمنزل أنزلكه الله فليس لنا أن نتقدمه أو نتأخر عنه، أم هو الرأي والحرب والمكيدة؟).


[1] ابن عبدالبر، تحقيق شوقي ضيف، الدرر في اختصار المغازي والسير، القاهرة: مؤسسة دار التحرير للطباعة والنشر، ط.1، 1966، ص113.

[2] أبو الفداء إسماعيل بن عمر بن كثير، البداية والنهاية، الجزء الثالث، بيروت: مكتبة المعارف، ط.1، 1991، ص267.

[3] محمد ناصر الدين الألباني، إرواء الغليل تخريج أحاديث منار السبيل، الجزء السابع، بيروت: المكتب الإسلامي، ط.1، 9791، ص562.





المصدر

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى