أبو الحسين بن الطراوة وأثره في النحو لمحمد إبراهيم البنا
أبو الحسين بن الطراوة وأثره في النحو لمحمد إبراهيم البنا
صدر حديثًا كتاب “أبو الحسين بن الطراوة (438- 528 هـ) وأثره في النحو”، تأليف: أ.د. “محمد إبراهيم البنّا”، نشر: “دار الذخائر للنشر والتوزيع”، و”المكتبة العمرية للنشر والتوزيع”.
وهذا الكتاب يطبع ضمن سلسلة تراث العلامة “محمد إبراهيم البنا”، الأستاذ بكلية اللغة العربية بجامعة الأزهر وعميد كلية الدراسات الإسلامية والعربية بجامعة الأزهر سابقًا – رحمه الله تعالى -، حيث صدرت طبعته الأولى عام 1400 هـ – 1980 م، وهذه الطبعة تمتاز بحسن تنسيقها وتبوبيها وإخراجها بصورة فنية جيدة.
ويهدف هذا البحث إلى التعرف على مكانة “ابن الطراوة” في نحو العربية، ومشاركته في دعم النحو ودرسه في الأندلس، والبحث في كتبه وآرائه النحوية، وانتقاداته، حيث جمع الكاتب متفرقات كتب النحاة مما ورد فيها ذكر عن “ابن الطراوة” كانت أشتاتها قوام هذه الدراسة المستقلة عن “أبي الحسين بن الطراوة”.
وأبو الحسين، سليمان بن محمد بن عبد الله السبائي المالقي المعروف بابن الطراوة (438هـ – 528هـ) ، ولد بمالقة، هو أديب نحوي أندلسي، وتلميذ الأعلم الشنتمري، حيث سمع عليه كتاب سيبويه، كما أخذ عن أبي مروان عبد الملك بن سراج، وروى عن أبي الوليد ابن خلف الباجي. وهو من كتّاب الرسائل، له شعر، وله آراء في النحو تفرّد بها. تجوّل كثيرًا في بلاد الأندلس معلمًا يقبل عليه الطلاب من كل فجّ.
وتتلمذ عليه العديد من النحاة منهم: أبو القاسم عبد الرحمن بنُ عبد الله الخثعمي المالقي، المشهور بالسّهيلي (ت 581 هـ) صاحب “الروض الأنف”، وأبو مروان عبد الملك بن مجير بن محمد البكري المالقي (ت 550 هـ)، وأبو القاسم عبد الرحمن بنُ محمد الرمَّاك الإشبيلي (ت 541 هـ)، وأبو محمد بنُ دُحمان المالقي (485- 575 هـ)، وأبو محمد عبد الله بنُ فائد بن عبد الرحمن العكي (ت 560 هـ)، وأبو العباس أحمد بنُ حسن بن سيد الجُراوي المالقي (ت560 هـ)، وأبو بكر سليمان بنُ سمحون النّصاري القرطبي (ت 564 هـ)، وأبو عبد الله محمّد بنُ عبيد الله الخشني المالقي (ت576 هـ)، هؤلاء وغيرهم جُل تلاميذ ابن الطّراوة، وهم على شاكلةِ شيخِهم علماء باللّغة والنّحو والأدب.
من مصنّفاته في النحو كتاب “ترشيح المقتدي”، و”المقدمات على كتاب سيبويه”؛ و”مقالة في الاسم والمسمَى”، و”الإفصاح ببعض ما جاء من الخطأ في الإيضاح”، و“شرح المشكلات على توالي الأبواب”.
قال عنه ابن سمحون: “ما يجوز على الصراط أعلم بالنحو منه”.
وقد عُرِف بانحيازه إلى آراء النحاة الكوفيين والبغداديّين ضد البصريّين.
و”ابن الطراوة” من أوائل الأندلسيين الذين كتبوا في النحو كتابة متخصصة، تقوم على فقه أسراره وكشف غوامضه، كما أن له العديد من الآراء الشهيرة في قضايا نحوية وصرفية، اعتمد في مناقشته لها على القياس حينًا، والسماع حينًا آخر، بل قل إنه جمع في بعضها بين السماع والقياس، وما يمكن أن نلحظه من خلال هذه الدراسة هو كثرة مخالفاته لجمهور النحاة بشكل عام، ولسيبويه النحوي البصري بشكل خاص، هذا ويعد ابن الطراوة فيما طرحه وناقشه من آراء له في النحو والصرف أنموذجًا يحتذى به في مناقشة مسائل هذا العلم، وبالتالي الوصول إلى أحكام علمية سليمة، يهتدي بها دارسو اللغة العربية، نحوها وصرفها.
وجاء البحث في تمهيد وخمسة فصول على النحو التالي في التعريف بابن الطراوة:
1- عصره وحياته وبيئته.
2- شيوخه وتلاميذه.
3- شخصيته وأدبه.
4- كتبه.
5- آراؤه في النحو.
تناول الكاتب في الفصل الأول “عصر ابن الطراوة وحياته وبيئته” الحياة العلمية والأدبية في عصر ملوك الطوائف، وأبرز علماء العصر، والنشاط اللغوي في الأندلس، ونشاط حركة التأليف، ثم عرج إلى الفقيه الكبير ابن حزم الأندلسي وموقفه من الدراسة اللغوية على عصره، ثم حركة المرابطين في الأندلس، وهجرة شيوخ اللغة والنحو نتيجة الاضطرابات السياسية في تلك الفترة، واستمرار النشاط اللغوي في عصر المرابطين، وبعض الاتجاهات في مدارس اللغة.
ثم بدأ في وضع تعريف بنسب ابن الطراوة، وأسرته، وبيئته، وحياته العلمية والعملية.
ثم بيَّن في الفصل الثاني بعنوان “شيوخ ابن الطراوة وتلاميذه” شيوخه الذين تتلمذ عليهم وكان لهم دور محوري في ملاحظة نبوغه المبكر كالأعلم الشنتمري، وعبد الله بن سراج، وأبو الوليد الباجي.
ثم ذكر تلاميذه الذين تتلمذوا على يديه ومنهم: ابن الرماك، والسهيلي، وآخرون.
ثم وضع مبحثًا في موقف السهيلي من شيخه.
وفي الفصل الثالث تناول “شخصيته وأدبه” فابن الطراوة عالم وشاعر، حيث بين اجتهاده وصفاته الخلقية كحدّة مزاجه، وتلقيبه بالأستاذ ومفهوم هذا اللقب، ثم بين أمثلة من أدبه الإنشائي، ومناقضاته مع الحصري أبي الحسن علي بن عبد الغني، وبين نماذج من رسائله ونثره.
وفي الفصل الرابع تناول الكاتب ما وصل إلينا من كتب ابن الطراوة محللًا إياها ذاكرًا موضوعاتها ومنها:
“المقدمات إلى علم الكتاب وشرح المشكلات على توالي الأبواب” معرفًا بهذا الكتاب، وإيراد نصوص منه، مع بيان موقفه من سيبويه، ذاكرًا أن “المقدمات” هي أهم كتبه.
وكذلك كتاب “ترشيح المقتدي” وهو مختصر “المقدمات” السابق.
وكتاب “رسالة فيما جرى بينه وبين ابن الباذش في مسألة نحوية”؛ هل هي في مسألة استثناء الكثير من القليل؟!
ورسالة “مقالة في الاسم والمسمى”.
أما كتاب “الإفصاح ببعض ما جاء من الخطأ في الإيضاح” فكان اعتماد الباحث على هذا الكتاب في التعريف بابن الطراوة، وبيان موقف ابن الطراوة من “الفارسي” في “إيضاحه”، والجهات التي عنى فيها ابن الطراوة بنقد “الفارسي”، إلى جانب ذكر بعض مشكلات هذه المخطوطة وحلها وتوثيقها.
وفي الفصل الخامس بعنوان “آراؤه في النحو” تناول تعريف ابن الطراوة للنحو، واحتكامه إلى كلام العامة، وتحديده للمصطلحات، وبيان تقسيماته الجديدة، وإعراباته، وآرائه التجديدية في النحو، كقضية العامل والتعريف بها، والمقصد إليه عامل جديد ذهب إليه ابن الطراوة، وبعض أصوله في العمل كـ: الأسماء لا تعمل، والعامل في المصدر المؤكد، وجواز إلغاء كان وظن مع التقدم، وأن اسم المصدر لا يعمل، ورب اسم، وسحر: مبني على الفتح.
وبيان بعض آرائه في التراكيب: كجواز مجئ الحال من النكرة، ووصف المعرفة بالنكرة المختصة، وتوكيد النكرة بألفاظ الإحاطة، وعطف ألفاظ التوكيد بعضها على بعض، ونصب الطريق على الظرفية، وحذف الجارّ إذا تعين، وإضافة الاسم إلى صفته ومراده، وتعريف التمييز، ونصب الجزأين بعد إن وأخواتها.
وبين الكاتب أن ابن الطراوة كان يفضل وصل الضمير مع الفعل الناسخ نحو: كأنه، ويمنع إيقاع نعم موقع بلى، والإضافة إلى أنّ المفتوحة خفيفة أو ثقيلة، ونصب المفعولين متقدمين في باب ظننت، كما أنه يوجب رفع الاسم بعد الاستفهام إذا كان السؤال عن الفعل.
أما في مبحث شواهده وأقيسته:
فيستشهد بالحديث، وبيَّن الكاتب الجانب التاريخي لهذه القضية، كما كان ابن الطراوة كان يستشهد بشعر معاصريه، وتقديمه للمسموعات ودرجها تحت قواعد تخرجها عن الشذوذ.
والمؤلف هو د. محمد إبراهيم البنا، ولد في السادس عشر من ذي الحجة سنه 1351هـ (11 إبريل 1933م) في مدينه المنزلة بمحافظة الدقهلية، وأتم حفظه للقرآن وهو لم يبلغ سن الحاديه عشر، فألحقه والده بمعهد دمياط الديني ثم حصل منه علي الشهادة الابتدائية، ثم التحق بمعهد المنصورة الديني وحصل منه علي الشهادة الثانوية بتفوق، ثم التحق بكلية اللغة العربية (كليه القمة في هذا التوقيت) وفيها درس علي أعلامها ومنهم الشيوخ والأساتذة الأجلاء: محمد محيي الدين عبدالحميد، وعبد المتعال الصعيدي، ومحمد عبدالمنعم خفاجي، وحسن جاد حسن، والشيخ محمد محمد الفحام الذي كان عميدًا للكلية وغيرهم من الأعلام.. وحصل على الإجازة العالمية من كلية اللغة العربية عام 1959، وكان ترتيبه الثاني علي الدفعة، وحصل علي إجازة التدريس عام 1960، ثم حصل علي دبلومة الدراسات العليا عام 1965 وحصل علي درجه الماجستير عام 1967، ثم علي درجة الدكتوراه عام 1971 بدرجه امتياز مع مرتبة الشرف وعنوانها تحقيق كتاب “نتائج الفكر للسهيلي”.
بدأ الدكتور البنا حياته العلمية مدرسًا بالمعهد الديني بأسوان عام 1961- 1962، ثم عين معيدًا في كلية اللغة العربية اعتبارًا من 15/7/1963م بقسم اللغويات العربية وبعد أن حصل علي الدكتوراه عين مدرسًا في 15/9/1971، ثم رقي إلى أستاذ مساعد في 13/11/1976، ثم عمل في جامعه قاريونس بليبيا في الفترة من عام 1973 وحتي 1977، كما عمل أستاذًا زائرًا في جامعة أم درمان بالسودان عام 1980، ثم رقي أستاذًا للغويات في كلية اللغة العربية بالقاهرة في 11/11/1981، وأستاذًا في جامعة أم القري من 1981 وحتي عام 1996، ثم عين عميدًا لكلية الدراسات العربية بسوهاج عام 1997، كما عمل أستاذًا متفرغًا بكلية اللغة العربية بالمنصورة وكليه الدراسات الإسلامية ببورسعيد وكلية القرآن الكريم بطنطا، كما حاضر في معهد المخطوطات العربية التابع لجامعة الدول العربية.
استعانت به “مؤسسة الشعب” في تحقيق بعض الأعمال الخالدة في سلسلة “كتاب الشعب” التي بدأت في الصدور منذ خمسينيات القرن الماضي واختارت بعض كتب التراث التي تهم المسلم في التفسير والحديث والفقه والتاريخ والسيرة فقد كان التحقيق يتم بصوره علمية ويصور كل مخطوطات الكتاب المتواجدة في كافة أرجاء المكتبات في العالم ويختار أكملها ويتم مقابلتها علي عدة نسخ وقد حقق المشروع بغيته وأهدافه ورسالته ومن الكتب التي حققها في كتاب الشعب:
• “أسد الغابة في معرفة الصحابة”، للحافظ عز الدين أبي الحسن علي بن الأثير الجزري.
• و”تفسير القرآن العظيم”، للحافظ عماد الدين أبي الفداء إسماعيل بن عمر بن كثير الدمشقي، الذي طبعه طبعة أخرى عن دار القبلة.
كما حقق أعمالًا أخرى مثل: “السياسة الشرعية في إصلاح الراعي والرعية” لشيخ الإسلام ابن تيمية، و”الرد علي النحاة” لابن مضاء، و”كتاب الخراج” لأبي يوسف، و”أخبار النحويين” للفراء أبي طاهر عبدالواحد بن عمر، و”معلقة عمرو بن كلثوم”، و”المقاصد الشافية في شرح الخلاصة الكافية” قام بتحقيق الأجزاء الثاني والرابع والسابع والثامن والتاسع.
كما أن له مؤلفات أخرى منها: “ابن كيسان- حياته وآثاره وآراؤه”، و”أبو الحسين ابن الطراوة وأثره في النحو”، و”تخريج النص”، و”تحليل الجملة الفعلية”، و”فهرسة التراكيب”.
كما ارتبط بالإمام السهيلي وهو من رواد الأندلس في القرن السادس الهجري وأحد الذين برعوا في غير علم من العلوم الإسلامية وبرز في العربية برزوًا جعله محط الأنظار فشدت إليه الرحال، فاختاره موضوعًا لرسالة الدكتوراه بتحقيق كتابه “نتائج الفكر” التي تم طبعها علي نفقة الجامعة وحقق له أيضًا “الفرائض وشرح آيات الوصية”، و”أمالي السهيلي”، وكان قد بدأ بتحقيق أشهر كتبه علي الإطلاق في السيرة النبوية “الروض الأنف” ولم ينته من مراجعته لظروف مرضه ووفاته كما ألف عنه ” أبو القاسم السهيلي ومذهبه النحوي” وقد نبعت هذه الدراسة أساسًا من تراث السهيلي فقامت علي كتبه وأماليه.
كما كان للدكتور البنا جهود أخرى منها مساهمته ضمن نخبة من أساتذة جامعة أم القرى في “التفسير الميسر للقرآن الكريم” والذي قام بطباعته مجمع الملك فهد للمصحف الشريف وترجماته إلى معظم اللغات الحية ومنها الألبانية واللاهورية والإسبانية والأردية والإنجليزية والأوزبكية والإيطالية والفرنسية والبوسنية والسويدية وغيرها من اللغات… كما كتب في الدوريات والصحف والمجلات مقالات عدة، وقدم سلسلة حلقات في إذاعة القرآن الكريم بعنوان (من بلاغة القرآن) في مكة المكرمة تحدث فيها عن استخدام الألفاظ والمترادفات في القرآن الكريم.