مختصر السيرة النبوية لابن شيخ الحزاميين

مختصر السيرة النبوية لابن شيخ الحزاميين
صدر حديثًا كتاب: “مختصر السيرة النبوية” للإمام عماد الدين الواسطي الحنبلي أحمد بن إبراهيم البغدادي المعروف بابن شيخ الحزاميين (ت 711 هـ)، في مجلدين، اعتنى به: د. “وليد محمد عبد الله العلي”، و”فيصل يوسف أحمد العلي”، نشر: “دار مدى للنشر والتوزيع”.
وهو اختصار للكتاب المشهور “السيرة النبوية” للإمام ابن هشام – رحمه الله -، بدأ فيها الواسطي بمقدمة بين فيها أهمية السيرة النبوية، والسبب في إقباله على العمل على تهذيب سيرة ابن هشام واختصارها بقوله: “فأحب أن يختصر جمل السيرة، شفقة في حق غيره من الطالبين، وتسهيلًا لما صعُب منها على المريدين”.
وأما عن سبب اختياره لسيرة ابن هشام تحديدًا فقال: “سيرة ابن هشام عن ابن إسحاق، إذ كانت أنسب السير المدونة، ولمعظمها في الصحيحين معلمة”.
ونجد أن كتابه على جانب كبير من الأهمية لأنه عني بسيرة رسول الله – صلى الله عليه وسلم – التي ألفها ابن إسحاق وهذبها ابن هشام، فسيرة ابن إسحاق كانت هي المصدر الخصب والمادة الأساسية لكل من يكتب أو يتحدث في السيرة، أما عن منهجه في الاختصار فيتضح فيما يلي: “فأحب أن يختصر جمل السيرة.. فحذف منها معظم الأشعار والأنساب، وأمورًا تقع كالحشو في الكلام، إلا أنه لا يغير كلام المؤلف عن موضعه، اللهم إلا عند الاختصار، فلابد من ذلك وربما زاد على نفس كلامه، في الأبواب والتراجم..”.
ونجد أنه اختصر أيضًا في الوقائع التاريخية وقام بحذف بعض المواضيع كأسباب نزول الآيات وغيرها..
ولكن رغم اختصاره فقد حافظ على ترتيب الأحداث وسياقها كما أوردها ابن إسحاق، ولم يتدخل بتقديم أو تأخير فيها، كما اعتنى في كتابه بالإبقاء على روح النص الأصلي رغم الحذوفات.
وكما هو ظاهر من ذلك التهذيب، فإن الواسطي ألف كتابًا مختصرًا ليستفيد منه طلاب العلم.
ويختلف اختصاره وتهذيبه الشديد عن تهذيب “ابن حزم” للسيرة النبوية في أن تهذيب ابن حزم كان اختصارًا شديدًا بشكل أشبه ما يكون بالخطوط العريضة للسيرة النبوية، في حين جاء تهذيب الواسطي بترسم خطى ابن إسحاق وابن هشام، وسار على منوالهما في إيراد القصة يسردها سردًا، إلى جانب عدم تدخله في الروايات بالنقد أو التفنيد، بحيث جعل الواسطي اختصاره للسيرة النبوية قصة متكاملة شاملة، بعيدة عن تفريعات الرواة والشواهد الشعرية وشرح الألفاظ والأنساب والقصائد، بشكل أقرب للفهم والتلقين لطلبة العلم المبتدئين.
وللكتاب العديد من النسخ الخطية في مكتبات العالم المختلفة، منها نسخة مكتبة الشهيد علي باشا بتركيا برقم مخطوط (1942)، ونسخة أخرى بنفس المكتبة برقم (1894)، ونسخة مكتبة يوزكات برقم (399)، ونسخة الدكتور طلال الرفاعي كانت ملكًا للشيخ “محمد الرشيدي” أحد علماء الحرم المكي، ونسخة مكتبة يني جامع تحت رقم (898)، إلى جانب نسخة محفوظة في مكتبة برلين الوطنية تحت رقم (9566)، ونسخة محفوظة بمكتبة جامعة ليدن بهولندا كتبت قبل وفاة المؤلف بأربعة سنوات تقريبًا.
وقد قام المحقق بالمقابلة على تلك النسخ وإثبات المتن الأصلي للسيرة، والتقدمة للكتاب بترجمة نافعة عن المؤلف وعصره، ومنهج التحقيق.
والمؤلف هو ابن شيخ الحزاميين (657 – 711 هـ = 1259 – 1311 م) وهو أحمد بن إبراهيم بن عبد الرحمن بن مسعود، عماد الدين الواسطي البغدادي ثم الدمشقيّ. فقيه كان شافعيًا. وأقام بالقاهرة مدة خالط بها طوائف من المتصوفة فتصوف.
وقد كان أبوه شيخ الطائفة الأحمدية، ونشأ بين أتباع تلك الطائفة، ولكنه رزق حب الحق والنفور عن البدع، وألهم طلب العلم في صغره، فاجتمع بالفقهاء بواسط كالشيخ “عز الدين الفاروتي” وغيره. وقرأ شيئًا من الفقه على مذهب الشافعي، ثم دخل بغداد، وصحب بها طوائف من الفقهاء، وحج واجتمع بمكة بجماعة منهم. وأقام بالقاهرة مدة ببعض خوانقها، وخالط طوائف الفقهاء، ولم يسكن قلبه إلى شيء من الطوائف المحدثة.
وفد دمشق، ورأي شيخ الإسلام ابن تيمية، وانتقل إلى مذهب ابن حنبل، ورد على المبتدعة الذين خالطهم.
ونجد أنه لما صحب ابن تيمية دله على مطالعة السيرة النبوية، فأقبل عليها بنهم شديد فلخص تهذيب ابن هشام لسيرة ابن إسحاق في كتاب مفرد، ثم أقبل على مطالعة كتب الحديث والسنن والآثار، وحبب إليه ذلك جدًا، واعتنى بأمر السنة أصولًا وفروعًا، ثم تفرغ للرد على المبتدعة فهتك أستار الاتحادية، وكشف عوراتهم، وألف تآليف كثيرة في الطريقة النبوية في السلوك انتفع بها كثير من متعبدة أهل الحديث والأثر، وكانت له عناية بالفقه فاختصر كتاب “الكافي” في مؤلف مفرد أسماه “البلغة”، وشرع في شرح “منازل السائرين” للهروي الذي شرح ابن القيم في (مدارج السالكين)، ولكن الواسطي لم يتمه.
وكان يتقوت من النسخ ولا يكتب إلا مقدار ما يحتاج إليه، قال ابن حجر: وخطه حسن جدًا في غاية الجودة. توفي بدمشق.
وكان صاحب حال وسلوك حسن ومكاشفة. أثنى عليه الشيخ ابن تيمية وقال: “هو جنيد وقته”. وكان يجله ويعظمه. وقال البرزالي: “رجل صالح عارف، صاحب نسك وعبادة، وانقطاع وعزوف عن الدنيا. وله كلام متين في التصوف الصحيح. وهو داعية إلى طريق الله تعالى، وقلمه أبسط من عبارته”. وقال ابن رجب في ذيل الطبقات عن معجم البرزالي: “وكان محبًا لأهل الحديث، معظمًا لهم. وأوقاته محفوظة”.
وقال الذهبي: “كان سيدًا عارفًا كبير الشأن، منقطعًا إلى الله تعالى. وكان ينسخ بالأجرة ويتقوت، ولا يكاد يقبل من أحد شيئًا إلا في النادر. صنف أجزاء عديدة في السلوك والسير إلى الله تعالى، وفي الرد على الإتحادية والمبتدعة. وكان داعية إلى السنة، ومذهبه السلف الصالح في الصفات، يُمِرها كما جاءت، وقد انتفع به جماعة صحبوه، ولا أعلم خلف بدمشق محْي طريقته مثله”.
صنف كتبًا منها:
• رسالة (مفتاح طريق الأولياء وأهل الزهد من العلماء).
• (اختصار دلائل النبوة).
• (شرح منازل السائرين) للهروي.
• (التذكرة والاعتبار والانتصار للأبرار في مناقب شيخ الإسلام تقي الدين أحمد بن تيمية).
• (نصيحة في صفات الرب جل وعلا)
• (مدخل أهل الفقه واللسان إلى ميدان المحبة والعرفان).
• وله نظم نافع.