Jannah Theme License is not validated, Go to the theme options page to validate the license, You need a single license for each domain name.
التاريخ الإسلامي

العولمة واللغة


العولمة واللغة

 

إنه لا ينبغي أن نكونَ عولميين أكثرَ من العولميين أنفسهم، فننساقَ وراء مفاهيمَ لم تتضح معالمُها بعد، ونبدي من الحماس للعولمة على أنها المخرجُ إلى التنمية البشرية، على حساب ظروفنا الخاصة، التي تقتضي منا التريُّثَ دون التوقف، والتُّؤَدة دون التعطُّل، والتأمُّل دون الإبطاء[1]، مع الأخذ في الحسبان أن الانخراطَ في تيار العولمة الذي تمثله – الآن – منظمةُ التجارة العالمية، قد ترك هامشًا جيدًا “لاتخاذ التدابير اللازمة لحماية القيم الدينية والأخلاقية، والتراث الثقافي، والصحة البشرية والحيوانية”[2]، وكذا الحفاظ على اللغة، لا سيما اللغة العربية، التي ارتبطت بالدين والقرآن والحديث والتراث العربي الإسلامي، والتي “تُعدُّ من أهم الملامح التي تُكوِّن هُوِيَّة الأمة، وتُميِّزُها عن غيرها من الأمم؛ فاللغة والدين هما العنصران المركزيان لأي ثقافة أو حضارة، كما يؤكد ذلك صموئيل هنتنجتون في كتابه (صدام الحضارات)، ومن هنا فإن أيَّ تحدٍّ لثقافة ما ينطوي على تحدٍّ للغتِها”[3].

 

في هذا الصدد يقول أحدُ المحاضرين عن العولمة: “إن مواجهةَ الإفرازات العقائدية للعولمة الغربية لا تكون بالرفض السلبي، أو بالشكوى والتحذير السطحي، بل بالتعامل الموضوعي والجدِّي معها، والعودة إلى مكنون الفكر والتراث الإسلامي، وإعادته إلى موقع الرِّيادة والمقدِّمة، وطرحه، ليس كبديلٍ معاصر، بل كأصل تغافَل الناس عنه، وانغمسوا في بدائلَ واهنة، لا ترقى إلى مضمونه؛ فإن مواجهة التداعيات المادِّية للعولمة لا تكون – هي الأخرى – ذاتَ جدوى إذا لم تقترن بعمل منهجي لإصلاح هيكل الاقتصاد العربي؛ ليكون شريكًا فاعلًا في رسم معالم العولمة وصانعًا لاستحقاقاتها، وهي معالمُ ما زالت غضَّة تستوعب القادرين على تعديل معالمها وتوجُّهاتها، والقدرة مرحلة متقدِّمة من صراع الإنسان مع قدراته الذاتية والمكتسَبةِ، وهو صراع حضاري لا يمكن التغلُّب عليه بالانكفاء والتخاذل والرفض”[4]، وهذا ما يؤكده كذلك عبدالحي زلوم في كتابه: نذر العولمة[5].

 

سَعَتْ تقاريرُ التنمية البشرية إلى التطرُّق إلى اللغة العربية، وأنها تواجه أزمة ينبغي بذلُ الجهد في تخطِّيها، هذا المنظور الأُمَمِيُّ يُقرأ على أنه جاء مجحفًا في حق اللغة العربية، كما يقول منير شفيق في دراسته التحليلية النقدية لتقريري التنمية الإنسانية العربية لعامي 2002 و2003م[6].

 

على أن التسميةَ الاصطلاحية لهذه التقارير هي التنمية البشرية، وليس الإنسانية، إلا أن مترجمي التقارير جعلوها التنميةَ الإنسانية لحاجةٍ في نفس يعقوب؛ إذ إن المقاييسَ تختلف في التنمية البشرية عنها في التنمية الإنسانية؛ فمقياسُ التنمية البشرية يقوم على ثلاثة مؤشِّرات: متوسط الدخل، والعمر المتوقَّع عند الميلاد، ومستوى التعليم، بينما تناول واضعو التقرير العربي “هذا المقياس وأدخلوا عليه تعديلاتٍ جوهرية، فحذفوا مؤشر متوسط الدخل تمامًا، واحتفظوا بالمؤشرين الآخرين، ولكنهم أضافوا أربعة مؤشرات جديدة:

1- مؤشر الحرية.

2- مؤشر أَسمَوه (تمكين النوع)، ويعكس – على حدِّ تعبيرهم – (مدى توصُّل النساء للقوة في المجتمع).

3- ومؤشر الاتصال بشبكة الإنترنت.

4- ومؤشر تلوث البيئة…”[7].

 

من المؤشرات المُضافة ما يمكن قياسُه كمِّيًّا، ومنها متغيراتٌ انطباعية، كما يقول منير الحمش[8].

 

يذكر منير شفيق أن التقريرَ اعتمد “على معيار لقياس التنمية الإنسانية ولَّده لتوِّه ومن عند نفسه، وهو معيار غير معترَف به علميًّا أو عالميًّا أو منهجيًّا، وما زال تحت التجريب… ولا مبالغةَ إذا استُنتِج – والحالة هذه – أن التقرير صمم معياره خصِّيصى للبلاد العربية؛ ليهبِطَ بها إلى أدنى السُّلَّم، وإلا كيف لا يبرُز الشكُّ من قوله: “معيار مفهوم التنمية الإنسانية يجعل من السابق لأوانه الاحتفاءَ بالإنجازات التنموية العربية كما يوحي مقياس التنمية البشرية”[9]، والذين صاغوا التقريرَ بلغتِه العربية هم من أبناء العروبة، الذين ظهروا في الفضائيات؛ ليسوِّغوا منهجَهم في التدخل في معايير التنمية البشرية بالنسبة للمنطقة العربية، بما في ذلك تغيير العنوان من تقرير التنمية البشرية إلى تقرير التنمية الإنسانية.


[1] انظر: سيار الجميل، العولمة الجديدة والمجال الحيوي للشرق الأوسط: مفاهيم عصر قادم، بيروت: مركز الدراسات الإستراتيجية والبحوث والتوثيق، 1997م، 268 ص.

[2] انظر: أسامة جعفر فقيه، منظمة التجارة العالمية واستحقاقات العضوية، الرياض: المجلَّة العربية، 1420هـ – 1999م، (سلسلة كتيب المجلة العربية؛ 31)، وهذا ما نصت عليه المادة العشرون من نظام المنظمة، انظر كذلك: طلال بن عبدالعزيز (الأمير)، آثار اتفاقيات منظمة التجارة العالمية على الدول العربية ودول مجلس التعاون الخليجي، محاضرة في ندوة نظمها مركز التميز في الإدارة بكلية العلوم الإدارية، جامعة الكويت، (6/ 11/ 2001م)، ص 12.

[3] انظر: أحمد بن محمد الضبيب، اللغة العربية في عصر العولمة، الرياض: مكتبة العبيكان، 1422هـ/ 2001م، ص 13.

[4] انظر: عبدالعزيز إسماعيل داغستاني، العولمة: المبدأ والبعد الاقتصادي، ص 183 – 187، في: خواطر اقتصادية، الرياض: دار الداغستاني، 1423هـ/ 2003م.

[5] انظر: عبدالحي زلوم، نذر العولمة: هل يستطيع العالم أن يقول: لا للرأسمالية المعلوماتية؟ ط 2، بيروت: المؤسسة العربية للدراسات والنشر، 2000م، وانظر بالخصوص: الفصل الثاني والعشرين: المطلوب: بالله لا بالأموال ثقتنا، ص 377 – 387.

[6] انظر “أزمة اللغة العربية” لدى: منير شفيق، تنمية إنسانية أم عولمة؟: دراسة تحليلية نقدية لتقريري التنمية الإنسانية العربية لعامي 2002 و2003م، بيروت: دار الطليعة، 2004م، ص 121 – 131.

[7] انظر فقرة “التنمية الإنسانية العربية” تقرير أم فضيحة؟ لدى: جلال أمين، عصر التشهير بالعرب والمسلمين: نحن والعالم بعد 11 سبتمبر 2001، القاهرة: دار الشروق، 1424هـ/ 2004م، ص 88 – 129.

[8] انظر “أزمة اللغة العربية” لدى: منير شفيق، تنمية إنسانية أم عولمة: دراسة تحليلية نقدية لتقريري التنمية الإنسانية العربية لعامي 2002 و2003م – مرجع سابق – ص 32.

[9] انظر “أزمة اللغة العربية” لدى: منير شفيق، تنمية إنسانية أم عولمة: دراسة تحليلية نقدية لتقريري التنمية الإنسانية العربية لعامي 2002 و2003م – المرجع السابق – ص 27.



المصدر

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى