مشاهد من معركة حنين
مشاهد من معركة حنين
• ورد أن الله تعالى أعان المسلمين وأيدهم بجنود من عنده، فأرسل من السماء سحابة سوداء، فإذا فيها نمل أسود انبثَّ بين المشركين، فكانت الهزيمة.
• أدرك ربيعة السلمي جملًا عليه دريد بن الصمة، وكان كبير السن، فأناخ ربيعة بعيره، فقال دريد: ماذا تريد؟ قال: أقتلك، قال: ومن أنت؟ فانتسب له ربيعة، ثم ضربه بالسيف فلم يفعل به شيئًا، فقال دريد: بئس ما سلحتك به أمك، خذ سيفي فاضرب به واخفض عن الدماغ وارفع عن العظام، هكذا كنت أقتل الرجال، ثم قال له: إذا أتيت أمك فقل لها: إنك قتلت دريد بن الصمة، فرُبَّ يوم قد منعتُ فيه نساءك، فقتله، ثم أتى أمه وقص عليها الخبر، فقالت: والله لقد أعتق أمهات لك ثلاثًا، وكان دريد ذا رأي في الحرب وفنونها، لكنه لم يُستَشَرْ من قِبل مالك بن عوف الذي كان شابًّا متحمسًا، ويروى أن مالكًا جمع الناس بأوطاس للحرب ومعهم أموالهم ونساؤهم، فقال دريد: بأي واد أنتم؟ قالوا: بأوطاس، قال: نعم مجال الخيل، لا حزن ضرس، ولا سهل دهس – أي أرض مناسبة، ليس فيها صخر وحجارة، وليست طينية زلقة تعيق الخيل – ثم قال: ما لي أسمع رغاء البعير ونهاق الحمير ويعار الشاة وبكاء الصغير؟ قالوا: ساق مالك مع الناس المال والأهل، قال: يا مالك، إن هذا يوم له ما بعده، ما حملك على ما صنعت؟ قال: سقتهم مع الناس ليقاتل كل إنسان عن حريمه وماله، قال دريد: راعي ضأن والله، هل يردُّ المنهزمَ شيء؟ إن كانت لك لم ينفعك إلا رجل بسيفه ورمحه، وإن كانت عليك فضحتَ في أهلك ومالك، فقال: ما فعلت مالك وكلاب؟ قالوا: لم يشهدها منهم أحد، قال: غاب الجد والحد، لو كان يوم علاء ورفعة لم تغب عنه كعب ولا كلاب، وددت لو أنكم فعلتم ما فعلا، ثم قال: يا مالك، ارفع من معك إلى عليا بلادهم، ثم القَ الصباة – عنى بهم المسلمين – على الخيل، فإن كانت لك لحق بك من وراءك، وإن كانت عليك كنت قد أحرزت مالك وأهلك، قال مالك: والله لا أفعل ذلك، إن كنت قد كبرت، والله لتطيعنني يا معشر هوازن، أو لأتكئن على سيفي حتى يخرج من ظهري، فكره أن يكون لدريدٍ فيها ذِكر.
• لما كانت الصدمة الأولى لقبيلة هوازن وتراجع المسلمون وهرب بعضهم لا يلوي على شيء، أطل الشامتون برؤوسهم وأفصحوا عما في ضمائرهم، فقال أبو سفيان: لا تنتهي هزيمتهم دون البحر، وقال كلدة بن الحنبل – وهو أخو صفوان بن أمية لأمه -: الآن بطل سحرُ محمد، فقال صفوان: اسكت فض الله فاك، والله لأن يربَّني – يرأسني – رجل من قريش أحبُّ إليَّ من أن يربني رجل من هوازن، وقال شيبة بن عثمان: اليوم أدرك ثأري من محمد، وكان أبوه قتل بأحد، قال: فأردت به لأقتله، فأقبل شيء حتى تغشى فؤادي فلم أطق ذلك، ثم قال: فالتفت إليَّ رسول الله صلى الله عليه وسلم وقال: ((يا شيب، ادنُ مني))، ثم قال: ((اللهم أذهِبْ عنه الشيطان))، قال: فرفعت إليه بصري فإذا هو من أحب الناس إليَّ، فقال: ((يا شيب، قاتِلِ الكفَّار)).
• مرَّ الرسول صلى الله عليه وسلم بامرأة مقتولة، فقال: ((من قتلها؟))، قالوا: خالد بن الوليد، فقال لبعض من معه، أدرك خالدًا فقل له: إن رسول الله ينهاك أن تقتل امرأة أو وليدًا أو عسيفًا – أجيرًا.
• عن الحارث بن مالك قال: خرجنا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى حنين ونحن حديثو عهد بالجاهلية، قال: فسرنا معه حتى حنين، وكانت لكفار قريش ومن سواهم من العرب شجرة عظيمة خضراء يقال لها: ذات أنواط، يأتونها كل سنة يعلقون عليها أسلحتهم، ويذبحون عندها، ويعكفون عليها يومًا، قال: فرأينا ونحن نسير مع رسول الله صلى الله عليه وسلم سدرة خضراء عظيمة، قال: فتنادينا من جنبات الطريق: يا رسول الله، اجعل لنا ذات أنواط كما لهم ذات أنواط، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((الله أكبر، قلتم والذي نفسي بيده كما قال قوم موسى لموسى: ﴿ اجْعَلْ لَنَا إِلَهًا كَمَا لَهُمْ آلِهَةٌ قَالَ إِنَّكُمْ قَوْمٌ تَجْهَلُونَ ﴾ [الأعراف: 138]، إنها السَّنن، لتركبُنَّ سَنن مَن كان قبلكم)).
• تجمَّع بعض المشركين من هوازن الهاربين من المعركة بأوطاس، وهي قريبة من حنين، فأرسل إليهم رسول الله صلى الله عليه وسلم أبا عامر الأشعري عم أبي موسى، فقاتلهم، ثم رُمي بسهم فقُتل، وأخذ الراية أبو موسى الأشعري، ففتح الله على يديه، وهزَم المشركين، وعاد محملًا بالغنائم، وروي بتفصيل أكثر في البداية: أن أبا عامر الأشعري لقي يوم أوطاس عشرة إخوة، فبارز الأول بعد أن دعاه إلى الإسلام فأبى، فقال أبو عامر: اللهم إني أشهدك عليه، فقتله، ثم جاءه الثاني فقال ما قال للأول، فبارزه فقتله، إلى أن قتل تسعة، فجاء العاشر، فلما قال أبو عامر: اللهم إني أشهدك عليه، قال: اللهم لا تشهد عليَّ، فكف عنه أبو عامر، ثم أسلم فحسُن إسلامه، ثم تابع القتال، فرُمي بسهمين، فأصاب أحدهما القلب، والآخر ركبته، فقُتل.