تنمية العمل الاجتماعي: مواجهة الفقر (الوقفة السادسة: متابعة السياسات والبرامج وتقويمها)
تنمية العمل الاجتماعي: مواجهة الفقر[1]
الوقفة السادسة: متابعة السياسات والبرامج وتقويمها
مهما كانت الجهود التي بذلت في المراحل السابقة، والتي انتهت تحت أفضل الظروف باختيار السياسات والبرامج الأكثر ملاءمة للظروف المحلية والخلفيات الثقافية، والمبنية على الدراسات المتعمقة لأسباب الفقر، فإن جهود معالجة الفقر لا يمكن أن تقف عند هذا الحد، بل إن الدورة الصحية لمعالجة الفقر لا تكتمل إلا بوضع خطط للمتابعة والتقويم وتنفيذها لتكون جزءًا لا يتجزأ من تصميم تلك الإستراتيجيات والسياسات والبرامج ذاتها، وإلا بقيت الإستراتيجيَّة تنظيرًا يضاف إلى كم هائل من التنظيرات التي لا تخدم المشكلة، ولا تسهم في مواجهتها، لا تنتهي بفوائد عملية وإن انتهت بفوائد علمية.
والجهود الموجَّهة للمتابعة تهدف أساسًا إلى التأكد من أن تنفيذ الإستراتيجيات والسياسات والبرامج يتم وفقًا للأهداف المرجوة، وتبعًا للإجراءات المتفق عليها، وذلك من خلال جمع البيانات – بصورة دورية ومستمرة – حول مدخلات البرامج والأنشطة التي تتم في إطارها، بما يقدم صورة واضحة أمام متخذي القرار؛ للتعرُّف في وقت مبكر على أي ابتعاد للتنفيذ عما هو مخطط له، ومن ثم إجراء التعديلات التي تضمن استمرار الجهود في الاتجاهات المرجوة، بدلًا من انتظار نتائج التقويم، التي يغلب أن تتطلب مزيدًا من الوقت حتى ظهور الآثار، ما يستدعي إعادة النظر في إعداد الإستراتيجيَّة في ضوء المستجدات التي قد تكون طرأت بفعل التواني في إعدادها، ومن ثم التواني في تنفيذ متطلباتها، وفي هذه الحال إهدار الجهد والوقت والأموال العامة دون طائل.
أما تقويم السياسات والبرامج والمشروعات الموجهة لمعالجة الفقر فإنها على أهميتها لا تكاد تحتاج دليلًا؛ فالتقويم يهدف أساسًا إلى التأكد مما إذا كانت البرامج والمشروعات قد حققت الأهداف المرجوة منها من عدمه، وهو ما يعرف بفاعلية المشروعات، فإذا كانت المشروعات قد حققت أهدافها بفاعلية، وإذا كانت المشروعات مصممة في جملتها ضمن إستراتيجيَّة لمواجهة الفقر، تتكامل فيها الأهداف ضمن منظومة متكاملة تقوم على إطار نظري واضح، فإن هذا يعني نجاح السياسات والبرامج في مواجهة الفقر.
أما إذا كان تنفيذ البرامج والمشروعات والأنشطة التي تتم في إطارها غير فعالة أو ناقصة الفاعلية في تحقيق الأهداف، فإن هذا يعطي المسوغات التي يمكن أن يطالب في ضوئها الخبراء ومتخذو القرارات بإحداث التعديلات الملائمة في تلك البرامج والمشروعات، كما أن هذا أيضًا قد يضع علامات استفهام حول صلاحية الإستراتيجيات التي تعد هذه البرامج والمشروعات مكونات لها، ما يعني ضرورة إعادة النظر في السياسات ذاتها.
وبطبيعة الحال، فإن نظام المتابعة والضبط والمراقبة والتقويم يتطلب التحديدات الآتية:
تحديد الأهداف الوسيطة والنهائية لبرامج مواجهة الفقر.
تحديد المؤشرات الوسيطة والنهائية لتحقيق تلك الأهداف للجوانب المختلفة التي تغطيها تلك البرامج.
تحديد المدى المستهدف من تلك المؤشرات في المدد (الفترات) الزمنية المحددة.
تحديد أنواع البيانات التي يتطلب الأمر جمعها، وتوقيت جمع البيانات.
تحديد الجهات والهيئات التي تقوم على جمع تلك البيانات.
اختيار التصميمات المنهجية الملائمة لتقويم فاعلية البرامج.
اختيار أساليب جمع البيانات المناسبة، الكمية منها والكيفية، وكذلك تحديثها دوريًّا.
ولما كان المقام لا يتسع للحديث بأي قدر من التفصيل حول كل من المتطلبات السابقة، فإنه يكتفى بهذا العرض العام عن المواجهة، ويحال القارئ إلى المصادر العديدة في الموضوع نفسه[2].
[1] أعد هذه البحث بالاشتراك مع الأستاذ الدكتور صالح بن محمد الصغير أستاذ الاجتماع بجامعة الملك سعود، ونشرته المجلة العربية ضمن سلسلة كتيب المجلة (عدد 90)،وهو في الأصل محاضرة ألقيت في المهرجان الوطني للتراث والثقافة (الجنادرية) بالمملكة العربية السعودية في ذي القعدة سنة 1424هـ/ 2003م، وألقيت في مركز الملك فيصل للبحوث والدراسات الإسلامية في محرم من سنة 1425هـ/ 2004م.
[2] انظر – مثلًا – الفصل الثالث من المرجع الذي أصدره البنك الدولي عن إستراتيجيات معالجة الفقر، وعنوانه:
“Monitoring and Evalnation” in: World Bank، Poverty Reduction Strategy Sourcebook،http:/ / www.worldbank.org/ poverty stratigies/ sour-cons.htm.