Jannah Theme License is not validated, Go to the theme options page to validate the license, You need a single license for each domain name.
التاريخ الإسلامي

أصول الاقتصاد الإسلامي


عرض كتاب

أصول الاقتصاد الإسلامي

تأليف: الدكتور محمد بن علي القري – أستاذ الاقتصاد في جامعة الملك عبدالعزيز.

دار النشر: دار الحافظ للنشر والتوزيع.

عدد الصفحات: 200 صفحة.

 

يؤكِّد الدكتور محمد بن علي القري في كتابه أنَّ النِّظام الاقتصاديَّ الإسلامي وُلِد مع بُزوغ نور الهِداية في الرِّسالة المحمَّدية، ومصادر هذا النِّظام هي القُرآن الكريم والسُّنة النبوِيَّة المطهَّرة، والأحكام الفقهيَّة المُتراكِمة، وأصول التَّشريع المعتمَدة؛ حيث يستجيب للحاجات المتجدِّدة لمجتمع الإسلام.

 

النِّظام الاقتصادي الإسلاميُّ يُستمَدُّ من دين الإسلام؛ ولذلك فهو معتَمِد على وحْي ربِّ العباد إلى خير العباد؛ وبذلك يتفوَّق هذا النِّظام الربَّانِيُّ على أيِّ نظامٍ صنعَتْه عقول البشَر أو أهواؤهم، وهو نظامٌ شامل؛ لأنَّ دين الإسلام دينٌ شامل، يُنظِّم علاقة العبد بربِّه، وعلاقته بإخوانه في المُجتمَع، حيث قدَّم القواعد لكلِّ أنواع العلاقات والمعاملات الاقتصاديَّة في مجالات المِلْكيَّة، والحُرِّية، والعدالة، والضَّمان الاجتماعيِّ، وتدَخُّل الحكومة، وتَوازُن المصالح، ونظَّم شؤونَ الفَرْد والجماعة والدُّول في مختلف النَّواحي الشخصيَّة والعائلية، والاجتماعيَّة والسِّياسية والاقتصادية في السِّلْم والحَرْب، وبيَّن الحلال والحرام في المُعامَلات اليوميَّة في البيع والرِّبا والمَيْسِر، والزَّكاة والإنفاق، والقَرْض والاكْتِناز، والعمَل بأجرٍ والميراث، وغيرها الكثير.

 

ومِن ثَمَّ لم يَعُد سلوك الفرد المسلمِ ضِمْنَ مُجتمع الإسلام سلوكًا يَرْجع في حوافزه ونوازعه إلى قُوَى الطَّبيعة وإلى غَرِيزة الحيوان، كما تَزْعم الأنظمة الوضعيَّة، ولكنَّه قدَّمَ نموذجًا لانتصار العقيدة على الغرائز والشَّهوات، فأصبح التَّهذيبُ الإسلاميُّ هو “طبيعةَ” المسلم، الذي يحقِّق له الانسجام التامَّ مع هذا النِّظام الربَّاني، بطريقةٍ تضمن سعادةَ الدُّنيا ونعيمَ الآخرة.

 

الاقتصاد الإسلامي والمشكلة الاقتصادية:

تعدُّ نُدْرة الموارد من أبرز المُشكِلات الَّتي تُواجه مُختلِف الأنظمة الاقتصاديَّة من الناحيَّة العمَلِيَّة؛ ذلك أنَّه مهما تعدَّدَت أو اختلفَتْ أهداف النِّظام، فالمُجتمَع يحتاج في المُحصِّلة النهائيَّة إلى الموارد الاقتصاديَّة لتحقيق تلك الأهداف.

 

ففي النِّظام الرأسمالي تتمُّ مواجهة المُشكِلة الاقتصاديَّة عن طريق آليَّة السُّوق؛ إذْ يؤدِّي نظام الأسعار (الذي يَعْمل بشكلٍ حرٍّ، بعيدًا عن الاحتِكار والتدخُّل الحكومي) إلى تحديد سعرٍ لكلِّ سلعة أو خدمة، ولكلِّ مورد اقتصادي، لكن واقع التطبيق العملي لمبادئ الرأسمالية مليءٌ بالنَّواقص والعيوب؛ حيث تتَّجِهُ الموارد الاقتصاديَّة لإنتاج سلع التَّرف والرفاهية، بعيدًا عن إنتاج السِّلَع الضروريَّة مثل وسائل المُواصَلات العامَّة، أو فُرَص التَّعليم… إلخ.

 

لكن يتبنَّى نظامُ الاقتصاد الإسلاميّ طرقًا متميِّزةً عن الأنظمة الوضعيَّة الأخرى لِمُواجَهة المشكلة الاقتصاديَّة، لم تقتصر على جانب الموارد، بل تتخطَّى ذلك إلى الجانب الآخَر من المشكلة الاقتصاديَّة، وهو جانب الرَّغبات، التي تعمل على تهذيبها وتقويمها، كما يلي:

أ – الاقتصاد في استخدام الموارد: حثَّ الإسلامُ أفرادَ المُجتمَعِ المسلم على الاقتصاد في استخدام الموارد، وتوفير مال الأُمَّة، والتدبير بحِفْظ أصل ثَرْوة المجتمع والعمل على تنميتها، والادِّخار من كَسْب اليوم؛ ليكون عونًا على حاجة الغد.

 

ب – حرية السُّوق: سبَق النِّظام الإسلاميُّ كافَّة النُّظم إلى التأكيد على حُرِّية التعامل السوقيِّ؛ لِما لذلك من أثَر فعَّال على كَفاءة النَّشاط الاقتصاديِّ، والتَّخصيص الأمثل للموارد الاقتصاديَّة؛ كطريقة فعَّالةٍ لِمُواجهة المشكلة الاقتصاديَّة، فجَعل الأصلَ عدمَ التَّسعير؛ بل ترك السعر يتحدَّد اعتمادًا على قوى العَرْض والطَّلَب.

 

ج – تكييف الحاجات وعدم المبالغة في الرغبات: فبَيْنما نَرى النِّظام الرأسمالِيَّ يطلق العِنان لِتَنافُس الأفراد في معدَّلات التَّرَف والبَذَخ والاستِهْلاك العالي، ونَرى النظام الاشتراكيَّ يَعْمل على مَنْع الأفراد من استِخْدام هذه السِّلَع عن طريق حِرْمانهم منها ابتداءً – نرى في النِّظام الإسلامي حثًّا على تَكْييف الحاجات؛ عن طريق توجيه السُّلوك الفرديِّ ذاته، فالأَصْل أنَّ الفرد حرٌّ في أن يُحدِّد أولوِيَّاته الاستهلاكيَّة ضمن المباح، ثُم هو يحرص فوق ذلك على الابتعاد عن التَّرَف والإسراف، وقد تضمَّن النِّظام الاقتصاديُّ الإسلامي عددًا من القواعد السُّلوكيَّة والمبادئ، أبرَزُها اقتصار الاستهلاك على الطَّيبات، والنهي عن التبذير، والحَثُّ على التَّواضع.

 

د – الاستعانة بالتقوى والدعاء: اختص المولى – عزَّ وجلَّ – الأُمَّة المحمديَّة بسلاح ماضٍ ضدَّ النُّدرة، وهو الدُّعاء، فقد بيَّن القرآن الكريم أثرَ الدُّعاء وأثر التَّقْوى على نوعيَّة وكمية الموارد الاقتصاديَّة المتاحة، فقال – عزَّ وجلَّ -: ﴿ فَقُلْتُ اسْتَغْفِرُوا رَبَّكُمْ إِنَّهُ كَانَ غَفَّارًا * يُرْسِلِ السَّمَاءَ عَلَيْكُمْ مِدْرَارًا ﴾ [نوح: 10 – 11].

 

الإسلام ومسألة توزيع الموارد:

تتَّجِه أساليب التوزيع التي يتبَنَّاها النِّظام الإسلاميُّ إلى تحقيق ثلاثة أهداف رئيسيَّة:

الأوَّل: تحقيق العَدالة في التَّوزيع بين أَفْراد الأُسْرة الواحدة، ثُم بَيْن أفراد المُجتمَع، ثم بين المجتمعات الإسلاميَّة، وهذا هدف أوَّلِيٌّ للنِّظام بِرُمَّته.

 

الثَّانِي: تَكافُؤ الفُرَص بِتَوفير الأوضاع التي تُؤدِّي إلى حصول كلِّ مجتهِدٍ وكل عاملٍ على المُكافَأة العادلة على جهده وعمَلِه؛ من خلال مَنْع الاحْتِكار، وضمان حريَّة التعامل والتَّعاقد، وتحريم الرِّبا والغرَر، والغشِّ والقمار، التي تؤدِّي إلى أكْل أموال الناس بالباطل.

 

الثَّالث: تَحْقيق التَّكافل الاجتماعيِّ؛ ذلك أنَّه تَبْقى – بعد كلِّ ذلك – فئةٌ من أفراد المُجتمَع تَعْجِز لسببٍ دائم أو مؤقَّت عن الحصول على قدرٍ كافٍ من الدَّخْل، فهنا تأتي الترتيبات الخاصَّة بالتكافل الاجتماعي التي تَعْمل على تحقيق قدر كافٍ من التحويلات الداخليَّة من الفئات القادرة إلى العاجزة، وضمان الرِّعاية للضَّعيف والمُحتاج والعائل، ويُمْكِن تَلْخيص ذلك في قول عُمرَ بنِ الخَطَّاب – رضي الله عنه -: “ليس أحَدٌ أحَقَّ بهذا المال من أحد، إنَّما هو الرَّجُل وسابقته، والرَّجل وغَنَاؤه، والرجل وبلاؤه، والرجل وحاجته”.

 

ويعرج المؤلِّفُ إلى تناول الوظيفة الاجتماعيَّة للزَّكاة، ويشير إلى أنَّه رغم حِرْص بعض الحُكومات على ما يُسمَّى بالعدالة الضريبيَّة؛ أيْ: توزيع العِبْء بطريقةٍ تُحقِّق هدف التوزيع الأكثر عدلاً للدَّخْل؛ فإنَّ جُلَّ الضرائب يقع على الدُّخول، وليس على الثَّروات، ويفتَرض أنَّ إخضاع الدَّخل المتولِّد من الثَّروة كافٍ لتحقيق العَدالة، لكن الواقع يدلُّ على أنَّ السبب الرئيسيَّ للتفاوت في الدُّخول هو التفاوت في توزيع الثَّروة.

 

فقَدْ وُجِد في الولايات المتحدة أنَّ 1% من السُّكان يَمْتلكون 19% من الثَّروة؛ بل إنَّ 0,5 % يَمْتلكون 14% من الثروة؛ ولذلك فلا سبيل لتحقيق التوزيع العادل للدَّخْل دون التَّوزيع العادل للثَّروة، وبينما اكتشفَت المجتمعاتُ هذه الحقيقةَ في العصر الحديث فقَطْ، فقَدْ جاءت الزَّكاة كأداةِ تَحْويل لا تَقْتصر على الدَّخل فقط، بل تُمثِّل اقتطاعًا من الثَّروة؛ ولذلك فإنَّها تساعد على علاج الأسباب الأساسيَّة لعدم العدالة في توزيع الدَّخْل.

 

وللزَّكاة وظيفةٌ اجتماعيَّة هامة، وهي نَشْر الرَّخاء على جميع أفراد المُجتمَع، وإعادة توزيع الدَّخل بينهم؛ ولذلك لَم يَجُز أن تُستخدَم حصيلةُ الزَّكاة في بناء المساجد، أو إنشاء الطُّرق، أو تمويل نفَقات الحكومة؛ لأنَّ أوجُهَ الإنفاق المذكورةَ لا تُمثِّل إعادة توزيعٍ من الغنِيِّ إلى الفقير، بل تُمثِّل استثماراتٍ، ربَّما يستفيد منها الغنِيُّ أكثر من الفقير.

 

فإعادة توزيع الدَّخل والثَّروة من فئة الأكثر غِنًى إلى الأكثر فقرًا – هي هدَفٌ مهم للزَّكاة، كما تختلف الزَّكاة عن القُروض الماليَّة في الأديان الأخرى، والَّتي تُستخدَم لإثراء رجال الكنيسة، والصَّرف على الأُبَّهة والبذَخ في الشَّعائر، بينما الحاجات الأساسيَّة لأفراد المجتمع مهملة.

 

النِّظام النقديُّ والمصرفي الإسلامي:

إنَّ الترتيبات التي يتبَنَّاها النِّظام الإسلاميُّ للنُّقود والمَصارف تَخْتلف اختلافًا جوهريًّا عنها في الأنظمة الأُخْرى؛ فمِن جهة أنَّ النُّقود بحدِّ ذاتِها ليست مصدرًا للدَّخْل؛ لأنَّ الدُّخول إنَّما تتحقَّق للأفراد من العمل والاجتهاد، وتحمل مُخاطرة الأعمال التِّجارية؛ ولذلك ليس في مجتمَعِ الإسلام فئةٌ تعيشُ من خلال النُّقود على جهد وعرق الآخَرين، ومن جهةٍ أُخْرى تَبْدو الوساطة المالية حاجة ضرورية؛ إذْ إنَّ المُجتمَعات الإنسانيَّة – منذ الأزَل – قد تبنَّتْ ترتيباتٍ مُختلفةً لِتَوفير هذه الخدمة؛ ففي النِّظام الرَّأسمالي تقوم الوساطة الماليَّة على صيغة القَرْض؛ حيث يَقْترض المصرف من المُودِعين، ثُم يُقْرِض المُستثمِرين، ثم يحقِّق دخْلَه – أيْ: المصرف – من خلال الزِّيادة الربويَّة المشروطة في القُروض.

 

إنَّ نظام الفائدة الَّذي هو عين الرِّبا المَقْطوع بِحُرمته – يؤدِّي إلى مَفاسدَ كثيرةٍ، خصوصًا على مُستوى تَوزيع الدُّخول والثروات؛ لذا تَتناقض هذه الصِّيغةُ الرأسماليَّة مع النِّظام الإسلامي؛ حيث يضَعُ النِّظام الإسلاميُّ صيغًا للوساطة الماليَّة تقوم على صيغة الشَّركة؛ أيِ: اشتِراك جميع الأطراف في المَخاطر المُتضمَّنة في النَّشاط الاستِثْماري، ثُم اقتِسامهم ما يتحقَّق من رِبْح، أو تحمّلهم جَميعًا ما يلحق بالعمليَّة من خسارة، ويقدم عقْدُ المُضاربة صيغةً مُلائمة للوساطة الماليَّة من المنظور الإسلاميِّ، وتحقِّق هذه الصِّيغة تفوُّقًا على النِّظام الربويِّ، خاصَّة على مستوى العدالة وعلى مستوى الكفاءة.





المصدر

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى