حول كتاب قصتي مع المدينة الجامعية لمحمد بن عبدالعزيز الجريان
حول كتاب قصتي مع المدينة الجامعية لمحمد بن عبدالعزيز الجريان
بسم الله الرحمن الرحيم
من الكتابات التي تُثْرِي حياة الإنسان تلك التي يُسطِّرها مؤلِّفوها عن تجارِبَ مرَّت بهم في أثناء مسيرة حياتهم، سواء الشخصية أو العملية، بشرط أن يكون مؤلفوها ممن لهم أو كان لهم تأثير في محيط الحياة؛ ذلك أن تلك التجارب لم يكن مرورها على أولئك بالمرور السهل أو العادي، الذي يتمتع به أكثر الناس، وإنما عانوا خلاله صعوباتٍ ومواقفَ لم يكن من السهل اجتيازها، دون تضحيات فكرية ووقتية، إلى أن وصلت إلى ما وصلت إليه من ثراء معرفي، يعود بالنفع على القارئ، مع عدم إغفال النفع الذي حصل عليه صاحبها، سواء كان نفعًا ماديًّا أو معنويًّا، ويكفي من ذلك الرضا النفسي الذي يحيط بصاحبها عند تركه لِما كان بصدده، ولا شك أن من يكتب هذه التجارب يقدم خدمة جليلة قد تختصر على كثير من الناس منعطفاتٍ في حياتهم، كان ولا بد لهم من المرور عليها لولا ما استفادوه من قراءتهم لتلك التجارب، فوفَّرت عليهم أوقاتًا وجهودًا يضعونها في مسارات إنجازات أخرى، تعود بالنفع على مجتمعاتهم، ومن هذه الكتابات ما تفضَّل به محمد بن عبدالعزيز الجريان في مؤلَّفه المعنون بـ(قصتي مع المدينة الجامعية)، الذي صدر هذا العام 1445هـ، ويقصِد بالمدينة الجامعية (جامعة الإمام محمد بن سعود الإسلامية)، فقد رافق إنشاء هذه المدينة من الصفر كما يقولون، إلى أن اكتملت وما طرأ عليها بعد ذلك من تحسينات وإضافات، فقد عايشها تخطيطًا وتصميمًا، وتنفيذًا وإشرافًا، وتأثيثًا وتشغيلًا وصيانة، والثَّرِيُّ في هذه التجربة أن صاحبها من أوائل المهندسين الذين درسوا في الجامعات السعودية؛ حيث تخرج في جامعة الملك سعود، وعندما أراد الدخول في سوق العمل، كانت هذه المدينة تفتح ذراعيها للمهندسين السعوديين؛ ولذا فقد بدأت تجربته مع بداية إنشاء المدينة، ولا شك أن هذا التوافق يعطي القارئ انطباعًا بأنه سيدخل حتمًا في مجالات رحبة من التجارب الثرية؛ فهذا المهندس لديه من الطاقة والحماس ما يود أن يُفرِغه في سوق العمل بعد أن قضى سنواتٍ طوالًا في مقاعد الدراسة، وكانت هذه المدينة آنذاك لا تُرى منها سوى المساحات الشاسعة التي تُعَدُّ بملايين الأمتار المربعة، تنتظر من يضعها لبِنَةً لبنة، بإنجاز متقَن لا يشوبه الخلل، ولا يعتريه القصور، فهناك الجهات الرقابية التي لا تسمح بالقصور، ولا ترضى بالتراخي، فيبدأ هذا المهندس الناشئ مع فريق لا يقل عنه إخلاصًا وتفانيًا، ومسؤولين يحوطونهم بالرعاية والتشجيع، ليبدأ الجميع في نَظْمِ أول خيط في هذا المشروع العملاق.
يحدثنا المؤلف عن بدايات هذا المشروع متطرقًا لبعض الأمور الفنية الهامة، التي لا بد من ذكرها، ثم يدلُف إلى مراحله، وما احتاجت إليه كل مرحلة، والعقبات التي واجهت بعض المراحل، وتعاون الجهات الحكومية المختصة في سبيل تذليل الصعاب، كما يتحدث عن سفره لخارج البلاد مرارًا لغرض تأمين المستلزمات الإنشائية للمشروع، وما لاقاه من تشجيع وثقة أصحاب القرار، وهو بذلك يرد الفضل لأهله؛ حيث لم يَدَّعِ الإنجاز لنفسه فقط، مع أن القارئ يستشف من خلال قراءته للكتاب ما بذله المؤلف من وقت وجهد نفسيٍّ وبدنيٍّ، خلال مرافقته لهذا المشروع خاصة، وأنه كان في فترات طويلة من سنوات المشروع هو المسؤول الأول؛ باعتباره مديرًا للمشروع وللجهاز الفني في الجامعة.
إن من توفيق الله للمؤلِّف أنْ كانت خدمته في الدولة أغلبها في رحاب هذا المشروع الكبير، منذ أن تعين في 20/ 3/ 1401هـ، حتى تقاعد عن العمل في 15/ 12/ 1439هـ، ومن ثَمَّ فلا يوجد شخص آخر يمكنه التحدث عن المشروع، مثلما يتحدث عنه هو، وهذا ما دعا بعض معارفه أن يطلبوا منه كتابة تجربته، كما ذكر ذلك في مقدمة الكتاب؛ ومن ثَمَّ دعاه إلى الشُّروع في تأليف الكتاب لمعرفته بأن ما لديه قد يكون مفيدًا لمن يعمل في هذا المجال، وحتى من لا يعمل فيه، فإن الكاتب يبين له أن هناك الكثير من الشباب السعودي لا يقل عن غيره إتقانًا وإخلاصًا لعمله، وتفاعلًا معه، خاصة إذا أُتيحت له الفرصة، مثلما أُتيحت لمؤلِّف الكتاب، فالشكر له على هذا الجهد الذي بذله في سنوات خدمته، خاصة في مراحل المدينة الجامعية، ولم نَرَ منه إلا ما سطَّره، ولجهده في هذا الكتاب، والشكر للمسؤولين في الجامعة الذين وضعوا ثقتهم فيه، وشجَّعوه، وللزملاء الذين شاركوه هذه التجربة الثرية، وذَكَرَ أسماءهم في الكتاب.