قواعد تدبر القرآن وتطبيقات على قصار السور
إطلالة على كتاب:
قواعد تدبر القرآن وتطبيقات على قصار السور
تدبر القرآن من الأهمية بمكان، وبين يدينا كتاب يسهل التدبر ويجعله في المتناول؛ وذلك بذكر بعض قواعده وشفعها بالتطبيقات العملية:
اسم الكتاب: قواعد تدبر القرآن وتطبيقات على قصار السور.
المؤلف: د. عقيل بن سالم الشمري.
دار النشر: دار الحضارة للنشر والتوزيع، الطبعة الأولى.
ويقع الكتاب في 117 صفحة وهو جيد الإخراج وملوَّن.
والمؤلف له عناية بالتدبر وله كتب فيه؛ مثل: تدبر سورة الكهف (111صفحة)، تدبر سورة مريم (103صفحة)، تدبر السور التي تقرأ يوم الجمعة (السجدة، الجمعة، المنافقون، الأعلى، الغاشية) وذلك في 138 صفحة.
والآن نبدأ بعرض الكتاب مع التنبيه على أن هذا العرض لا يغني عن الكتاب؛ وإنما دليل عليه وحث على قراءته:
بدأ المؤلف كتابه بمقدمة ذكر فيها بعض مزايا القرآن مع ذكر الشواهد على ذلك، ومن ضمنها أن الله (جعل القرآن ميسرًا فقال: ﴿ وَلَقَدْ يَسَّرْنَا الْقُرْآنَ لِلذِّكْرِ فَهَلْ مِنْ مُدَّكِرٍ ﴾ [القمر: 17] وأول ما يشمله التيسير تيسير تدبره وتفهمه) وأيضًا (أمر عباده سبحانه بالتدبر فقال: ﴿ كِتَابٌ أَنْزَلْنَاهُ إِلَيْكَ مُبَارَكٌ لِيَدَّبَّرُوا آيَاتِهِ ﴾ [ص: 29]).
بعد ذلك ذكر (السؤال الوارد كثيرًا: كيف أتدبر القرآن؟) والكتاب جواب عملي عن هذا السؤال.
قسَّم المؤلف جزاه الله خيرًا كتابه إلى ثلاثة فصول:
1- التدبُّر: مفهومه ومبادئه، 2- قواعد التدبر الأمثل، 3- تطبيقات على قصار المفصل.
في الفصل الأول المعنون بـ (التدبر: مفهومه ومبادئه) ذكر عدة أمور منها:
تعريف التدبر، وأورد عدة تعريفات وفيها أن للتدبر ركنين: نظري يمثل الوقوف مع الآيات والتأمل فيها، ويدخل فيه: التفسير والاستنباط والتفكر والتأمل، والركن الآخر: عملي، ويمثل التفاعل مع الآيات، وقصد الانتفاع والامتثال، ويدخل فيه: الاعتبار والاتعاظ والتذكر.
ومما ذكره في هذا الفصل: فضل التدبر وأهميته، وجاء في سبع نقاط وهي باختصار: الامتثال لأمر الله ﴿ أَفَلَا يَتَدَبَّرُونَ الْقُرْآنَ ﴾ [النساء: 82] جزء من تعلم القرآن (خيرُكم من تعلَّم القرآن وعلَّمَه)، دواء للقلب من أمراضه، طريق للعمل بالقرآن، وطريق لاستخراج العقائد والأحكام، يوقف المتدبِّر على مجامع الخير ومعاقد الشرور، وأخيرًا يعرف العبد على ربه وعلى صراطه المستقيم وعلى عدوه الشيطان الرجيم.
أما عن الأسباب المعينة على التدبُّر فقد ذكر: حضور القلب، فهم معاني الآيات، فالتدبُّر فرع عن فهم المعنى ولا يمكن بدونه، سلامة طريقة التفكير، وتثوير القرآن؛ أي: إثارة الأسئلة التي تُعين على فهم القرآن وتدبره، وأخيرًا التفاعل مع الآيات، فقد كان صلى الله عليه وسلم (إذَا مَرَّ بآيَةٍ فِيهَا تَسْبِيحٌ سَبَّحَ، وإذَا مَرَّ بسُؤَالٍ سَأَلَ، وإذَا مَرَّ بتَعَوُّذٍ تَعَوَّذَ).
بعدها عرَّج المؤلف -وفَّقَه الله- إلى موانع التدبر؛ وهي: الإصرار على الذنب، انشغال القلب وشرود الذهن، ضعف اللغة العربية.
وختم الفصل الأول بمفاهيم خاطئة في التدبُّر؛ كالربط بين التدبر والبكاء، واعتقاد صعوبة التدبر، وربط التدبر بقوة الإيمان، حصر التدبر على الصلاة والقراءة الفردية.
الفصل الثاني: قواعد التدبر الأمثل، حيث جمع المؤلف ثلاثين قاعدة يكثر استعمالها، وأتبع كل قاعدة بتوضيح وشرح مبسط ومثالين.
وهاك نماذج مختصرة من القواعد التي ذكرها جزاه الله خيرًا:
صيغة الفعل المضارع تدل على التكرار والمداومة، الجملة الاسمية تدل على الثبوت والدوام، التعبير عن المستقبل بصيغة الماضي يفيد تحقق الوقوع، عطف الخاص على العام يدل على أهمية الخاص ﴿ حَافِظُوا عَلَى الصَّلَوَاتِ وَالصَّلَاةِ الْوُسْطَى ﴾ [البقرة: 238] زيادة المؤكدات في الآية تدل على عظم المؤكد وأهميته، كل ما أقسم الله به فهو معظم، حذف المعمول –كالمفعول به مثلًا- يفيد العموم ﴿ أَلْهَاكُمُ التَّكَاثُرُ ﴾ [التكاثر: 1]، تذييل الآية بالأسماء الحسنى له ارتباط ولا بُدَّ، التقديم إمَّا يكون لفائدة وغالبًا للاهتمام ﴿ وَفِي السَّمَاءِ رِزْقُكُمْ ﴾ [الذاريات: 22] إذا نفى الله شيئًا عن نفسه فهو إثبات لضده، ابتداء الآية بحرف (إذا) وأسماء الإشارة والاستفهام يفيد التشويق، (ناء) الدالة على الفاعلين و(نحن) تدل على تعظيم الله لنفسه ﴿ إِنَّا نَحْنُ نَزَّلْنَا الذِّكْرَ وَإِنَّا لَهُ لَحَافِظُونَ ﴾ [الحجر: 9] وفي الكتاب بقية القواعد مع شرح وتفصيل وأمثلة لكل قاعدة فينبغي الرجوع إليه.
بعد ذلك انتقل المؤلف إلى الفصل الثالث والأخير وفيه تطبيقات عملية للقواعد المذكورة في الفصل الثاني، وجعل التطبيقات على قصار المفصل (الضحى – الناس) حيث يذكر السورة متبوعة بتفسير لها اعتمادًا على التفسير المُيسَّر، ثم تدبُّرات السورة مع الإشارة للقاعدة التدبرية.
ولنأخذ سورة الكوثر كنموذج للتطبيقات:
﴿ بسم الله الرحمن الرحيم إِنَّا أَعْطَيْنَاكَ الْكَوْثَرَ * فَصَلِّ لِرَبِّكَ وَانْحَرْ * إِنَّ شَانِئَكَ هُوَ الْأَبْتَرُ ﴾ [الكوثر: 1 – 3].
تفسير السورة:
﴿ إِنَّا أَعْطَيْنَاكَ ﴾ أيها النبي الخير الكثير في الدنيا والآخرة، ومن ذلك نهر الكوثر في الجنة، فأخلِص لربك صلاتك كلها، واذبح ذبيحتك له، إن مبغضك هو المنقطع أثره المقطوع من كل خير.
تدبرات السورة:
1) في قوله: ﴿ إِنَّا أَعْطَيْنَاكَ ﴾ تعظيم الله لنفسه وهو أهل للتعظيم.
فمن قواعد التدبر: أن (نا) الدالة على الفاعلين من صيغ التعظيم.
2) يدل قوله: ﴿ أَعْطَيْنَاكَ ﴾ على تحقُّق ذلك العطاء للنبي صلى الله عليه وسلم؛ حيث إنه جاء بصيغة الماضي مع كونه في المستقبل.
فمن قواعد التدبُّر: أن التعبير عن المستقبل بصيغة الماضي يفيد تحقُّق الوقوع.
3) دل قوله: ﴿ فَصَلِّ لِرَبِّكَ وَانْحَرْ ﴾ على شكر النعم بمقابلتها بالطاعات؛ كالصلاة والذبح.
فمن قواعد التدبر: أن الفاء للتعقيب تفيد تفريع ما بعدها على ما قبلها.
4) في قوله: ﴿ لِرَبِّكَ ﴾ حثٌّ على تجريد الإخلاص لله.
فمن قواعد التدبُّر: أن اللام تفيد التخصيص، فالمعنى: فصلِّ قاصدًا مخلصًا لربِّك لا لغيره.
5) قدَّم الأمر بالصلاة على النحر في قوله: ﴿ فَصَلِّ لِرَبِّكَ وَانْحَرْ ﴾ يفيد أن الذبح يوم النحر بعد صلاة العيد.
فمن قواعد التدبُّر: أن التقديم إنما يكون للترتيب أحيانًا.
6) يدل قوله: ﴿ إِنَّ شَانِئَكَ هُوَ الْأَبْتَرُ ﴾ على ذم مبغض النبي صلى الله عليه وسلم وانقطاع الخير عنه من خلال:
• حرف التوكيد (إِنَّ).
• ضمير الشأن (هُوَ) الذي يفيد القصر والتخصيص.
فمن قواعد التدبر: أن حرف (إِنَّ) يفيد التوكيد، وضمير الشأن يفيد القصر.
وبعد الإشارة إلى بعض محتويات الكتاب يأتي ذكر بعض المميزات والاقتراحات.
فمن مميزات الكتاب:
• أنه في جانب عظيم ألا وهو تدبر القرآن الذي يحتاج إليه كل أحد.
• سهل العبارة، حسَن الإخراج.
• حُسن تقسيم الكتاب، فبدأ بتعريف التدبر، وفضله وأهميته، والأسباب المعينة عليه، والموانع الصارفة عنه، ثم ثلاثين قاعدة مع الشرح والأمثلة، ثم تطبيقات على القواعد.
• تقريب التدبر للناس في قواعد مع أمثلة عملية لفهم وتثبيت وتعميم القاعدة على كامل القرآن.
أما عن المقترحات:
• لم يذكر المؤلف تدبرات سورة الفاتحة، مع أهميتها وتكرارها كثيرًا في الصلاة ولو أنه توسَّع فيها لكان أفضل.
• لو أضاف المؤلف تدبُّر سور وآيات يكثر تكرارها على مسامع الناس مثل: سورة الغاشية والأعلى، وآية الكرسي وآخر آيتين من سورة البقرة، لكان أفضل.
• في فصل التطبيقات لو أنه ربط كل قاعدة برقمها لكان أفضل.
• لو أُضِيف فصل رابع وجُعِل للتدريبات العملية مع أجوبتها ليختبر القارئ فهمه للقواعد، لكان أفضل.
• لو أن كتابًا ضمَّ كل قواعد التدبر مع شرحها ثم تطبيقها على جميع سور القرآن بشكل مفصل، بحيث تعين قارئ القرآن على تدبُّر أيِّ آية، ليكتسب بعد ذلك ناصية التدبُّر، ويمكن أن يسمى التفسير التدبُّري، والمؤلف جزاه الله خيرًا أهل لهذا المشروع، فلماذا لا يفيد الأمة بذلك.
• للمؤلف كتب أخرى عن التدبُّر، لكن لم أقف على تدبُّر المفصل، ولو أنه جعل تطبيقات كتابه على كل المفصل أو أفرد له كتابًا مستقلًّا لكان ذلك مفيدًا.
• الكتاب يصلح لأن يكون دورة تدريبية عملية، فالكثير من المحاضن التربوية تهتم بالحفظ والتجويد، وتغفل تعليم الطلاب التدبُّر مع أهميته.
• الكتاب يصلح لأن يكون مادة للمسابقات، فمثلًا تُذكَر القاعدة ويُطلَب من المتسابق الإتيان بأمثلة عليها، أو العكس تذكر الآية والطلب من المتسابق استخراج التدبرات مع الربط بالقواعد.
• لم أجد الكتاب مع أهميته ضمن موقع الشاملة، فوجود الكتاب ضمن المكتبة الشاملة يسهل الوصول إليه والاقتباس منه وغيرها من الأمور التي توفرها المكتبة الشاملة.
• أيضًا لو سجل الكتاب صوتيًّا، فقد انتشرت هذه الأيام الكتب الصوتية.
وإلى اللقاء في إطلالة جديدة على كتاب آخر بإذن الله العلي القدير، وصلى الله على نبينا محمد وعلى آله وصحبه وسلم.