الشيخ الدمشقي هيثم إدلبي وجهوده الإصلاحية في دير عطية
الشيخ الدمشقي هيثم إدلبي
وجهوده الإصلاحية في دير عطية
قضى الله قضاءه الحقَّ بوفاة الأخ الفاضل الشيخ هيثم بن محمود إدلبي، مساء يوم الاثنين 24 من شهر ربيع الأوَّل 1445هـ الموافق 9/ 10/ 2023م. وإني أقول شهادةً لله: إنه أدَّى الأمانةَ وأخلص في الدعوة، وكان مثلًا رائعًا في تربية الأجيال.
عرفتُ الشيخ هيثم وهو طالبٌ في السنة الثانية بكلِّية الشريعة بجامعة دمشق، وكنت أستاذَه فيها، وحين جدَّدنا مدرسةَ الشيخ عبد القادر القصَّاب الشرعية رحمه الله، في مدينتي دَيْر عَطِيَّة، بالتعاون مع شقيقي الشيخ الدكتور وهبة الزُّحَيلي، والأخ أبي عبد المجيد محمد رضا التجار، وأبي الحسن الحِمصي، عام 1972م، وقع الاختيارُ عليه لإدارتها والقيام على الدعوة والتعليم فيها.
كانت أحوالُ المدينة سيئةً جدًّا يومئذٍ وخاصة للشباب؛ إذ الأفكارُ المنحرفة والباطلة والعَلمانية منتشرةً، وتسيطر سيطرةً شبه تامَّة، والمدينةُ تكاد تكون خاويةً من الدعوة والدعاة، وأردنا اختيارَ مدير للمدرسة، وبعد الاستشارة والرجوع إلى علماء دمشق، ولا سيَّما الشيخ المربي عبد الكريم الرفاعي، رشَّحوا لنا الشيخَ هيثم إدلبي، وكان في ريعان الشباب في الحادية والعشرين من عمره، فجاء إلى دير عطية وسكنَ فيها، ووَفَّرنا له سكنًا قريبًا من مدرسة الشيخ القصَّاب.
كان عملُ الشيخ هيثم التدريسَ في المدرسة من بعد العصر إلى العشاء، وتركنا له الحرِّية المطلقة في التعليم والتوجيه بالأسلوب الذي يراه، ونجح نجاحًا كبيرًا في اجتذاب طلَّاب المدارس من أدنى المراحل مرحلة الروضة إلى أعلاها مرحلة الجامعة، لينضمُّوا إلى حلَقات المدرسة الشرعية، بل إنه جذبَ المسؤولين في المدينة وصاروا يحضُرون دروسَه وتوجيهاته؛ بما امتاز به من حكمة كبيرة، وحُسن تأثير في الناس؛ بالابتسامة والنكتة والأسلوب الجميل.
حتى الأولادُ أثَّر فيهم بأسلوبه اللطيف، وكان يسألهم أن يُحضِروا آباءهم وأهاليهم إلى الدروس؛ فاهتدى بعضُ الآباء بسبب التزام أولادهم، والأمثلةُ على ذلك كثيرة. وكان أخي الدكتور وهبة معجبًا به وبأسلوبه.
واستمرَّ الشيخ هيثم في عمله هذا بهمَّة عالية قرابةَ عشر سنين؛ علَّم الشبابَ القرآن والفقه، وأعاد حِفظَ القرآن كاملًا إلى المدينة بعد انقطاع، وكان أولَ من حفظ الأستاذُ محمود الرفاعي الذي لا يزال يقوم على الدعوة والخَطابة وتحفيظ القرآن إلى يومنا.
ومع انقطاعه للدعوة في دير عطية كان حريصًا جدًّا على برِّ والدَيه، وكان أبوه مريضًا فيذهب أسبوعيًّا لزيارته في دمشق، وكان هذا السببَ الرئيس لقراره تركَ العمل في مدرسة الشيخ القصَّاب، والرجوعَ إلى دمشق والاستقرار فيها.
وفي دمشق كان له نشاطٌ دعوي كبير، وتولَّى أعمالًا علمية وتربوية بارزة، في المدارس والمعاهد الشرعية، ومعاهد تحفيظ القرآن، وأشرف على معهد الفرقان، وكان خطيبًا في جامع الأشمر قربَ بيت والدَيه، ثم صار خطيبًا في جامع زيد بن ثابت وهو من أهمِّ مراكز الدعوة بدمشق.
أقول هذا الكلام وفاءً له وتقديرًا لجهوده، وقد كنت أحترمه وأقدِّره، وهو طالبٌ من طلَّابي في الجامعة. وله الفضلُ في دير عطية أكثر مني ومن شقيقي الدكتور وهبة الزحيلي؛ فقد كنَّا نزور بلدتنا يومًا واحدًا في الشهر وفي بعض المناسبات، أما هو فيقيم فيها ليلًا ونهارًا، وترك أثرًا واضحًا وصنع نهضةً دينية بعد ثلاثين عامًا من وفاة الشيخ عبد القادر القصَّاب (ت 1941م).
وأعاد جيلَ الشباب إلى الإسلام والالتزام، وخرَّج الكثيرَ من الأطبَّاء والمهندسين والمعلِّمين والمثقَّفين، وكان يُحسن التعاونَ مع المسؤولين فلا يصطدم بالجهات الرسمية، ولذلك تولَّى تلك المناصبَ الكبيرة في دمشق.
رحمه الله وجزاه خيرًا، وبارك في أولاده، وعوَّض الأمَّة خيرًا كثيرًا.
ولا نقول إلا ما يُرضي ربَّنا: إنا لله وإنا إليه راجعون. وهنيئًا له أن أدَّى أمانةَ الدعوة في المدارس والمساجد وفي وِزارة الأوقاف، جمعَنا الله به تحت لواء سيِّدنا محمد، صلَّى الله عليه وعلى آله وصحبه أجمعين.
الداعية المربي الفاضل الشيخ هيثم إدلبي
(1370- 1445هـ/ 1951- 2023م)
رحمه الله تعالى