Jannah Theme License is not validated, Go to the theme options page to validate the license, You need a single license for each domain name.
التاريخ الإسلامي

مفهومه في اللغة والاصطلاح وفي القرآن الكريم، والفرق بينه وبين الخلاف


الاختلاف: مفهومه في اللغة والاصطلاح وفي القرآن الكريم

والفرق بينه وبين الخلاف

 

أولًا: الاختلاف لغة واصطلاحًا:

لغةً:

الاختلاف لغة على وزن افْتِعَال، والخلاف والاختلاف في اللغة: ضد الاتفاق؛ قال الراغب الأصفهاني: “الخلاف والاختلاف في اللغة ضد الاتفاق، وهو أعمُّ من الضد، لأن كل ضدين مختلفان، وليس كل مختلفين ضدين”[1].

 

وابن فارس جعل لمادة (خلف) ثلاثة أصول[2]: أحدهما؛ أن يجيء شيء بعد شيء يقوم مقامه، والثاني خلاف قُدَّام، والثالث التغيُّر.

 

ويقصد بالأصل الأول: الخلف وهو: ما جاء بعدُ، ومثال على ذلك الخلافة: إنما سميت خلافة؛ لأن الثاني يجيء بعد الأول قائمًا مقامه.

 

ويقصد بالأصل الثاني: الخَلْف وهو عكس القُدَّام، يُقال: هذا خلفي، وهذا قُدامي.

 

أما الأصل الثالث فيُقصد به: الخُلُوف، يقولون خلف فوه إذا تغيَّر وأخلف؛ وهو قوله صلى الله عليه وسلم: ((لَخُلُوف فم الصائم أطيب عند الله من ريح الْمِسْك)).

 

وقد أدخل ابن فارس الاختلاف في الأصل الأول؛ يقول: “وأما قولهم: اختلف الناس في كذا، والناس خِلْفَة؛ أي مختلفون، فمن الباب الأول؛ لأن كل واحد ينحِّي قول صاحبه، ويقيم نفسه مقام الذي نحَّاه”[3].

 

هذا المثال من ابن فارس يُوحي إلى أن الاختلاف بمعنى المجادلة والمنازعة.

 

الاختلاف في الاصطلاح:

عرفه الجرجاني[4](ت816ه): “الخلاف: منازعة تجري بين المتعارضين لتحقيق حقٍّ أو إبطال باطل”[5].

 

عرفه الفيومي[6] (ت: نحو 770ه): “تخالَفَ القوم: اختلفوا، إذا ذهب كل واحد إلى خلاف ما ذهب إليه الآخر، وهو ضد الاتفاق”[7].

 

عرفه الكفوي (ت: 1094 ه)[8]: “الاختلاف: هو أن يكون الطريق مختلفًا، والمقصود واحدًا، وفرقٌ بينه وبين الخلاف”[9].

 

عرفه المناوي[10]: “الاختلاف: افْتِعال من الخُلْف؛ وهو ما يقع من افتراق بعد اجتماع في أمر من الأمور”[11].

 

ثانيًا: الفرق بين الخلاف والاختلاف:

فرَّق جميل صليبا في معجمه الفلسفي بين الخلاف والاختلاف، قال: “الفرق بين الخلاف والاختلاف أن الأخير يُستعمل في القول المبنيِّ على دليل، على حين أن الخلاف لا يُستعمل إلا فيما لا دليل عليه”[12].

 

وهذا التفريق سبقه إليه أبو البقاء الكفوي في كلياته؛ حيث فرق بين الخلاف والاختلاف؛ قال:

“والاختلاف: هو أن يكون الطريق مختلفًا والمقصود واحدًا، والخلاف: هو أن يكون كلاهما مختلفًا.

 

والاختلاف: ما يستند إلى دليل، والخلاف: ما لا يستند إلى دليل.

 

والاختلاف من آثار الرحمة، والخلاف من آثار البدعة”[13].

 

وهناك من يرى[14] أن التفرقة بين الخلاف والاختلاف بهذا الاصطلاح الذي ذكره أبو البقاء الكفوي وغيره، لا يستند إلى دليل لغوي ولا إلى اصطلاح فقهي؛ إذ إن هذا الفرق قد يكون مسلَّمًا في جانب اختلاف الطريق مع اتحاد المقصود، وأما تخصيص الأول بالدليل دون الثاني، فهو أمر غريب ما لم يقُمْ عليه بيِّنة من استقراء عام، أو شبه عام، لتمَوْضُع كلمة الخلاف والاختلاف في السياقات الجُمَلِيَّة.

 

ومجرد النظر إلى حديث ((تطاوعا ولا تختلفا))[15] – مثلًا – لا يدل على المقصود، وكذلك قوله تعالى: ﴿ وَلَا يَزَالُونَ مُخْتَلِفِينَ * إِلَّا مَنْ رَحِمَ رَبُّكَ ﴾ [هود: 118، 119]، قد يأتي بعكس دعواه رحمه الله؛ لأن الرحمة هنا قَيدٌ في عدم حصول الاختلاف؛ فدلَّ أن الاختلاف ليس رحمة في نفسه.

 

وكذلك القول في تضمين البدعة فيه – أي الخلاف – فالخلاف والاختلاف نتيجة مع مقدمة، أو قُلْ: جزء مع كل!

 

وإن وجدت بعض الأفراد يصدُق عليها دعوى الكفوي رحمه الله في التفرقة، فإنها لن تصدق على الباقي منها.

 

وعليه يظهر ضعفُ التفرقة.

فالخلاف والاختلاف في اللغة ضد الاتفاق، فهما بمعنى واحد، ومادتهما واحدة.

 

ومما يدل على ذلك أن استعمال الفقهاء للفظين لا يفرِّقون بينهما، كما بيَّن ذلك الدكتور محمد الروكي؛ قال: “والملحوظ في استعمال الفقهاء أنهم لا يفرِّقون بين الخلاف والاختلاف؛ لأن معناهما العام واحد، وإنما وُضعت كل واحدة من الكلمتين للدلالة على هذا المعنى العام من جهة اعتبار معين، وبيان ذلك أننا إذا استعملنا كلمة (خالف)، كان ذلك دالًّا على أن طرفًا من الفقهاء شخصًا أو أكثر جاء باجتهاد مغاير لاجتهاد الآخرين، بغض النظر… ولهذا لا تجد فرقًا بينهما في استعمال الفقهاء”[16].

 

وهناك من ذهب إلى الاختلاف لا يعني الخلاف، وأن الخلاف نوع من أنواع الاختلاف[17].

 

ثالثًا: مفهوم الاختلاف في القرآن الكريم:

ذهب أبو البقاء الكفوي إلى أن الاختلاف في القرآن هو اختلاف تلاؤم، وهو ما يوافق الجانبين؛ كاختلاف وجوه القرآن، ومقادير السور والآيات، والأحكام من الناسخ والمنسوخ، والأمر والنهي، والوعد والوعيد[18].

 

وتوصلت الباحثة سعاد محمد مطيع في رسالتها (الاختلاف في القرآن الكريم دراسة موضوعية) إلى أربعة معانٍ للاختلاف في القرآن الكريم:

الأول: التنازع؛ قال الله تعالى: ﴿ فَإِنْ تَنَازَعْتُمْ فِي شَيْءٍ فَرُدُّوهُ إِلَى اللَّهِ وَالرَّسُولِ إِنْ كُنْتُمْ تُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ ذَلِكَ خَيْرٌ وَأَحْسَنُ تَأْوِيلًا ﴾ [النساء: 59]؛ يقول الإمام الطبري في تفسيره: “يعني بذلك جل ثناؤه: فإن اختلفتم – أيها المؤمنون – في شيء من أمر دينكم…”[19].

 

الثاني: التعاقُب؛ قال الله تعالى: ﴿ إِنَّ فِي خَلْقِ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَاخْتِلَافِ اللَّيْلِ وَالنَّهَارِ وَالْفُلْكِ الَّتِي تَجْرِي فِي الْبَحْرِ بِمَا يَنْفَعُ النَّاسَ وَمَا أَنْزَلَ اللَّهُ مِنَ السَّمَاءِ مِنْ مَاءٍ فَأَحْيَا بِهِ الْأَرْضَ بَعْدَ مَوْتِهَا وَبَثَّ فِيهَا مِنْ كُلِّ دَابَّةٍ وَتَصْرِيفِ الرِّيَاحِ وَالسَّحَابِ الْمُسَخَّرِ بَيْنَ السَّمَاءِ وَالْأَرْضِ لَآيَاتٍ لِقَوْمٍ يَعْقِلُونَ ﴾ [البقرة: 164]؛ يقول ابن عاشور في تفسيره لهذه الآية: “فهذا هو المراد باختلاف الليل والنهار؛ أي: تعاقبهما وخلف أحدهما الآخر…”[20].

 

الثالث: التناقض؛ قال الله تعالى: ﴿ أَفَلَا يَتَدَبَّرُونَ الْقُرْآنَ وَلَوْ كَانَ مِنْ عِنْدِ غَيْرِ اللَّهِ لَوَجَدُوا فِيهِ اخْتِلَافًا كَثِيرًا ﴾ [النساء: 82]؛ يقول ابن عطية في تفسيره لـ﴿ اخْتِلَافًا كَثِيرًا ﴾: “وظهر فيه التناقض والتنافي الذي لا يمكن جمعه”[21].

 

الرابع: التنوع؛ قال الله تعالى: ﴿ وَمِنْ آيَاتِهِ خَلْقُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَاخْتِلَافُ أَلْسِنَتِكُمْ وَأَلْوَانِكُمْ إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآيَاتٍ لِلْعَالِمِينَ ﴾ [الروم: 22]؛ يقول ابن عاشور في تفسيره لهذه الآية: “واختلاف لغات البشر آية عظيمة، فهم مع اتحادهم في النوع كان اختلاف لغاتهم آيةً دالةً على ما كوَّنه الله في غريزة البشر من اختلاف التفكير، وتنويع التصرف في وضع اللغات، وتبدل كيفياتها باللهجات والتخفيف، والحذف والزيادة، بحيث تتغير الأصول المتحدة إلى لغات كثيرة”[22].


[1] المفردات في غريب القرآن، الراغب الأصفهانى، أبو القاسم الحسين بن محمد (المتوفى: 502 هـ)، تحقيق: محمد سيد كيلاني، كتاب الخاء، مادة: خلف، (ص 155)، دار المعرفة لبنان.

[2] معجم مقاييس اللغة، ابن فارس، أحمد، أبو الحسين بن زكَرِيّا (المتوفى: 395هـ)، تحقيق: عبد السَّلام محمد هَارُون، كتاب الخاء، مادة: خلف، (2/ 170)، اتحاد الكتاب العرب، 1423هـ – 2002م.

[3] معجم مقاييس اللغة، كتاب الخاء، مادة: خلف، (2/ 172).

[4] علي بن محمد بن علي، المعروف بالشريف الجرجاني: فيلسوف، من كبار العلماء بالعربية، له نحو خمسين مصنفًا؛ منها: “التعريفات”، و”شرح مواقف الإيجي”، وغيرها، توفي سنة 816هـ، ينظر: الأعلام، خير الدين الزركلي الدمشقي (ت: 1396 هـ)، (5/ 7)، دار العلم للملايين، الطبعة الخامسة عشر: 2002م.

[5] كتاب التعريفات، الشريف الجرجاني، علي بن محمد بن علي الزين (المتوفى: 816هـ)، ضبطه وصححه جماعة من العلماء، (ص: 101) دار الكتب العلمية بيروت – لبنان، الطبعة الأولى: 1403هـ -1983م.

[6] أحمد بن محمد بن علي ‌الفيومي ثم الحموي، أبو العباس: لغوي، اشتهر بكتابه (المصباح المنير)، وُلِد ونشأ بالفيوم (بمصر)، ورحل إلى حماة (بسورية) فقطنها … توفي نحو 770هـ؛ [ينظر: الأعلام للزركلي، (1/ 224)].

[7] المصباح المنير في غريب الشرح الكبير، الفيومي، أبو العباس أحمد بن محمد بن علي (المتوفى: نحو 770 هـ)، دراسة وتحقيق: يوسف الشيخ محمد، كتب الخاء، مادة خلف، (ص: 95)، المكتبة العصرية.

[8] أيوب بن موسى الحسيني القريمي ‌الكفوي، أبو البقاء: صاحب (الكليَّات)، كان من قضاة الأحناف، عاش ووَلِيَ القضاء في (كفه) بتركيا، وبالقدس، وببغداد، وعاد إلى إستانبول فتُوفِّيَ بها سنة 1094هـ؛ [ينظر: الأعلام للزركلي، (2/ 38)].

[9] الكليات معجم في المصطلحات والفروق اللغوية، الكفوي، أبو البقاء أيوب بن موسى الحسيني القريمي الحنفي (المتوفى: 1094هـ)، تحقيق: عدنان درويش – محمد المصري، فصل الألف والخاء، (ص: 60)، مؤسسة الرسالة – بيروت.

[10] محمد عبدالرؤوف بن تاج العارفين ابن علي بن زين العابدين الحدادي ثم المناوي القاهري، زين الدين: من كبار العلماء بالدين والفنون، عاش في القاهرة، وتُوفِّيَ بها عام 1031هـ، من كتبه (كنوز الحقائق) في الحديث، و(التيسير) في شرح الجامع الصغير، (فيض القدير)، و(شرح الشمائل للترمذي)؛ [ينظر: الأعلام للزركلي، (6/ 204)].

[11] فيض القدير، المناوي، (1/ 209)، المكتبة التجارية الكبرى – مصر، الطبعة الأولى: 1356هـ.

[12] المعجم الفلسفي، جميل صليبا (المتوفى: 1976 م)، (1/ 47)، الشركة العالمية للكتاب – بيروت، 1414هـ – 1994م.

[13] الكليات، (ص: 61).

[15] المقصود حديث سَعِيدِ بْنِ أَبِي بُرْدَةَ، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ جده: أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بَعَثَ معاذًا وأبا موسى إلى اليمن، قال: ((يَسِّرَا وَلَا تُعَسِّرَا، وَبَشِّرَا وَلَا تُنَفِّرَا، وَتَطَاوَعَا ولا تختلفا))؛ [رواه الإمام البخاري في صحيحه، كتاب: الجهاد والسير، باب: ما يكره من التنازع والاختلاف في الحرب، وعقوبة من عصى إمامه، رقم الحديث: (2873)، (3/ 1104)، تحقيق: د. مصطفى ديب البغا، دار ابن كثير، دار اليمامة – دمشق، الطبعة الخامسة: 1414هـ – 1993م].

[16] نظرية التقعيد الفقهي وأثرها في اختلاف الفقهاء، محمد الروكي، ص (180-189)، منشورات كلية الآداب والعلوم الإنسانية، جامعة محمد الخامس، الرباط، 1414هـ.

[17] الاختلاف في القرآن الكريم دراسة موضوعية، سعاد محمد مطيع خليل، (ص123)، رسالة ماجستير، كلية الدراسات العليا، جامعة النجاح الوطنية في نابلس – فلسطين، 2015.

[18] الكليات لأبي البقاء الكفوي، (ص 60-61).

[19] جامع البيان في تأويل القرآن، أبو جعفر الطبري، محمد بن جرير بن يزيد بن كثير بن غالب الآملي (المتوفى: 310هـ)، تحقيق: أحمد محمد شاكر، (8/ 504)، مؤسسة الرسالة، الطبعة: الأولى، 1420هـ – 2000م.

[20] التحرير والتنوير “تحرير المعنى السديد وتنوير العقل الجديد من تفسير الكتاب المجيد”، الطاهر بن عاشور التونسي، محمد الطاهر بن محمد بن محمد (المتوفى: 1393هـ)، (2/ 79)، الدار التونسية للنشر – تونس، 1984 هـ.

[21] المحرر الوجيز في تفسير الكتاب العزيز، ابن عطية الأندلسي المحاربي، أبو محمد عبدالحق بن غالب بن عبدالرحمن بن تمام (المتوفى: 542هـ)، تحقيق: عبدالسلام عبدالشافي محمد، (2/ 83)، دار الكتب العلمية – بيروت، الطبعة: الأولى – 1422 هـ.

[22] التحرير والتنوير، (21/ 73).





المصدر

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى