محمد بن ناصر العجمي.. والدكتوراه المستحقة
محمد بن ناصر العَجْمي.. والدكتوراه المستحقة
الحمد لله الذي بنعمته تتمُّ الصالحات، والصلاةُ والسلام على خاتم الرسُل وسيِّد الكائنات. وبعدُ، فيسُرُّني اليوم أن أقدِّمَ هذه الكُليمةَ بين يدَي شيخٍ جليل، وعالمٍ نبيل، وأخٍ حبيب، لم أرَ له نظيرًا فيمَن عرفتُ أو صحبت.
نَهُومٌ لا يشبَعُ من علم، صَبورٌ لا يضجَرُ من عمل، جَليدٌ لا يَنِي ولا يفتُر، صَليبٌ لا تَلينُ له قناة.
ذلكم هو العالمُ المحقِّق الشيخ محمد بن ناصر العَجْمي، لا أخلى الله مكانه، وزاده المَولى مكانة.
أخذ العِلمَ عن أربابه، وارتحل في طلبه مُشَرِّقًا ومغرِّبًا، ومُشْئِمًا ومُنْجِدًا، فلم يكَدْ يدَعُ عالمًا من علماء عصره إلا نهلَ منه، ولا مِصرًا من أمصار العِلم إلا زاره وفاءَ بأوفى نصيبٍ منه، ولا مُسنِدًا إلا روى عنه، ولا إسنادًا إلا فازَ بالسند الأعلى منه، حتى لقد بلغَ الغايةَ التي دونها كلُّ غاية في هذه السبيل.
وقد غدا قِبلةَ العلماء والباحثين، وموردَ الطلَّاب والنابهين، ينهَلون من علمه، ويحظَون بإسناده وثبَته. فمنه تؤخَذ الإجازات، وعليه تقيَّد السماعات، وفي دارته تُعقَد المجالسُ العلمية بأعلى القراءات والروايات.
عرفتُه منذ أكثرَ من ثلاثين عامًا، ما أذكر عامًا منها تقضَّى دون أن يُـتحفَني بفيضٍ من إنجازاته، وعددٍ من تحقيقاته ومؤلَّفاته، وقد تجاوزت المئة بفضل الله ومَنِّه.
حتى إذا كان العامُ المنصرم فاجأني بسِفْره العظيم (الواردات والسَّوانح العلمية لعلَّامة الشام جمال الدين القاسمي) في مجلَّدين فخيمَين جليلين، يَرفُلان في حُلَّة قَشِيبة، كأنها العروسُ في مَجْلاها، يَزينُهما غلافٌ بلغ الغايةَ في الإبداع خطوطًا وصورًا وتصميمًا وترتيبًا، وقد بلغ عدد صفَحاتهما 1360 صفحة، ينطِقُ كل حرف فيها بجليلِ علم القاسمي، وجميلِ فضل العَجْمي.
وقد بذل الشيخُ العجمي قُصارَى جهده في سبيل إخراج هذا العمل الجليل؛ إذ أمضى خمسةَ أعوام ونصف عام يعيش فيه وله، يجمع أوراقه، وينسخ مخطوطاته، ويحقِّق نصوصه، ويعلِّق عليه. ثم عكفَ على المُذكِّرات اليومية قارئًا ودارسًا، ومحلِّلا ومبيِّنًا؛ ليُخرجَ فيها سِفْرًا قدَّمه بين يديها في مئتين وأربعين صفحةً، أضاءَت جوانبها، وأبرزت أهميَّتها، ورتَّبَت موضوعاتها.
ولعلَّ أجملَ ما في هذه الدراسة – فضلًا عن أسلوبها الأدبيِّ الجميل، وصياغتها العالية البديعة، وحُسن ترتيبها وتبويبها، وإلمامها بكلِّ جوانب مذكِّرات القاسمي – ما كان يتخلَّلها من أشعار، بلغَتِ الغايةَ في جمال وقعها، وبديع لفظها، وحُسن الاستشهاد بها، لِتنزلَ في حاقِّ موضعها، حتى يخالَ القارئ أن هذا البيتَ ما نُظِم حين نُظِم ولا أُنشِد حين أُنشِد إلا من أجل هذا الموضع.
فما أجملَ ما استشهد به، وما أحسنَ ما تخيَّر، واختيارُ الرجل وافدُ عقله، وقديمًا قيل:
“عقولُ الناس مدوَّنةٌ في أطراف أقلامهم، وظاهرةٌ في حُسن اختيارهم”.
السيف أصدق إنباء من الكتب
في حده الحد بين الجد واللعب
|
ولو أنَّ هذا العملَ الجليل قُدِّم وحدَه لأرقى الجامعات لنال به صاحبُه شهادةَ الدكتوراه. فما بالُكَ بعشَرات الأعمال التي سبقَته؟!
كلُّ ذلك إلى خُلقٍ أصيل، وأدبٍ جمٍّ نبيل، وحُسن معشَر، وجمال منظر ومَخبَر، وسماحةٍ وجودٍ وكرم، لا يُدانيه كرم. أحسَبُه كذلك والله حَسيبُه، ولا أزكِّي على الله أحدًا.
وحين عرَض عليَّ الأخُ الحبيب الوجيه الأريب محمد المزيني حفظه المولى ورعاه فكرةَ منح شيخنا العَجْمي شهادةَ الدكتوراه الفخرية رأيتُني – وقد غمرَتْني الفرحة – أُبادر بعرضها على الأخ المِفضال فضيلة الشيخ المُقرئ الأستاذ الدكتور وليد بن إدريس المنيسي رئيس الجامعة الإسلامية بمنيسوتا، فكان جوابُه جوابَ الذي عِندَهُ عِلمٌ مِّنَ الكتاب؛ سرعةً واستجابةً، وتهليلًا وترحيبًا. فجزاه الله عنَّا وعن علماء الأمَّة خيرَ الجزاء وأوفاه.
وبعدُ أخي الحبيبَ أبا ناصر:
فمَن كانت الشهاداتُ تَزينُه فأنتَ من يَزينُها.
ومَن كانت الألقابُ تشرِّفه فأنتَ من يشرِّفها.
ومَن كانت الأسانيدُ تعلو به فأنتَ من يعلو بها.
فَلْيَهْنِكَ العِلمُ الجليل، وَلْيَهْنِكَ الخلقُ النبيل، وليَهْنِكَ التكريمُ والتبجيل.
إنَّ القلوبَ وأنتَ مِلْءُ صَميمِها
رفعَتْ تَهانيها منَ الأعماقِ
فاهنَأْ بما قسَمَ المَليكُ مُردِّدًا
سُبحانَ ربِّي واهبِ الأرزاقِ
|
الكويت 3 شعبان 1445هـ
13/ 2/ 2024م
أ. د. محمد حسان الطيان
الشيخ العجمي في الوسط وعن يمينه كاتب الكلمة الدكتور الطيان
وعن يساره الشيخ نظام يعقوبي