Jannah Theme License is not validated, Go to the theme options page to validate the license, You need a single license for each domain name.
التاريخ الإسلامي

المستشفيات.. النشأة والإدارة في العصر الإسلامي


المستشفيات… النشأة والإدارة في العصر الإسلامي

عرفت الحضارة الإسلامية المستشفياتِ كدُورِ علاجِ المرضى والجرحى منذ فجر الإسلام، فصحَّةُ الإنسان والحفاظ عليها وعلاج أمراضها من أهم متطلبات الإنسان والحياة.

 

وتعتبر خيمة رُفيدةَ، وهي صحابية كانت تعالج الجرحى والمصابين محتسبة الأجر عند الله، في غزوة الخندق، وقد ذكرها الرسول صلى الله عليه وسلم بقوله حين إصابة سعد بن معاذ بسهم: ((اجعلوه في خيمة رفيدة حتى أعوده من قريب))[1].

 

وفي العهد الإسلامي، عُرفت المستشفيات باسم بيمارستان؛ وهي كلمة فارسية مكونة من كلمتين: (بيمار)؛ بمعنى مريض، و(ستان)؛ بمعنى دار أو مكان، فالكلمة تعني دار المرضى والمصابين، ثم اختصرت الكلمة في الاستعمال فصارت (مارستان)، واستمر هذا الاسم مستعملًا حتى العصر الحديث؛ حيث أُنشئ مستشفى أبي زعبل بضاحية القاهرة كأول مستشفى على النظام الحديث في مصر، عام 1825م.

 

نبذة عن بدايات الطب العربي الإسلامي:

عرف العرب والمسلمون الأوائل الطبَّ والمداواة، بل إن أم المؤمنين عائشة رضي الله عنها اشتهرت بالمداواة والطب؛ حيث يذكر الذهبي في تاريخ الإسلام:

قال عروة بن الزبير: “ما رأيت أعلم بالطب من عائشة، فقلت: يا خالة، من أين تعلمتِ الطب؟ قالت: كنت أسمع الناس ينعت بعضهم لبعض فأحفظه”[2].

 

وفي الموطأ عن زيد بن أسلم: ((أن رجلًا في زمن الرسول صلى الله عليه وسلم أصابه جرح، فاحتقن الجرح بالدم، وإن الرجل دعا رجلين من بني أنمار، فنظر إليهما فزعما أن رسول الله قال: أيكما أطبُّ؟ فقال: أو في الطب خير يا رسول الله؟ فقال رسول الله: أنزل الدواء الذي أنزل الأدواء)).

 

وروى أبو داؤود رحمه الله عن جابر رضي الله عنه قال: ((بعث النبي صلى الله عليه وسلم إلى أبِي طبيبًا، فقطع منه عرقًا)).

 

واشتهر من العرب قديمًا أطباء ومتطببون، بعضهم خلط بين الرُّقى والطب، وبعضهم تعلَّم الطب في فارس أو غيرها من البلاد المجاورة لجزيرة العرب، ثم عاد ممارسًا الطب، ومنهم الحارث بن كلدة وابنه النضر بن الحارث، تعلما الطب في جند يسابور من مقاطعة خوزستان أحد أقاليم فارس.

 

وكذلك أبو رمثة التميمي الذي كان جراحًا مشهورًا.

 

ويذكر ابن حجر العسقلاني في (الإصابة في تمييز الصحابة) الشمردلَ بن قباب الكعبي النجراني كأحد الأطباء المشهورين في زمن النبوة.

 

وزينب طبيبة بني أود كانت خبيرة بالعلاج، ومداواة العين والجراحات، مشهورة عند العرب.

 

ورأينا أن خيمة رفيدة في غزوة الخندق تعتبر أول مستشفى إسلامي، بل مستشفى عسكري، كانت رفيدة تعالج فيه المصابين والجرحى.

 

المستشفيات الإسلامية … نظرة إدارية:

قد يتعجب الكثيرون أن المستشفيات الإسلامية منذ نشأتها الأولى عَرَفت قواعد وعلوم الإدارة الحديثة، وطبَّقت أساسياتها؛ من تخطيط وتنظيم، ومراقبة أداء وتقييم، بل وتطبيق قواعد ومبادئ جودة الأداء.

 

فقد تم تقسيم المستشفيات الإسلامية إلى نوعين: ثابت ومحمول أو متنقل.

 

فالمستشفى الثابت هو المبنى المخصص للمستشفى بمفهومه، وكان منتشرًا في العواصم والمدن الكبرى؛ كالقاهرة وبغداد ودمشق.

 

ومن الآثار الباقية لهذه المستشفيات الآن البيمارستان المنصوري (قلاوون) بالقاهرة، والبيمارستان المؤيدي بالقرب من القلعة بالقاهرة أيضًا، والبيمارستان الكبير بدمشق، وبيمارستان أرغون بحلب.

 

أما المستشفى المحمول أو المتنقل، فهو يشبه القافلة العلاجية أو الإسعاف في الوقت الحاضر، وهو مستشفى متنقل من مكان لآخر في حال الأوبئة والحروب والكوارث.

 

ويرجح أن الحكَّام المسلمين هم أول من أوجد هذا النوع من المستشفى المتنقل، واعتنَوا به من الأوجه الإدارية التنظيمية؛ حيث جهَّزوه بكافة ما يلزم المرضى من أدوية وأطعمة وملبس وأطباء، بل إن المسلمين سبقوا الغرب في علاج ورعاية المرضى من المساجين بالمرور عليهم للعلاج، أو نقلهم إلى هذه المستشفيات المتنقلة للرعاية والعلاج، وكان أول من اتخذ هذا القرار هو الوزير علي بن عيسى بن الجراح أثناء تقلده الدواوين للخليفة المقتدر بالله العباسي؛ فقد كتب ابن عيسى إلى سنان بن ثابت الذي يتقلد بيمارستانات بغداد بأن المرض والوباء انتشر في الحبوس (المساجين)، ولا بد من علاجهم ورعايتهم[3].

 

ومن ناحية التنظيم الإداري، قسم المستشفى الإسلامي إلى قسمين منفصلين؛ قسم للذكور وآخر للإناث، وجُهِّز كل قسم بما يحتاجه من أبنية وأجهزة ومعدات، وخدم وفرَّاشين[4].

 

كما عرف المستشفى الإسلامي التقسيمَ حسب تخصصات الطب أو نوعية المرض، فهناك قاعة للأمراض الباطنة، وقاعة للجراحة، وقاعة للتجبير والكسور، وأخرى للكحالة وأمراض العيون.

 

بل إن الأمراض الباطنة عرفت التقسيم حسب تصنيف المرضى؛ فهناك قسم للمحمومين أو المصابين بالحمى، وقسم لمن به إسهال، وقسم للممرورين أو مرضى (مانيا) أو الجنون[5].

 

واتسمت قاعات المرضى بحسن البناء والتهوية، وكان الماء فيها جاريًا، وكان لكل بيمارستان صيدلية تسمى (شرابخانه)، ولها رئيس يسمى شيخ صيدلي البيمارستان، وللبيمارستان رئيس يسمى ساعور البيمارستان.

 

التنظيم الإداري للمستشفيات الإسلامية:

كان للبيمارستان ناظر يشرف على إدارته، وكانت هذه الوظيفة من الوظائف المحترمة عالية المكانة في الوظائف الديوانية؛ حيث يقول أحمد القلقشندي: “من الوظائف الديوانية نظر البيمارستان، وكان مرتبطًا بالنائب – أي نائب السلطان – يفوض إليه من يختاره”[6].

 

وكان التنظيم الإداري للبيمارستان الإسلامي كما يلي:

رئيس الأطباء: وهو الذي يحكم على طائفة الأطباء، ويأذن لهم في الطب وينظم العمل بينهم.

رئيس الكحالين: وحكمه على طبقة الكحالة حكم رئيس الأطباء في طبقة الأطباء.

رئيس الجراحية: وهو المسؤول عن الجراحين والْمُجَبِّرين[7].

 

ويُذكَر أن وظائف الأطباء كانت من أعظم الوظائف في الدولة الفاطمية بمصر، فكانت رياسة الطب من الدرجة الأولى لإمرة المجلس.

 

ومن الوظائف عظيمة القدر والمكان، الطبيب الخاص، وهو طبيب الخليفة أو السلطان، وكان مقيمًا بالقصر، ويساعده بعض الأطباء.

 

وعرفت المستشفيات الإسلامية توظيف وتعيين الأطباء بنظام التواقيع من ناظر البيمارستان، بتعيينهم وتوزيعهم على البيمارستانات المختلفة.

 

كما قدرت الدولة الإسلامية للأطباء أرزاقهم أو رواتبهم، واختلفت حسب درجة الطبيب، من أطباء الخاصة (الخليفة أو السلطان)، وأطباء القصر، وأطباء البيمارستان.

 

نظام العلاج والتعليم الطبي.

 

عرفت المستشفيات الإسلامية الأولى النظام المتبع الآن عالميًّا في المستشفيات، فقد كان هناك المريض الخارجي الذي يعالجَ فيما يعرف الآن بالعيادات الخارجية، والمريض الداخلي المنوم بالمستشفى، وكان لكل قسم طبيب أو اثنان أو ثلاثة حسب احتياج القسم وعدد المرضى، وهو ما يعرف الآن في الطب الحديث (الطبيب المقيم).

 

وعرفت البيمارستانات كذلك الدروس الإكلينيكية، والمرور على المرضى المنومين، المطبَّقة الآن في المستشفيات الجامعية وكليات الطب؛ فقد ذكر أبو العباس بن أبي أصيبعة في كتابه: “كنت بعدما يفرغ الحكيم مهذب الدين، والحكيم عمران من معالجة المرضى المقيمين بالبيمارستان، وأنا منهم، أجلس مع الشيخ رضي الدين الرحبي، فأعاين كيفية استدلاله على الأمراض، وما يصنعه للمرضى، وما يكتب لهم، وأبحث معه في كثير من الأمراض ومداواتها، وقد كان معه الحكيم عمران، وهو من أعيان وكبار الأطباء فتتضاعف الفائدة”[8].

 

ولقد كان للطبيب الحرية التامة في العمل والتجريب، واستنباط الأساليب المناسبة للعلاج، وكانت التجارب تدوَّن في كتب خاصة يقرؤها جمهور الأطباء؛ ومن هذه الكتب: كتاب الطبيب أبي البيان المدور المتوفى بالقاهرة 580 هجريًّا، وكذلك كتاب الطبيب الشهير محمد بن زكريا الرازي (قصص وحكايات المرضى)، ومنه نسخة محفوظة في خزانة كتب بودليان في أكسفورد، وقد طبع الدكتور العالم المستشرق مكس مايرهوف جزءًا منه.

 

هذا استعراض سريع لتاريخ المستشفيات الإسلامية، التي عرفت التنظيم الإداري بعلومه الحديثة، وطبقت أساسيات الإدارة من تخطيط وتنظيم، ومتابعة وأداء، وعرفت التعليم الطبي والدروس الإكلينيكية في سبق لأنظمة الطب الحديث.


[1] صحيح البخاري.

[2] تاريخ الإسلام للذهبي، ص: 138.

[3] ابن القفطي، ص: 193.

[4] طبقات الأطباء لابن أبي أصيبعة، ج 1، ص 310.

[5] المصدر السابق ج2 ص 260.

[6] صبح الأعشى للقلقشندي، ج4، ص 184.

[7] المصدر السابق ج 5، ص 467.

[8] طبقات الأطباء لابن أبي أصيبعة، ج1، ص 179.





المصدر

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى